كانت ليليا، بشعرها الأصفر اللامع المضفور على شكل جديلتين، تعتمر قبعة بيضاء عريضة الحواف، تنظر إليها. وخلفها وقفت شابة أخرى بدت وكأنها لحقتها، كلتاهما برفقة خادمتين بصمت.
“ما الأمر، ليليا؟“
“الجميع قد غادر، ومن تبقى عاد إلى خيامه، لكنكِ كنت واقفة هنا وحدكِ، فأردت أن أعرف إن كان هناك خطب ما. هل هناك مشكلة؟“
“بالطبع هناك مشكلة. رؤيتي لكاليكس وهو يرحل جعلت قلبي يؤلمني.”
مرّرت سيلا إصبعها على زاوية عينها، متظاهرةً بدور الحبيبة المفجوعة. فارتجفت شفتا ليليا بغيظ.
“صاحب السمو سيعود قريبًا، فلم كل هذا التهويل؟“
“ومع ذلك، لا أريد أن أفترق عنه ولو لثانية واحدة.”
أفلتت ليليا معصم سيلا وأردفت.
“ما خططكِ بعد هذا، أختي؟“
“سأتناول الشاي مع الآنسة آيشا.”
“فهمت. حسنًا إذن.”
وكأن ذلك كل ما أرادت قوله، مشت ليليا بخفة دون أن تلتفت. تابعت سيلا خطواتها وهي تبتعد، ثم حولت نظرها إلى معصمها الذي أُمسك به، ورفّت بجفنيها ببطء.
‘ما الذي يدور في رأسها بحق السماء؟‘
انسحاب ليليا السريع والمفاجئ بهذا الشكل جعل جسد سيلا يقشعر. وضغطت بإبهامها على سبابتها مفكرة، ثم وجهت انتباهها إلى الشابة التي كانت تتبع ليليا.
“ليليا قد غادرت. ألن تتبعينها؟“
“لقد التقيت بليليا آرسيل مصادفة، لكن من أتيتُ من أجله… هي أنتِ، سيلا آرسيل.”
جاء صوتها حادًا كما لو أنه يخترق الهواء. أما شعرها الأحمر المشتعل فكان يضاهي العداء المشتعل في عينيها، والذي لم تحاول حتى إخفاءه. لكن سيلا ردّت بنظرة هادئة لا مبالية، وكأنها تسألها بصمت. ما الذي تريدينه؟
“هل تظنين حقًّا أن شخصًا مثلكِ يليق بأن يكون شريك دوق كاليكس إيكاروس؟“
تابعت دون أن تتوقف.
“لو كانت ليليا آرسيل هي من تحب صاحب السمو حقًّا، لربما ضحّت بمشاعرها. لكن شخصًا مثلكِ، قد غيّر خُطّابه عدة مرات، لا يمكن قبوله كشريكة له!”
أدارت سيلا نظرها بعيدًا عن تلك الشابة المتقدة الغضب. ففي الاماكن الاجتماعية، كان هذا التصرف يُعتبر ردًّا غير مباشر على أمر ‘لا يستحق الجواب‘. وبما أن كانا بلانشيت كانت قد قضت وقتًا أطول من سيلا في هذه الاماكن، فلا شك أنها فهمت المعنى خلف هذه الحركة البسيطة.
‘يا لها من وقاحة!’
اصبح وجه كانا أحمراً وازرقّ في آن واحد من الغضب، وهي تخرج كلماتها غاضبة من فمها.
“هل تعلمين أن الآنسة ليليا أحق بأن تُعتبر الوريثة الحقيقية لعائلة آرسيل منكِ، أنتِ التي تعذّبين أختك الصغرى باستمرار، بل وتسرقين رجالها؟!”
عادت عينا سيلا الزرقاوان لتتركزا على كانا. لا، بل تجاوزت نظرتها كانا وركّزت على شيء خلفها وهي تتحدث بصوت خفيض تحذيري.
“هل أنتِ مستعدة لتحمّل تبعات ما قلتهِ للتو؟“
ارتجفت أطراف أصابع كانا قليلًا. ولما أدركت أن كلماتها السابقة كانت تصريحًا خطيرًا، ترددت، وارتعشت شفتاها بينما راحت عيناها تتلفتان. لكنها، ولما وجدت أن خادمتها وحدها بقربها، استعادت ثقتها وارتسمت على وجهها نظرة انتصار.
“بالطبع.”
“إذًا كرري ما قلته.”
“سأكرّره بكل سرور، ولعدد ما تشائين، حتى تعرف الآنسة سيلا آرسيل مكانها الحقيقي.”
