لم تكن سيلا تعلم كل شيء، بل لم تتجاوز معرفتها سوى بقايا باهتة من القصة التي رواها كين بعد شرحه.
‘منذ سبعة عشر عاماً… شبحٌ عاد من الموت، أسَّس نقابةً لتعقّب الجاني بعدما فقد عائلته.’
ابتسامة كين، وكأنها غارقة في التأمل، بدت وكأنها على وشك أن تتلاشى في أية لحظة.
“بدلًا من ألّا يكون لديك أي فرصة، فإن وجود فرصةٍ ضئيلة للعثور على عائلتكِ الحقيقية يُعد حظًا بحد ذاته.”
عندما انخفض صوته فجأة، كأنما تشرّب الحزن، بات من الصعب البقاء جالسةً مكانها.
‘بالنسبة لي… لا أرغب في تبديد ما تركه الراحلون خلفهم.’
لم يكن هناك داعٍ للخوض في أمورٍ شخصيةٍ كهذه، فاختارت سيلا كلماتها بعناية ونهضت واقفة.
“سأذهب الآن.”
“بالفعل؟“
“نعم، هناك مَن ينتظرني في الخارج.”
“لا تقولي لي… أنه ذلك الرجل؟“
هبطت شفتا كين في امتعاضٍ فوري، فأومأت سيلا بكتفيها في تأكيدٍ غير مباشر. كان من الواضح تمامًا من يقصد، بالنظر إلى مدى وضوح كراهيته له.
“الرحلة طويلة. ولخداع الماركيز أرسيل وزوجته، من الأفضل أن نسافر معًا.”
كانت قد أخبرت الماركيز أرسيل بالفعل أنها في طريقها إلى فيلا كاليكس.
“فهمت…”
اختفى وجه كين خلف شعره، لكن التوتر كان جليًا في الأجواء المحيطة به.
“هل أرافقكِ؟ لا يهم كم فكّرت في الأمر، وجودكما وحدكما يبدو خطِرًا.”
“لا حاجة لذلك. مما سمعته من فابيان، فأنت مشغولٌ هذه الأيام. ثم إن وجود كاليكس كافٍ، أليس كذلك؟“
“ولهذا السبب بالتحديد، يصبح الأمر أكثر خطورة.”
من يدري ما الذي قد يفعله ذلك الرجل؟
فرك كين وجهه بكلتا يديه، وزفر تنهيدة عميقة بدت وكأنها غرقت في الأرض. ثم نهض فجأة، وفتح درجًا وراح يفتّش داخله.
“خذي هذه.”
“ما هذه؟“
سألت سيلا، وهي تحدّق في تلك العِصِي الصغيرة بحجم راحة اليد التي ناولها إياها.
“أدوات سحرية بسيطة للدفاع الذاتي. تحتوي على تعويذة تُسقِط رجلًا بالغًا أرضًا. إن كنتما وحدكما، فستحتاجين إلى شيء كهذا.”
ابتسم كين بتفاخرٍ وهو يشرح طريقة استخدامها.
‘إن كان يعرضها، فلا سبب يدعوني لرفضها.’
وضعت سيلا العصا السوداء في عباءتها واستدارت لتغادر.
‘لقد تأخّرتُ، أليس كذلك؟‘
كان الشرح قد استغرق وقتًا أطول مما ينبغي. وبينما كانت تهمّ بالمغادرة، فكّرت في كاليكس الذي لا بد أنه ينتظرها، فتوقفت فجأة.
تذكّرت أمرًا كانت قد نسيته.
“أوه، هل يمكنك أن تشتري لي منجمًا للحجر المتوهّج؟“
“منجم الحجر المتوهّج؟ لماذا؟ يمكنني شراؤه لك، لكنه تافه.”
كان الحجر المتوهّج، كأحجار السحر، من المعادن التي تحمل طاقة سحرية لكنها غير مصقولة. غالبًا ما يُخطَأ بينها وبين أحجار السحر بسبب تفاعله السحري عند دفنه، لكن استخراجه لا يجلب سوى خيبة الأمل.
على الرغم من سنوات من الأبحاث حول إمكانيته كحجر سحري ثانٍ، لم يتمكن أحد من تنقيته. والآن، أصبح مالكوه، المثقلون بالضرائب، حريصين على بيعه، حتى وإن كان ذلك بخسارة.
“ذلك الحجر ثمين. لا يمكنني شرح الأمر الآن، لكن ثق بي.”
فتح كين فمه بدهشةٍ لوهلة، قبل أن ترتسم على وجهه ابتسامة، ثم أومأ بإبهامه وسبّابته مشكلًا علامة الموافقة.
“لم أرَكِ تخسرين صفقة من قبل. جيد. كم أشتري؟“
“بالطبع… كل ما يمكنك شراءه. جميعهم.”
