خفض هاري رأسه عندما رأى عيني سيلا الزرقاوين تتسعان دهشة.
“أخي! الانسة سيلا تبدو شخصًا استثنائيًا!”
عندما سمع بما حدث لزيون، كان قصده الوحيد أن يلتقي بها ليعبر عن امتنانه. كان يريد فقط رد الجميل الذي أسدته لعائلته العزيزة، ويُعلِمها بأنها تستطيع طلب مساعدته متى احتاجت.
“أخي…؟“
حتى زيون، وقد أُخذ على حين غرة، ناداه بدهشة من تصرفه المفاجئ.
ومع ذلك…
لم يشعر هاري بأي ندم على هذه اللحظة النادرة من الاندفاع.
“لقد قمتُ فقط بما كان يجب فعله، فلا داعي لشكري.”
“لا شيء يذكر“، قالت بصوت ناعم وهي تسند ذقنها بيدها وتربّت على رأس القط. كان شعرها الذهبي المائل إلى الحمرة مسحوبًا إلى اليسار، وأخفت رموشها الكثيفة عينيها الزرقاوين جزئيًا. وابتسمت شفتيها القرمزيتين، المتناغمتين مع بشرتها الفاتحة التي لوحتها الشمس، بابتسامة هادئة.
كل كلمة وحركة من سيلا أظهرت أنها لا ترى ما فعلته أمرًا استثنائيًا. فبينما يتجنب النبلاء فعل ‘ما يجب فعله‘ بدافع الكسل، كانت تعتبره مهمةً عادية.
ولذا، شعر هاري بإعجاب أعمق تجاهها.
“أرجوكِ، اسمحي لي بأن أكون سيفًا مكرّسًا لك وحدك، انستي.”
نظرت سيلا بصمت إلى الرجل الراكع أمامها.
‘ظننتُ أنه يريد فقط رد الجميل.’
ما قاله للتو كان قسمًا. إنه مختلف عن قسم الولاء لعائلةٍ كجزء من منزلها. كان قسمًا يخدم فيه المرء شخصًا بعينه، ويعيش كسيفٍ له وحده. ومتى قُطع هذا القسم، لا يمكن التراجع عنه أبدًا.
خفضت يدها التي كانت تسند ذقنها وتحدثت ببطء.
“…أأنت مدركٌ لثقل كلماتك هذه؟“
“نعم.”
جاءت إجابته الحاسمة دون لحظة تردد.
“أخي!”
تجمد زيون من الصدمة، ثم استفاق فجأة وصاح بدهشة.
‘كما توقعت، سيحاول منعه.’
فعندما يُقطع قسم السيف، يظل نافذًا حتى لو تخلى السيد عن تابعه، فيبقى خادمًا له حتى الموت. ولو كان تيتي إنسانًا وحاول أداء قسم كهذا، لكانت سيلا قد ركضت خلفه ومعها طعام الغداء لتمنعه بكل وسيلة.
“كنتُ أريد أن أؤدي القسم الأول لأنستي بنفسي!”
…هاه؟
“لقد قلتُ لك إن انستي شخص استثنائي، ولكنك تصرفت ببرود! والآن تتدخل؟ هذا غير عادل على الإطلاق!”
بعيونٍ دائرية ارتفع فيها الغضب، وقبضتيه مشدودتين، استدار زيون بغضب نحو شقيقه الأكبر. ثم، دون تردد، ركع بجانبه ونظر إلى سيلا.
“لردّ الجميل الذي قدمته لي، أود أن أكرّس نفسي خادمًا مخلصًا لكِ وحدك، انستي. أرجوكِ، تقبليني ضمن خدمك.”
في الحقيقة، كانت مسألة رد الجميل مجرد ذريعة. فعندما رأى كيف تلاعبت بأفعال الماركيز أرسيل بكلمات معدودة، شعر وكأن نيرانًا اشتعلت في عينيه. ومنذ تلك اللحظة، وقع في حبها بجنون، وقرر أن يخدمها. وكان مستعدًا لفعل أي شيء لتحقيق ذلك.
