لفحت أنفاس ساخنة قمةَ رأس سيلا. كان كاليكس، المتصبب عرقًا، يحتضنها بين ذراعيه، وعيناه الحمراوان تتألقان وهما تحدّقان بثبات في سيد الغابة.
استفاق من حلم كريه الإحساس، وقد شعر بوجود أمر مريب، ففتح عينيه. وباتباع رائحة سيلا، وجد ذئبًا هائلًا مكوَّنًا من التراب يهددها.
قال بصوت عميق.
“لقد سمعت أن سيد الغابة ظهر قبل نحو ثلاثين عامًا.”
لكنها كانت المرة الأولى التي يراه فيها بنفسه. ويا لسوء الحظ، أنها كانت أيضًا المرة التي لم يكن يحمل فيها سيفه.
بدلًا من السيف، أمسك بغصن شجرة واستجمع طاقة سيفه.
قال ساخرًا.
“ربما لم يكن سوء حظ… بل حظ جيد.”
فلو كان سوء حظ حقًا، لما استيقظ من ذلك الكابوس. والأسوأ، لو تأخر قليلاً عن استعادة شكله البشري، لكان اضطر أن يشاهدها تتعرض للخطر دون أن يتمكن من فعل شيء.
لم يكن يعلم إلى متى سيصمد الغصن، لكنه حين تأمل الأمر، لم يجده سيئًا بذلك القدر. ضحك ضحكة جافة.
وكان العرق يتجمّع على طرف ذقنه.
“هل يمكنكِ الحركة؟”
سألها دون أن ينظر إليها.
“نعم.”
فما إن سمع إجابتها، حتى أنزلها برفق على الأرض.
“عندما أعطيكِ الإشارة…”
لامست قدما سيلا الأرض.
“…اركضي.”
لكن حتى بعد أن أنهى حديثه، لم تستطع سيلا أن تُبعد ناظريها عنه.
لاحظ نظرتها، فابتسم كاليكس ابتسامة متعجرفة، كأنه يدرك تمامًا ما يشغلها من قلق.
“من تظنين أنني أكون؟”
لم تكن سؤالًا، بل تأكيدًا.
فهمت سيلا أنه يطلب منها ألا تقلق بتركه خلفها. لكنها، في كل مرة نظرت فيها إلى جسده المتعرّق والغصن الذي يحمله بدلًا من السيف، كانت تشعر أن لسانها قد تجمّد.
ومع ذلك، أجبرت نفسها على الكلام.
“حسنًا.”
كانت تعلم أن بقائها لن يضيف سوى عبءٍ آخر على كاهل كاليكس.
وما إن أعطاها الإشارة، حتى أدارت ظهرها وانطلقت جريًا. تبعتهما عينا سيد الغابة الذهبيتان، قبل أن ينحني جسده الهائل استعدادًا للقفز فوق كاليكس لملاحقتها.
قال كاليكس بصوت حازم.
“وإلى أين تظن نفسك ذاهبًا؟ لا أحد يتجاوز هذه النقطة دون إذني.”
زمجر الوحش بانزعاج، وقد تشوّهت ملامحه من الغضب.
“آآآووو!”
دوى زئيره في الأرجاء، فارتجفت الأعشاب، واهتزت الأغصان، وانكمشت الوحوش، وتجمّدت الحيوانات في أماكنها، وآذانها مشرئبة تشعر بخطر محدق.
انتشر عواء مخيف يقطر عطشًا للدماء في أرجاء الغابة.
طَق!
انكسر الغصن تحت ضغط طاقة السيف، وتفتت إلى أشلاء.
تمتم كاليكس بامتعاض.
“يا له من عواء مقزز.”
ورغم ضيقه، لم يصرف ناظريه عن سيد الغابة، ذاك الذي تلمع أنيابه الحادة بوحشية.
لحسن الحظ، أن الجلبة لم تبدأ إلا بعد مغادرة سيلا. ومع ذلك، لم تكن قد ابتعدت كثيرًا، لذا وجب عليه أن يصمد لأطول فترة ممكنة.
كان لديه خطة، لكن جسده هو العقبة. فمقابلة سيد الغابة، ذي الحجم الهائل والسرعة المدهشة، أنهك جسده المتصبب عرقًا.
لابد أن السم قد انتشر في جسده حين كان على هيئة قط. فمنذ أن عاد إلى شكله البشري، شعر وكأن صخرةً تجثم على ظهره. والآن، وبعد مضي وقتٍ ليس بالقصير، بدأت رؤيته تَغبُش أحيانًا، في علامة على استنزاف قواه.
لكن عيني كاليكس الحمراوين لمعتا بإصرار شرس، وكانت الإرادة وحدها ما يُبقي جسده واقفًا.
غغغغ…
وفي كل مرة كان سيد الغابة يوجّه نظره نحو جهة اختفاء سيلا، كان كاليكس يعترض طريقه، حتى ولو اضطر إلى كسر الأغصان لمواجهته.
لكن هذا التوتر لم يدم طويلًا.
“آه…”
بدأت حركات كاليكس تضعف، وفي النهاية، سقط تحت كفّ سيد الغابة العملاق.
