وفي اللحظة التي همّت فيها بمدّ يدها نحو جيب بنطاله لتفتشه، جاءها صوت خافت مبحوح.
“……بردٌ شديد.”
“متى استيقظت؟”
سألت سيلا متظاهرة بالهدوء، ففتح كاليكس عينيه نصف فتحة، ثم عاد وأغمضهما كما لو أنه ما يزال في غمرة النوم.
“استيقظت حين نزعتِ الغطاء.”
“أعتذر. لكنّي خشيت أن يضرّك الغطاء الكثيف مع الحمى، فأردتُ أن أنزله قليلًا فحسب. عُد إلى النوم بسرعة.”
“وهل ستبقين هذه المرة أيضًا؟”
“نعم.”
فلما جاءها الجواب، أرخى جفنيه في طمأنينة، وغدا تنفّسه هادئًا مطردًا.
‘هاه…’
زفرت سيلا الصعداء وهي تضع يدها على صدرها. لحسن الحظ أنّها لم تمد يدها بعد.
‘الآن لا بأس.’
حرّكت يدها أمام وجهه فلم تهتزّ حتى رموشه. همّت أن تضغط على موضع الجيب دون رفع اللحاف، لكنّ وقع خطوات اقترب، وإذا بصوت خادم يرنّ.
“سموك .”
كان يحمل صحنًا فيه حساءٌ رقيق يصلح للمريض، ومعه قليل من الطعام الخفيف للضيف. وحين أبصر سيده غارقًا في نومٍ عميق، اتّسعت عيناه دهشة.
“ما الأمر؟”
خشيت سيلا أن يكون قد لاحظ عبثها بالمكان، فكتمت خفقان صدرها وسألته ببرود. غير أنّ الخادم ابتسم بودّ.
“سموه لم ينعم بنومٍ هادئ منذ أيام، وقد بدا لي أنّه غارق اليوم في سبات عميق، فأدهشني المنظر.”
“حقًّا؟ لكنه استيقظ منذ قليل.”
“إذن هو أعجب وأندر. فمنذ طفولته، كان إن استيقظ لا يعود إلى النوم أبدًا.”
رمقت سيلا كاليكس بطرف عينها.
“انستي هل ستغادرين الآن؟”
ظنّ أنها تنهض للانصراف إذ صادف دخوله.
“……نعم. ما دام قد نام، فلأعد أدراجي.”
“فهمت. شكرًا لكم على البقاء بجانب سموه.”
وما إن فرغ الخادم من كلامه، خرجت سيلا من الغرفة.
‘يمكنني أن أعود بعد مغادرته لأتفقّد… لكن…’
كلام الخادم أثقل خاطرها، فعدلت عن فكرة البحث عن القلادة تلك الليلة. ثم إنّ مجيئها إلى قصر الدوق لم يكن لهذا السبب أصلًا، فلا يليق أن تهدر الوقت.
ركبت عربتها، وبدّلت في زيّ خادمة كانت قد أعدّته سرًّا، وارتدت شعرًا مستعارًا، وأخذت بيدها مكنسة، ثم أمرت السائق أن ينتظرها على مقربة، وعادت إلى القصر بخطًى حذرة.
‘في الرواية الأصلية، كُشف أمر دينيس بفضل تعقّب ليليا له، حيث أبلغت السلطات عن تورطه مع عصابة الاتجار بالبشر.’
حين داهمت الإمبراطورية وكر العصابة، وُجد الدليل القاطع على أنّ دينيس هو زعيمهم. يومها توسّل إلى كاليكس بذكر صلة الدم، غير أنّ الأخير لم يبادله إلا بنظرة جليدية كالصخر.
[لماذا لم تقنعك مكانتك تلك؟]
قالها بصوت حادّ قادر على شطر جروف الشمال الجليدية، ثم ألقى بين قدميه رزمًا من الوثائق.
‘كانت تلك الأدلة على جرائمه، التي لطالما أخفاها.’
إذ بينما كان كاليكس يفتش غرفته، عثر على المستندات التي حاول بها دينيس أن يورّطه. ومن هنا جاءت خطّة سيلا بلبس زيّ خادمة والشعر مستعار، كي تبحث هي أيضًا عن تلك الأدلة في غياب صاحب الغرفة.
كانت غرفة دينيس تقع بعيدًا عن غرفة كاليكس.
‘في آخر رواق الطابق الثالث…’
في عهد الدوق السابق، حين كان الوريث فقط، نفته زوجته إلى غرفة نائية لأنه كان ابنًا غير شرعي، وقد أبى أن يتركها حتى بعدما أصبح الدوق سيدًا على البيت وعرض عليه غرفة أوسع. ومن يومها ظلّت غرفته على حالها، يقطن فيها متظاهرًا بالولاء لمنزل شقيقه، فيما يطعن كاليكس خفية من الخلف.
‘لو لم يكن كاليكس موجودًا، لآلت إليه الدوقية طبيعيًا. لذلك غذّت الغيرةُ والطمعُ ناره في الخفاء.’
حين بلغت سيلا باب غرفته، تطلّعت حولها مليًّا، ثم دخلت وأغلقت الباب. تقدّمت إلى زاوية بين رفٍّ وخزانة، ومدّت يدها تحت الأرضية، فشعرت بجسمٍ صلب.
