لم تعتد بعد على تلقي المديح من الآخرين، فبدأت تعبث بأصابعها بتوتر. كانت تعلم أن مهاراتها في التطريز ليست سيئة، كما كانت تقول لها الفتيات الأخريات، لكنها لم تستطع التخلص من خجلها. ومع انحناءة رأسها، بدا وكأن قلبها الخافق بسرعة قد يقفز من صدرها في أي لحظة.
“واو! حقًا؟ الانسة أسبل، هذا مذهل! لا أصدق أنكِ صنعتِ منديلاً جميلاً كهذا بيديكِ!”
تظاهرت سيلا بالدهشة، ومبالغت في ردّ فعلها بحماسة. ثم تلطّف بصرُها وهي تبتسم نحو ديزي التي احمرّت وجنتاها حتى غدتا بلون الخوخ الناضج.
“كما قلتُ… هل يمكنني أن أتعلم منكِ شيئًا عن فن التطريز؟“
تحركت شفتا ديزي وكأنها ستقول شيئًا، لكنها ابتلعت كلماتها، ثم أومأت برأسها بحزم.
منذ ذلك اليوم، بدأت سيلا تزور قصر أسبل كثيرًا، متذرعةً بتعلّم التطريز. وبينما كانت تركب العربة في طريقها إلى القصر، نظرت إلى المنديل الذي كانت تعمل عليه.
شعار عائلة إيكاروس – سيف يخترق درعًا نُقش عليه نسر جريء. وإلى جانبه، كُتب اسم كاليكس بتطريز دقيق محاط بنقشة زهرية حمراء. كانت قد حاولت صنعه باستخدام ما تعلمته الليلة الماضية، وكانت النتيجة رائعة بحق.
‘إنها تُعلّم أفضل مما توقعت.’
لقد تحسّنت مهارات سيلا في التطريز، والتي لم تكن في الأصل سوى متوسطة، بشكل كبير في غضون أيام قليلة.
ومع ذلك، أدخلت المنديل الذي كانت تمسكه في جيبها، وأخرجت آخر. كان النسر الجزيء فيه بالكاد يشبه عصفورًا، والسيف والدرع لا يكادان يُميّزان. وهذا أيضًا منديلاً كانت قد طرزته بنفسها.
‘هذا الجزء يبدو مقبولًا نوعًا ما.’
الجزء الذي كُتب فيه اسم كاليكس بدا الأجمل نسبياً، لذا استخدمت سيلا مشرطًا صغيرًا لإزالته. ثم أخذت بكرة خيط حمراء وبدأت بالتطريز فوق ذلك الجزء حتى أصبح الاسم غير قابل للتمييز. وقد استخدمت من الخيط مقدارًا كبيرًا حتى أوشكت البكرة على النفاد.
‘ربما سأضطر لتبديل هذه البكرة غدًا أو بعد غد على الأكثر.’
بعد تقييم سريع للموقف، أمسكت سيلا بطرف الخيط دون تردد. فكّت بقيته، قطعته بالمقص، ثم رمته خارج العربة. تناثر الخيط الأحمر مع الرياح على الأرض.
‘بهذا المعدل، سأحتاج إلى بكرة جديدة قبل نهاية اليوم.’
أخفت سيلا البكرة كأن شيئًا لم يكن، وأعادتها إلى داخل العلبة. وعند وصولها إلى قصر أسبل، توجهت مباشرة إلى غرفة الاستقبال كمن اعتاد المكان.
“انسة ديزي، لقد وصلت.”
“مرحبًا بكِ!”
رغم زيارات سيلا المتكررة لتعلم التطريز، فقد نمت العلاقة بينهما خلال تلك الفترة. في البداية، كانت ديزي تشعر بالتوتر والجمود في حضرة سيلا، لكنها الآن كانت تستقبلها بابتسامة دافئة ولطيفة.
“الجو جميل اليوم.”
“نعم! النسيم عليل، ويبدو أن الخريف على الأبواب. إنه فصلي المفضل، لذا أشعر بسعادة.”
“ما رأيكِ بأن نقيم نزهة في الحديقة في المرة القادمة؟“
“يسعدني ذلك!”
تبادلتَا أطراف الحديث بخفة بينما بدأتا بإخراج أدوات التطريز. وضعتا المنديل بعناية في الإطار، وثبتتاه، ثم مررتا الخيط الملوّن في الإبر وشرعتا في العمل.
“انسة سيلا، هل أنتِ بخير؟“
“مهاراتي لا تتحسن كثيرًا. أنتِ معلمة رائعة، لكن يبدو أن المشكلة تكمن في يديّ.”
لكن ديزي لم تستطع أن تبادلها الابتسامة، وهي تنظر إلى المنديل المشوّه الذي بين يدي سيلا. لم تستطع منع نفسها من القلق من أن تُصبح سيلا مادةً للسخرية إن أظهرت هذا العمل للآخرين. ارتسم القلق على ملامحها، وظلّت نظرتها مضطربة.
