رفع كاليكس بصره إلى الصخرة العظيمة التي انتصبت أمامه كأنها تلّة، ثم تكلّم قائلاً.
“بحسب السجلات، فهذه الصخرة هي عين الممرّ.”
“هذه الصخرة؟”
“نعم.”
تطلّعت سيلا إلى تلك الصخرة الضخمة، حتى إنّ العقل يعجز عن استيعاب سعتها، فانعقد حاجباها في تفكّر.
“علينا أن ندور حولها باحثين عن فجوة ما. فإذا كان ثمّة مفتاح، فلا بدّ من ثقب يُدخل فيه.”
“إن تحرّكنا جميعاً معاً فسيكون الأمر غير مجدٍ، فلنقسّم أنفسنا إلى اثنين.”
“إذن، أنا و…”
لم يكد كاليكس يقترح بحذر، مادّاً يده كما لو كان يهمّ بمرافقتها، حتى قاطعه صوت آخر.
“عمي؟”
“تعالي معي من هذا الجانب.”
شبك كين أصابعه بأصابع سيلا وجذبها برفق، فانقاد جسدها مع حركته دون إرادة منها.
“أمّا أنت يا صاحب السمو الدوق، ففتّش الجهة الأخرى.”
فما كان من كاليكس إلا أن اعترض، فجذب ذراعها بشدّة حتى كادت تشعر كأنها دمية تُسحب، وتجمدت ملامحها شيئاً فشيئاً.
ولمّا لم يدرك كاليكس ما بها، عاد فأطبق على يدها بقوّة، كأنّه أقسم ألا يتركها قط.
“اتركها.”
صدح صوت حادّ يقطع ما بينهما.
وسأل بجدّية.
“هل ستسند مهمة السمك إلى القطّ، أيها الدوق؟”
أجاب كاليكس بإيجاز وبحزم، كما لو كان يتطلع إلى كين بازدراء.
“سأفعل.”
كان ردّاً قصيراً جازماً، يعلو فيه صوته على كِن استعلاءً ظاهراً.
وتردّد صدى منافسة محتدمة عبر الأيدي المتشابكة، حتى ضاقت عينا سيلا بامتعاض.
‘ما بالهما؟’
لقد شعرت بالإرهاق من هذه اللعبة الغريبة، إذ بدأ رأسها ينبض بالألم. كانت ترغب أن تنتهي الأمور عند هذا الحد، وفتحت فمها لتضع حدًا لذلك الصراع بين الاثنين
“كفى…”
لكن زفرة حارّة اختنقت في صدرها وقطعت الكلام. استعادت تماسكها وأكملت بحزم.
“توقّفا وأفلتا يدي.”
وحالما طلبت ذلك، تبادل الرجلان نظرات متقدة، عيونهما الحمراء تشتعل كأنها ألسنة نار. قال أحدهما بلسان الشفاه. “أتركها”، فأجابه الآخر بالمثل. “لن أتركها.”
فتغيّر وجه كاليكس إلى ملامح وحش كاسر، وأطلق أمره بصرامة.
“قلت أتركها.”
“نعم، اتركاها.”
ابتسم كاليكس ابتسامة باهتة عند سماعها، وأومأ برأسه نحو كين استهزاءً، غير أنّ كين لم يتحرّك قيد أنملة.
“ألعلّها تعنيك يا سمو الدوق؟”
“لا. ما قلته موجّه لكما معاً. ألن تفعلا ما طلبت؟”
تنفّست سيلا تنهيدة قصيرة، ثم استعادت رجاءها، لكن بصوت يقطر ليناً حازماً، يحمل في طيّاته أمراً خفيّاً بألا يتجاوزا الحدّ.
“سأذهب مع العم كين، فدعْ كاليكس وحده يتفقّد الجهة المقابلة.”
“سيلا.”
ناداها كاليكس كأنّه يأبى أن يتقبّل الأمر.
“همم~ لقد أثمر نصحي لك منذ زمن أن تحذري من الرجال.”
قال كين بزهو، مرتسماً على وجهه ذلك الغرور الذي يليق بالمختارين.
“أما ترين أنّ خلوّك به أمر خطير؟”
“أنا بريء لا أضرّ أحداً، يا سيلا.”
ابتسم كين ابتسامة عريضة حتى بدا فمه مشقوقاً، فيما كان كاليكس يناديها بعينين متوسّلتين. عندها أطرقت رأسها وقالت.
‘الصخور التي مررنا بها من قبل كانت مكسوّة بالطحالب.’
أما هذه، فلا شقوق فيها ولا طحالب، سوى بقعة واحدة صغيرة.
قالت بجدية.
“أظننا تجاوزنا الفتحة التي يدخل فيها المفتاح. علينا العودة.”
“هاه؟ لِمَ تقولين هذا؟”
لم تجبه، بل استدارت متقدمة بخطى سريعة، ولحق بها كين متأخرًا نصف خطوة. وسرعان ما بلغا الموضع الذي توقفت عنده أول مرة.
أطلّت عيناها الزرقاوان ببريق خافت وهي تتأمل الطحالب المتشبثة بالصخرة.
‘إن كان حدسي صائبًا، فهنا هو المكان.’
مدّت يدها بلا تردّد، تزيح الطحالب عن الموضع. وبينما كانت تفعل ذلك، ربت كين على كتفها قائلاً.
“أظنني وجدت شقًا على هيئة هلال.”
وحين توجّها إلى الموضع الذي أشار إليه، بان شقّ نصف دائري مختبئ تحت الطحالب، يوافق تمامًا حجم حجر السحري الذي رأياه من قبل.
قالت سيلا بثقة.
“لنذهب ونبحث عن كاليكس.”
لكن كين صدّها بيده قائلاً.
“ابقي مكانك. أنا من سيذهب.”
وانطلق بخفة البرق، فلم يحتج إلى تدقيق الطريق كما كانت سيلا تفعل.
“جئت من بعيد يا صاحب السمو الدوق.”
قال كاليكس بصرامة.
“وما الذي جاء بك إلى هنا؟”
كاد صوته أن يتردد في أذني سيلا، رغم أنها لم تكن موجودة، حتى ابتسم كين باستهزاء.
“أتيت لأتي بك. لقد عثرت على موضع المفتاح.”
أومأ الدوق إيكاروس برأسه إشارة أن تقدّم.
فتمتم كين بين أسنانه ساخطًا.
‘ليت سيلا رأت هذا التكبر، لعرفت أيّ رجل هوه هذا الذي يعجبها.’
مشى عائدًا، فيما كان كاليكس يخطو خلفه بثبات، عينيه مسلّطتين على ظهره.
“ولماذا تصر على سيلا أن تناديك بأخي أو أخي الكبير؟”
ابتسم كين باستخفاف.
“سؤال مفاجئ حقًّا.”
ثم مسح جبهته بيده ورفع كتفيه بلا مبالاة.
“لعلّ السبب أنّ صورتها لا تفارق ذهني.”
في داخله، تذكّر أخته الصغيرة الراحلة، مفكرًا أنّها لو كبرت لكانت في مثل عمر سيلا. كان قلبه ينقبض كلما رآها منهكة كقطة متعبة، فيجد نفسه غير قادر على تركها.
“بكل بساطة، إنما هي عزيزة عليّ. ومن ثَمّ ظللتُ أتساءل كيف وقع الدوق إيكاروس في حبها، وهو لم تربطه بها أي صلة من قبل.”
قطّب كاليكس حاجبيه قائلًا.
“لن أبوح لك بشيء.”
وضمّ شفتيه صامتًا، حتى بلغوا الموضع المطلوب. عندها أخرج الحجر السحري النصف دائري، وأدخله في الشق.
فانطبق بلا فراغ، وانطلقت منه أنوار خافتة، رسمت دوائر سحرية امتدت على سطح الصخرة. وما هي إلا لحظات حتى تكشّف في الصخر باب لم يكن موجودًا من قبل.
***
حين ولجوا الداخل، خيّم عليهم ظلام دامس حتى كادوا يتخبطون. استعانوا بمصباح كاليكس، وساروا طويلًا حتى انفتح أمامهم فضاء فسيح.
قالت سيلا متوجسة.
“لا بد أن هنا شيئًا… لكن الاتساع يعسّر البحث.”
“أيّ ناحية تودّين أن أبدأ بها؟”
“سأتولى الجانب الأيسر، وأنت يا كاليكس؟”
لكنّه لم يُجب، بل ظلّ يحدّق في اتجاه واحد بعينين ثابتتين.
“كاليكس؟”
نادته ثانية، فأجاب أخيرًا.
“سأتوجّه إلى هناك.”
ومشى بخطى واسعة نحو الجهة المقابلة.
قال كين.
“ما باله يعلو وجهه هذا الجفاء؟”
همست سيلا.
“حقًّا… أمر يثير القلق.”
ترددت في نفسها، ثم لحقت به. وبعد قليل توقّف كاليكس أمام خزانة حجرية، ورفع المصباح نحوها ليكشف ما فوقها.
“إنه حجر كريم.”
اقتربت سيلا تتأمل الحجر ذي الشكل الماسي فوق الخزانة.
‘أوّل مرة أرى مثل هذا الحجر…’
كان أبيض متلألئًا، تنبعث منه حرارة دافئة، حتى شعرت أنها مأخوذة بسحره.
لكن فجأة، مدّ كاليكس يده وأمسكه.
صرخت مذهولة.
“كاليكس!”
وما إن لامست أصابعه الحجر حتى أضاء من مركزه وهج عظيم، غمر المكان كلّه.
أطبقت سيلا عينيها بقوة، قبل أن تشعر بدفء لطيف يلامس رأسها. فتحت جفنيها بتردّد، فوقع بصرها على كاليكس وهو يطمئنها.
“هل أنتِ بخير؟”
“أنا بخير… لكن ماذا لو كان خطرًا؟ كيف تُقدم على لمسه بلا تفكير؟”
فأجاب بهدوء.
“شعرتُ أنّه آمن، لذلك لم أتردّد.”
رمقته بنظرة حادة.
“مجرّد شعور؟!”
ابتسم، وقال.
“ويبدو أن إحساسي لم يخطئ.”
إذ سرعان ما أضاءت المشاعل المثبّتة على الجدران من تلقاء نفسها، فامتلأ المكان نورًا.
ظلّت سيلا مبهوتة، تدور بعينيها في أرجاء البهو المشرق وقد نسيت حتى أن تطرف بجفن.
—يتبع.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة. شاد.
~~~~~~
End of the chapter
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 101"