‘وجدته.’
جذبت بلا تردّد، فصدر صوت خافت، وظهر فراغ مستطيل في الأرض. مدّت يدها داخله وسحبت صندوقًا صغيرًا يحوي وثائق وأدلة دامغة. كان دينيس قد خشي حملها معه خارج القصر، فأخفاها هنا.
ولمّا رفعت الأوراق، برز أسفلها نقش سحري بلغة قديمة.
‘لا عجب أنّ السحر وطاقة الكي لا يعملان هنا…’
في الرواية الأصلية، فكّ كاليكس ورون النقش معًا، وتبيّن أنه يحجب الطاقة والسحر. وأما دينيس، فلم يكن يدرك كنهه تمامًا، لكنه خبر أثره وهو يقطن الغرفة.
‘حان وقت الانصراف.’
جمعت سيلا الأدلة وأعادت المكان كما كان، وهمّت بالخروج. لكن قبل أن تدير المقبض، فُتح الباب من تلقاء نفسه. كان دينيس قد عاد، وعلى وجهه امتعاض صارخ.
“قلتُ إن لا أحد يدخل هذه الغرفة.”
“أخطأتُ الغرفة، أرجو المعذرة.”
خفضت رأسها وصوتها محاولة الإفلات، غير أنه أغلق الباب وسدّ عليها الطريق.
“قفِي مكانك.”
زمجر وهو يقبض على ذقنها حتى تأوّهت. ثم ابتسم ابتسامة ملتوية.
“ها قد صارت انسات القوم يخدمن كخادمات؟”
“لا أفهم قصدك….”
“تظاهرك لن يجدي. منذ الصغر كنتُ لا أنسى ملامح من رأيتهم مرة.”
ودفعها حتى سقطت جالسة، ثم أوصد الباب بإحكام.
“حسنًا أنّي سمعت خبرك من الماركيز أرسيل في الحفل. لولا ذلك، لضاعت مني هدية ساقها القدر.”
أخرج سيفه من غمده، فوثبت سيلا واقفة.
“لا أعلم لما جئتِ متنكرة، لكنك اختصرتِ عليّ الطريق.”
تقدّم بخطوات بطيئة ثقيلة، فتراجعت.
“أتنوي قتلي؟”
“للأسف لا أستطيع. سأكتفي بخطّ ندبة على وجهك ثم ألقي بك بعيدًا.”
‘للأسف؟ كأنّه ينفّذ رغبة غيره…’
ضيّقت عيناها، وحدّقت فيه مرتابة.
‘ألعلّها…؟’
قالت بصوت متماسك وهي تتراجع.
“الخادمة التي أعارتني الثوب تنتظر بالخارج. إن لم أخرج، ستخبر كاليكس أين ذهبت. أتظنّ أنّه سيسكت؟”
“حتى وإن لم ترضخي، فذلك لا يغيّر شيئًا.”
لم يردعه تهديدها، بل واصل تقدّمه.
‘إذن هو واقع تحت سحرٍ أو وهم…’
ازدادت قناعتها، لكن تذكّرت فجأة رسالة وصفت حبّه لليليا. دون أن تشعر، نطقت شفتيها.
“ألأجل ليليا تفعل هذا؟”
“وما أدراك؟”
“إنك تحبها.”
فتوقف لأول مرة، وعيناه متسعتان.
“أكان ذلك ظاهرًا إلى هذا الحد؟”
احمرّ وجهه خجلًا، وتبسّم بخفة.
“أجل، سأفعل أي شيء من أجل ليليا.”
أشرق طيفها في مخيلته. شَعرها الذهبي البهيّ، وعيناها الصافيتان كسماء صافية، وابتسامتها العذبة. وتردّد في أذنه صوتها الرقيق.
[إن كنت تطلب الغفران…]
[فضحي بنفسك من أجلي.]
خفق قلبه بعنف، وارتسمت على محيّاه ابتسامة هائمة.
“ولو طلبت مني أن أموت، لفعلت.”
شهقت سيلا، وأخرجت أداة سحرية صغيرة تدافع بها عن نفسها.
“لا جدوى. في هذه الغرفة لا يعمل فيها السحر ولا كي.”
شدّت أصابعها على أداتها صامتة، فيما عينيه الحمراوان الكدرتان تتأملانها ساخرًا.
“عجبًا… كيف يعجز ابن أخي عن حماية محبوبته وهي تحت سقف منزله. إنه طفل مدلّل لا غير.”
ضحك باستهزاء وهو يتقدّم، وسيلا تتراجع حتى مست ظهرها الستارة. شعرت ببرودة الزجاج خلف القماش، ففتحت النافذة دفعة واحدة، والتفّت بها الستارة بفعل الهواء.
“أتنوين القفز؟”
“لا. إنما لديّ كلمة أخيرة.”
مدّت ذراعها وفي قبضتها العصا إلى خارج النافذة، فانطلقت منها صاعقة زرقاء هادرة.
“فالخارج لا يعدّ جزءًا من الغرفة… أيها العاجز الحقود!”
واندفع البرق الهادر صوب دينيس بقوة عاتية.
—يتبع.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة. شاد.
~~~~~~
End of the chapter
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 93"