فحصت سيلا محتوى الكوب بنظرة يعلوها الامتعاض. لا يزال الكوب نصف ممتلئ بسائل أسود، فتذكّرت على الفور ما قرأته في أحد الكتب سابقًا.
‘مستحيل.’
كان الكتاب يذكر أن طحن قرن غزال الزمرد، الذي يُقال إنه يعيش لمئة عام، يُنتج سائلاً أسود عديم الرائحة، لكن طعمه لاذع وحارق على اللسان، وقد تذكّرته بوضوح.
‘إليكسير؟ وكأنه اسم حيوان أليف!’
المشكلة أن كاليكس كان يتعامل مع إليكسير كما لو كان اسمًا لحيوان أليف! رمقته بنظرة مشدودة تطالبه بإجابة.
“إنه شاي.”
“وما اسم هذا الشاي؟“
“فعاليته مضمونة.”
حين أدركت أنه بالفعل إليكسير، شدّت على الكوب بين يديها.
‘لماذا يصرّ على دسّ إليكسير في شرابي؟‘
بدت فكرة التخلص منه تبذيرًا، فانكمش حاجباها بعمق.
‘لم أشعر بأي تأثير من السيركا.’
كانت قد تناولت السيركا في اليوم نفسه الذي أكلت فيه تفاحة الجنيات، وعلى الرغم من تحسّن حالتها في اليوم التالي، إلا أنها لم تكن واثقة إن كان ذلك بسبب السيركا أم لا.
قطرة… قطرة…
بدأ المطر يتساقط على سطح البحيرة، قطرة تلو الأخرى، خشيت أن تدخل الأمطار إلى الكوب، فغطّت فوهته بيدها وأطلقت تنهيدة قصيرة.
“آه… لا أستطيع حتى أن أعرف إن كان له تأثير أم لا، لذا أرجوك، لا تحاول دسّه في شرابي مجددًا.”
وحين أيقنت أنه يفعل ذلك بدافع الاهتمام، أصبح الرفض أكثر صعوبة عليها، ففرغت الكوب دفعة واحدة ونهضت من مكانها.
“فهمت.”
‘في المرة القادمة سأعطيه لها مباشرة.’
وبينما كان كاليكس يفكر في إليكسير الذي سيحضّره لاحقًا، تبعها بهدوء.
***
كان الماركيز آرسيل يستمع للتقرير بنظرة تحمل تهديدًا صامتًا.
“هل تقول إن رجالي اختفوا دون أثر؟“
“نعم.”
“وما زلتم عاجزين عن إيجاد ذلك اللعين، توربين؟“
“نعم.”
انطلقت طقطقة حادة من مفاصل يده، وانتفخت عروقه على امتداد ذراعيه.
“هل هذا وقت ترد فيه بـ‘نعم، نعم‘ كالأبله؟!”
تحطّم!
لم يحتمل غضبه، فألقى بمنفضة سجائر على الأرض بقوة.
“……”
انحنى الرجل الذي كان يقدّم التقرير برأسه أكثر، مدركًا أن أي كلمة إضافية ستصب الزيت على النار.
“هاه…”
توقف الماركيز عن الصراخ وإلقاء الأشياء، وأخذ نفسًا عميقًا. بدا المكتب كساحة حرب بعد المعركة، لكنه لم يكن موضع اهتمام لأحد، لا للرجل المنحني، ولا للخدم الواقفين بصمت، ولا حتى للماركيز نفسه.
“ألم يشاهد أحدهم توربين؟“
“دفعنا لصاحب النزل مبلغًا صغيرًا وسألناه، لكنه قال إنه لا يعلم شيئًا.”
لم يكن الماركيز يعلم أن كاليكس قد سبقهم ورشى صاحب النزل، فتابع تفكيره وذراعاه معقودتان.
“لا يمكن أن يتبخر هكذا… هل هرب أثناء تلك الفترة؟“
في المرة الأولى أرسل قتلة، وجاءه تقرير يفيد بأن توربين لم يعد ليلتها. فأرسل رجالًا آخرين لتفقد الأماكن التي اعتاد توربين زيارتها، لكنهم لم يعثروا على أي أثر له. وبما أن متعلقاته لا تزال في النزل، ظنّ أنه سيعود، فأعاد إرسال القتلة مجددًا في الليلة الماضية. لكن هذه المرة، لم يعُد أحد.
