رفعت كانا الفنجان بلا تردد، وقد احمرّت وجنتاها، وكانت ليليا تراقب بهدوء اهتزاز حلقها وهي تبتلع السائل.
“آنسة كانا، لقد كرهتِ سيلا لأنها كانت قريبة جدًا من كاليكس، ولهذا استأجرتِ ساحرًا ليُرسلها إلى الغابة، أليس كذلك؟“
“نعم!”
أومأت كانا بحماس، وظهرت على وجهها ابتسامة خجولة بدأت تتفتح. وعلى الرغم من غرابة سلوكها، إلا أن لا ليليا ولا الخادمة التي خرجت من الظل وجدت الأمر غريبًا.
“أحسنتِ. الآن، انهي ما تبقى.”
“حسنًا!”
ولم يكن هناك سبب يدعوهم للشعور بالغرابة — فكل هذا من تدبيرهم.
“هذا سيُبقيها على هذه الحالة لبضعة أيام أخرى.”
“نعم، وستنسى كل ما حدث قبل أن تشرب الجرعة.”
أسندت ليليا ذقنها على كفّها ونظرت إلى كانا بابتسامة خافتة.
“أنا فضولية لأرى كيف ستظهر شقيقتي.”
فبغض النظر عن متى أو كيف ستظهر، فلن تكون على حالها السابق.
“لكن، هل من الآمن تركها في الغابة؟ إن ماتت بطريقة غير مرتبطة باللعنة، سيكون ذلك مزعجًا بالنسبة لكِ أيضًا، آنسة ليليا.”
كانت الوحوش في غابة القصر الملكي التي أُقيمت فيها المطاردة من النوع الأقل عدوانية. حتى وإن اجتذبتها الجرعة، فستعضّ على معصمها ثم تبتعد وكأن شيئًا لم يكن.
في أسوأ الأحوال، ستفقد سيلا معصمها — وربما أكثر.
وإن كانت حياتها في خطرٍ فعلي، ففارس الحراسة الذي وضعته والدتها في نقطة الإسقاط كان مستعدًا للتدخل.
“أخت مصابة لا يمكنها أن تصبح زوجة للدوق، أليس كذلك؟“
“آه؟ إذًا هذه كانت نيتكِ؟“
“إنه يؤدي عدة أغراض.”
فهي لا تُبعدها عن كاليكس فحسب، بل تُمهد الطريق لإزالتها نهائيًا من حياتها.
“طالما أن الأمر لا يؤدي إلى موتها… فكل شيء مباح.”
أخرجت ليليا قارورة تحتوي على سائل وردي من جيبها، وبدأت تعبث بها في يدها.
“…لو أنني أدركت ذلك في وقت أبكر فقط.”
ظلّ طعم الندم المرّ في فمها، لكن سرعان ما انفرجت شفتيها عن ابتسامة مشرقة.
لا بأس — لا يهم.
بنهاية هذا اليوم، ستفقد سيلا كل شيء.
“أتمنى أن تنتهي المطاردة قريبًا.”
لأني أفتقد أختي كثيرًا اليوم. تمتمت ليليا لنفسها، وهي تدندن بلحن هادئ.
***
أسرعت سيلا في خطواتها. كانت ساقاها على وشك الانهيار، وكل نفسٍ تأخذه بدا وكأن رئتيها تتمزقان، لكنها لم تتوقف.
لهاث… لهاث…
تنفّس القط بين ذراعيها ازداد سوءًا. كانت حرارتها مرتفعة حتى شعرت وكأنها تحتضن كرة نار.
لم تقابل أحدًا بعد، ولا تعرف طريق الخروج من الغابة. كل ما كانت تعرفه أنها إن واصلت السير في خط مستقيم، فستصل في النهاية إلى حافة المياه، وربما تجد كاليكس هناك.
ارتفعت معنويات سيلا عندما رأت كهفًا.
‘لابد أنني اقتربت الآن.’
كان ذلك هو المكان ذاته الذي ظهرت فيه ليليا في القصة الأصلية، قبل أن تجد حافة المياه. أسرعت إليه، وشعرت وكأنها تلتقط رائحة ماء باهتة في البعيد.
مزّقت قطعة من ثوبها الذي تمزق بسبب غصنٍ عشوائي، وفرشت القماش على الأرض، ثم وضعت القط عليه بحذر.
“مياو…”
حين لامس جسده الأرض الباردة، أصدر القط أنينًا خافتًا وفتح عينيه، وحدّق بنظرة ضبابية نحوها.
“انتظر هنا قليلًا.”
رمشت القط ببطء، ثم أغلق عينيه مجددًا. كان صدره يرتفع وينخفض بشكل غير منتظم، وعضّت سيلا على باطن شفتيها وهي تنظر إليه. كل نفس تأخذه حمل معها رائحة الشمس.
‘أعرف أن هناك احتمال ألا أجد كاليكس حتى لو ذهبت إلى هناك.’
لكن، لإنقاذ هذا القط الذي ذكّرها بـ تيتي والذي أنقذتها من قبل، كان عليها أن تذهب.
استقامت سيلا بظهرها.
“ستكون بخير. أعدك.”
إن نظرت حول حافة المياه، حيث التقت ليليا بكاليكس، فستجد مكانًا ممتلئًا بأزهار الزينيا المتفتحة. وإن سارت في الاتجاه المعاكس لذلك المكان، فستصل إلى ملاذ سيد الغابة، الذي يُعرف بالكائن المقدس.
‘النباتات التي تنمو هناك كانت كلها أعشابًا طبية نادرة.’
لم تكن إكسيرًا بالمعنى الحرفي، لكنها فعّالة جدًا في تحييد سموم الوحوش. إعطاؤها للقط سيساعد بلا شك.
خرجت سيلا من الكهف. كانت أغصان الأشجار تحتك بذراعها أحيانًا، مسببة خدوشًا، وكادت أن تتعثر بالصخور. حتى عندما صادفت وحوشًا، لم تُبطئ خطاها.
أصبح صوت الماء الجاري أقرب فأقرب، حتى رأت مياهًا صافية تتلألأ تحت أشعة الشمس، وهي تنساب بلطف على طريقها. كان هناك خزان ماء ضخم، يبدو وكأنه مهجور منذ سنوات، يقف وحيدًا قربه، تحيط به الأزهار البرية. قفزت سمكة فجأة من الماء.
‘أين كاليكس؟‘
أدارت رأسها باحثة في المكان، لكن الريح التي عصفت بشعرها حجبت رؤيتها للحظة. دفعت خصلاتها جانبًا، وأول ما لاحظته كان اللون الأحمر الفاقع. كانت أزهار الزينيا تتمايل برقة في النسيم، وكأنها تسألها لماذا لا تنتبه لها. لكن سيلا صرفت نظرها عنها بسرعة، وواصلت البحث.
“هييييع!”
في تلك اللحظة، جاء صوت صهيل حصان عالٍ وقاسٍ من مكانٍ ما. تتبعت الصوت، فأدارت رأسها واتسعت عيناها.
“كاليكس!”
لم تكن أبدًا بهذه السعادة وهي تنطق اسمه كما اليوم.
“بمعنى آخر… تم إلقاؤك في الغابة بالقوة، وأنقذكِ قطٌّ من هجوم وحش، والآن هذا القط مسموم؟“
“نعم. أعلم أن الأمر يبدو غير معقول، لكن…”
“لماذا لم تُحضري القط معك؟ هل هو بخير؟“
قاطعها رون، المتنكر بهيئة كاليكس. كان قد هدّأ إيدن للتو، وحاول أن يرسل رسائل تخاطرية إلى كاليكس، لكن دون استجابة.
‘لكن سمّه…؟‘
حاول رون الحفاظ على هدوئه، لكن اهتزاز أصابعه فضح قلقه.
كم من الوقت يستطيع جسد القط تحمّل تأثير السم؟ ومع ذلك، وبما أنه في الحقيقة هو حضرة الدوق نفسه، فلا بد أنه سيكون بخير… أليس كذلك؟
كان يرغب في استخدام سحر الانتقال الفوري على الفور، لكن وجود سيلا بجانبه منعه من كشف هويته.
“لم أحضره لأن ذلك كان قد يكون خطرًا.”