***
بعد رحلة طويلة، ترجّلت سيلا من العربة. كان مظهرها مختلفًا بعض الشيء عن المعتاد. أخفت شعرها الأشقر المموّج تحت شعر مستعار أسود كالليل، وارتدت ثيابًا من نوع القماش الذي يرتديه العامة. أمسكت بطرف قبعتها العريضة بإحدى يديها، واستدارت إلى كاليكس.
“يمكنني التعامل مع الأمر بنفسي. أعتذر لإزعاجك وجعلك ترتدي شعرًا مستعارًا كذلك.”
كان كالكس قد أخفى شعره الأسود تحت شعر مستعار ذهبي، وارتدى هو الآخر ثياباً أبسط.
“لا بأس. أنا من أصررت على المجيء.”
قبل أن يأتوا، كانوا قد طلبوا من كين معلومات أساسية عن الميتم. وتبيّن أنه من بين المياتم التي ترعاها عائلة الماركيز أرسيل. لذلك، لم يكن من الوارد الكشف عن هويتهما الحقيقية.
‘عليّ مقابلة نائب المدير.’
لا شك أن الماركيز أرسيل الراحل قد توقّع هذا الظرف، ولهذا رتّب زيارتها مسبقًا. وكان نائب مدير الميتم أحد أولئك الذين يدينون له بالكثير. ووفقًا لتعليمات الوصية، كانت تنوي لقاءه، وإنهاء أمرها، والرحيل فورًا.
“كاليكس، من الآن فصاعدًا، نادِني سيل أمام الآخرين.”
“مفهوم. إذًا ناديني ليكس.”
وحين دخلا الميتم، استقبلهما صوت ضحكٍ بريءٍ خالص.
“قهقه!”
كان الأطفال يلعبون في الساحة الصغيرة، بعضهم يرمي كرة، وآخرون يلعبون دور العائلة. ولكن، شيئًا فشيئًا، لاحظوا وجود الغريبين، فتوقّفوا عن اللعب، وراحوا يتأملونهما بحذر.
“يجب أن نُسرِع.”
كان الأطفال يبدون متوجسين، فشدّت سيلا كمّ كاليكس وهمست له. لكنها ما لبثت أن لاحظت أن لا وجود لأي بالغٍ في المكان. ولذا، اقتربت من أقرب طفلة، كانت تحتضن كرة.
“مرحبًا، صغيرتي.”
قالت سيلا، وهي ترسم ابتسامةً دافئة على وجهها، تخوفًا من أن تُفزع الطفلة.
“واو، جميلة جدًا…”
“هاه؟“
“أعرف من أنتِ!”
صاحت الطفلة، بعينين تتلألأان ببراءة وعزيمة.
“أنتِ ملاك! الملاك الذي حقق أمنيتي البارحة!”
ملاك؟
وقفت سيلا مدهوشة، عاجزة عن الرد. بينما الأطفال الذين سمعوها، بدأوا يلتفون حولها كقطيعٍ صغير.
“آيلي، أنتِ سخيفة! لا وجود لملاكٍ دون أجنحة!”
“ربما فقدتها!”
“حقًا؟“
“نعم! وحتى دون أجنحة، أليست لامعة وجميلة جدًا؟“
“معكِ حق!”
تركتهم أحاديثهم البريئة مذهولة وعاجزة عن الكلام.
وفي تلك اللحظة، انطلق ضحك عميق من جانبها.
كاليكس، بالطبع.
“يبدو أن الأطفال يملكون حسًّا جيدًا في الناس.”
“أنت تسخر منّي، أليس كذلك؟“
“بل أقول الحقيقة.”
قالها بعينين ضيّقتين، وصوتٍ يحمل أثر ابتسامةٍ خفيّة.
رمقته سيلا بنظرة ممتعضة، ثم أعادت نظرها إلى آيلي – الطفلة التي نادتها بالملاك أول مرة.
“أنا آسفة، لكنني لست ملاكًا. أنا بشر مثلُكِ.”
“حتى الملائكة يكذبون أحيانًا!”
حاولت سيلا أن تنفي ذلك مرارًا، لكن وجه آيلي ظلّ مصرًّا على إنكار قولها. وأخيرًا، وقد أرهقها الجدال، مرّرت يديها على وجهها بانزعاج.
“إذًا، هل يمكنكِ أن تعديني ألّا تناديني ملاك أمام الآخرين؟“
“ألا أناديكِ ملاك؟“
“صحيح.”
“حسنًا!”
أومأت آيلي بقوة، مؤكدةً وعدها.
بعد أن حصلت على هذا الوعد، دفعت سيلا خصلات شعرها عن وجهها، وعادت لتركيزها على الهدف الرئيسي، لتسأل عن سبب اقترابها من آيلي منذ البداية.
“ألا يوجد بالغون هنا؟“
ولأول مرة، أطبقت آيلي شفتيها. لكن بقية الأطفال أجابوا عنها.
“لا، ليسوا هنا. هوغو اختفى، والجميع يبحث عنه.”
“المعلمون لم يسمحوا لنا بالخروج مؤخرًا، لذا لا بد أنه تسلّل للعب.”