“لكن لا يزال هناك وقت قبل مسابقة الصيد، وقد تحسّنتِ كثيرًا عمّا كنتِ عليه، أليس كذلك؟ أليس هذا أمرًا مبشّرًا؟“
“بلى. سأبذل جهدي لأعلّمكِ بطريقة أفضل.”
“شكرًا لكِ، انسة ديزي.”
رغم إرشاد المعلمة المجتهدة، استمر تطريز سيلا في كونه كارثة. وسرعان ما نفد الخيط الأحمر، فبدت متوترة وهي تفتح فمها بتردّد.
“هم… هل لديكِ خيط أحمر؟“
“لحظة واحدة.”
فتّشت ديزي بين بكرات الخيط، لكنها لم تجد الأحمر منها. فقد لم تكن بحاجة إليه مؤخرًا، لذلك لم تحضره من ورشتها.
نهضت ديزي قائلة.
“يجب أن يكون هناك في الورشة. سأحضره.”
“أشعر بشيء من التصلّب، هل يزعجكِ إن رافقتكِ؟“
“آه… حسنًا، لنذهب معًا.”
ترددت ديزي للحظة، وقد بدا على وجهها بعض الصراع، لكنها أومأت في النهاية. رغم رغبتها في الرفض، إلا أن خجلها منعها من ذلك. وتظاهرت سيلا بعدم ملاحظة ترددها، وتبعتها إلى الورشة.
“إذًا، هذه هي ورشة الانسة ديزي. لقد ذكرتِ أنكِ تحبين الخريف – هذه الورشة تشعرك فعلًا وكأنكِ في خريف دائم.”
“شـ… شكرًا لكِ. سأبحث عن الخيط حالًا!”
كانت الورشة، بألوانها البنية الطاغية، تشبه أرض غابةٍ مغطاةٍ بأوراق الخريف تحت أشعة الشمس. دافئة، مريحة، وهادئة – تمامًا كما هو الخريف. وزادت لمسات الأدوات المتعددة الألوان المنتشرة هنا وهناك من جمال المشهد.
‘لقد وصلتُ إلى هذا الحد.’
ولم يتبقَّ سوى أمرٍ واحدٍ فقط…
اقتربت سيلا من مكتب خشبي غمرته أشعة الشمس. كان هناك كومة من الأوراق البيضاء المرتبة بعناية. وبينما تقترب، وقعت عيناها على تصميم مرسوم على إحدى الصفحات، فارتخت نظرتها بلطف.
“انستي…؟“
في تلك اللحظة، أطلقت ديزي شهقة صغيرة مذعورة. أسرعت بالركض وتمركزت خلف المكتب لتحجب الرؤية، وامتلأت عيناها بالدموع وهي تنظر إلى سيلا برجاء.
“هل رأيتِ؟“
عضّت ديزي شفتها بقوة، مصليةً في سرّها ألا تكون سيلا قد رأت شيئًا. لكنها لم تتلقّ إجابة من السماء هذه المرة.
“نعم.”
“حقًا؟“
“نعم.”
توهّج وجه ديزي خجلًا وهي تغطيه بكفيها.
‘لا أصدق أن الانسة سيلا رأت شيئًا بهذا الإحراج.’
فالتطريز هو الشيء الوحيد الذي تجيده كبقية الناس، ولا يوجد شيء آخر تفتخر به. اعتقدت أن سيلا الآن رأت كم هي بطيئة وعديمة الجدوى. فزفرت تنهيدة من صدرها، وشعرت وكأنها كُشفت تمامًا، كأنها عارية أمامها، وغمرها شعور بالخزي. أرادت أن تذوب في الأرض فورًا، فانحنت برأسها بعمق.
‘ماذا ستظن بي الآن؟‘
حين سقطت دمعة على راحة يدها، فوجئت برؤية سيلا تتجاوزها بخطى هادئة. اتسعت عيناها مثل أرنب مذعور وهي تستدير لتنظر إليها. كانت سيلا تنظر إلى تصميم الفستان الذي رسمته ديزي.
“كلما نظرتُ إليه، أراه مذهلًا حقًا.”
“مذهل من حيث الغرابة؟“
“لا، على العكس تمامًا. انسة ديزي، يبدو أنكِ لا يوجد شيء لا تتقنينه!”
“ماذا؟“
اتسعت عينا ديزي حتى بدا أنهما ستنفجران من فرط الدهشة. ظنّت أنها قد سمعت خطأً، فبدأت ترمش بعينيها مرارًا محاولة استيعاب ما سمعته. ثم رفعت سيلا عينيها عن الورقة، ونظرت مباشرة في عينيها.
“إن صنعته، أرجو أن تسمحي لي بارتدائه. أو لأكون أكثر صدقًا، أودّ أن أطلب منكِ أن تخيطيه تمامًا كما هو في التصميم.”
عيناها الزرقاوان، اللتان كانت تلمعان تحت أشعة الشمس كبحرٍ وقت الظهيرة، كانتا تترنحان بثبات نحو ديزي.
“لأني حقًا أود ارتداءه.”
لم يكن في نظرتها الثابتة ذرة من المجاملة أو التزييف.
“…”
حقًا؟ هل ترغبين بارتداء شيءٍ صممتهُ أنا؟
فغرت ديزي فمها قليلاً، لكن الكلمات لم تخرج. وضعت يدها على عنقها وضغطت شفتيها بشدة. حين رفعت يدها، نظرت إلى الورقة التي كانت سيلا تمسك بها.
‘لم يخطر ببالي يومًا أن يقول أحدهم هذا عن تصميم من تصميماتي.’
فهي كانت على يقين بأنها بلا موهبة.
منذ طفولتها، كانت دائمًا تتأخر عن غيرها من الفتيات في سنّها في الدراسة، وكثيرًا ما كانت تُوبَّخ بسبب ذلك.
“لماذا لا تستطيعين القيام بالأمور البسيطة التي يستطيع الجميع فعلها؟ حتى الأحمق يمكنه ذلك!”
كان التوبيخ المستمر من أساتذتها ووالديها قد ترك أثرًا عميقًا في نفسها، حتى إنها في بعض الأحيان كانت تشعر أن أصواتهم ما تزال تُلاحقها. عضّت ديزي على باطن شفتها بقوة.
“انسة سيلا، أشكركِ على كلماتكِ الطيبة، لكنني أعرف حدودي، فلا حاجة لأن تُجبريني على سماع المجاملات.”
ومع انحناءة رأسها إلى الأمام، انسدلت خصلات شعرها البنية المجعّدة لتغطي وجهها، كما لو كانت تخفيه. راقبتها سيلا وهي تفرك طرف عينيها بأصابعها، بينما كان وجه ديزي يزداد ظلمة، كالسماء التي غطّتها غيوم العاصفة.
“يؤلمني أن تُشوّهي مشاعري الحقيقية وكأنها كاذبة.”
“آه! لم أقصد ذلك أبداً!”
ارتبكت ديزي ولوّحت بيديها مذعورة، تُنكر بكل جوارحها ما قيل. عندها، اتخذت سيلا خطوة نحوها، وعلى وجهها نظرة مفعمة بالمرح الخفيف.
“لا يمكنني أن أقف مكتوفة اليدين وأدع أحدًا يحرّف ما أشعر به حقًّا. فهل لي أن أطلب منكِ شيئًا؟ أرغب بأن تصنعي لي فستانًا لأرتديه في حفلة التنكر التي ستُقام بعد الصيد.”
“لا أستطيع فعل ذلك! مهاراتي ضعيفة للغاية، وسأتسبب في إحراجك، سيدتي!”
هزّت ديزي رأسها بقوة، رافضة بشدة.
“أنا أثق بحُكم نفسي. وإن كنتِ لا تستطيعين الوثوق بنفسكِ…”
كانت نظرة سيلا ثابتة لا تتزعزع، كجذع شجرة بلوط عتيقة. وضعت يدها على صدرها، ونطقت بكلماتها بوضوح، وصوتها مليء بالإصرار.
وبثقة لا تعرف الشك، سألتها.
“فهل تثقين بحُكمي هذه المرّة فحسب؟“
نظرت ديزي إلى سيلا، التي كانت تنتظر إجابتها بصبر، فبلعت ريقها بصعوبة. كانت تريد أن تقول إن افتقارها إلى المهارة لن يُنتج إلا فستانًا سيُسيء إلى سيلا التي سترتديه…
‘عليّ أن أقول ذلك.’
لكن كلمات سيلا، التي دعتها لأن تثق بنفسها، ترددت في أذنها، وحرّكت شيئًا في قلبها كريح هائجة. ذلك الشوق الخفي الذي كان يراودها أحيانًا حين تنظر إلى سيلا، جرفه هذا الإحساس، وضغطت ديزي شفتيها بإحكام.
“أنا…”
وبعد طول تردّد، اتخذت ديزي قرارها أخيرًا وتحدثت.
***
كانت الشمس المتوهجة قد علت كبد السماء، غير أن نسيمًا عليلًا أعلن قدوم فصلٍ سيُزيح وطأة الحر. بدأت أطراف الأوراق تكتسي بالأصفر والأحمر، مُعلنة نهاية الصيف وبداية الخريف. وفي تلك الأثناء، بدأ النبلاء القادمون من المقاطعات يتوافدون على العاصمة استعدادًا للوليمة الوطنية المرتقبة.
ومع مرور الوقت، حلّ صباح مسابقة الصيد الوطنية.
—يتبع.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 55"