حاولت سيلا مرارًا تحريك ذراعيها، لكن الحبال لم تزد عن كونها ثابتة لا تتحرك.
‘يجب أن أتصرف بسرعة.’
عبرت في ذهنها كلمات ليليا عندما كانت تصطحب النسخة المزيفة منها.
‘قالت إنها ستصبح المنقذة للإمبراطورة، لا محالة.’
عضّت سيلا شفتيها بعنف، متخلية عن أي محاولات بلا جدوى. لم تكن تملك قوة خارقة، ومن المستحيل فك الحبال بمفردها. تنفست بعمق، محاولةً استجماع رباطة جأشها، وأخذت تراقب المراقبين بعين متأنية.
‘هل هما فقط؟’
وقف فرسان كاليكس صامتين، لا يتحركون رغم نظراتها الثاقبة، فتذكرت سيلا أولئك الذين خضعوا لغسل الدماغ سابقًا.
‘إيزابيل، والدوق دينيس، جميعهم أحبوا ليليا…’
إذا كان غسل الدماغ قائمًا على المشاعر، فقد تتمكن من استغلال ذلك للخروج من المأزق.
رمشت بعينيها ببطء، ورفعت نظراتها إليهما، ثم انفجر ضحك خفيف من بين شفتَيها الحمراوين.
“ما سبب هذا الضحك المفاجئ؟”
“أمر مضحك. ذلك التصرف الأحمق الذي خالف أوامر كاليكس بسبب مشاعر زائفة، وكل شيء يبدو سخيفًا بعض الشيء…”
وقفا صامتين، صامدين رغم النقد الحاد. ابتسمت سيلا ابتسامةً خفيفة مائلة، مستغربةً غباءهما الظاهر في فهم طلب ليليا.
“كل شيء يبدو غبيًا من الألف إلى الياء…”
أجاب أحدهما ببرود، كما يليق بفارس.
“لا جدوى من محاولات الإغواء بالكلمات.”
“فلتظنوا كما شئتم.”
ضحكت سيلا ضحكةً هادئة، ضيقة العينين.
“سواء صدقتم أم لا، لا يهمني. لكن هل أنتم بخير؟ لأن ليليا لن تستطيع بعد الآن الحصول على ما تريد مني، وسيكون غضبها عليكم.”
عمّ الصمت لبرهة. سيلا أغمضت جفونها بابتسامة خفية، وكأنها تقول إن أي مصيبة قادمة لا تعنيها، تاركة شعورًا بالطمأنينة يتخلل الموقف.
هب الهواء البارد على نافذة صغيرة، ومع مرور الوقت، تعمّق قلق الفارسان، بسبب همسات تردّد في أذنهما.
كان أمر ليليا واضحًا قبل مغادرتها. مراقبتها هنا ومنعها من الهرب.
حتى وإن اعتقدوا أن وراء هذا الأمر سرًّا، فإن موقفها الهادئ اختبر صبرهما.
***
في قاعة الاحتفال الإمبراطوري، كان الحفل بمناسبة استئناف الإمبراطورة نشاطاتها الخارجية أبهى من أي وقت مضى.
دخل الإمبراطور والإمبراطورة القاعة جنبًا إلى جنب، وهو مشهد لم يُر منذ أكثر من عشر سنوات. بعض الشبان والشابات فضوليون لرؤية الإمبراطورة لأول مرة، بينما البعض الآخر، الذين تذكروا مأساة ما قبل عقد مضى، ذرفوا الدموع.
تذكّروا العائلة التي فقدوها، وتأثروا بشجاعة الإمبراطورة التي وقفت صامدة بعد الألم. كانت غريس يوماً محبوبة لطبيعتها الرقيقة، وحازت على احترام الجميع.
انحنى الجميع أمام عرش الإمبراطور، وجلس الزوجان في المقاعد المخصصة لهما، وبدأ الحفل رسميًا.
“سيلا.”
