توقّف عن الكلام حين وضعت سيلا يدها على وجنتها المتورمة، إذ كان نظر كاليكس يلتصق بالاحمرار.
“وضعت كمادات باردة، لا بأس، لا يؤلمني”
“هل كان فعل الماركيز؟”
توقع كاليكس بسهولة أنه الفاعل، فقد كانت عادة هذا الشخص أن يندفع بيده أولًا عند الغضب.
“نعم، على الأرجح”
“سمعت أنك خرجت من منزل الماركيز”
“نعم، خرجت تمامًا، لم أعد أحتاج البقاء هناك”
ابتسمت بخفه وكأن وجنتيها لم تتأثرا بالتورم، وعيناها الزرقاوان كانتا تلمعان كالبحيرة تحت الشمس.
شعر كاليكس بالارتياح لرؤية سيلا تتخلص أخيرًا من عبء منزل الماركيز، لكنه سرعان ما شعر بالقلق يلتف حول قلبه.
كان يعلم أن سبب مجيئها إليه قد يحمله لسلسلة من الأفكار السلبية، ربما لم تكن مجرد أفكار سلبية هذه المرة.
ذكرت سيلا نفسه بما حدث أمس، وكيف أن شعور برد كالثلج غطى جسده، كما لو تجاوز الزمان والمكان.
“كاليكس”
تشابكت نظراتهما في الهواء، وأكملت.
“تعلمي أن تصرفك السابق كان متهورًا، أليس كذلك؟”
“..نعم”
“كنت على وشك الوقوع في كارثة، ولو أخطأت ربما لم تنهض مجددًا”
أضافت.
“فكّر في نفسك قليلًا، فيما تتحمله، وفي نفسكَ أنتَ أيضًا”
استمع كاليكس صامتًا، فهو يعلم ما تقصد.
لقد شعر بنفس الألم حين كان تيتي، وما زال أثره باقٍ على جسده بعد أن عاد إلى إنسانيته.
ظل جسده يحمل الكدمات الزرقاء كآثار ذلك اليوم، مخفية تحت ملابسه الطويلة.
كان عليه التفكير بعائلته وأمانه الشخصي، إلا أن كل كلامها الصائب كان يغفل حقيقة واحدة.
عيناها الحمراء كانت تملأه بكل شيء.
لو وُضع في نفس الموقف مرة أخرى، لما غير أبدًا تصرفه، فلا خيار آخر أمامه حينها، ولأنه يفقد دائمًا القدرة على التفكير مليًا في كل لحظة.
“لكنني ممتنة لك، فقد تمكنّا من الوصول دون تأخير، ونجوت من مؤامرة ليليا. لولاك لما كان الأمر ممكنًا”
توقفت لحظة، ثم أضافت.
“وليس ذلك فقط، بل طوال الوقت كنت داعمًا لي، وبفضلك وصلنا إلى هنا”
قبض كاليكس يده حتى شحبّت، والشعور بالقلق الذي كان يضايقه ازداد حدة، كأنه يقرع قلبه بصوت مخيف، محذرًا من أن نهاية هذه العلاقة المعلقة على حافة الخطر ستحدث اليوم.
وأخيرًا، أصبح الخوف الذي كان يلازمه حقيقة واقعة أمامه، فبدت له الدنيا باردة جدًا.
جلس كاليكس، مغلقًا عينيه ثقيلًا كما يفعل المحكوم عليه على المقصلة، في انتظار سقوط الشفرة.
“لقد كنت ممتنة حقًا”
“……”
“وأتمنى أن أظل معتمدة على دعمكَ مستقبلًا أيضًا”
انفتحت فجأة عيناه على مصراعيها، ورأى سيلا أمامه، وقد احمرّت خديها بخفة وابتسمت ابتسامة خجولة.
“كاليكس؟”
“ماذا قلتِ؟”
“لقد قلت إنني أرجو أن أظل معتمدة عليكَ فيما هو آتٍ”
“ماذا تقصدين بهذا الكلام؟”
حدّق فيها كاليكس بصمت، وكأنّه لن يرفع نظره عنها حتى تجيب.
حين عرفت الحقيقة، شعرت بالخيانة وكأن كل الذكريات والمشاعر التي بنياها قد نُفيت، لكن مع مرور الأحداث والمشورة مع الإمبراطورة ومرور الوقت، خبت الغضب تدريجيًا، وعاد التفكير إلى مساره الطبيعي، فتمكّنت من رؤية ما يجب أن يراه.
