كان تمثال صغير لملاك رضيع يقف بذراعين ممدودتين وابتسامة لطيفة على وجهه، وكأنه هبط تَوًّا من السماء ليُبارك الأرض. أسفل التمثال، كان خادم بشعر بنيٍّ مُجعَّد يُمسك بكتفي خصمه بشدة ويحدّق فيه بحدّة.
“كُفَّ عن هذا السلوك غير اللائق، سير جايس، وتراجع فورًا.”
“هاه! انظر إليك، تتحدث كأخيك اللقيط! هل الإزعاج من صفات العائلة؟ هاه؟“
قهقه جايس بسخرية وابتسامة ملتوية. رؤية فارس، من المفترض أن يتحلى بالكرامة، يتصرف كرجل عصابات جعلت زيون يعبس باشمئزاز. لم يكن يُصدق أن هذا الرجل يحمل نفس اللقب الذي يحمله أخوه.
‘…لقد قيل لي أن أتوخى الحذر منه، ولكن مع ذلك…’
جايس، الفارس ذو الشعر الأزرق الداكن، كان قد أصبح سيّئ السمعة بين الخدم. حين وصل لأول مرة إلى ماركيزية آرسيل، كسب ود الجميع بسرعة بمظهره الجذاب وسلوكه اللطيف. ولكن منذ أن أصبح الحارس الشخصي للآنسة ليليا، بدأ اسمه يُتداول لأسباب مختلفة تمامًا.
كان رجلًا خطيرًا يختبئ خلف قناع لطيف.
أمام رؤسائه أو في التجمعات الكبيرة، يتصرف كأنه فارس نبيل. أما في الخفاء، فكان يُضايق الخدم الهادئين ويُرهبهم، بغض النظر عن جنسهم. وقد انتشرت الشائعات على نطاق واسع.
‘كان ينبغي أن أبقى بعيدًا بعد سماع تلك الشائعات…’
كان زيون حذرًا في البداية، لكنه خفّف من حذره تدريجيًّا. فبعد أن تربى على عدم الحكم على الآخرين من خلال الأقوال، وثق فقط بما رآه بعينيه — وبهذا خُدع بقناع جايس.
“لماذا تفعل هذا؟“
“كل هذا بسبب أخيك اللعين، هاري.”
زمجر جايس بأسنانه، وكأن مجرد ذكر اسم هاري يُثير فيه الغضب. أثناء المبارزة لاختيار حارس الانسة ليليا، انسحب هاري بهدوء ودون أن يُبذل جهدًا يُذكر، بينما تُرك جايس يلهث من شدة التعب. تلك اللحظة حطّمت شيئًا داخله. وفي مكانه، اشتعلت نيران الغضب وتزايدت حدتها مع الوقت. ثم، وفي أحد الأيام، اكتشف الحقيقة.
زيون هو شقيق هاري الأصغر.
“لا تعلم كم عانيت، وأنا أُجبر نفسي على التظاهر بأنني غفلت عن تلك الشائعات السخيفة.”
الشائعات الشريرة عنه كانت قد سبقت قدومه، وجعلت العاملين حذرين تجاهه قبل أن يبدأ عمله رسميًا. وكان مجرد التفكير في الأمر يُوتر جايس، فتجعد جبينه وهو يزفر بغضب، ثم سرعان ما عاد للضحك وهو يضغط على جبهته كمن وجد في الأمر متعة.
“أوه، صحيح. إن أخبرتَ أحدًا عمّا جرى اليوم، فسيكون رفيق غرفتك أول من يدفع الثمن. مفهوم؟“
“أنت—!”
أمسك جايس بياقة قميص زيون ودفعه بعنف. ارتجفت عينا زيون البنيّتان بلطف، وكأنه على وشك البكاء في أي لحظة. ولما رأى ذلك، ابتسم جايس بازدراء.
لكن في تلك اللحظة—
“آه!”
ركله زيون بقوة في بطنه. انحنى جايس ألمًا وحاول الإمساك بزيون الذي بدأ في الهرب.
“أيها الحقير! هل تسعى للموت؟!”
نهض جايس وركل زيون في خاصرته.
“سير، أنا أخبرك، توقّف قبل أن تجذب الأنظار.”
“وماذا إن فعلت؟ أنت تعلم جيدًا كم أن هذه الحديقة مهجورة.”
رفع جايس قبضته مرة أخرى، استعدادًا للضرب.
“ما الذي تفعله؟“
تجمّدت قبضته في الهواء. استدار كلاهما نحو الصوت الحادّ البارد، فرأيا ماركيز آرسيل يقف إلى جانب سيلا.