استدارت نحو الصوت، فابتسمت بابتسامة مشرقة، وعيناها الحمراوان تلتقيان بعينيه.
“أهلًا بك، كاليكس.”
كان اتساع عينيها وانحناء جفنيها يكشف جمالها ويزيده إشراقًا.
وصلت سيلا مع الماركيز آرسيل وليليا قبل وصول باقي أفراد العائلة الإمبراطورية، فاحتفظت بمكانها حتى اللحظة، لتقابل كاليكس أخيرًا.
“منذ اللحظة التي دخلتُ فيها قاعة الحفل، لم يكن في قلبي سوى شوقٍ للقاء كاليكس بسرعة، أكان كاليكس يشعر بالأمر نفسه؟”
تغيرت الأجواء تمامًا عن المرة السابقة.
سيلا، مترددة، غطت شفتيها بخجل، تبدو كأنسة وقعت في الحب.
وكانت طبيعة المكان الخارجي سببًا مقنعًا لتصرفها المختلف، لكن صمت كاليكس استمر طويلاً.
ارتعشت عينا سيلا الزرقاوان بدهشة، ورفعت جفونها على نحو واسع.
“كاليكس؟”
أجاب بصوتٍ رتيب قليلًا بعد صمت قصير.
“…وأنا كذلك، سيلا.”
ابتسم بخفّة واقترب منها بخطوات واثقة، حتى كادت وجوههما أن تلتقي.
“منذ لحظة دخولكِ القاعة، لم أرَ غيرك.”
احمرّت وجنتاها خجلًا، ثم تراجع خطوة إلى الوراء وهو يحدق فيها بعناية. خفض جفونه وكأنما يفكر، ثم ارتفعت زوايا شفتيه بابتسامة خفيفة، وأمسك بيدها برفق.
“هذه أول مرة تلتقين بالإمبراطورة، أليس كذلك، سيلا؟”
كانت عينا كاليكس الحمراوان تتأملها بكل تركيز، وكأنها وحدها في الكون.
“لو لم أكن مشغولًا، لكنت عرفتكِ بالإمبراطورة قبل موعد الحفل. أشعر بالأسف لأنني لم أعتنِ بخطيبتي كما ينبغي.”
ابتسمت سيلا وقالت.
“كلماتك تكفي، كاليكس. سأطلب منك ذلك لاحقًا بلا شك.”
ظلّ كاليكس يثبت نظره عليها.
شعر أشقر متلألئ بلمحة حمراء، وعينان زرقاوان، ملامح الوجه، القامة، العطر، الصوت… كل ما يُكوّن سيلا هو هي بعينه.
لكن لماذا؟
حتى كاليكس نفسه لم يفهم.
منذ اللحظة الأولى التي رآها فيها، تسرّب إلى صدره شعور بالانفصال الغامض.
إحساس عجيب، كأنها ليست هي، ليست سيلا.
لم يكن يمكنه أن يمرّر الأمر على أنه مجرّد وَهْم؛ فكلّما طال الحديث ظهرت تصرّفاتها أشدّ افتعالاً، حتى عادات سيلا الخاصة كانت تخرج عن مألوفها.
ولذلك سأل عن جلالة الإمبراطورة، وحين سمع الجواب أيقن.
‘تلك ليست سيلا’
فمن تكون إذن؟ وأين هي سيلا ‘الحقيقية’؟
انعقد طرف حاجبيه انقباضًا خفيفًا، ثم ما لبث أن استقام كأن شيئًا لم يكن.
هنا يوجد كثير من الناس.
إثارة ضجّة في مثل هذا المكان قد تُلحق الأذى بسيلا أيضًا. كان عليه أن ينقل تلك المرأة بهدوء إلى مكان آخر ليُحكم السيطرة عليها…
رنّت أصوات الأجراس الخفيفة.
“كاليكس؟”
ابتسم، متجاهلًا الصوت المفاجئ، ونظر إلى النسخة المزيفة منه التي كانت أمامه، ثم قال.
“سيلا، هل يمكنكِ الانتظار هنا قليلًا؟”
-رون.
استعان كاليكس بسحر عقده لاستدعاء مساعده، ثم أدار ظهره وابتعد.
***
ارتدى رون ملابس مماثلة لكاليكس، مستعينًا بسحر الوهم ليبدو كأنه كاليكس أمام الآخرين، ودخل القاعة. رغم محدودية الوهم في تقليد الحواس الأخرى كالرائحة واللمس، كان يقوده توجيه كاليكس السابق.
تسائل.
‘أين تكون السيدة المستقبلية؟’
كان المكان مليئًا بالنبلاء الآخرين فقط، حتى لمحت سيلا وهي تتقدم نحو المقعد المخصص لها.
في تلك اللحظة، ضرب الكائن الصغير الجاثم على كتفه بمقدّمتيه. كان ذلك كاليكس وقد تحوّل إلى تيتي.
– آخ! إنّه مؤلم!
أطلق رون أنينًا عبر التخاطر.
-حتى مع السحر، لا يجب أن تصدح بهذا الصوت، فقد يكتشف أحد هويتك. احذر.
رفعت أذن القط قليلًا، وأشار بقدمه إلى زاوية 45 درجة نحو يسار القاعة، حيث بدا ظهر سيلا وهي تتجه نحو مقعدها.
اقترب رون بخطوات حازمة ليقف أمامها.
“آه، كان هذا أنت، كاليكس.”
ارتعشت كتفها من الدهشة، ثم تنفست بارتياح وقالت.
“لقد فاجأتني عندما سدّدت طريقي هكذا.”
ابتسمت ابتسامة صافية، مليئة بالحب والدفء.
‘ليت هذه الانسة لم تكن مزيّفة.’
في تلك اللحظة شعر رون بالأسى وابتلع تنهيدة.
كم كان سيكون جميلًا لو أنّ هذا الجو الربيعي هو فعلًا ما يجمعهما. والآن، وهو في هيئة قطّ أشعث، قد لا يبدو ذلك واضحًا، لكنه يعرف جيّدًا كم هزل صاحبه منذ ذلك اليوم، فغلبت عليه مرارة التفكير.
غير أنّه سرعان ما استحضر أوامر كاليكس، فالتفت إليها مقترحًا.
تذكرت رون أمر كاليكس، واقترب قائلاً.
“سيلا، هل يمكن أن تتبعيني قليلًا؟”
“إلى أين؟”
“هناك أمر أود أن أريك إياه شخصيًا.”
أومأت سيلا بالموافقة، لكن عندما أمسكت يد رون لتتبعه، توقفت بعد خطوات قليلة.
“كاحلي يؤلمني قليلاً من سقوطي في العربة…”
“هل أنت بخير، سيلا؟”
“نعم، سأرتاح قليلًا وأصبح أفضل. لكن هل يمكنك إحضار الشمبانيا لي؟ أشعر بالعطش فجأة.”
“سأأمر احد الخدم.”
“لا، أريد الشمبانيا التي تختارها لي أنت شخصيًا.”
“لكن لا يمكن أن أترككِ وحدكِ وأنتِ متألمة…”
“سأستريح هنا قليلًا، لذا لا تقلق، واذهب.”
كانت عيناها الزرقاوان تنظران إليه وتدفعانه دفعًا.
ولو رفض بعد كل هذا، فقد تكتشف هي أنه أدرك كونها ‘مزيّفة’.
في مثل هذا الظرف كان من الأفضل أن يلبّي طلبها سريعًا.
لكن تركها وحدها أقلق رون، فراح يفتّش عن طريقة يتصرّف بها.
في تلك اللحظة، زال الثقل عن كتفه.
هبط قط أصفر بخفّة الفراشة على زهرة، ووقف إلى جوارها.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات