أرسلت ليليا رسالة إلى الإمبراطورة، ذاكِرةً فيها الدمية، طالبةً لقاءً معها.
كانت تخشى أن تُرفض دعوتها نظرًا لما حدث في السابق، لكن، ولحسن الحظ، جاء الرد قريبًا، داعيًا إيّاها إلى الحضور في وقتٍ قريب، فسرّت ليليا متجهةً إلى القصر الإمبراطوري برغبةٍ صافية.
ما إن دخلت القصر، حتى تبعها ثلاثة من فرسان الإمبراطورة.
رغم أنها أُفرج عنها لعدم كفاية الأدلة، إلا أنها كانت قبل أيام قليلة مَشتبهًا بأنها تهدد سلامة الإمبراطورة، فلا عجب أن يكون حذر الفرسان شديدًا.
ولو حاولت ليليا أي تصرفٍ غريب، لاستلوا سيوفهم من غمدها في الحال.
ولم يقتصر الحذر على الفرسان فحسب، بل حتى الخدم والخادمات والعاملون بالقصر، كانوا يرمقونها بنظراتٍ حادة كلما صادفوها.
لكن ليليا لم تبدِ أي اهتمام، واكتفت باتباع الخادمة التي كانت ترشدها إلى الطريق بوجوهٍ هادئة.
“أتشرف بلقاء قمر الإمبراطورية، صاحبة الجلالة.”
“أهلاً بك يا أنسة أرسيل، تفضلي بالدخول.”
أشارت الإمبراطورة إلى مقعدٍ لها، وما أن جلست ليليا، حتى وضعت الخادمة على الطاولة صينيةً ثلاثية الأطباق تحتوي على بعض المأكولات الخفيفة، مع الشاي الذي تم تحضيره حديثًا.
أخذت ليليا فنجانها، واتبعت الإمبراطورة، رطبت شفتيها بالقليل من الشاي، وادّعت تمعّنها في مذاقه بينما كانت تراقب وجهها، لكنها لم ترَ أي بادرة ترحيب.
“لقد وضعت الدمية التي كنتِ تبحثين عنها في هذه الصندوق.”
اقتربت تيفاني بحذر من الخلف وسلمت ليليا الصندوق.
وضعت ليليا الصندوق الحمراء العتيقة على الطاولة، وخدّها يحكّه برفق.
“لم أكن أتوقع أن تكوني يا جلالة الإمبراطورة، الشخص الذي التقيت به في الشرفة يوم الحفل التنكري.”
منذ أن سمعت ليليا أن الإمبراطورة تبحث عن الدمية، شرعت في جمع المعلومات ذات الصلة.
وتبين لها أن الإمبراطورة لم تفصح عن مكان فقدان الدمية أو عن المكان الذي التقت فيه بسيلا بالتفصيل.
“كنت قلقة جدًا عليكِ حين رأيتك تبكين في ذلك اليوم، لكنني سعيدة برؤيتك في أحسن حال.”
تذكّرت ليليا ما سمعته من سيلا عن أحداث الحفل التنكري، فارتسمت ابتسامة لطيفة على شفتيها.
حينها، ألقت غريس نظرة مباشرة على ليليا أثناء تفحصها للصندوق.
“لم أكن لأظن أبدًا أن الفتاة التي التقيت بها في ذلك اليوم هي الآنسة أرسيل. خصوصًا وأنك لم ترتدي القناع الذي منح لأنسات مسابقة الصيد.”
“في الواقع، كنت متعبة قليلًا في ذلك اليوم، فأخذت قناعًا إضافيًا أحضرتْه أختي، لأختبئ وأستريح قليلًا.”
“آه……”
“وبما أن اللقاء كان والفتاة ترتدي القناع، فلا بأس بذلك. فالحفل التنكري مكانٌ يتيح مثل هذا التصرف، أليس كذلك يا جلالة الإمبراطورة؟ كل ما أردته هو إعادة الشيء المفقود إليكِ.”
ابتسمت ليليا ابتسامة صافية، واطغى عليها خجلها الأحمر، فأخفت نقاءها الداخلي وراء هيئتها البريئة.