‘لم يكن من المفترض أن يأتي أحد إلى هنا في مثل هذا الوقت…’
بمجرد أن تعرّف جايس على صوت سيلا، شحب وجهه على الفور.
“انـ، انسة سيلا، أنا… هذا—”
بينما كان جايس يتلعثم محاولًا إيجاد عذر، أغلق زيون فمه بسرعة وانخفض، متراجعًا عن خطته في عضه إن تعرّض للضرب مرة أخرى.
“سيدي، لدي بلاغ. رجل يُفترض به أن يحفظ شرف منزل آرسيل قد اعتدى على خادم ضعيف بقوة مفرطة، وهدده بإسكاته، بل وخوّفه بتهديد عائلته أيضًا. بالإضافة إلى ذلك…”
وبعينين دامعتين، بدأ زيون يُبلغ عمّا حدث بصوت مرتجف.
“هذا غير صحيح! بصفتي سيف منزل آرسيل، لا يمكنني أبدًا أن أُلطّخ اسم العائلة! نحن مجرد أصدقاء وكنا نلهو فقط!”
عبس الماركيز من هذا العذر الواهي. وإن لم تخنه الذاكرة، فهذا الرجل هو أحد الحراس الشخصيين لـليليا. ولرغبته في تجنب تصعيد الأمور، تمعّر وجهه ونطق بصرامة.
“لا تمزح بتلك الطريقة المُفرطة، خاصة مع من لا ينتمي إلى طبقة الفرسان.”
“أمرك، سيدي!”
أجاب جايس بحماس. وعلى عكس جايس المُرتاح، شحب وجه زيون. ‘كيف له أن يترك الأمر يمر هكذا، رغم أنه رأى كل شيء بعينيه؟‘ قبضت يداه على التراب، يائسًا.
ثومب. ثومب.
في تلك اللحظة، قاطع صوتٌ هادئ وحازم الجوّ.
“أبي.”
استدار الماركيز نحو مصدر الصوت.
“لقد رأيتَ ما رأيتُه أنا تمامًا. هل بدا لك الأمر كأنه مزاح؟ بالنسبة لي، بدا الأمر أشبه بجايس، الذي يُسمي نفسه سيف آرسيل، يُهين اسم العائلة بالكذب على سيده.”
وقفت سيلا والشمس خلفها، ملامحها ثقيلة وجادة. في العادة، ترتسم على وجهها ابتسامة لطيفة حين تكون أمام والدها، لكن التباين الآن كان أشبه بالبرودة القارسة.
كانت نظراتها الهادئة تُهمس وكأنها تقول.
“إن تركتَ الأمر يمر، فسأُصاب بخيبة أمل عظيمة.”
ابتلع الماركيز ريقه بصعوبة.
“بالطبع لا.”
“أليس كذلك؟“
“اهم! أيها الوغد! كيف تجرؤ على تلويث اسم سيدك بأكاذيبك الوقحة؟!”
اغتنم الماركيز الفرصة، وألقى باللوم كله على جايس، صارخًا بغضب.
“لا مكان لسيف مثلك في منزل آرسيل!”
عند هذا التحول المفاجئ، رفع زيون رأسه بحذر. وللحظة، استمتع بمشهد وجه جايس الشاحب والجامد تحت غضب سيده.
‘يستحق ذلك… لحظة، ماذا؟‘
لكن عينَي زيون اتسعتا حين لمح سيلا تبتسم بهدوء خلف والدها.
***
مؤخرًا، كثر الحديث في قصر آرسيل عن تعيين الحارس الجديد للانسة ليليا. لكن بعد أن كُشف اعتداء جايس على أحد خدم سيده، جُرّد من لقبه وطُرد من الأسرة نهائيًا. وقد اجتمع الخدم الذين كانوا يعلمون بالشائعات منذ زمن، يتناقلون الحديث براحة.
“آه، أشعر وكأن همًّا أُزيح عن صدري.”
“بصراحة، كنت أظن أن الشائعات مبالغ فيها. فقد كان وسيماً وساحرًا… لكن مع ذلك.”
“هل رأيت الكدمة على كتف زيون؟ يا لها من راحه أن الانسة سيلا أحضرت السيد إلى الحديقة الغربية في الوقت المناسب.”
“بالضبط! كنت أحذر زيون دومًا من الاقتراب منه، ناهيك عن الذهاب معه إلى الحديقة الغربية، لكن هذا الطفل لا يصدق إلا ما يراه بعينيه…”
دقّت إحدى الخادمات المسنّات على صدرها بقلق، متذكرةً التوتر الذي عانته.