كما أن ليليا كانت قد أيقظت سيد الغابة عن غير قصد، فإنها إن فعلت الشيء نفسه، فلن تتمكن من حماية نفسها والقط معًا. ولو لم يكن كاليكس هنا، لربما اضطرت إلى مواجهة سيد الغابة وحدها، ولهذا كانت شديدة الحذر.
“لكن القط كان لا يزال واعي، لحسن الحظ.”
“هذا مطمئن، على الأقل. لكن لا نعلم كم من الوقت سيبقى كذلك. لنعُد ونأخذه بسرعة. هل الكهف في هذا الاتجاه؟“
دون أن ينتظر جوابًا، أفلت يدها وأمسك بلجام حصانه.
“كاليكس…؟“
فاجأها فقدان الدفء، فاهتزت يد سيلا، ثم رفعتها وأمسكت بطرف ثوبه.
لكن هناك مكانًا أريدك أن تذهب إليه أولًا من أجلي.
“هناك، ستجد شجرة بارزة جدًا. خلفها توجد ساحة صغيرة تُعد ملاذًا لسيد الغابة. الأعشاب التي تنمو هناك تُبطل سموم الوحوش.”
اتسعت عينا رون بدهشة.
“حقًا؟“
“نعم.”
تلاقت عيناها الزرقاوان الثابتتان مع عينيه مباشرة. وبرزت عروق يد رون الممسكة بلجام الحصان من شدة التوتر.
“فهمت. لكن سأذهب وحدي. رجاءً، أحضري القط إلى هنا بدلًا من ذلك.”
أومأت سيلا موافقة.
“حين ترَين سيد الغابة نائمًا، احذر من لمس نبتة الساهانسام التي تنمو على رأسه.”
“لن أفعل. علينا الإسراع الآن، سأتجه إلى هناك أولًا.”
أشارت سيلا إلى الاتجاه المعاكس لمكان أزهار الزينيا المتفتحة.
تحرّك الاثنان بسرعة، كلٌ منهما ينفّذ مهمته. حتى الحصان الأسود، إيدن، بدا وكأنه شعر بخطورة الوضع، فأطاع أوامر رون دون تردد.
عادت سيلا على نفس الطريق، تتنفس بصعوبة وهي تدفع جسدها إلى الأمام.
“آه!”
كادت أن تتعثر بحجر، لكنها تماسكت بالتشبث بشجرة قريبة. كان جسدها المتعب يرتجف بلا توقف، لكنها أجبرت ساقيها على الاستمرار.
كانت قد اقتربت من الكهف وبدأ يظهر في الأفق عندما حدث ذلك.
ثود!
تطايرت الطيور نحو السماء في فزع.
ثود!
اهتزت الأرض وكأن زلزالًا ضربها. وظهر ظلٌ هائل حجب السماء بأكملها. رفعت سيلا رأسها وهي تمسك بأداة الدفاع السحرية التي منحها لها كين.
“لماذا…؟“
ذئب ضخم، يغطي جسده التراب، وتنبت على رأسه نبتة بخمس أوراق، كان يحدّق بها.
‘لماذا سيد الغابة هنا؟‘
اهتز العصا السوداء في يدها المرتجفة وكأنه يشعر بقلقها. حاولت سيلا أن تهدئ تنفّسها، ثم خطت خطوة إلى الوراء بحذر.
ظلّ الحارس يحدق بها، وأنفه يتحرك باستمرار. اقترب منها بمخالبه الضخمة. حاولت سيلا استخدام الأداة السحرية للهجوم عليه، لكنها بدت بلا فاعلية، إذ واصل المخلوق التقدّم.
ثود!
سقطت كفّه الضخمة أمامها.
‘عليّ أن أهرب.’
لكن ساقيها لم تستجيبا، وكأنهما مكسورتان. اقترب الذئب الترابي بأنفه أكثر فأكثر.
“هل يمكنكِ التحرك؟“
انقلبت رؤيتها فجأة رأسًا على عقب. شهقت بدهشة، لكنها التقطت رائحة الشمس وشعرت بحرارة الذراعين القويتين ترفعانها.
—يتبع.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 60"