كان من الطبيعي أن تغدو السيدة أرسيل موضوعًا لحديث الناس زمنًا ليس بالقصير. فمنذ البدء، أُقيمت حفلة الشاي بنيّة دعوة الفتيات العاجزات عن كتمان الأسرار، ليُطلقن الشائعات الخبيثة.
‘غير أنّ بطلة تلك الشائعات ستتبدّل، على خلاف ما خُطّط له.’
وبينما كانت سيلا تتأمل الرجل المرتجف الذي يتوسّلها ألا تُخبر الماركيز أرسيل، رفعت بصرها نحو الفتيات اللاتي كنّ خلف ليليا، وهنّ يتهامسن فيما بينهنّ. فجأة استقرّ نظرها على عقد الماس الأزرق الذي تتحلّى به إحدى الفتيات الواقفات في طرف رؤيتها.
‘تلك الشابّة هي… الانسة فيوليت إدسون.’
لم يكن ثمّة شك، إذ كانت ترتدي بكل فخر العقد الفريد الذي نحته أحد الأساتذة منذ مئتي عام.
‘قالت إنّه هدية من شاب نبيل له خطيبة بالفعل.’
لقد ظهرت في الرواية كشخصية أُمسكت بخيانة، إذ ضبطتها ليليا على علاقة مع شاب نبيل مخطوب. توسّلت إليها أن تحفظ سرّها، فوهبتها عقد الماس الأزرق.
لم تستطع ليليا أن تغضّ الطرف عن توسّلها، لكنها قبلت على شرط. “إن أنهيت علاقتك بذلك الشاب، فلن أبوح لأحد”.
فآثرت الصمت.
بعدها، غدت فيوليت تلعب دور الحامية، تتقدّم في كل موطن خطر يصيب ليليا، حتى كُشف أمرها مع ذلك النبيل.
‘حامية؟ إن كانت ليليا التي أعرفها، لكانت قد استغلت الحقيقة للتحكم بتلك الفتاة والتلاعب بها.’
ابتسمت سيلا ساخرًة من الفارق بين الصورة المزيّنة في الرواية، والحقيقة الباردة أمامها.
‘مهلًا…’
وفجأة، أبرق خاطر في ذهنها.
‘ليليا، الانسة فيوليت، والعقد الأزرق…’
شهقت سيلا خافتة، وعيناها تتنقلان بين ليليا وفيوليت، قبل أن تمسح ببصرها بقيّة الفتيات.
‘قطع علاقة ليليا بالفتيات… هل ذلك ممكن؟’
بلى، بل ممكن تمامًا.
تألّق بريق من الحماس في عيني سيلا الزرقاوين.
لم تعبأ بمشهد ليليا وهي تحاول إنقاذ الموقف، ولا بالفتيات المنسحبـات، ولا بالرجل الذي جرّه الخدم إلى الخارج. كانت كأنها في عالم آخر، تقف هادئة، ترسم خطتها البطيئة لإسقاط ليليا.
ومع انصرام الوقت، دوّى صوت الريح الباردة خلف النافذة.
طَرق، طَرق.
صحَت سيلا من شرودها على ارتطام الأغصان بالزجاج.
هل حقًّا تأخّر الوقت إلى هذا الحدّ؟
“تيتي، لا أظنّ أنّنا سنخرج الليلة.”
كان تيتي قد اعتاد الخروج ليلًا في الآونة الأخيرة، لكن في هذا الجوّ الكئيب الماطر، أملت سيلا أن يظلّ ساكنًا بجوارها.
نطقت كلامها بمزيج من الجدّ والمزاح، ثم التقت عيناها بعينيه.
“……”
“……”
نظرات حزينة وذيل متدلٍ.
“آه، هذا بسبب ما حدث آنفًا، أليس كذلك؟”
ذلك القط الحبيب، الذي لو وضعتْه في عينها ما آذاها، يُبدي قلقه لا بالقول بل بالفعل.
‘يا له من بديع.’
وفي تلك اللحظة، خطرت ببالها صورة رجل نظر إليها بذلك الصفاء.
هزّت رأسها، وصفعت خدّها برفق.
“حين خرج تيتي يتمشّى، كنت أتحدث مع سارا، لذا لم تسمع، لكنني كنت أعلم مسبقًا أنّ هذا سيحدث.”