“كنت أعلم أنه سيتورط في نهاية المطاف. مهما طال الذيل، فلا بد أن يُداس. كانت مسألة وقت فقط.”
لكن ما لم يعرفه أحد، أن هذا ‘النتيجة المتوقعة‘ في القصة الأصلية استغرقت وقتًا أطول بكثير لتتحقق.
وضعت سيلا الكتاب الذي كانت تقرأه بهدوء، ونظرت إلى الزوار أمامها. كان يقف أمامها زيون، بشعره البني المُجعّد ومظهره الشبيه بجرو وديع. وإلى جانبه رجل ضخم البنية كـكاليكس، برأسٍ مُنحنٍ باحترام. وكان شعره أيضًا بنيًّا ومُجعّدًا، مثل زيون.
“اسمي زيون. شكرًا لأنكِ وافقتِ على طلب رفيقي بلقائكِ! وشكرًا مرة أخرى لإنقاذكِ لي في ذلك اليوم!”
“لا حاجة للشكر. يمكنكما رفع رأسيكما الآن. الأهم… هل تشعر بتحسن الآن؟“
“نعم! بفضلكِ، تعافيت تمامًا!”
رفع زيون وهاري رأسيهما. وانحنت عينَا زيون بلُطف في ابتسامة مشرقة، تُشبه الجراء الصغيرة. راقبته سيلا وهي تُربّت بلا وعي على قطّها تيتي.
‘إذًا، هذا هو الفتى الذي اضطر للاستقالة بسبب جايس.’
حتى بعد مغادرة زيون، استمر جايس في خدمة ليليا كفارس شخصي. ولم يُجرد من لقب الفارس إلا بعد أن تحرش بإحدى خادمات ليليا. حينها، تقدّم هاري —المرشح القوي لمنصب حارس ليليا— بطلب مقابلتها.
[“أُعلن انسحابي من الترشح لحماية الانسة ليليا آرسيل، وكفارسٍ من منزل آرسيل.”]
وتحدث عن أخيه الأصغر. ولمدة أيام، سرد كل ما حدث لزيون، بالتفاصيل الزمانية والمكانية. وفي النهاية، وبّخ ليليا مباشرة.
[“حين حاول أخي إخباركِ عن جايس قبل أن يستقيل، لماذا تجاهلتِه؟“]
بكت ليليا واعتذرت. وقالت إنها وثقت بفارسها بشدة، ولم تستطع اتهامه دون دليل. وأضافت أنها الآن تندم على قرارها.
عندما تذكرت سيلا القصة الأصلية، ارتسمت على شفتيها ابتسامة باهتة باردة.
‘أنتِ لم تحاولي حتى البحث عن ذلك الدليل.’
كلّما أثارت سيلا مخاوفها بشأن جايس أثناء حديث ليليا بفخر عن فارسها الجديد، كانت الأخيرة ترد دائمًا بقولها.
“أختي، لماذا تحاولين تشويه سمعة فارسي؟“
ولم تستمع إليها قط.
“شكرًا لكِ، انسة سيلا، على إنقاذكِ لأخي.”
“لا داعي للشكر. لقد فعلتُ فقط ما كان ينبغي فعله.”
لقد كان مجرد واجب.
تحولت عينا سيلا الزرقاوان نحو هاري، الرجل الذي لم تتزعزع قناعاته. هذان الأخوان، اللذان نشآ على العدالة والولاء، كانا بالضبط من تحتاج إليهما الآن.
‘لو كان زيون قد تجنب جايس بسبب الشائعات التي نشرتها آنذاك، لما نجح هذا المخطط.’
لكن من خلال سارا، علمت سيلا أن زيون وجايس قد تقاربا. لذا تصرفت في اللحظة المناسبة — في اليوم الذي ذُكر في القصة الأصلية على لسان هاري.
لقد استغلّت فقط حسّهما بالواجب لمصلحتها.
“حتى وإن كان ما فعلتِه واجبًا، فأنا أُقدّره، انسة سيلا، بصفتي شقيق زيون.”
قالها هاري، ثم ركع على ركبة واحدة وانحنى بعمق.
“أرجوكِ، اسمحي لي بفرصة لردّ هذا الجميل.”
‘هاهو.’
ابتسمت سيلا في سرّها. كانت قد بدأت بالفعل تُحضّر الكلمات التي ستجعل هاري مراقبًا لليليا وتضعه في المكان الذي تريده تمامًا.
حينها—
“أرجوكِ، اقبلي بي كـسيفكِ.”
—يتبع.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 53"