وضعت كانا ذراعيها متقاطعتين، وهي تنقر على كوعها بمروحتها وترفع ذقنها بثقة.
“مقارنةً بشخص مثلكِ، يضطهد شقيقته باستمرار بل ويسرق رجالها، تبدو الآنسة ليليا أحق كثيرًا بأن تكون الوريثة الحقيقية لعائلة آرسيل. أو… ربما؟ هل هذا هو الواقع فعلًا؟“
خفضت سيلا رأسها ومسحت راحة يدها على وجهها.
ارتجفت كتفاها قليلًا، كما لو كانت تبكي.
“ففف…”
لولا الصوت الخافت للضحك الذي وصل إلى أذنيها، لكانت كانا ظنت أنها تبكي حقًّا.
“مـ، ماذا؟ هل أنتِ غاضبة؟“
صاحت كانا، وقد دبّ فيها القلق. فردّت سيلا، وهمسها يفيض بضحكةٍ مكبوتة، واقتربت بما يكفي كي تسمعها.
“يا آنسة، انظري خلفكِ.”
خلفك.
الكلمة التي وصلت إلى أذن كانا جعلت قشعريرة تتسلل إلى عمودها الفقري. وامتدت مشاعر الاضطراب من قمة رأسها إلى أخمص قدميها، فقبضت على طرف تنورتها بأسنانها على شفتيها من التوتر.
مزّقتها مشاعر متضاربة بين رغبتها في تجاهل ما وراءها وخوفها من تأكيد أسوأ ظنونها. وبعد لحظة من التردد، استدارت كانا، وما رأته جعلها تشهق.
“لا شك أنكِ تعلمين كم هو وقحٌ أن تُقال تعليقات عن الأنساب بهذا الشكل، أليس كذلك؟“
فالنبلاء، على وجه الخصوص، شديدو الحساسية تجاه مسائل الوراثة والخلافة. وكان ذلك موضوعًا مقدسًا لا يُتناول بخفة.
“سأتذكر جيدًا نوع الشخص الذي تمثلينه، آنسة كانا.”
وكأن سهامًا اخترقت جسدها، تراجعت كانا إلى الوراء، بينما تجاوزتها الشابات ببرود، واقتربن من سيلا ليطمئنن عليها، ثم أخذنها إلى خيمة الآنسة ليموند.
“كنا نبحث عنكِ، آنسة سيلا، لأنكِ غبتِ طويلًا. لم أتوقع أبدًا أن تُضطري لتحمّل إهانات كهذه. آسفة لأننا لم نصل إليكِ أبكر.”
“لم أكن أعلم أن الآنسة كانا تحمل مشاعر تجاه دوق إيكاروس، لكن ما فاق صدمتي هو شراستها حين هاجمتكِ. لقد أدركت حينها كم كنتُ مخطئة بشأنها.”
“الدوق إيكاروس والآنسة سيلا يبدوان كزوجين مثاليين. لكنها بدلًا من الاعتراف بعيوبها، اختارت أن تلوم وتؤذي الآخرين الأبرياء. ما زلت أغضب كلما تذكرت ما فعلته.”
وعند تذكّرها كانا، عقدت الآنسة روز حاجبيها وهي تشرب من الشاي الساخن.
“آه، ساخن!”
“هل أنتِ بخير؟“
قدّمت لها سيلا كوبًا من الماء البارد وعليه قطع ثلج، بعد أن لاحظت أنها أحرقت لسانها.
“لقد تماديتُ قليلاً. شكرًا لكِ، آنستي.”
“لا شكر على واجب. لم يسبق لأحد أن غضب بهذا الشكل من أجلي منذ زمن طويل، لذا أنا من يجب أن يشكركم.”
نظرت سيلا إلى الانسات من حولها وابتسمت برقة.
“بفضلكم، نسيت تمامًا ما سمعته في وقت سابق.”
“آنسة سيلا…”
نادتها الآنسة روز وقد بدا عليها التأثر. فردّت سيلا بابتسامة، ورفعت فنجانها.
في الحقيقة، ما قالته كانا لم يجرحني أبدًا.
فـ ليليا هي الوريثة الشرعية. وأيضًا…
كانا بلانشيت.
في البداية، لم أتعرف عليها. لكن إهاناتها النمطية أوضحت من تكون.
إنها تلك المرأة التي، بدافع غيرتها من ليليا، خططت لتركها تائهة في قلب الغابة أثناء مسابقة الصيد.
أتذكر أنها قالت شيئًا مشابهًا لـليليا حين بدأت علاقتها مع كاليكس في التطور.
وفي النهاية، كُشف أنها الجانية التي هددت ليليا بدافع الغيرة.
لكنها بدلًا من الاعتراف بخطئها، تسللت خارج ممتلكاتها بعد يومٍ واحد فقط من فترة التأمل التي فُرضت عليها، ثم صرخت أمام ليليا مدعية براءتها.
“مجدّدًا!”
بعد مدام سكارليت، هذه ثاني إشارة إلى حادثة مأخوذة من الحبكة الأصلية. لكن هذه المرة، لم تقع لـليليا، بل لي.
وبما أنها حادثة مدفوعة بالغيرة، فليس من المستغرب أن تحدث لي أنا أيضًا.
وذكّرتني الأحداث بسير الرواية الأصلية، فابتلعت ما تبقى في فمي من الشاي.
إن كان الأمر كذلك، فسرعان ما…
“تذوقت ليليا الشاي الذي قدمته لها هايلي قبل أن تضع الفنجان. وفي تلك اللحظة، اقتربت منها خادمة غريبة وتحدثت إليها.”
وضعت سيلا فنجانها بهدوء على الطاولة. وفي اللحظة ذاتها، اقتربت منها خادمة بقصة شعر قصيرة ومستقيمة.
“عذرًا، آنسة ليليا، الماركيزة آرسيل تطلب رؤيتكِ.”
“عذرًا، آنسة سيلا،الماركيزة آرسيل تطلب رؤيتكِ.”
نظرت سيلا ببطء إلى الخادمة.
“وجهكِ غير مألوف. هل أنتِ حقًّا من خدم منزل آرسيل؟“
في الرواية، لم يُذكر شكل الخادمة التي أتت لأخذ ليليا. لكن هذه الخادمة، الغريبة الشكل، لم تكن من منزل آرسيل، بل من منزل بلانشيت.
“نعم، آنستي. كنتُ أعمل في المطبخ، لكن تم نقلي مؤخرًا، لذا قد لا تعرفينني.”
“إن كنتِ حقًّا من الخدم، اقتربي أكثر.”
وعند تنفيذ الأمر، تقدمت الخادمة ووقفت أمامها.
‘ليليا كانت قد تفقدت أزرار خادمة قبل أن تؤخذ بالقوة إلى الغابة.’
إن كانت الأزرار تحمل شعار بلانشيت، فسيؤكد كل شيء. لذا، تفقدت سيلا أزرار زي الخادمة.
‘ليست من بلانشيت.’
زهور شائكة وورود. كانت الأزرار تحمل شعار عائلة آرسيل.
“من الذي أعطاكِ هذا الأمر؟“
“كانت الماركيزة آرسيل، آنستي.”
هل ثمة طريقة أخرى للتحقق الآن؟ لا يمكنها رفض دعوة من ذات مكانة أعلى دون مبرر وجيه، لا سيما أمام الأخريات.
خفضت سيلا عينيها ببطء، وبدأت تبحث في حقيبتها، ثم تغيّر تعبير وجهها فجأة، واتسعت عيناها.
“سأعود قريبًا.”
“سأكون بانتظاركِ، آنسة سيلا.”
بعد خروجها من الخيمة، أشارت سيلا إلى الفارس الواقف خارجًا للحراسة.
“أيها السيد، رافقني.”
وبرفقة الفارس المؤقت الذي عيّنه لها الماركيز، مشت سيلا خلف الخادمة. في البداية، كان لا يزال بالإمكان رؤية بعض الانسات والسادة، ومن ينتمون إلى الأسر النبيلة. لكن كلما تعمقت في السير، قلّ عدد الناس.
[أثناء اتباعها للخادمة، أدركت ليليا أنها باتت في مكان معزول.]
“هل أنتِ متأكدة أننا نسلك الطريق الصحيح؟“
لكن الخادمة لم تجب. وبازدياد قلقها، اقتربت سيلا منها، راغبة في التأكد من ولائها.
وبينما كانت تتبع الخادمة التي تقودها نحو الماركيزة آرسيل، أخذت سيلا تخفف من خطواتها تدريجيًّا، موجهةً نظراتها إلى ظهر الخادمة.
ثم، توقفت فجأة، واستدارت. وأشارت بصمت إلى الفارس خلفها ليبقى ساكنًا، ثم استعدت للركض.
وفي تلك اللحظة—
دوي.
انهار جسد الفارس، الذي بدأ بالكلام للتو، أرضًا.
كان خلفه شخصٌ يبتسم لسيلا بابتسامة واسعة مشوهة.
“لا يجدر بكِ محاولة الهرب.”
—يتبع.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 57"