ومن خلال رؤيته الموشوشة، لمح تلك الأعين الذهبية المتوهجة تحدق فيه، وتقترب الأنياب الحادة من عنقه.
“أنا هنا!”
في اللحظة الأخيرة، توقف الوحش، أغلق فمه ورفع رأسه.
“ما رأيك أن تأتي إليّ بدلًا من ذلك؟”
دوّى صوتٌ قريب، يتهكم على الوحش.
ثبت سيد الغابة عينيه على سيلا، وانقض نحوها. لكن كاليكس، الذي نهض على عجل، أسرع ليعترض طريقه، وفجأة…
“هايك!”
توقّف سيد الغابة، الواقف أمام سيلا، وانخفض فجأة، يهز ذيله ويلعق لسانه خارجًا، بوجه لا يوحي بأي خطر!
تجمّد كل من كاليكس، الذي كان يعدو نحوهما، وسيلا، التي كانت على وشك أن ترشّه بالماء من دلو قديم ملأته من جدول قريب.
“هه… هه…”
ظلت سيلا في مكانها، مذهولة، فيما اقترب منها كاليكس.
“لماذا عدتِ بتسرع هكذا؟”
“كنت أنوي العودة منذ البداية. قرأت في كتاب أن رشّ الماء على سيد الغابة يُبطئ حركته.”
رفعت الدلو المليء بالماء ونظرت إليه بنظرة هادئة لكن حازمة.
“وعلمت أنك ستصمد حتى أعود، كاليكس.”
مرر كاليكس راحته على شفتيه، وأخذ نفسًا عميقًا. كانت تلك الشفاه التي نطقت بالثقة فيه جذابة إلى درجة جعلته يشعر وكأن النيران التهمت كيانه، بالكاد يستطيع ضبط نفسه. لكنه حين لاحظ الحدة المفاجئة في نظرتها، كبح مشاعره بسرعة.
“لو كنت أعلم أنك سترتدي هذا التعبير المرتاح في لحظةٍ كهذه، لما عدت.”
تسللت نبرتها العميقة إلى صدره، وكان كل حرف منها كحدّ النصل. لم يكن يعلم أن ملامحه قد فضحت أفكاره، أو أنها ستلاحظ.
زفرت سيلا بصمت، ثم مدت يدها وأمسكت بذراعه.
“ما هذه الجرح في يدك؟”
“أُصبت به أثناء قتالي مع سيد الغابة.”
“لكن، لماذا حرارتك مرتفعة؟ حين رأيتك قرب الماء، كنت تبدو بخير. هل هذا بسبب سمّ سيد الغابة؟ هل أحضرت الأعشاب الطبية؟”
“الأعشاب الطبية؟”
“نعم. قبل قليل…”
كانت على وشك أن تشرح له، لكن كلماتها انحسرت. فقد تذكرت فجأة أن كاليكس أتى من جهة الكهف.
‘لكن هذا الاتجاه معاكس لمكان الماء.’
شعرت بوخز مزعج على طرف لسانها.
“هه… هه…”
أخذ سيد الغابة يلوّح بذيله بشدة، ودفع رأسه نحو سيلا كما لو كان يطلب اهتمامها.
“هل تريد أن أُدلّكك؟”
حين ازداد تلويح ذيله، مدّت سيلا يدها مترددة ولمست رأسه، وفور ذلك، دوى صوت خافت في رأسها، كأن صدى يتقطع.
– هدية… هدية…
“هدية؟”
“هل تسمعين شيئًا؟”
“نعم. خافت وغير واضح، لكن الكلمة تتكرر: ‘هدية’.”
– صديقي… سعادة… فرح… هدية…
لهث سيد الغابة وانحنى أكثر، وعندها رأت سيلا نبتةً ذات خمس أوراق تنمو على ساق واحدة.
“هل يمكن أن تكون ‘الهدية’ التي يتحدث عنها هي هذه النبتة؟”
هزّ سيد الغابة رأسه، وهو على هيئة الذئب، كأنه يوافق على حدس كاليكس.
ادعت سيلا التفكير، ثم نظرت إليه وسألته.
“لا أفهم كل ما تقوله، لكن فقط لتعلم، أنا لست صديقتك. هل لا يزال الأمر مقبولًا لديك؟”
“إذا اقتلعتها، ستنام، أليس كذلك؟”
عند سؤالها المبطّن، أخرج سيد الغابة لسانه كأنه يبتسم.
“حسنًا، سأفعل.”
مدت يدها بحذر، أمسكت بالساق وسحبتها ببطء.
فاقتُلعت نبتة الـ ‘ساهانسام’ بسهولة بجذورها.
نظر إليها سيد الغابة مبتسمًا، ثم تثاءب. وببطء، أدار جسده الضخم ومضى مبتعدًا، يلوّح بذيله بهدوء.
ما إن اختفى سيد الغابة عن الأنظار، حتى خفضت سيلا نظرها إلى نبتة الـ ‘ساهانسام’ بين يديها. كانت واحدة من أندر العلاجات المعروفة، ويقال إنها لا تنمو إلا على رأس سيد الغابة.