‘وفي الصباح، أرسلتُ رجالًا آخرين، لكنهم لم يجدوا شيئًا أيضًا.’
قبضة مشدودة
“من الذي تدخّل؟“
خرج صوته ببرود تنضح منه نذر العنف، كأنّه سيقتل من فعلها بأبشع الطرق لو عرف هويته.
“… من عساه يكون؟“
تقطّبت حاجباه كصقر يحدّق في فريسته، وتوالت الاحتمالات في عينيه. وفي تلك اللحظة، طُرق باب المكتب، فدخل خادم وأعلن.
“ماكسون لديه أمر يودّ إخبارك به عن الآنسة سيلا.”
“دعه يدخل.”
دخل ماكسون، الذي بدا كجرذٍ متسلل، وانحنى للماركيز ونزع قبعته ممسكًا بها بكلتا يديه.
“سمعت أنك تملك شيئًا لتقوله بشأن سيلا. الجزاء الذي ستأخذه يعتمد على ما تعرفه. هات ما عندك.”
كان الخدم يمثلون عين الماركيز وأذنه، ينقلون له الأخبار مقابل مكافآت صغيرة. تخيّل ماكسون المكافأة التي سينالها، فابتلع ريقه وبدأ يتحدث.
“قبل يومين، صادف أن رأيت الآنسة تقابل خطيبها السابق.”
“……”
“لم أرَ كل شيء بوضوح، فقد كنت بعيدًا، لكن رأيت بوضوح عربتها تتوقف وهو يتحدث إليها.”
تشددت قبضة الماركيز مع كل كلمة، ثم سأل.
“ما حال سيلا الآن؟“
“الآنسة لم تخرج من غرفتها منذ البارحة وتقول إنها لا تشعر بخير.”
“هل تأكدتَ من وجودها في الغرفة؟“
انحنى الخادم برأسه.
“ليس بعد، سأتأكد حالًا.”
“لا داعي. سأفعلها بنفسي. تنحَّ جانبًا.”
خرج الماركيز من المكتب وسار في الرواق بخطى سريعة. لم تغادر سيلا غرفتها. توربين اختفى. هل يمكن أن تكون مجرد صدفة؟
بدت قطع الأحجية وكأنها تتراكب بوضوح في ذهنه، وإن كانت في الواقع أقرب إلى لصٍّ يجبر القطع على الالتقاء رغم اختلافها.
ذلك الأحمق لابد أن أخبرها بشأن الميراث!
بينما كان الماركيز يعبر الرواق، كان الخدم يبتعدون إلى جانبي الممر كأنّ البحر ينشق أمامه، هاربين من هيبته الخانقة.
وحين وصل إلى باب سيلا، أمسك المقبض.
نوك… نوك.
لكن مهما حاول، لم يفتح الباب، وقد دلّ الصوت الخافت أنه مغلق من الداخل.
“سيلا! اخرجي حالًا!”
نوك! نوك!
طرق الباب بعنف، دون أن يأتيه رد.
‘كنت أعلم.’
تحوّل الشك إلى يقين. نظر إلى أحد أتباعه الذين رافقوه، فأومأ له بصمت.
“……”
فهم الرجل الإشارة فورًا، واختفى بسرعة.
نوك نوك
استمر الماركيز في محاولة فتح الباب، مدركًا أنه لن يُفتح. راح يطرقه بقوة كأنه على وشك كسره.
وفجأة، انفتح الباب بصوت خافت.
“ما الذي أتى بك باكرًا هكذا، وبهذه العجلة؟“
“هاه…؟“
لم يكن يصدق. ظنّ أن من فتح الباب هو التابع الذي أرسله. لكن من ظهرت كانت سيلا نفسها، ملفوفة بشالها وفي ثياب نومها. شعرها مبعثر وملابسها مجعّدة، وكأنها استيقظت للتو.
نظر الماركيز إليها بتوتر، ثم التقت عيناه بعينيها.
“أليس من حقّ الأب أن يزور ابنته إذا مرضت؟“
“لكن طريقتك في الطرق بدت كأنك تواجه طارئًا.”
“هممم.”
تنحنح الماركيز بإحراج.
‘هل أخطأت؟‘
لا. لم يحن وقت الجزم بعد. اعتدل في وقفته وقال.
“في الحقيقة، وصلني خبر من الكونت تورتليك بأن توربين قد اختفى.”
“ماذا؟ حقًا؟“
“هل التقيتِ به مؤخرًا؟“
اتّسعت عيناها دهشة، وأسندت جسدها إلى الحائط وكأنها تبحث عن ذكرياتها. حرّكت شفتيها قليلًا قبل أن تتحدث بصوت خافت.
“التقيته بالأمس، أثناء عودتي.”
“هاه! إذن جاء إليك! هل تجرأ وطلب منك شيئًا؟“
سألها الماركيز وكأنه يتظاهر بالدهشة.
“ألقى باللوم كله على ليليا وتوسّل إلي أن أسامحه، مدّعيًا أنه كان ضحية أيضًا.”
“ذلك الأحمق… وماذا قال أيضًا؟“
“حين رفضت، طلب مني بعض المال، فأعطيته. هذا كل شيء.”
دارت عينا سيلا للحظة، ثم نظرت إليه بثبات.
“هل تظن أنه هرب لأنه عاجز عن سداد ديونه؟“
ضاقت عينا الماركيز وهو يحدّق فيها، يحاول كشف الكذب، لكنها لم تزل بنظرتها الثابتة.
‘لا تبدو كاذبة.’
لم تكن سيلا بارعة في التمثيل. وفي النهاية، اضطر للاعتراف أنه أخطأ التقدير، فأسقط شكوكه.
“شكرًا لإخبارك لي.”
“لا شيء. لكن هل كان الأمر عاجلًا إلى درجة أنك كدتَ تخلع الباب؟“
“ألم أقل إنني كنت قلقًا عليكِ؟“
“آه صحيح، قلت. يبدو أنني نسيت لأنك واصلت الحديث عن توربين.”
تنحنح الماركيز ثانية بحرج.
“من المخيب أن ابنتي لا تفهم قلق والدها عليها. كنت قلقًا عليك لدرجة أنني طلبت من ثيودورو أن يأتي إلى القصر فورًا.”
شدّت سيلا على شالها بيدها دون وعي.
“لكن موعد فحصي لم يحن بعد. هل استدعيته فعلًا، يا أبي؟“
“نعم، وهو بالفعل أكّد قدومه اليوم.”
في الواقع، كانت الماركيزة هي من طلبته، لكن الماركيز كذب ليوحي بأنه المهتم الحقيقي.
“بما أنني لم أكن أعلم أن ثيودورو سيأتي، سأغير ملابسي الآن.”
أنهت الحديث بهذا اللطف، ثم عادت إلى غرفتها.
“آه… الشمس ساطعة.”
قطّبت حاجبيها من ضوء الشمس المتسلل عبر النافذة. السماء، بعد هطول مطر الليل، كانت زرقاء صافية. غطّت وجهها بيدها وكأنها لم تعد تحتمل، وأغلقت النافذة ثم أسدلت الستائر.
“هكذا أفضل.”
حسنًا، حان وقت تغيير الملابس.
فتحت سيلا خزانتها، فوجدت سارة مختبئة داخلها. تبادلت معها النظرات في صمت، ثم بدأت تُخرج ملابسها وكأن شيئًا لم يكن.
“تيتي.”
“مياو.”
“يا صغيري الجميل، ما أروع استجابتك!”
اقترب تيتي منها متأخراً، فبدأت سيلا بمدحه، ثم أعطت سارة ورقة وقلمًا.
[لم يُكشف أمري.]
[ويبدو أن الشخص الذي شعرنا بوجوده خلف النافذة قد انسحب.]
[لكن، من باب الحذر، انتظري قليلًا قبل المغادرة.]
أومأت سارة برأسها. ثم، بعدما رتّبت سيلا شعرها المنكوش واعتدلت، نظرت من النافذة.
‘يا لها من راحة أنني لم أتأخر.’
فقد رأت رجال الماركيز آرسيل يتوجّهون إلى توربين، فقررت أن تغادر إلى القصر عند الفجر، كنوع من الاحتياط. ولحسن الحظ أنها فعلت، وإلا لكانت الأمور قد ساءت بشدة.
تذكّرت ما قاله الماركيز عند قدومه، فالتقطت القلم مجددًا…
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 43"