رفعت غريس فنجان الشاي، متأملةً الرائحة العذبة التي مرت على أنفها، وأغرقتها في أفكارها.
لو أنها لم تلتق بسيلا أولًا، هل كانت لتكتشف أن الدخان كله كذب؟
كانت ليليا تتحدث وكأنها عاشت الأحداث بنفسها، وقد جاءتها بنية صافية فقط لإعادة الشيء المفقود، وهو ما شعرت معه غريس ببعض الرهبة.
“أشكرك على حضوركِ عمدًا لإعادة الدمية. لولا ما حدث في الحفل الأخير، لكنت قد استقبلتكِ بفرح أكبر.”
“…….”
تلألأت عينا ليليا الزرقاوان وكأنهما على وشك البكاء.
“لقد وجدتِ الدمية، وقد تلقيت أنا عزاءً منكِ آنذاك… لذا سأهديكِ مستقبلًا من كنوز القصر.”
“يشرفني ذلك يا جلالة الإمبراطورة.”
كان تلقي كنوز القصر أمرًا مهيبًا ومشرفًا، لكن ليليا لاحظت على الفور أن الإمبراطورة تسعى للحفاظ على مسافة بينها وبينها.
لم تغفل ليليا عن هذا، وأدركت أن هذه الطريقة هي الوحيدة الممكنة، فتلألأت عيناها الزرقاوان بدهاء وهي تخفض رأسها.
“لكنني لم أفعل ذلك طلبًا لمثل هذا التقدير. سأقبل بكرمك العظيم، ولكن أرجو أن تتجاهلي هدية القصر، متحسّسةً مشاعري.”
“بصفتي إمبراطورة الإمبراطورية العظمى، أرغب في الوفاء بما أقوله مرة واحدة، يا أنسة.”
“إن أحداث ذلك اليوم كانت ذكرى جميلة لي أيضًا، وما رغبت في القدوم إلا لإعادة الدمية إليكِ، وليس لطلب شيءٍ آخر. ومع ذلك، لا يمكنني أن أعيد ذكر مشاعري مرارًا وتكرارًا…”
ترددت ليليا قليلًا، ثم رمشت عيناها ببطء. وبعد لحظة من التردد، تحرّكت شفتيها من جديد، كأنها اتخذت قرارها.
“أحيانًا أسترجع لقاءنا ذاك اليوم، وأتخيّل أنني يومًا ما سألتقي بكِ كما هو اليوم. وفي كل مرة، تمنيت أن أجلس معك وأرتشف الشاي معًا، محافظَةً على هذه العلاقة.”
“أعتذر يا آنسة أرسيل، إذ لم يمضِ وقت طويل على استئناف نشاطاتي العامة، ويبدو أن تلبية هذا الطلب سيكون صعبًا.”
“……نعم.”
ابتسمت ليليا ابتسامة خفيفة، كأنها تخفي ارتعاش صوتها. وكانت تعرف جيدًا أن هذه الابتسامة تبدو أحيانًا أكثر ضعفًا ورقة، فتثير في الآخرين شعورًا بالذنب يجعلهم يوافقون في النهاية على ما طلبته.
“إذا كان بالإمكان، فهل تمنحيني شرف تقديم الشاي لكِ؟ لدي أوراق شاي مستوردة من القارة الشرقية، وأردت أن أستمتع بها مع جلالتكِ، ولحسن الحظ أحضرتها معي اليوم.”
“حسنًا، بما أن الشاي قد برد قليلًا، فسيكون من الجيد تذوق شاي جديد.”
“أشكركِ جزيل الشكر على قبول طلبي، جلالة الإمبراطورة. ولكن هذا الشاي مميز للغاية، وخادمتي هي الأعلم بكيفية إبراز نكهته الحقيقية. هل تسمحين لها بتحضيره لكِ؟”
أجابت الإمبراطورة بموافقة غير مترددة.
ابتسمت ليليا بفرح وأشارت بتلميح للعين إلى تيفاني، التي خرجت لتحضير الشاي، وتبعها خادمتان أخريان.
بعد لحظات، عادت تيفاني وضعت فناجين الشاي على الطاولة، وانحنت قليلاً قبل أن تتراجع، فاهتزت مياه الشاي القرمزية بلطف ثم هدأت.
“…….”
نظرًا لأن ليليا أوصت بأن تُحشى الفناجين نفسها بأوراق الشاي والخلطة، فلن تلاحظ أي خادمة مراقبة أي شيء غريب.
“رائحته وحدها تمنح شعورًا بالحموضة والحلاوة معًا، لكن هذا الشاي يُمتع من يتذوقه بأن يمر بمذاق أول ومذاق متوسط ومذاق ختامي مختلف، وهو ما يجعله فريدًا.”
حدّقت ليليا بعينيها الواسعتين وهي تميل الفنجان، فابتلّت شفتيها بشاي بدرجة حرارة مناسبة، وغمر فمها بنكهة رقيقة.
رأت غريس أن مستوى الشاي في الفنجان قد انخفض، فرفعت فنجانها، وتحرك حنجرتها مرات عدة.
“كما قلتِ، طعم الشاي فعلاً رائع.”
ابتلعت ليليا الشاي الذي كانت تحتفظ به في فمها، وشعرت بمرور السوائل بسلاسة، حتى لم تستطع كبح ابتسامتها الصاعدة.
“جلالتكِ تشعرين بذلك أيضًا، أليس كذلك؟”
“نعم.”
“وليس هذا فقط، بل يوجد في القصر أوراق شاي ممتازة أخرى. فإذا تيسّر لنا اللقاء مستقبلاً، فسأتمكن من مشاركتكِ المزيد من أنواع الشاي والحديث الممتع…”
ارتسم الحزن على وجهها، فقد أضحت فكرة استمرار اللقاء صعبة.
“همم… إذًا، هل نفعل ذلك؟”
“نعم؟”
“إذا كان ذلك مناسبًا لكِ، أود أن أستمر في قضاء أوقات ممتعة معكِ كما نفعل الآن.”
ابتسمت غريس برقة، متراجعة عن اقتراح سابق، بينما وقفت الخادمة والفرسان خلف الإمبراطورة يراقبون موقف سيدتهم بحدة.
“إذا كانت جلالة الإمبراطورة لا تمانع، فسأكون مرحبًا بي في أي وقت!”
لم تُخفِ ليليا فرحتها البالغة، وعيناها تلمعان بالسعادة.
آه، كان ينبغي أن أفعل ذلك منذ البداية.
الأب الذي ذهب إلى جانب سيلا، والأم العاجزة، لم يكن لهما أي فائدة على الإطلاق
ابتسمت ليليا ابتسامة قوية تجاه المرأة التي أصبحت منذ الآن حليفها الأبدي.
***
بدأت سيلا، بمساعدة ليزا، في تجهيز أمتعتها.
وضعت ما يجب أخذه أولًا في حقيبة ودستها تحت السرير، ثم شكرت ليزا وحثتها على الراحة.
تركت الغرفة وحدها، وأخذت تتفحص صمتها. بدا وكأنها قد اتخذت قرار المغادرة بالأمس فقط.
حينها، لم يكن جسدها في أحسن حال، وكانت منهكة نفسيًا.
كانت ترغب في أن تتواصل مع أسرتها، وأن لا تكون مكروهة، لكن كل خطوة نحو هدفها البسيط شعرت وكأن أشواكًا تغرس في كفّي قدميها.
استغرق الأمر وقتًا طويلًا لتدرك ذلك، فقد ترك لها الماضي جروحًا، وأوجاعًا، وأجسادًا متعبة تكاد تحجب أنفاسها، فقررت الهروب في كل لحظة.
حين أدركت أن كل ما سبّب لها العذاب وجعل دموعها تسيل كان مجرد كذب، انفجرت كل لحظة من الماضي في داخلها غضبًا جامحًا. هكذا وصلت إلى هذه النقطة.
“حان الوقت للمغادرة قريبًا…”
تمتمت لنفسها، ووجهت نظرها نحو الباب. وعندما تذكرت أنها سمعت عن تحركها عند وقت الغداء، توقعت أنه قد حان وقت الوصول، فاندفع الباب بهدوء من الداخل، وظهر وجه كانت تنتظره خلف الفتحة.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات