“كان بوسعهم أن يُنزِلوا بك عقوبة أشدّ من حبسٍ لشهرٍ واحد، غير أنّي أظهرتُ لك تساهلًا. فالأَولى بك أن تشكري ذلك، بل أن تفعليه وأنتِ راكعة على الأرض.”
مرّرت سيلا أصابعها على أطراف شفتيها وأطلقت ضحكة استهزاء، فيما كانت حمرة الغضب تتصاعد في وجه كانا مع كلّ كلمة تسمعها.
“اركعي. الآن.”
“أنتِ… أنتِ ايتها الحقيرة الوقحة!”
انفجرت كانا غضبًا وأندفعت نحو سيلا، لكن رون، الذي كان يراقب بصمت، تقدّم سريعًا ليعترض طريقها.
“آنسة بلانشيت، أرجو أن تهدئي!”
‘لِمَ تُثير السيّدة المستقبليّة غضب بلانشيت بهذا الشكل؟’
بدت الهالات تحت عيني رون وكأنها تنحدر إلى ذقنه في لحظة. كان يثق أنّ للسيدة المستقبلية أسبابها، غير أنّ رؤية عيني كانا المحمرّتين ورجفة الغيظ في جسدها جعلته يتساءل إن كان هذا النهج صائبًا.
وبينما كان رون يُمسك بمعصم كانا متوتّرًا، نطقت سيلا ببرود.
“رون، لقد حان الوقت.”
“الوقت… تعنين؟”
فهم رون ما قصدته، فسارع إلى استدعاء سحره ليتحقّق إن كان قد أُلقيت تعاويذ على الآنسة كانا.
“ماذا تفعلان بحق السماء؟!”
ما لبث أن جذب الضجيج فرسان أسرة بلانشيت، فاقتحموا المكان. ومع تقييد كانا، غادرت سيلا المعسكر بهدوء.
وسرعان ما حضر بعض من أفراد الأسرة لتهدئة الفوضى. ولم يأتِ الكونت وزوجته، بل حضر الابن الأكبر للأسرة ليودّع سيلا.
“أعتذر بالنيابة عن كانا. هذا أمرٌ مُخزٍ حقًّا.”
أحنَى رأسه.
لم تكن عادة أخته هكذا. كاد يقولها، لكنه كتمها وعَضَّ على فكّه.
صحيح أنّ كانا اعتادت الكلام القاسي، غير أنّ قلبها كان الأرقّ بين من يعرفهم. ولم يكن بينهما أسرار تُذكر، ومع ذلك لم يسمع يومًا أنّ لها ميلًا نحو دوق إيكاروس.
ومع هذا، كانت هي نفسها من اعترفت بذلك. راحت الكلمات المكبوتة تدور داخله حتى ارتجفت قبضتاه.
“لستَ مضطرًّا للاعتذار لي عن فعل الآنسة كانا.”
إذ كنتُ أنا من أثرتها عمدًا. ابتلعت سيلا هذا الخاطر، وأخذت تعبث بأطراف شعرها.
“لديّ طلب.”
“وما هو؟”
“ستطلب الآنسة كانا مقابلتي بعد أيّام. وعندما يحدث ذلك، أرجو ألّا تمنعوها من أن تُرسل لي رسالة.”
جعل اليقين الراسخ في صوتها ابنَ بلانشيت يرفع رأسه لا إراديًّا، فالتقت عيناه بزرقتها الثابتة الخالية من أدنى شكّ.
“إذن أعهد إليك بهذا الأمر. إلى لقاء آخر.”
أمام ملامحه التي تساءلت صامتة. “كيف تكونين على هذا اليقين؟” لم تُضِف سيلا كلمة أخرى، بل أدارت ظهرها ورحلت، ولحق بها رون بعيدًا عن معسكر عائلة بلانشيت.
وحين ابتعدا إلى موضع خالٍ من الأنظار، توقّفت سيلا.
“سير رون، هل وجدتَ أثرًا للسحر على الآنسة بلانشيت؟”
عدّل رون نظّارته وتردّد قليلًا قبل أن يُجيب.
“نعم.”
كلمة قصيرة أفلتت من شفتيه.
“كان ضعيفًا للغاية، حتى إنّي أوشكتُ أن أغفله، لكنّه كان أثر طاقة مقلقة.”
رغم أنّه تأكّد بنفسه، ظلّ يجد صعوبة في التصديق.
تذكّر كيف استخدم تعويذة وَهمٍ ليتظاهر بأنّه قطّ جريح في الكهف حين كاد يُكشَف أمره من قِبَل سيلا وهي مع كاليكس. ولأنّ الأوهام لا تُضلِّل جميع الحواس، تظاهر كاليكس بمعالجته وهو في الحقيقة يُنصت.
“أظنّ أنّ ما طرأ على الآنسة بلانشيت سببه سحر يسيطر على العقول.”
“وخاصة أنّ اليد الوحيدة التي لمست معصمي كانت يد ليليا.”
في البدء، عدّ رون فرضيّة السيدة المستقبليّة ضربًا من المبالغة.
‘صحيح أنّ سحر الأوهام والسيطرة الذهنية موجود، لكن…’
الفكرة بأنّ سحرًا قادرًا على التحكّم الكامل بالعقل ما زال حيًّا كانت جنونًا. فقد ضاع منذ قرون، ولم يبقَ عنه سوى شذرات في كتب قديمة.
وقد حاول ساحر مجنون، بلغ مرتبة تكاد توازي سيّد البرج، أن يُعيد هذا السحر المفقود. لكنّ عقله زال، وتفجّرت ماناته حتى هلك.
“إنه سحر لا يليق بالبشر أن يستخدموه.”
وبعد تلك الحادثة، حظر سيّد البرج أيّ محاولة لإحياء السحر الذهني.
فمَن يا ترى أعاده إلى الوجود الآن؟
كان الاحتمال الأقرب أنّ ليليا وكانا متحالفتان. هذا ما خلص إليه رون بعدما استمع إلى قصة سيلا في الكهف.
لكن كاليكس، الذي سمع القصة نفسها، كان رأيه آخر.
‘لا أنكر احتمال أن تكون ليليا آرسيل وكانا بلانشيت تعملان معًا. غير أنّ في نفسي شعورًا أنّ سيلا تُخفي أكثر مما تُظهر.’
‘ما الذي تعرفه بحقّ السماء؟’
انعكس وجه سيلا في عدسات رون، وقد بدت شاردة تتأمّل الفراغ بعينين غائمتين، فزاد الغموض غموضًا في نفسه.
‘بمَ تفكّر؟ وإلى أيّ مدى تُخطّط؟’
كان الفضول ينهشه، لكنّه أدرك أنّ وراء كتمانها سببًا لا شكّ فيه. ولأنّها لم تطلب منه سؤالًا، لم يكن له الحقّ في الاستفسار. كساحر، كبَت فضوله ودفنه.
“وكيف يُمكن إلقاء تعويذة كالتحكّم بالعقول؟”
“بما أنّها من السحر المفقود، فلا أملك جوابًا قاطعًا.”
“وماذا عن غيرها من التعاويذ؟”
“قد يُلقيها الساحر مباشرة، أو ينقش طقسًا على الجسد، أو حتى يخلط المانا في شراب ليُشرب.”
أومأت سيلا وقد بدا عليها الفهم.
“أجل.”
فإن سارت الأحداث كما في القصة الأصليّة، فستزعم كانا قريبًا أنّها لا تتذكّر شيئًا من مسابقة الصيد، وتصرخ بأنّ الأمر برمّته غير عادل.
‘لعلّي أجد خيطًا إذا قابلتُ كانا وتحدثت معها.’
استعادت عينيها تركيزهما ببطء، وحدّقت في أوراق زرقاء أخذت تصطبغ بحُمرة الغروب، ثم مدّت يدها نحو رون.
“شكرًا لمشقّتك.”
“لا شكر على واجب، إنّما يؤسفني أنّي لم أقدّم لك عونًا أكبر.”
تردّد رون قليلًا قبل أن يأخذ يدها.
ولو كان كاليكس حاضرًا لرفض من غير تردّد، لكنّ العزلة في هذا الموضع جعلت من الصعب تجاهل يدها الممدودة.
“كانت زهرة الزينيا جميلة، أليس كذلك؟”
“نعم، جميلة حقًّا…”
أجاب رون ببساطة، لكنّ قشعريرة اجتاحت ظهره فابتلع كلماته، ثم تدارك نفسه تحت نظراتها.
“لقد رأيتُ صباحًا بعض زهور الزينيا في حديقة دوق إيكاروس. كانت آية في الجمال. سبق أن رأيتها من نافذة العربة، وأيضًا في الغابة، لكن لم أعلم أنّها مزروعة في قصر الدوق.”
“هاها، بلى، إنّ حديقة عائلة إيكاروس لا ينقصها شيء.”
“سأحرص على أن أتفقّدها في زيارتي القادمة. على كلّ حال، عليّ أن أستعدّ لحفل التنكّر.”
وما إن غادر المكان، نظرت سيلا إلى يدها التي صافحته وأغمضت عينيها قليلًا.
***
قرب الغابة التي أقيمت فيها مسابقة الصيد، كان هناك مبنًى يُقام فيه سنويًّا حفلٌ راقص بعد انتهاء المنافسة.
وبينما انشغل الجميع بالاستعداد، قصدت سيلا صديقتها ديزي.
“ديزي، أنا هنا.”
ارتجفت ديزي، الشبيهة بحيوان صغير، وانكمشت على نفسها.
“سمعتُ أنّكِ أنجزتِ الزيّ الذي طلبتُه في رسالتي الأخيرة، فلم أُطق صبرًا وأتيتُ لأراه بعيني.”
كانت ديزي قد أبدت تردّدًا أول الأمر، لكن ما إن وافقت، حتّى غمرها الحماس وأصبحت أشدّ حماسة من أيّ أحد. وبعدما اطّلعت سيلا على بعض مسوّداتها، تزايد شوقها لرؤية العمل النهائي.
‘وللحقّ، كان من المستحيل ألّا أتطلّع لذلك.’
حتى لو لم تعرف المستقبل كما في القصة الأصليّة، لكانت قد أدركت موهبة ديزي؛ جوهرة مطمورة في الوحل. لقد كانت تصاميمها تُشعّ بريقًا لا يُخفى.
“أين الزيّ الذي صنعتِه يا ديزي؟”
كانت ديزي قد عزمت أن تُرسله عبر خادم، غير أنّ سيلا لم تشر إلى ذلك.
تردّدت ديزي وعبثت بيديها ثم قالت أخيرًا.
“أنا آسفة.”
“وعلامَ تعتذرين؟ ألعلّكِ نسيتِ إحضار الفستان؟”
“لا! الأمر ليس كذلك! إنّما…”
لوّحت بيديها ثم خفضت رأسها حَزِنة.
لقد استمتعت حقًّا وهي ترسم وتحيك الفستان، حتى نسيت نفسها حتى سال دم من أنفها.
لكن في أعماقها ظلّ خوف يتربّص. الخوف من أن تُهان سيلا، التي أثنت على موهبتها، بسبب ثوبها.
وحين تخلّت سيلا عن لقب ‘سيّدة الصيد’ ، انفجر ذلك الخوف المكتوم وابتلعها.
“من تفوز بلقب سيّدة الصيد، ترقص أول رقصة في الحفل، بغير قناع، مع شريكها في وسط القاعة.”
“هذا صحيح.”
“شعرتُ أنّكِ تخلّيتِ عن هذا الشرف لأنّ ثوبي لم يكن لائقًا، فغمرني الأسى انسة سيلا.”
عضّت على شفتيها تكتم دموعها، والندم يمزّق قلبها لأنّها حاولت أن تخيط ثوبًا لمولاتها بما تراه مهارة ضئيلة.
تنفّست سيلا بعمق، وأدركت أنّها قصّرت في مراعاة مشاعر ديزي منذ البداية.
“أعتذر منكِ يا آنسة ديزي. سامحيني لأنّي لم أضع مشاعرك في الحسبان مسبقًا.”
“أنا بخير.”
خفضت عينيها، فرأت ذيل ثوب سيلا يقترب منها.
“أتدرين لِمَ منحتُ ليليا الزهرة؟”
“ظننتُ أنّ السبب أنّ مهارتي لم تكن كافية.”
“لا. بل على العكس.”
رفعت ديزي رأسها لتلقى عيني سيلا.
وفي عينيها المذعورتين كعيني أرنب، رسمت سيلا ابتسامة واثقة وهمست.
“ستفهمين ما أعنيه حين يحين الحفل.”
—يتبع.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 64"