كان انشغال كاليكس أمرًا يعلمه حتى طفل في الثالثة من عمره
– أمرٌ تعرفه السماء والأرض جيدًا.
ومع ذلك، قال إنه ليس مشغولًا…؟
“هل أنت بخير؟“
“إن لم أستطع تحمّل هذا القدر، فكيف لي أن أُدعى دوقًا؟
الأمور المهمة قد تم التعامل معها بالفعل. إلى جانب ذلك…”
وهو يضغط بأصابعه برفق على حاجبه المتجعد،
تحدّث كاليكس بنبرة جادة:
“لو افترقنا الآن، فسيجد الماركيز أرسيل الأمر مريبًا.”
نظرًا لمدى شهرة جدوله المزدحم،
فإن معظم الناس على الأرجح سيعتبرونه أمرًا عاديًا.
ترددت سيلا، وانفرجت شفتاها قليلاً قبل أن تحول نظرها بعيدًا.
عينا كاليكس، المتقدتان بتلك الحماسة الشديدة،
جعلتا الكلمات تتوقف في حلقها.
‘حسنًا، هو ليس مخطئًا تمامًا.’
أومأت أخيرًا بالموافقة.
“هناك مكان أود الذهاب إليه معك.”
وكأنه كان ينتظر ذلك، رافقها كاليكس إلى المسرح.
وعندما توقفت عربة عائلة إيكاروس أمام المسرح،
بدأ الناس يتهامسون بمجرد أن رأوهما ينزلان منها.
وهي مدركة للأنظار المحيطة، وضعت سيلا يدها على ذراع كاليكس، مؤدية دور الزوجين المتناغمين وهما يدخلان المسرح معًا.
وعندما وصلا إلى المقصورة الخاصة،
كانت خشبة المسرح أمامهما تمامًا.
جلسا في مقعدي الأزواج،
وما إن بدأت الأوبرا حتى نظرت سيلا إلى الخشبة.
‘هذه القصة…’
كانت مطابقة لرواية قرأتها ذات مرة وعلقت في ذاكرتها.
[“هاه؟ ماذا تقرئين؟“]
[“أوه، إنها رواية استمتعت بها مؤخرًا.
عادةً ما أتجنب الروايات الرومانسية بعدما خذلتني بعضها،
لكنني اشتريتها ظنًا أنها رواية غموض. واتضح أنها رائعة.”]
[“مياو.”]
[“هل أخبرك بالمزيد عنها؟“]
[“مياو!”]
بينما كانت مقتطفات من محادثة قديمة تمر أمامها،
أدارت سيلا رأسها نحو كاليكس.
كان جالسًا بانضباط تام، متابعًا الأوبرا بانتباه كامل.
‘هل سبق أن أخبرته أنني أحببت هذه الرواية؟‘
لم تظن أنها فعلت.
فتحت سيلا شفتيها وكأنها على وشك أن تسأله،
لكنها ترددت للحظة ثم أعادت نظرها إلى خشبة المسرح.
‘إنها مجرد فكرة لا طائل منها.’
كان شديد الاهتمام بها لدرجة أنه أثار فيها أفكارًا لا أساس لها.
على المسرح، أدى الممثلون أدوارهم بأزياء متقنة وتنسيق مذهل.
وبدأ البطل يغني الأوبرا المنفردة الحزينة عن وفاة حبيبته التراجيدية.
كانت المسرحية مؤثرة لدرجة أن أنفاس سيلا اختنقت.
“…”
تحولت عينا كاليكس الحمراوان نحوها خلسة.
كانت غارقة تمامًا في العرض، حاجباها مقوسان قليلًا،
ونظرتها مركّزة دون انحراف.
كان ذلك تعبيرها المميز حين تكون شديدة التركيز.
‘يبدو أن التركيز على المسرحية بات مستحيلًا بالنسبة لي.’
ارتسمت ابتسامة رضا على شفتي كاليكس وهو يراقبها.
مر الوقت، وانتهت الأوبرا أخيرًا.
وبعد الجلوس الطويل، شعرا بالتصلب، فقررا التمشي قليلًا.
فركت سيلا عينيها الجافتين المتعبتين.
كانت قد اندمجت لدرجة أنها نسيت أن ترمش،
فشعرت بجفاف في عينيها.
“هل استمتعتِ بالأوبرا؟“
“نعم، حقًا استمتعت.
لم أدرك في البداية، لكنها تبدو مقتبسة عن رواية أحبها.”
“هل عنوان الرواية هو حديقة المأساة؟“
“أوه، هذا صحيح! كاليكس، هل تعرف تلك الرواية أيضًا؟“
أزاحت سيلا يدها عن عينيها ونظرت إلى كاليكس.
عاد السؤال الذي ترددت في طرحه سابقًا ليطرق ذهنها.
“نعم، لقد كانت رواية لا تُنسى بالنسبة لي.”
تنفست سيلا بارتياح لأنها لم تسأله في السابق.
ثم بدآ يتحدثان عن الأوبرا والرواية،
وجرت المحادثة بسلاسة بينهما.
كان دفء تواصلهما ملموسًا لدرجة أن المارة لم يستطيعوا منع أنفسهم من النظر إليهما.
“اللحظة الأكثر إثارة بالنسبة لي كانت حين تم الكشف أن البطلة لم تمت حقًا، بل زيفت موتها.”
“ذوقك رائع. كانت تلك من أكثر المشاهد التي علقت بذاكرتي أيضًا. أوه، وهناك مشهد آخر كان مذهلًا أيضًا…”
ازدادت حيوية صوت سيلا وهي تروي القصة، وكان كاليكس يستمع لها بانتباه، وعيناه الناعمتان تعكسان مدى استمتاعه.
وأثناء المحادثة، نظرت سيلا فجأة إلى وجه كاليكس.
نظرته اللطيفة وعيناه المنحنيتان أظهرتا مدى استمتاعه بكلماتها.
وعندما انتهت من الحديث،
مررت بأطراف أصابعها على شفتيها الجافتين.
فقد تسببت حرارة الجو والمشي بالكلام في جفافهما.
“هل تشعرين بالعطش؟“
سألها كاليكس قبل أن تعبر عن انزعاجها.
ارتبكت، ورفرفت رموشها قبل أن تومئ برأسها.
“أعتقد أنني كذلك، ربما من كثرة الكلام.”
نظر كاليكس حوله، وكأنه لمح شيئًا، وطلب منها الانتظار للحظة.
وفي نهاية خطواته الحازمة، كان هناك بائع المثلجات.
‘سيذهب ليحضر المثلجات.’
حدقت سيلا في ظهر كاليكس العريض بدهشة.
‘هل كان عطشي ظاهرًا إلى هذا الحد؟‘
كان يتمتع بقدرة غير عادية على قراءة مشاعرها.
لطالما كان دقيقًا في ملاحظاته تجاهها،
لكنها بدأت تلاحظ ذلك أكثر في مواعيدهما الأخيرة.
فمثلًا، وجهه كان يتغير بشدة لأصغر الأمور، كالفرح الذي أبداه حين قبلت هدية الجنية شجرة التفاح أو حين نادت باسمه فقط.
حتى قبل ذلك، عندما ذكرت أنها تريد تمديد الموعد،
بدت عليه السعادة بوضوح.
‘ما الذي يريده لدرجة أنه يبذل هذا الجهد كله؟‘
مؤخرًا، بات هذا السؤال يراودها كثيرًا،
رغم أنها تعرف أنه ليس سؤالًا يجب أن تشغل نفسها به.
فبددت شتات فضولها، وفي تلك اللحظة، اخترق ضوء الشمس، الذي كان مختبئًا خلف السحب، الأفق بشدة كادت تعمي البصر.
‘إنه ساطع جدًا.’
غمغمت وهي ترفع يدها لتحجب جبهتها وتفتح عينيها في ظل يدها.
لكن قبل أن تركز نظرها –
“آآآه! انتبهي!”
حصان ضخم يجر عربة كان يندفع نحوها.
‘هاه؟‘
تجمد عقلها بينما ظَل ظِل العربة المتقدمة يخيم عليها وكأنه سيسحقها تمامًا.
وفي تلك اللحظة، سحبها أحدهم بقوة إلى الوراء،
واصطدم رأسها بصدر عريض وصلب.
“عربة!”
“يا إلهي، رأيت السائق يغفو منذ قليل. هذا لا يُصدق.”
“علينا أن نساعد المصابين أولًا…!”
لم تستطع سيلا التقاط كلمات الحشد بوضوح.
رفعت عينيها لترى من أنقذها.
كما توقعت، كان كاليكس.
دقات قلبه المتسارعة صدمت أذنها،
واهتز صداها في جسدها بأكمله.
ثومب. ثومب. ثومب.
قلبها، الذي كاد ينهار من الصدمة،
بدأ ينبض بجنون، متناغمًا مع قلبه.
حاولت جاهدة أن تهدأ، فتنفست ببطء، محاولة استعادة توازنها.
“آه، أم… شكرًا لك. لكن، بإمكانك أن تتركني الآن…”
ربّتت على ذراعه بخفة.
كاليكس، الذي ما يزال يحتضنها بشدة، لم يتحرك قيد أنملة.
نظرت حولها، ترجو بصمت أن يتركها، لكن عضلات عنقه المشدودة ودقات قلبه العنيفة دلتاها على أنه لن يتحرك في أي وقت قريب.
‘لنمكث هكذا للحظة فقط.’
لسببٍ ما، بدا لها جسده الكبير صغيرًا، بل هشًا، اليوم.
ثومب. ثومب. ثومب.
ضربات قلبه القوية جعلت رأسها يدور.
[“سيلا، إن فعلت هذا من أجلك…”]
[“إن سامحتني هذه المرة فقط، سأكرّس نفسي لك وحدك.”]
ومضت في ذهنها ذكريات من الثقة التي انتهت بالخيانة،
كأنها مصباح يعرض صورًا من الماضي.
‘كنت على وشك أن أخطئ مجددًا.’
أخفت سيلا تعبير وجهها الغائم،
وبدلًا من ذلك بدأت تربت على ظهره بإيقاع هادئ.
وفي تلك اللحظة، دغدغ أنفها عطر مألوف، فرفعت حاجبيها بخفة.
كان ضعيفًا بما يكفي لتغفله سابقًا،
لكن الآن، بات أوضح وأشد حضورًا.
‘رائحة الشمس…’
كانت رائحة تيتي المميزة.
***
ملأ دخان سيجار الماركيز أرسيل أجواء غرفة المكتب،
حيث تسللت خيوطه اللاذعة في الهواء.
ورغم أن الدخان الحارق كان كافيًا لإزعاج العينين،
إلا أن زوجته أبقت عينيها مفتوحتين وهي توبخه بشدة.
“لقد التقيت بدوق إيكاروس اليوم بينما تتبع سيلا! كيف تجرؤ! كيف!”
ضربت الماركيزة صدرها بقبضتيها، غير قادرة على كبح غضبها.
أما الماركيز، الذي ظل صامتًا،
فقد بدأت عروقه في البروز على جبينه.
“عليك أن تفكر في ليديا!”
وأخيرًا، لم يستطع تحمل صراخها،
فأبعد السيجار عن شفتيه وأمسكه بيده.
“كم مرة عليّ أن أقول لكِ؟! الدوق لم يعد مهتمًا بليليا!
هل تظنين أنني لم أكن أرغب بأن ترتبط به؟“
“…”
ساد الصمت فجأة، لكن الغضب لم يغادر وجه الماركيزة.
كان التوتر يملأ الغرفة، والدخان يتصاعد في الهواء وكأنه تجسيد ملموس لصراعهما الذي لم يجد سبيلًا للحل.
“إن لم تستطع ليليا أن تكون معه، فعلينا على الأقل أن نسمح لسيلا والدوق إيكاروس بأن يكونا معًا. بهذه الطريقة، لا نزال نستطيع استعادة القيمة التي استثمرناها في تربيتهما.
أليس هذا أفضل من أسوأ السيناريوهات؟“
“عزيزي!”
علت نبرتها وتزايد انفعالها.
وفي تلك اللحظة، طرق كبير الخدم الباب ودخل بهدوء.
وحين لمح ما يجري، خفض بصره محاولًا إخفاء قلقه.
“ما الذي جاء بك الآن؟“
رمقته الماركيزة بنظرة حادة،
فتقدم بخطى حذرة نحو الماركيز وهمس بشيء في أذنه.
برزت عروق جبين الماركيز أكثر وهو يستمع بصمت.
“…ذلك الوغد، من بين الجميع، هو من يأتي إلى هنا…”
أطفأ سيجارته في المنفضة ونهض واقفًا،
وتبدلت ملامحه إلى قتام واضح.
“لِننهِ هذا الحديث اليوم.”
قال ذلك بنبرة قاطعة وكأنه يُبلغ زوجته بقرار نهائي لا نقاش فيه،
ثم غادر الغرفة دون انتظار ردها.
وعندما دخل قاعة الضيوف، كان أول ما استرعى انتباهه هو الشعر الأحمر الفاقع، ما زاد من سوء مزاجه.
“لقد مضى وقت طويل.”
قال توربين وهو ينهض من مقعده مبتسمًا بثقة متغطرسة.
“بما أننا لا نجد هذه المقابلة ممتعة، فلنختصر التحيات ونبدأ مباشرة. ما الأمر العاجل الذي أصريت على إبلاغ كبير الخدم به؟“
قال الماركيز وهو ينقر بأصابعه الغليظة على ذراع كرسيه،
وقد بدت عليه علامات الضيق الشديد.
“أمر عاجل؟ أوه، لا تكن مستخفًا، سيدي الماركيز.
لقد جئت لأبلغك بأفعال الانسة سيلا آرسيل المشينة.”
“أفعال مشينة؟“
“نعم.”
اعتدل توربين في وقفته،
وعدّل ياقة قميصه وهو يُظهر ثقة مبالغًا فيها.
نفخ من أنفه بقوة، واتسعت ابتسامته ساخرًا من التوتر في الجو.
‘اليوم هو اليوم الذي سيتغير فيه مصيري.’
فكر في ذلك بعزم لا يتزعزع وهو يفتح فمه ليتكلم.
“في الحقيقة، الانسة سيلا آرسيل هي من دفعتني لقول تلك الأمور.”
توقفت أصابع الماركيز عن النقر فجأة.
“قالت لي إنه إن فعلت ما طلبته، فسوف تحرص على بقاء خطوبتنا قائمة. لكنها في النهاية كذبت عليّ. لم أرتكب أي خطأ، ومع ذلك، عانيت ظلمًا وكأنني المذنب.”
تحدث توربين بحماسة، وصوته مشحون بالاستياء.
استمع إليه الماركيز بصمت،
وكانت ملامحه غامضة على التفسير، حتى قال أخيرًا ببطء.
“وماذا بعد؟“
“ماذا؟“
“هل هذا كل ما جئت لتقوله؟“
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 37"