كانت سيلا تُخاطب تيتي كأنها تُبرّر، قائلة إنها كانت تعلم وتحمّلت المخاطرة، فلا داعي للقلق.
وبحنوّ مدّت إصبعها تحكّ أنفه الصغير. مال برأسه إليها، وأطلق “نيانغ” خافتة، ثم دفن وجهه في يدها.
ابتسمت وهي تربّت على ظهره، يُجاوبها بصوت خافت يشبه الوتر المطمئن.
‘ينبغي أن أجعل ليليا تشهد بعينيها خيانة الانسة فيوليت مع السيد المخطوب سلفًا.’
لكن لتعرف ليليا سرّها، لا بدّ من اصطحابها إلى مكان لقاءاتهما السريّة.
‘أول ما ينبغي أن أفعله… أن ألتقي بليليا.’
وبينما كانت تشرع بالقيام، إذ بالخطوات تقترب –
“أختي، لقد ارتعبتِ حقًّا في وقت سابق، أليس كذلك؟”
كانت ليليا لم تطرق الباب، بل وقفت قربها تشاهدها.
“ليس بقدرك أنت. هل أبقيت فمك مُطبقًا؟”
“همم، ممم”
“حسنٌ إذن، هذا يبعث على الارتياح. إذ بما أنكِ جئتِ ومعكِ الفتيات الصغيرات وسرّ والدتكِ، فسيكون الأمر بالغ الخطورة إن انتشر داخل المجتمع الراقي.”
أولئك الفتيات أصلًا من اللواتي لا يملكن كتمانًا.
أمالت سيلا رأسها وهي تُحدّق في وجه ليليا المتردد.
“……جئتُ لأنني قلقت عليك، فإذا بي أنا من تُقلقينه. شكرًا لك.”
“لم أقلق عليكِ، بل قلقت على أمّي. كفّي عن التظاهر بالشفقة عليّ. فنحن وحدنا الآن.”
بدا على ليليا التأثر بحدّة القول، وانهمرت دموعها.
“……صحيح أنّ علاقتنا لم تعد كما كانت، لكنني لا أزال أُحبّك حقًّا.”
يبدو أنّها لا تُريد التوقف عن لعب دور ‘الطيبة’.
أغمضت سيلا عينيها نصف إغماضة.
“ووالدانا يريدان أن نتوافق كما كنا. لا أريد أن أزيد همومهما.”
كانت تتصنّع أنّها وحدها الغاضبة من ليليا، فيما في الحقيقة كانت تعلم أنّ ليليا تستخدم الأمر لابتزازها.
‘هذا مناسب لي.’
لم تكن تنوي أن تمنحها مرادها، لكن الأمر يُخفّف من أعبائها بطريقة أخرى.
“إن أردتِ مصالحتـي، فالأجدر أن تعتذري أولًا عن خيانتك مع السيد الشاب، وعن قولك إنّ كاليكس ما زال لكِ.”
“……”
زمّت ليليا شفتيها بشدّة، وكأنها لن تعتذر أبدًا.
“لا تُريدين؟ إذن لا مصالحة. لكنني لا أرغب في أن أُحزن والدينا، فلنجرّب شيئًا آخر.”
“وكيف ذلك؟”
“ثمّة مقهى لطالما رغبتُ بزيارته، وإن خرجنا في رحلة قصيرة، أنا وأنت فقط، فسيطمئن والدانا. أليس كذلك؟”
رمشت ليليا مرتين، ثم أومأت.
“إن كان سيُطمئن والدينا، فلا بأس عندي.”
وهكذا، وُقّعت الاتفاقيّة بينهما، يُخفي كلتاهما ما تُضمره.
***
كان الماركيز أرسيل يزداد حنقًا وهو يغرز سكّينه في قطعة اللحم بعنف، يسحقها سحقًا. وعلى الرغم من سعيه للمحافظة على رصانة النبلاء، فإنّ غضبه الجامح قد غلبه، فساءت تصرّفاته.
“هاه.”
ألقى بالسكين وتنهد طويلًا.
لم يمضِ وقت بعيد، والبلاد تضجّ بالاضطراب. لقد تجرّأ أحدهم على صقل حجر المضيء، ما لم يستطع أحد غيره إنجازه. وهو ما يعني أنّ الحجر المضيء قد يغدو بديلًا عن الحجر السحري.
غير أنّ المشكلة أنّ الأسرة التي تملكت حقوق توزيع الحجر المصقول هي عائلة بلانشيت.
صحيح أنّ الأحجار السحرية ما زالت تُباع، لكن الاستعداد لنفادها جعل كثيرين يتهافتون على الحجر المضيء الذي توزعه بلانشيت. بل وصل الأمر ببعضهم إلى إرسال الهدايا أو السعي لزيارتهم.
لكن، بسبب النزاع بينهم وبين سيلا، تدهورت علاقة الماركيز مع عائلة بلانشيت، ولم يعد قادرًا على شراء الحجر المضيء.
تذكّر كيف أرسل خادمه متذللًا، ليُطرد شر طردة، فشرب نبيذه بغيظ.
‘لو علمت أنّ الأمر سينتهي هكذا، ما فعلت ذلك!’
حتى بعد أن تجرع الكأس، ظل صدره يتقد.
عرض أموالًا طائلة على الحرفيين الذين يصقلون الحجر، غير أنّ كبرياءهم كبرياء بلانشيت منعهم من إفشاء سرّ الصناعة.
فلم يبقَ أمامه سوى أن يستهدف من اشترى معظم مناجم الحجر المضيء في الإمبراطورية، ويوزّعها عبر عائلة بلانشيت. والمشكلة أنّه لا يُعرف عنه شيء سوى اسم ‘سيل’.
“أبي، هل ثمة ما يزعجك؟”
“لا شيء.”
طيف ذلك الاسم الغامض مرّ بخاطره، فذكّره بعيني سيلا وهي تنظر إليه بقلق.
‘هاه. لا بدّ أنّ الأسماء متشابهة فحسب. فلو كانت تعرف سرّ الصقل، لأخبرتني قبل الجميع. فضلًا عن أنّهم أسرة تلك النبيلة التي كادت تقتلها، فكيف تعقد صفقة معهم؟’
أنزل الكأس وأكمل طعامه على مضض، ولم يتناول نصف ما اعتاد أكله.
“سأنصرف الآن.”
“حسنًا، فهمت.”
خرج الماركيز متثاقلاً. وضعت سيلا أدوات الطعام، ومسحت ملامح القلق الزائف عن وجهها.
‘عليّ أن أزور قصر بلانشيت قريبًا.’
إن استمرّ في شدّ الحبل على هذا النحو، فماذا سيكون المصير؟ قد يذوب منصبه قريبًا.
مسحت فمها بسخرية.
***
في اليوم التالي، غيّرت سيلا ثيابها وجلست مع ليليا في مقهى هادئ عند أطراف العاصمة.
“أهذا هو المقهى الذي رغبتِ في زيارته؟”
“نعم. سمعت أنّ منظره جميل، وكنت فضوليّة. لم يستطع كاليكس مرافقتي لانشغاله، فسرّني أن آتي معكِ.”
رفعت فنجانها وردّت بهدوء. كان المكان بعيدًا عن المركز، داخله غير جذّاب، فلا يرتاده من النبلاء إلا القليل.
‘أرى ثنائيان من رجال ونساء.’
على الأغلب، علاقات محرّمة يخفونها عن الأعين.
‘قالت الانسة فيوليت إنّها لاقت أحدهم في حديقة قريبة.’
“كما ذكرتِ، المنظر من هنا ليس سيئًا. وأظنّ أنّ هناك حديقة أيضًا.”
“أجل.”
“أظنّ أنّ فطائر البيض هنا لذيذة جدًّا.”
“ومن أوصاني بالمكان قال ذلك أيضًا.”
‘لمَ تصرّ على افتعال الود وفتح الأحاديث؟’
أجابت سيلا بإيجاز، وهي تُلقي نظرة على عيني ليليا البريئتين قبل أن ترفع فنجانها.
ساد الصمت طويلًا بينهما. وضعت ليليا فنجانها، وقد أوشك على النفاد، ثم لم تحتمل الصمت أكثر.
“آه! في الحفلة التنكّرية، اختفيتِ فجأة. ماذا كنتِ تفعلين؟”
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 77"