“هذا يعني أنني لن أطالبك بعدم إخفاء هويتك بعد الآن. وأيضًا…”
لكنها، بعد تكرار نفس الكلمات، اكتفت بأن أطلقت تنهيدة خفيفة عبر شفتيها المفتوحتين، وتجنبت النظر إليه، وقد احمرّت شحمة أذنها المختبئة تحت خصل شعرها.
لكنها كانت هي من كسرت صمت اللحظة التالية.
“ألم يمض وقت طويل منذ أن خرجنا معًا بمفردنا؟”
نهضت من مكانها ومدّت يدها نحو كاليكس، الذي ارتفع متعثرًا خلفها.
“لنخرج في موعد، معًا”
***
في زنزانة حديدية ضيقة، جلست ليليا وهي تراقب أشعة الشمس الغاربة تتسلل عبر النافذة الصغيرة، مدركة أن الوقت قد انقضى كثيرًا.
استيقظت من نومها المتعب، تحدق في المكان بنظرة خاوية، متسائلة لماذا استيقظت هنا بدلًا من غرفتها الدافئة والواسعة.
ظنّت لوهلة أنها ما زالت تغط في كابوسها المرعب، حتى استيقظتها برودة أرض الزنزانة، والهواء القارس، ورائحة العفن الدامس، لتعيدها إلى الواقع.
استعاد بؤبؤ عينها تركيزه، فاشتعل الغضب فورًا.
‘لماذا عليّ أن أكون هنا؟’
زحفت ليليا نحو القضبان الحديدية، تقضم شفتها بغضب، متحدية قيود السلاسل المعلقة على كاحليها، غير مكترثة.
“أطلقوا سراحي! أنا لا أنتمي إلى هذا المكان!”
هي ليليا أرسيل، وريثة أسرة الماركيز النبيلة، التي كان من المفترض أن تمشي في طريق مفروش بالزهور، وأن تكون أسعد من الجميع.
قال الحارس المتململ. “..ها هي تبدأ مجددًا”
اقترب الحارس متكاسلًا من زنزانتها، ركل القضبان بتهديد، ثم عاد إلى مكانه بعد أن توقفت عن الصراخ، وهو يطرق لسانه.
“…..”
قضبت ليليا قبضتها، راغبة في الإبلاغ عنه لدى والديها لتجعل منه بلا قيمة، لكنها كانت مقيدة بالسلاسل، وأمامها قضبان حديدية تمنعها من التحرّك.
أصبحت حريتها محرومة، كما كانت في صغرها.
‘لماذا أنا…’
تذكرت ليليا أيام طفولتها، حين تُركت في الفيلا، وزارها والدها ووالدتها نادرًا، سريعًا ما يغادران. كانت دائمًا وحدها في الفيلا، تحاول اللحاق بالظل المتلاشي لوالديها، لكنهما دائمًا أبديا رفضهما.
أخيرًا، كانت مجبرة على مراقبة عربة والديها وهي تبتعد، بينما كانت يدا ثيودورو تمسك بها.
[متى سأتمكن من اللحاق بوالديّ؟]
[قريبًا ستحصلين على كل ما ترغبين، اصبري قليلًا يا ليليا]
وبحسب ما قاله، انتظرت ليليا حتى تمكّنت أخيرًا من العودة إلى البيت مع والديها. لكن عند وصولها إلى القصر، كان هناك طفل آخر قد استولى بالفعل على مكانها
‘هل عليَّ أن أتحمّل المهانة مجددًا بسبب سيلا؟’
لو لم تكن سيلا موجودة، لكانت الإمبراطورة إلى جانبها بالكامل، ولكانت صداقتها مع هايلي دامت إلى الأبد، ولكان كاليكس سيقع في حبها ويتزوجها، ولتمكنت من الحصول على مكانه زهره المجتمع الراقي بسلاسة. كل ذلك كان حقّها الطبيعي.
كل ما كانت تريده هو استعادة ما كان يخصها.
‘لو ماتت سيلا باللعنة، لما عانيت كل هذا!’
لماذا لا تزال حيّة لتؤذيها هكذا؟
‘كل هذا بسبب سيلا!’
وطرقت القضبان بقبضتها، وصرخت مطالبة بالحرية، مكررة فعلها على الرغم من التحذيرات، حتى أرهقها ذلك وغابت عن الوعي لتستيقظ مع بزوغ الفجر.
‘أريد العودة إلى القصر.’
وفي لحظة، ظهر ظلّ أسود أمام زنزانتها، يقترب من مكان احتجازها.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات