فُزِع الحكم وأطلق صرخة عالية، لكنه سرعان ما وضع يده على فمه ليكتم صوته. غير أنّ عينيه، المسمّرتين على الساهانسام، أوشكتا أن تخرجا من محجريهما من شدّة الذهول.
ولم يكن الوحيد في ذلك.
فكلّ من سمع كلماته، استدار فوراً نحو كاليكس، يحاول يائساً أن يُبصر الساهانسام. حتى الإمبراطور، الجالس في المقدمة، نهض من مقعده ليرى بشكل أوضح.
“بعد ثلاثين عاماً…”
ابتلع ريقه.
ابتلع الحكم ريقه بصعوبة.
“لم أكن أظنّ قط أننا سنعثر عليه مجدداً.”
قبل مئات السنين، كان يُقال إن الساهانسام أكثر انتشاراً من أي دواء نادر آخر. لكنه في لحظةٍ ما اختفى اختفاءً تاماً، حتى قيل إنه ليس إلا أسطورة، إذ لم يعد يُعثر عليه في أي مكان.
منذ ثلاثين عاماً، وفي وقتٍ كان عدد النساء المشاركات في تلك الفعاليات نادراً، قامت نبيلة بتنكّرها في هيئة رجل وشاركت سراً في مسابقة صيد. وخلال الحدث، اكتشفت سيد الغابة، ذلك الكائن الذي كان يُعتقد أنه خرافة، وعادت ومعها ساهانسام حقيقي، مثبتةً أن الأسطورة حقيقية.
“الدواء العجيب الذي أنقذ الإمبراطورة الراحلة، التي كانت على وشك الهلاك بسبب مرضٍ مزمن.”
لو وُضع هذا الدواء في خزينة العائلة المالكة…
“دوق إيكاروس، ألست تنوي بيع هذا الدواء للعائلة الإمبراطورية؟”
“ليس ملكي، فلا يحق لي أن أقول الكثير بشأنه.”
“وإن لم يكن لك، فلمن يكون؟”
“رغم أنه في حوزتي الآن، إلا أنني لم أظفر به كمشاركٍ في الصيد. من ظفرت به كانت حبيبتي الشجاعة. فلننهِ الأمر الآن، ولنقدّم الزهور بدلاً من ذلك.”
اتّسعت عينا الحكم اتساعاً لم يعد ممكناً معه اتساعٌ أكثر.
ليس الدوق، بل سيلا آرسيل؟
عجز عن التصديق، ففتح فمه ليقول شيئاً، لكنه سرعان ما صمت، عاجزاً عن تحمّل وطأة النظرات الحمراء الثاقبة، فتراجع.
“بعكس باقي الحيوانات أو الوحوش، كان هذا الكائن خارج التصنيف، سواء قبل ثلاثين عاماً أو حتى الآن. لذا، خذوا هذه الزهور جميعها، ولكن أرجو أن تذكّروا الآنسة آرسيل بأن تتأنّى في بيعها للعائلة الإمبراطورية…”
إلا أن كاليكس، الذي لم يكن ينوي الإصغاء، تجاوز الحكم ووجّه بصره إلى العربة المليئة بالزهور.
وبعد لحظات، دوّى صوت العربة وهي تُسحب، ووقف كاليكس أمام سيلا.
خلافاً لحفل افتتاح المسابقة، حين لم يستطع أن يقف أمامها مباشرة، ها هو الآن واقف قبالتها.
تمزّقت مشاعره بين الرضا لوقوفه أخيراً أمامها، وبين خيبة الأمل لأن الوحش لم يكن هو من اصطاده.
وحين التقت عيناه بعينيها وسط تلك المشاعر المتضاربة، خفق قلبه.
الزرقتان اللتان نظرتا إليه من الفراغ، كانتا فاتنتين إلى حدٍّ جعله يبتسم رغماً عنه.
وما أهمية الأمر حقاً؟
هكذا فكّر.
سواء كان ذلك في العام المقبل، أو الذي يليه، أو حتى في لحظاته الأخيرة حين يكسو الشيب رأسه وتتجعد يداه، يكفيه أن يكون هو من يقطع الوعود ويُهدي الزهور.
وبهذا الإيمان، انحنى وقدّم الزهور إلى سيلا.
“إلى الانسة التي فاقت الزهور جمالاً، والتي تمنت لي الخير، ليكن المجدُ رفيقكِ الدائم.”
في تلك اللحظة، انقلبت نتائج الصيد رأساً على عقب.
حدث منعطف لم يكن في الحسبان.
عادةً، يُحدَّد الفائز بعدد الزهور، ولكن، من ذا الذي يستطيع مجاراة عرباتٍ ممتلئةٍ عن آخرها؟
صفّق النبلاء بحرارة، متحمّسين لهذا التحوّل المفاجئ.
وسط التصفيق، تسلّمت سيلا الزهور والتفتت بهدوء، حتى توقفت خطواتها أمام ليليا.
ثم، أخيراً، نطقت بكلماتٍ أذهلت الجميع.
“سأمنح هذا الشرف لليليا آرسيل.”
تجمّد النبلاء في أماكنهم، يشكّون في صحة ما سمعوه.
حتى ليليا، لم تُظهر أي فرح، بل سألت بصوتٍ خافت لا يكاد يُسمع إلا لسيلا.
“ما الذي تخططين له؟”
ابتسمت سيلا بلطف، وهمست.
“قالت الانسة أييشا إن هذه المسابقة تهمك كثيراً. ولما رأيتك تضعين هذا الجهد في تحضير فستانك لحفل التنكّر القادم، رأيت أن أمدّ لكِ يد العون، لا أكثر.”
“…”
“إن لم ترغبي بذلك، لكِ مطلق الحرية في الرفض.”
وعلى وجهها تعبيرٌ خفيف من الضيق، عضّت ليليا شفتها بلطف، ثم انحنت برأسها قليلاً.
“أشكر سيلا آرسيل على منحي هذا الشرف.”
وهكذا، حُسمت مسابقة “سيدة الصيد”.
وقفت ليليا على المنصة إلى جوار شريكها، الأمير دياني، وتقلّدت التاج، رمز هذه المسابقة.
صفّق النبلاء، لكن همساتهم انتشرت.
“… الساهانسام… لا أصدق ذلك.”
“بالفعل… أعني…”
رغم أن أعينهم كانت موجّهة نحو ليليا المتوّجة، إلا أن عقولهم كانت مشغولة تماماً بذلك الجذر العجيب.
فقد كان ظهوره للمرة الأولى منذ ثلاثين عاماً حدثاً مزلزلاً.
حتى بعض النبلاء بدأوا يتخيلون طعم قطرةٍ واحدةٍ منه، إن ظفروا بجزءٍ صغير من جذر الدوق إيكاروس.
وقد وصفت إحدى النبيلات ذلك اليوم لاحقاً بقولها.
“إنها حفلة الصيد التي لم أتذكّر فيها السيدة الصيد قط.”
وبعد انتهاء مراسم التكريم، وجّه الإمبراطور نظره إلى سيلا.
“والآن وقد انتهى الصيد، أرغب في سماع ما جرى معكِ، آنسة آرسيل.”
انحنت سيلا بأدب، وهي تقف إلى جوار ليليا، ثم بدأت تسرد تفاصيل ما حدث حين سقطت في الغابة أثناء المسابقة.
وبينما كانت تتحدث، بدأ الحضور يُطلق أنفاس الدهشة من أماكن متفرقة.
يا للهول! من ذا الذي يجرؤ على ارتكاب أمرٍ كهذا في يومٍ وطني؟
“بل والأسوأ، أن الجاني استخدم مادةً محفّزة لإثارة الوحش ضدي.”
قالت ذلك بحزم، رافعةً منديلًا ملوّثاً بالدم.