“قد لا أُجيد استخدام السيف، لكنني بارع في الحساب والعمل – حتى إن كبير الخدم أراد أن يُدرّبني ليصبح لي منصب خادم رئيسي!”
تابع زيون، مبرزًا نقاط قوته.
“أستطيع حمل الأمتعة، والتنظيف، وأداء أي عمل آخر! وإن كان قسم السيف ضروريًا، فسأبدأ تعلّم المبارزة من اليوم!”
كانت عيناه البنيتان الفاتحتان تلمعان بيأس، مثل نظرة جروٍ يتوسل إلى صاحبه. ضمت سيلا شفتيها أخيرًا وتحدثت.
“هل تخاف من القطط؟“
“ماذا؟“
اتسعت عينا زيون بدهشة من السؤال الذي بدا عشوائيًا، ثم لمح تيتي جالسًا على حجرها.
آه، صحيح. الانسة لديها قطة.
“لا، لا أخاف منهم.”
“جيد. إذًا سأعتمد عليك من الآن فصاعدًا.”
اتسع فم زيون في ابتسامة عريضة، كما لو أنه جرو سمع صاحبه يقول. “سأعتمد عليك“.
“سأبذل قصارى جهدي في خدمتك، انستي!”
وضع كلتا يديه بعناية على الأرض أمام ركبتيه، وانحنى باحترام، ثم وقف. وفي تلك الأثناء، تحولت نظرات سيلا إلى هاري. بينما ركع زيون ونهض، بقي هاري راكعًا، منتظرًا بصبر ردّها.
“لقد تلقيتَ عرضًا آخر، أليس كذلك؟“
“نعم.”
تأخرت إجابة هاري لبضع ثوانٍ. وعندما سمع سؤالًا مختلفًا عمّا وُجّه إلى زيون، اجتاحته أفكارٌ سلبية جعلته يُشدد قبضتيه حتى برزت عروقه.
“اذهب إلى هناك.”
“انستي، أنا لا أخاف من القطط أيضًا! أرجوكِ اسمحي لي…”
“عليك أن تغيّر طريقة مخاطبتك لي. آه، مع أنك ستظل تناديني بـأنستي أمام الآخرين، فلنترك الأمور هكذا مؤقتًا.”
رفع هاري رأسه، واتسعت عيناه البندقيتان المشرقتان بدهشة. بابتسامة خفيفة، بالكاد تُرى، أضافت سيلا كلمات أخرى لتساعده على استيعاب الموقف الذي بدا وكأنه لم يفهمه بعد. وبينما لفح الهواء شعرها وحركه أمام وجهها، بقيت عيناها الزرقاوين ثاقبتين وثابتتين وهي تنظر إليه.
“سأقبل قسمك، ولكن في الوقت الحالي، اذهب واحرس ليليا كما طُلب منك.”
“سأُطيع أمرك.”
استعاد هاري هدوءه، وانحنى باحترام. وبعد أن أرسلت الأخوين بعيدًا، ظلت سيلا تحدق في المكان الذي كانا فيه طويلًا.
‘لم أتوقع أن تسير الأمور هكذا، لكنها ليست سيئة.’
رغم أنها لم تكن تثق بهما بعد، إذ إنهما غريبان عنها، فقد قررت مراقبتهما لبعض الوقت. وعندما خفضت عينيها، لاحظت أن تيتي كان يحدّق في المكان نفسه الذي كانت تنظر إليه.
“ما بك؟ هل يزعجك الأمر؟“
“ميااو.”
ربتت سيلا على رأس تيتي برفق، ثم دفعت كرسيها وجلست أمام المكتب. كانت هناك كومة من الدعوات التي لم تردّ عليها بعد. في الأيام التي لا تلتقي فيها بكاليكس، تختار مناسبة من بين تلك الدعوات وتحضرها.
