قبضت السيدة كلارا من عائلة آرسيل على فنجان الشاي بيدين مرتجفتين، وقد تماوج انعكاس صورتها المشوهة على سطح الشاي المرتجف بفعل غضبها المتصاعد. وعندها، حاول ثيودورو تهدئتها بابتسامة لطيفة.
“سيدة كلارا، أفهم قلقك، لكن لا داعي لكل هذا التوتر.”
“سمعت أن اللعنة بدأت تضعف، وتقول لي ألّا أقلق؟ لا بد أن تموت تلك الفتاة قريبًا حتى تنال ليليا السلام!”
رغم حدّة ردها، ظل ثيودورو هادئًا، وتكلّم بنبرة متزنة.
“ما إذا كانت قد أكلت تفاح الجنيات حقًا، لن يتضح إلا حين تعود الخادمة. صحيح أن اللعنة قد ضعفت، لكن هل تتذكرين ما قلته من قبل؟“
“من قبل؟“
“حين كانت الانسة سيلا في العاشرة من عمرها.”
عند كلماته، ارتخت ملامح كلارا المتجهمة قليلًا وهي تتذكّر ذلك.
“…حالةغريبة…”
“يبدو أنك تذكرين. لقد أخبرتك من قبل أن الانسة سيلا قد تكون تعاني من حالة فريدة، خُلقية أو مكتسبة، تمنحها مقاومة للّعنات.”
“نعم، أذكر ذلك. لكن بما أن لعنة الجنية ليست بالأمر الهيّن، فهي فقط تتحملها أفضل من غيرها.”
“بالضبط. كما قلت لك آنذاك.”
رشَف ثيودورو رشفة صغيرة من الشاي، فدوّى صوتاً خفيفًا في الغرفة التي خيّم عليها الصمت.
“ببساطة، اللعنة لا يمكن رفعها.”
“…”
“وفي النهاية، ستأخذ حياتها.”
كانت السيدة كلارا تدرك هذا أكثر من أيّ أحد. فقد سعت طويلًا لإيجاد حل يرفع اللعنة لأجل ليليا، لكن مرارة اليأس كانت تصعد إلى حلقها في كل مرة، قاسية لا تُطاق.
“إنها لعنة شديدة القوة… حتى الحاكم استجاب لقلقك، سيدة كلارا، بأن منحك وسيلة لنقلها.”
وضعت كلارا فنجانها على الطاولة بصوت مكتوم ثقيل، عبّر عن استيائها الذي لم يخبُ.
“نعم، ولكن حين أفكّر بما تفعله تلك الفتاة الوضيعة المجهولة الأصل مؤخرًا، لا يسعني إلا أن أرغب في تذكيرها بمكانتها.”
“عليك أن تتحمّلي، لأجل ليليا.”
“أعلم. كي لا تكتشف الجنية أن اللعنة قد نُقلت، لا بد أن تعيش سيلا حتى تموت بسببها – حتى لو لسبب واحد فقط.”
“أنت تقومين بعمل رائع.”
قالها ثيودورو بابتسامة خفيفة فيها مدح، لكن كلارا لم تُبدِ أي انطباع، ورفعت فنجانها مجددًا بيد منزعجة، حين…
نوك، نوك.
“إنها دانا، سيدتي.”
كانت الخادمة التي أُرسلت لتتقصّى أمر سيلا قد عادت. دخلت دانا بحذر، وانحنت باحترام. أما كلارا، وقد بلغ صبرها منتهاه، فقد رمقتها بنظرة باردة.
“لقد تأخرتِ.”
“أنا آسفة.”
انحنت دانا حتى كاد جبينها يلامس الأرض. نقرت كلارا بلسانها في ضيق. هذا السلوك المعتذر، وكأن ‘آسفة‘ ستحلّ كل شيء، كان يثير حنقها.
“يكفي. ارفعي رأسك وأخبِريني بما وجدتِ.”
وضعت كلارا فنجانها مجددًا متظاهرة بالسماحة، فقد كانت هناك أمور أكثر إلحاحًا.
الآن ستعرف. هل كانت الفتاة تعلم بشأن اللعنة؟ هل أكلت تفاحة الجنيات؟ كل شيء سيظهر.
عدّلت دانا جلستها، وبدأت الحديث:
“فتشتُ الغرفة، لكن لم يكن هناك شيء تحت السرير.”
“وماذا عن الأماكن الأخرى؟ هل وجدتِ شيئًا يشبه فاكهة؟“
“لا، لم يكن هناك شيء.”
كانت دانا قد فتّشت بدقة، حسب تعليمات كلارا، في أماكن أخرى، تحسّبًا لعدم وجود التفاح تحت السرير. وكان هذا تحت أنظار سيلا المترقّبة، ما زاد من صعوبة الموقف.
“همم…”
‘هذا مستبعد…’
دار ثيودورو برأسه بهدوء ليتأمل دانا. كان كتفاها مشدودين من التوتر، وشفتيها تترطّبان بحركة خفيفة كالعطشى. وضع فنجانه وقال بنبرة رصينة.
“آنسة دانا، هل أنتِ متأكدة تمامًا أن هذه هي الحقيقة، دون ذرة كذب؟“
“نعم.”
“أريدك أن تنظري في عيني حين تجيبين. لا داعي للتوتر.”
ترددت دانا، ثم رفعت رأسها ببطء. وعندما التقت عيناها بعينيه، الهادئتين كالسهل الواسع، بدا وكأن التوتر قد انسحب من جسدها.
“هل ستقولين لي الحقيقة، كاملةً وصادقة؟“
“نعم.”
جاء جوابها وكأنها مُنومة مغناطيسيًا، لا تستطيع أن تحيد بنظرها عنه. ظلّ ثيودورو يراقبها بصمت للحظة، ثم أومأ برأسه، كمن يغوص في تفكير عميق.
“مفهوم. أشكرك على وقتك، آنسة دانا. يمكنك الذهاب الآن.”
“نعم.”
أجابت بعد لحظة صمت، ثم استدارت وغادرت الغرفة. وما إن أُغلِق الباب وساد السكون من جديد، حتى شقّ صوت السيدة آرسيل الحادّ الأجواء.
“ما الذي يجري؟ هل تقول إنها لا تعلم بأمر اللعنة ولم تأكل تفاح الجنيات؟“
“من يعلم؟“
تناول ثيودورو فنجانه.
“ربما أخفت التفاح قبل أن أصل.”
انعكست عيناه الخضراوان الشاحبتان على سطح الشاي، كأنهما تغوصان فيه.
“أو ربما جعلت حالتها الغريبة الإليكسير يعمل بشكل مختلف.”
نهض ثيودورو، وكانت حركاته مدروسة.
“يبدو أن عليّ العودة وطلب مشورته.”
“حالما تعرف شيئًا، أرسل لي رسالة.”
“بالطبع. وبخصوص أجر زيارتي اليوم، أظن أنك ستتعاملين معه كما جرت العادة.”
“لا بأس.”
وبعد وداع مقتضب، بدأ ثيودورو يجمع أغراضه ليستعد للرحيل، لكنه اضطر للتوقف.
فُتح الباب دون إذن. شعر أشعث ذهبي. عينان زرقاوان كصفاء السماء.
“مرّ وقت طويل، دكتور.”
ظهور ليليا المفاجئ، دون إعلان، دفع بالسيدة آرسيل للوقوف فورًا.
“ليليا…”
“إن كان الدكتور سيزورنا، كان عليكِ إخباري يا أمي.”
“آه! والآن تذكرت، لقد رأيت الانسة ليليا حين غادرتُ غرفة السيدة.”
توقفت يد سيلا، التي كانت تداعب تيتي، في منتصف الحركة.
ليليا، التي كانت حبيسة غرفتها، تخرج؟
نظرت سيلا إلى دانا وسألتها.
“أين ذهبت ليليا؟“
“رأيتها تدخل غرفة السيدة. وبما أنها كانت منعزلة لفترة، لم أستطع إلّا أن أحدّق فيها.”
كانت دانا قد عادت مسرعة إلى سيلا بعد مغادرتها الغرفة، وقد أذهلها مظهر ليليا. خلوّ وجهها من أي ظلّ أو كآبة كان لافتًا.