ازداد همس النبلاء، وارتسم ظل بارد على وجه الإمبراطور.
“ولم يكن في المسابقة من لمس معصمي سوى شخصٍ واحد.”
رمقت سيلا ليليا بنظرة جانبية، وقد تغيّر تعبير الأخيرة قليلاً.
لا شك أنها لم تتوقع أن ألاحظ وجود العقار.
بل ربما لم تتخيّل أنني سأخرج من الغابة حية.
لو لم أتذكّر أحداث القصة الأصلية، لكانت خطّتها قد اكتملت تماماً.
“الشخص الذي لمس معصمي هو…”
“كانت أنا.”
وفي تلك اللحظة، تقدّمت الانسة كانا واعترفت، مما جعل ابن منزل بلانشيت، الذي كان يرافقها، يشحب وجهه.
“ما الذي تقولينه، كانا؟ هذا مستحيل…”
“آسفة، أخي. لقد كُشفتُ بالفعل، فلا فائدة من الإنكار. أرجوك لا تدافع عني. لو فتّشتَ أغراضي، ستجد العقار الذي يثير الوحوش. ولو علمت أنني سأُكتشف بهذه السرعة، لكنت تخلّصت منه قبل ذلك.”
“كانا، لماذا…؟”
أنتِ لستِ من هذا النوع… اهتز صوته وبدت دموعه قريبة، لكن كانا رمقت سيلا بنظرةٍ حادة وقالت بفظاظة.
“لم أتحمّل أن أرى الانسة آرسيل، وهي لا تدرك مكانتها، تتجرأ على الطمع بقلب دوق إيكاروس!”
ازداد ارتباك الشاب من عائلة بلانشيت، كأنه لم يستوعب ما سمعه.
كانت هذه أول مرة يسمع أن كانا تكنّ مشاعر للدوق.
وحين فتّش فرسان الإمبراطور المخيم، وجدوا العقار في ممتلكاتها.
وباعتراف كانا، اعترفت ساحرة متنكرة في هيئة خادمة بمشاركتها في الجريمة.
وقف أفراد عائلة بلانشيت في صمت، وجوههم مغطاة بالخزي.
“هل أنتِ خائبة الأمل، أختي؟”
عند هذا الصوت الرقيق، التفتت سيلا نحو ليليا.
“على ذكر ذلك، أنا أيضاً لمست معصمكِ سابقاً. فهل يمكن أن تكوني تخلّيتِ عن لقب سيدة الصيد لمجرد خداعي؟”
وضعت ليليا يدها على شفتيها وابتسمت ابتسامةٍ لا يراها إلا سيلا.
“ليظنّ الناس ما يشاؤون.”
أجابت سيلا بهدوء وهي تصرف نظرها عنها.
وقبل أن يُعلن الإمبراطور العقوبة، تقدّمت سيلا إليه برغبة مهذّبة.
“لي رجاءٌ عند جلالتك، عظيم كعظمة السماء.”
“تفضّلي.”
“كما قلت سابقاً، إن مسابقة الصيد ترمز إلى الاحتفال بحصاد العام وبركة المستقبل. ولأننا جميعاً عدنا بسلام، فلا أرغب في أن يُعاقَب أحدٌ بشدة في مثل هذا اليوم المهيب.”
خفض الإمبراطور عينَيه البنفسجيتين ببطء ونظر إليها نظرةً عميقة.
ورغم أنها ابتلعت غصّتها، حافظت سيلا على هدوئها وهي تنتظر جوابه.
هذا هو الإمبراطور الذي، في شبابه، عزّز الملكية وثبّت أركان الدولة.
حتى في شيخوخته، ظلّ أسداً، فالرصانة لم تخفِ الحدة في عينيه، وكأن نظراته تُلقي بثقلٍ رهيب على جسدها.
“إن قالت الضحية، فليكن ما قالت.”
وكان الحكم.