وبينما كانت تقلب الدعوات واحدة تلو الأخرى، اتسعت عيناها فجأة.
“…ديزي.”
قرأت اسم المرسِل المكتوب على الدعوة الوردية الفاتحة دون وعي، ثم ابتسمت بخفة.
‘أخيرًا وصلت.’
لقد انتظرت طويلًا حتى بدأت تظن أنها ستضطر إلى إيجاد طريقة أخرى للقائها.
ومن دون تردد، أمسكت سيلا الريشة لتكتب ردّها فورًا.
***
في أعلى الورقة الوردية، كُتبت بخط مستدير ناعم عبارة “إلى الانسة سيلا آرسيل“، لكن بقية الورقة كانت فارغة تمامًا. كانت ديزي تمسك بالريشة بإحكام، عاجزة عن كتابة كلمة واحدة رغم أنها كانت تحدّق في الورقة منذ ما بدا وكأنه ساعات.
“لا أستطيع فعلها!”
وأخيرًا، وضعت ديزي الريشة، وانحنت برأسها بشدة. وقد غطى شعرها البنيّ المجعّد وجهها الذي كان على وشك الانفجار بالبكاء.
“كان يجدر بي إرسال ردّي إلى السيدة آرسيل منذ وقت طويل…”
كانت تقضي يوميًا حتى ثلاث ساعات في محاولة كتابة الرسالة. ولكن، بسبب ضعف مهاراتها الكتابية وخطّ يدها غير المنظّم، لم تتمكن أبدًا من الشعور بالثقة الكافية لإرسال ردٍّ لائق.
“آه…”
وكان سطل النفايات قد امتلأ بالأوراق من ذات لون الورق الرسمي الموضوع على مكتبها.
“من المؤكد أن الانسة آرسيل تظنّ الآن أنني وقحة… إنني أرسل لها رسالة فقط بعد أن أصبحت انسة الدوق إيكاروس. ماذا لو ظنّت أنني أفعل هذا لمجرد العلاقات والنفوذ؟“
وفيما كانت ديزي تُفرغ قلقها بصوت يوشك على البكاء، أطلقت اييشا ليموند تنهيدة خافتة. فمنذ صغرها، كانت ديزي خجولة بطبعها، وتُفرط في القلق بشأن أبسط الأمور. نظرت اييشا بقلق إلى صديقة طفولتها التي بدت شاردة في أفكارها.
“أوه، هل هذا معقول؟“
“ألم ترسل لك الانسة سيلا رسالة تقول فيها إنها ترغب في لقائكِ؟ بما أنكِ تنظرين إلى الأمر بإيجابية، فإن كل ما تحاولين فعله الآن هو تحديد متى تكتبين الرد وتُرسلينه.”
تابعت اييشا كلامها وهي تراقب ديزي، التي كانت قد انحنت للأمام على المكتب ثم رفعت رأسها لتنظر إليها.
“وهل تظنين أن الانسة سيلا من النوع الذي يغضب لأجل شيء كهذا؟ لا أعتقد ذلك.”
“وأنا… لا أعتقد أنها من هذا النوع أيضًا.”
“أرأيتِ؟ إذن، فلننتهِ من كتابة الرسالة اليوم ونُرسلها. وإلا فسأكتبها بنفسي باسمك، لذا أسرعي وأنهيها.”
“آه!”
اعتدلت ديزي في جلستها بسرعة، وتناولت الريشة، متذكّرة بوضوح الإحراج الذي شعرت به في المرة الأخيرة حين أخذت اييشا ورقتها الرسمية وكتبت بدلاً منها. بينما كانت ديزي تحاول جهدها كتابة شيء لائق، ارتشفت اييشا من كوب الشاي بهدوء وهي تُميله برفق.
“لقد أنهيت كتابتها، لكن خطّي فظيع. ربما عليّ أن أبدأ من جديد…”
“أعطيني إياها.”
“آه! اييشا!”