“بدت متحمّسة.”
“نعم. لكن بالطبع، ربما كنت مخطئة.”
بدأ الندم يتسلل إلى قلبها، وتساءلت إن كانت قد أخطأت بذكر أمر ليليا. شعرت بالخوف يتصاعد، فشدّت فكها. وبعد تردد، نظرت إلى سيلا، وجمعت شجاعتها وتحدثت بحذر.
“انسة… هل ستسامحينني الآن؟“
اتسعت عينا دانا بالأمل، وقد ظنّت أنها فعلت كل ما طُلب منها وستنال الغفران أخيرًا.
“كلا.”
“ماذا؟“
“ليس قبل أن تسمعي مني عبارة، ‘أنا أسامحك‘. لقد قلت فقط إنني سأمنحك فرصة، أليس كذلك؟“
“لكن…!”
“إن لم يعجبكِ ذلك، لستِ مضطرة للاستمرار. هناك طرق عديدة للتكفير عن الذنب.”
أخرجت سيلا كرة سحرية من جيبها، وعرضت فيها تسجيلًا واضحًا لاعتراف دانا. توقفت الخادمة، التي كانت على وشك الاحتجاج ببراءتها، عن الكلام، وخفضت رأسها كأن صوتها قد سُلب.
“لن أجبرك على فعل شيء يؤذيك. وعندما يحين وقت مسامحتي لك، سأكسر هذه الكرة السحرية أمامك.”
“مفهوم.”
‘الآن حان وقت تقديم الجزرة.’
وضعت سيلا الكرة جانبًا ونهضت. أخرجت بعض الجواهر ذات الأصل غير القابل للتتبّع وقدّمتها إلى دانا.
“لا تبيعي أيّ من الجواهر التي تلقيتِها من السيدة آرسيل. هذه تعويضك على عنائك.”
كانت الجواهر أقل فخامة من تلك التي تفضّلها السيدة آرسيل. وكان لا بد أن تكون غير قابلة للتتبّع.
“سيدتي، هل حقًا… ستعطينني هذه؟“
“خذيها.”
ارتجفت عينا دانا بمشاعر غير متوقعة. تنقّلت على وجهها ملامح صدمة، وعدم تصديق، ثم فرح حقيقي.
“شكرًا لك! أرجوك، إن احتجتِ إلى أي شيء، فقط ناديني!”
وما إن غادرت دانا، دخلت سارة الغرفة، وكأنها كانت تنتظر خروج الخادمة.
“انستي سيلا.”
وبنظرة خفية، تقدّمت سارة وقد وضعت سلّة مغطّاة بقماش على الطاولة.
‘عندما سمعت أن ثيودورو قادم، جعلت سارة تأخذ التفاح، احتياطًا.’
اعتبرت ذلك قرارًا حكيمًا. أمسكت بإحدى التفاحات وقضمت منها قضمة، فتفجّرت في حواسها نكهة حلوة وقوية.
***
وبعد أيام قليلة، زارت سيلا كين.
“تفضل. هذه المعلومات التي طلبتها.”
“شكرًا.”
“سيتم تصفية أصول الماركيز آرسيل الراحل بسرية، كما طلبتِ. وأيضًا~.”
أخذ كين يسرد التحديثات المختلفة، وكانت نبرة من الحماس الغريب تسري في حديثه. اتسعت ابتسامته، ولم يستطع جسده التوقّف عن الحركة، وحتى صوته الخفيف المائل للغناء بدا وكأنه يرقص من البهجة.
ضيّقت سيلا عينيها وقالت أخيرًا.
“هل يحدث شيء جيّد لك؟“
أو ربما أكل شيئًا ما لا ينبغي له.
فرك كين أنفه، وانتفخ صدره بمبالغة.
“فقط… قد تجدين عائلتك، بل وتخطّطين للبحث عنهم بنفسك. هذا وحده يجعلني سعيدًا.”
ولأول مرة، لم تجد سيلا ما تقوله.
كانت تعرف سبب ترحيبه بهذا الأمر. وكانت تعلم أيضًا بماضي كين، وفهمت موقفه… فتملّكها الصمت، للحظة، عاجزة عن التعبير.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 45"