لقد مرّت مئات السنين منذ أن سقطت هذه النبتة في يد البشر، وكانت الاستثناء الوحيد قبل ثلاثين عامًا.
‘وفي القصة الأصلية، حدث ذلك عندما أيشا أيقظت سيد الغابة عن غير قصد، فغضب، وهزمه كاليكس في النهاية للحصول على هذه النبتة.’
وبفضل ذلك، أصبحت ليليا سيدة الصيد.
‘لم أظن يومًا أنني سأُمنح مثل هذه الهدية.’
خاصةً من سيد الغابة.
وحين توقفت لتسأل كاليكس عن حاله والأعشاب، كانت على وشك أن ترفع رأسها حين…
“سيلا، القط… أين…؟”
خَشخشة.
جاء صوت خيول من بين الشجيرات، يصاحبه صوت كاليكس الذي انقطع فجأة.
“لقد سمعت صوت كاليكس قادمًا من هناك…”
ضحك كاليكس ضحكة قصيرة، كأنه سمع نكتة طريفة.
“أنا هنا. عن ماذا تتحدثين؟”
“أنا متأكدة أنني سمعته.”
وبدأ الاحمرار الناتج عن الحمى يخف على وجه كاليكس.
هل يمكن أن من رأته سابقًا كان رون؟
أسرع ليمسك بمعصم سيلا، لكن رؤيته تغبّشت فجأة.
عضّ لسانه بين أسنانه وتمايل قليلًا، ثم تبعها بعد لحظة من التردد.
“سيلا!”
“إذا كان ذلك صوت كاليكس، فلا بد أنني سمعته حقًا.”
وقف خلفها، وألقى نظرة حوله، فلم يرَ إلا الحصان الأسود، إيدن. أخذ نفسًا عميقًا وهدّأ نفسه.
– “سيدي، هل أنت بخير؟”
نظر كاليكس خلسة في اتجاه إحساسه بوجود رون، محاولًا ألا تلاحظ.
– “لا عجب أنك لم تُجب رغم أنني ناديْتُك مرارًا. ماذا حدث للعقد؟”
لقد تخلّص منه منذ زمن، وهو يعلم أن ارتداءه أمامها سيجلب المشاكل. تجاهل حديث رون التخاطري المستمر، ونظر نحو سيلا.
كانت تحدق في إيدن، تدير خصلة من شعرها حول إصبعها – عادة تفعلها حين تكون شاردة. عندها، فُتحت شفاهها الصغيرة الحية قليلًا، كأنها ستتحدث.
“هل تذكر أين وماذا طلبت منك أن تُحضر؟”
“بالطبع.”
عيناها الزرقاوان ثبتتا على كاليكس، الذي أجاب بعد لحظة تأخر.
“طلبتِ أعشابًا طبية لصنع الترياق.”
“ومن أين أحضرتها؟”
“من مخبأ سيد الغابة.”
“وما الذي طلبتُ منك الحذر منه؟”
استمرت سيلا في طرح الأسئلة، وكان يُجيب عنها جميعًا.
ثم بلع ريقه، وظهر تفاحة آدم تتحرك بوضوح قبل أن يتكلم مجددًا.
“لا أعلم لماذا تطرحين هذه الأسئلة، لكن لا وقت لدينا لهذا الآن.”
“أنت محق.”
“اذهبي إلى الكهف حيث القط أولًا. سأتفقد إيدن، يبدو أنه ليس بخير.”
فتحت سيلا شفتيها كأنها ستقول شيئًا، لكنها فقط أومأت. لكنها بدلًا من أن تمضي، مدّت يدها وأمسكت بيد كاليكس.
“سيلا؟”
“ماذا عن تلك الإصابة؟”
نظرت إلى ندبة تكوّنت خلال معركته مع هوغواك.
“أعتقد أنني أصبت بها حين كنت أواجه سيد الغابة. إنها سطحية، لا داعي للقلق.”
“حسنًا، سأذهب إذن.”
حاملة الأعشاب، استدارت سيلا واتجهت نحو الكهف. وأثناء سيرها، نظرت إلى يدها.
وتذكرت ملمس يده الخشن المألوف على كفها، فضيّقت عينيها قليلًا.
***
اقتربت خادمة من كلارا، التي كانت تتحدث مع دوقة ديانيس.
“دوقة دياني، يبدو أن بعض الفتيات جئن لرؤيتي. هل يمكنني الانصراف للحظة؟”
“بالطبع، تفضّلي، ماركيزة.”
خرجت كلارا من الخيمة ونظرت إلى الفتيات اللواتي جئن لرؤيتها. من بينهن كانت الانسة أيشا من عائلة إيرل ليموند، وأخريات، وكنّ جميعًا مقربات من سيلا.
“ما الذي أتى بكنّ يا صغيراتي؟”
سألت كلارا بابتسامة متكلفة، تحاول بها إخفاء انحناءة شفتيها الطبيعية للأسفل.
تقدمت أيشا وتحدثت نيابة عن الجميع.
“الانسة سيلا لم تعد من زيارتها لكِ، سيدتي الماركيزة. هل تعلمين أين قد تكون؟”
—يتبع.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 61"