في ذلك اليوم، سلّمت اييشا الرسالة المكتملة إلى الخادمة نيابةً عن ديزي، إذ كانت الأخيرة مترددة في إرسالها بنفسها.
وفي اليوم التالي، أرسلت سيلا، التي كانت تنتظر الرد بفارغ الصبر، جوابًا إيجابيًا، وبعد أربعة أيام، زارت قصر عائلة آسبل. وهناك، قادتها خادمة إلى غرفة الضيافة، حيث استقبلتها ديزي.
“شكرًا على دعوتكِ لي إلى منزلكِ، انسة آسبل.”
“لـ، لا، بل الشكر لكِ على قدومكِ!”
ارتجف صوت ديزي، واحمرّ وجهها خجلًا. وقد ذكرها لون الشاي الأحمر الذي قُدّم لها بلون وجهها، فانقبضت ملامحها، وكأنها على وشك البكاء.
‘يجب أن أعتذر أولًا…’
كان عليها أن تعتذر عن تسبّبها بالمشاكل عندما جاءت هايلي لمقابلة سيلا. وتذكّرت كم من الجهد بذلته في كتابة الرد خصّيصًا من أجل ذلك اللقاء، فشدّت على تنورتها بإحكام.
“شكرًا لأنكِ أعرتني منديلكِ في المرة السابقة.”
“أنا آسفة لما حصل حينها، آه… نعم؟“
كجروٍّ مُفاجَأ، اتّسعت عينا ديزي وهي تحدّق في سيلا، وشفتيها مفرجتان قليلاً، غير قادرة على إغلاقهما. كانت سيلا ترتدي فستانًا قطنيًا بسيطًا، وقد وضعت فنجانها على الطاولة ثم أخرجت منديلاً من جيبها.
لقد كان منديل ديزي، المطرّز بفراشة ذهبية.
“لم أواجه أيّ مشكلة منذ أن استخدمته.”
“آه… حين أفكّر في مقدار الإزعاج الذي سبّبته لكِ، يبدو هذا شيئًا تافهًا. أعتذر لكِ بصدق عمّا حدث حينها.”
“هل كان حقًا خطأكِ؟“
سألتها سيلا وهي تضع المنديل على الطاولة.
“بصفتكِ من جلبت تلك الانسة بصحبتك، لم ترتكبي خطأً. وإن وُجد خطب ما، فكان بيني وبين الانسة دياني فحسب.”
ابتسامتها الهادئة، وكأنّ لا شيء يُقلقها، جعلتها تبدو كزهرة متفتّحة تمامًا. وكأنّ الفراشات الذهبية المطرّزة على المنديل ظنّتها زهرة حقيقية وحامت نحوها. كانت ابتسامة سيلا، مع عودة اللون إلى وجنتيها، آسرة للغاية يصعب صرف النظر عنها.
كان الفستان ملائمًا لها تمامًا، لكن لو كنتُ أنا من ارتداه… سرعان ما طردت ديزي هذه الفكرة من رأسها، وفتحت فمها لتتحدث.
“مـ، مع ذلك…”
وبينما كانت ديزي تُحاول التخلّص من الشعور بالذنب الذي لا يزال عالقًا في نفسها، رمقتها سيلا بنظرة ماكرة بعض الشيء.
“إن كنتِ تشعرين بذلك فعلًا… فهل تسدين لي معروفًا؟ إنه أمر لا يستطيع أحد سواكِ مساعدتي فيه.”
“ما نوع هذا المعروف؟“
سألت ديزي بسرعة، فنظرت سيلا إلى المنديل على الطاولة.
“إنه من أجل مسابقة الصيد القادمة. هل يمكنكِ إخباري من الذي صنع هذا المنديل؟ إنه جميل للغاية، وأودّ أن أتعلم منه.”
واحمرّ وجه ديزي كما لو أنّه شاي مغلي بلونٍ قانٍ.
—يتبع.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 54"