“سمعتهم يقولون إن الأمر قد يكون خطيرًا. ماذا قالوا؟ آه، قالوا إنه ربما خُطِف.”
راح الأطفال يتحدّثون دفعة واحدة، لكن سيلا تمكّنت من تجميع الخيوط وفهم السبب وراء خلوّ الميتم من الكبار.
“شكرًا لكم، أيها الصغار.”
كان عليها أن تنتظر عودة نائب المدير. وبينما واجهت هذا الفراغ الزمني المفاجئ، شعرت بشيء من الارتباك.
“ماذا لو ذهبنا إلى الفيلا أولًا؟ هناك بحيرة – لن يكون مكان الإبحار هناك سيئًا.”
همس كاليكس في أذنها، مستغلًا الفرصة. وكان اقتراحه معقولًا، بالنظر إلى وقت الفراغ المتاح فجأة. وبعد لحظة من التظاهر بالتفكير، أومأت له، فتلألأت عيناه فرحًا.
لكن في تلك اللحظة –
سحب. أمسكت آيلي بطرف فستان سيلا.
“ملاك! إن كنتِ تنتظرين المعلم، ألا يمكنكِ البقاء معي حتى يعود؟“
“نعم، العبي معنا!”
وبقيادة آيلي، بدأ بقية الأطفال يتوسّلون إليها كي تلعب معهم. كانت نظراتهم، كفراخٍ تتبع أمّها، صعبة الرفض.
ولو رفضت، قد يُغرقون المكان بالدموع.
نظرت سيلا إلى كاليكس تطلب منه النجدة. لكنه تكلّم قبلها.
“يمكننا الإبحار لاحقًا. إن بدأ الأطفال بالبكاء، سيتعقّد الأمر أكثر.”
رغم قوله إنه لا يمانع، إلا أن خيبة الأمل كانت واضحة في صوته. ابتسمت سيلا بخفوت، وربّتت على كتفه برفق، ثم انخفضت إلى مستوى أعين الأطفال.
“ما الذي تودّون اللعب به؟“
أضاءت وجوه الأطفال فورًا.
“لنلعب بالكرة!”
“لنلعب المنزل!”
“مطاردة!”
“أريد الغميضة!”
رفع الأطفال أيديهم واحدًا تلو الآخر وراحوا ينادون باختياراتهم. وفي خضم الفوضى، أسقطت إيلي كرتها بسرعة وتشبثت بساق سييلا.
“لقد دعوتُ الملاك في الليل، وجاءتني، لذا فالملاك لي! يمكنكم اللعب مع ذلك الرجل هناك!”
“هذا ليس عدلًا!”
“إن لم يعجبكم، فابدؤوا بالدعاء الليلة!”
قالت آيلي بتجهُّم طفولي، كقطّة صغيرة تنفش فراءها، فيما تذمّر الآخرون.
حاولت سيلا تهدئة التوتر وطمأنت آيلي بلطف.
“لنلعب معًا، لا داعي للخصام.”
نفخت آيلي خديها بامتعاض، رافضةً الاقتراح، لكنها في النهاية رضخت.
“حسنًا. فقط لأن الملاك قالت ذلك.”
“هل يمكنكِ التوقّف عن مناداتي بالملاك؟“
“بماذا أناديكِ إذًا؟“
“ناديني سيل، مثل أختٍ كبرى.”
“حسنًا!”
تنفّست سيلا الصعداء، وقد تخلّصت أخيرًا من لقب الملاك.
“هيا نلعب!”
“هيا.”
ركض الأطفال الأكثر نشاطًا برفقة كاليكس، يضحكون ويصرخون. وبهذا، بقيت سيلا ترفّه عن من تبقّى من الأطفال بطريقة لا تتطلب جهدًا بدنيًا كبيرًا.
‘ظننتُ أنها تحب اللعب الحركي‘، فكّرت سيلا، وهي تنظر إلى آيلي التي بقيت ملتصقة بها. فقد كانت تلعب بالكرة قبل قليل. وحتى الآن، بدا أنها غير قادرة على الثبات، تتحرك وتتلّوى كما لو كانت مضطربة.
“إن أردتِ اللعب معهم، يمكنكِ الذهاب.”
“لا! أحبّ البقاء هنا معكِ، اختي!”
تعلّقت آيلي بيد سيلا الصغيرة، وهزّت رأسها. ومهما شجّعتها سيلا على الانضمام إلى بقية الأطفال، كان جوابها ثابتًا. وأخيرًا، قرّرت سيلا التوقّف عن الإلحاح.
‘ما الذي يجعلها مصرّة هكذا؟‘
ثم تذكّرت – عندما نادتها آيلي ملاكًا، كانت قد تحدّثت عن أمنية تمنّتها البارحة.
وضعت سيلا أوراق الأشجار التي أحضرها الأطفال جانبًا، ونظرت إلى آيلي.
“هل هناك شيء تودّين إخباري به؟“
ارتعشت كتفا آيلي، في دلالة واضحة على القلق.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 46"