“حبسٌ لشهرٍ في ممتلكاتها.”
ورغم خطورة ما حدث في يومٍ كهذا، كانت العقوبة خفيفة نسبياً.
لكن بما أن الضحية هي من طلبت ذلك، لم يجرؤ أي من النبلاء على الاعتراض.
بالطبع، كانت هناك استثناءات، مثل أييشا، التي لم تستطع كتمان انزعاجها أمام سيلا.
“لم أكن لأتوقّع هذا قط! أن تقوم الانسة كانا بهذا الفعل! كان عليكِ أن تطالبي بعقوبةٍ أشد!”
“أنا بخير، لم أتأذَّ بشيء.”
“لكن كان من الممكن أن تتأذي! آه، ولو كنت أعلم أنكِ ستتنازلين عن اللقب بهذه البساطة، لما ذكرتُ أمر شقيقتكِ من الأصل!”
تنهدت أييشا تنهيدة طويلة، وقد بدا عليها الانزعاج بوضوح، بينما ابتسمت سيلا برقة وهي تنظر إليها.
“أنا ممتنة لأن الانسة أييشا أخبرتني.”
وكانت حقاً صادقة.
فبفضلها، باتت تعرف الآن ما الذي تسعى ليليا إليه.
رغم أنني لا أعلم لماذا تريد لقب “زهرة المجتمع الراقي”.
في القصة الأصلية، لم تسعَ ليليا خلف اللقب بهذا الهوس.
بل حصلت عليه ببساطة، كوريثةٍ طبيعية له بعد هايلي.
فركت سيلا معصمها برفق، ولا تزال عليه آثار خفيفة من الاحمرار.
لا شك أن الأمر خرج عن نطاق توقّعاتها، لكنها لم تظن أنني سأُدرك الأمر، إلى أن بادرت السيدة بلانشيت بالاعتراف.
ولو صحّ حدسها، فربما يكون هذا نوعاً من “التحكّم الذهني”.
فرغم عدم إصدار أوامر مباشرة، بدا أن ليليا قادرة على جعل الآخرين يطيعونها ويحموها.
وفي تلك اللحظة، اقترب كاليكس منها برفقة رون.
“أييشا، سأرحل الآن.”
“حسناً. سأراك لاحقاً في حفل التنكّر.”
نظرت أييشا نحو كاليكس ثم ابتعدت لتمنحهما بعض الخصوصية.
ممتنّة لتلك اللفتة، التفتت سيلا إليه.
“كما اتفقنا، أحضرتُ رون معي. هل أنت متأكد أنك لا تريدني أن أذهب معك؟”
“نعم. وجود السير رون يكفي. شكراً لكِ.”
وكانت وجهتهما قد تقرّرت مسبقاً.
***
اتجهت سيلا نحو مخيّم عائلة بلانشيت.
طلبت مقابلة الكونت، وأعربت عن رغبتها في لقاء الانسة كانا.
وبعد بعض النقاش، تمّت الموافقة على طلبها، وسُمح لها برؤية الانسة كانا.
وكانت كانا، المتسببة في تلك الفضيحة، قد وُضِعت في شبه عزلة داخل خيمةٍ منفصلة.
وقد رافقها الشاب من عائلة بلانشيت بنفسه حتى أوصلها.
“كانا هنا.”
“أشكرك على إرشادي. أمرٌ أخير… قد يحدث بعض الاضطراب داخل الخيمة، لكنه لن يكون خطيراً، لذا أرجو ألا تدخل.”
“مفهوم.”
ثم دخلت سيلا الخيمة بصحبة رون، بينما بقي الفرسان خارجاً.
وبمجرد أن شعرت بالحركة، رفعت الانسة كانا رأسها من فوق الكرسي، والتقت نظراتها الحادّة بنظرات سيلا وهي تزمجر.
“ما الذي جاء بكِ إلى هنا، انستي؟ أتيتِ لتسخري مني؟”
—يتبع.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 63"