البحث عن زوج للدوقة - 89
الفصل 89 : الأميرة المليئة بالجراح ⁵
وقفت أرتيا أمام فريجيا بابتسامةٍ مُشرقة.
“شكرًا على دعوتي إلى هَذهِ الحفلة الرائعة، كونتيسة إليزيوم.”
شعرت فريجيا وكأنها تلقت ضربةً قوية على رأسها. كانت تعلم أنْ أرتيا ذاتُ شخصيةٍ جريئة، لكنها لَمْ تتوقع أنْ تكون كذَلك حتى في مثل هَذا الموقف.
حاولت بصعوبةٍ أنْ تُحافظ على تعابير وجهها قبل أنْ تتحدث.
“كنتُ قلقة لأنني وجهتُ دعوةً إلى سيدة قد تجدُ صعوبةً في الحضور، لكنني سعيدةٌ لأنكِ أتيتِ.”
أمالت أرتيا رأسها ببراءة.
“ولماذا قد يكون مِن الصعب عليِّ الحضور؟”
لأنكِ امرأةٌ مُطلقة بلا زوج!
كادت فريجيا أنْ تصرُخ بهَذهِ الكلمات لكنها حبستها داخلها، خاصة أنْ الأنظار كلها كانت موجهةً إليّهما، بما في ذَلك نظرات ماريغولد وداليا.
عندها، تدخل الكونت إليزيوم، الذي كان مُتشابكًا بذراعهِ مع فريجيا، في الحديث بينهما.
“في موطن زوجتي، مملكةُ فالينتا، يُعتبر الزواج عهدًا مُقدسًا. لا يُمكن للأزواج هُناك الانفصال أبدًا، والطلاق لا يحدُث إلا عندما يموت أحد الزوجين.”
نظر الكونت إليزيوم إلى فريجيا بعينين يملؤهما الحُب.
“لكن السيدة إيدينبرغ قطعت روابط الزواج فقط لأنها لَمْ تُعجب بزوجها. أمرأةٌ كهَذهِ لا تشعرُ بالخجل حتى وهي تقفُ أمام الناس، وهَذا أمرٌ صادمٌ لفريجيا.”
اتسعت عينا أرتيا بدهشة.
“لَمْ أكُن أعلم أنْ ثقافة مملكة فالينتا هَكذا.”
بدأت تفهم سبب حساسية فريجيا الشديدة تجاه طلاقها.
أما الكونت إليزيوم، فقد كان يشعرُ بالغضبٍ الشديد.
‘بعد كُل ما قلتُه، كان يجبُ أنْ تشعري بالخزي وتبكي، لكنكِ لا تزالين هادئة؟!’
بالرغم مِن عدم وجود أيِّ علاقةٍ شخصية بينهما، كان الكونت إليزيوم يحتقرُ أرتيا بشدة.
كانت امرأةً مُتعجرفة، بل وقحة، لأنها تجرأت على طرد زوجها.
لَمْ يكُن بحاجةٍ إلى مُجاملة امرأةٍ مُطلقة، فموقعهُ كـ سيد عائلة إليزيوم كان مُستقرًا ولا يتأثر بمكانة أرتيا.
“سيدة إيدينبرغ، يبدو أنْ كثرة الخُطّاب الطامعين في لقب الدوقية قد جعلتكِ غيرَ مُدركةٍ لحقيقة وضعكِ. لهَذا سأقدمُ لكِ نصيحة، الكثيرون يحملون مشاعر سلبيةً تجاهكِ. رغم أنهُم يبتسمون لكِ احترامًا لمكانتكِ، إلا أنهم يحتقرونكِ لأنكِ امرأةٌ طلقت زوجها.”
“……”
“لذَلك، قبل أنْ تتدهور سمعتُكِ أكثر، عليكِ الإسراع في الزواج مُجددًا وإظهار نفسكِ كزوجةٍ مُطيعة.”
أيُّ نصيحةٍ هَذهِ؟ إنها مُجرد إهانةٍ صريحة.
‘يا له مِن رجُلٍ فظ!’
رغم أنْ أرتيا كانت بطبعها هادئة، إلا أنها لَمْ تكُن مِن النوع الذي يتجاهل مَن يتحداها مُباشرةً.
ابتسمت أرتيا بلُطف.
“شكرًا على نصيحتكَ، كونت إليزيوم. سأرد لكَ الجميل بنصيحةٍ أيضًا.”
“……؟!”
“أنا لَمْ أطلق زوجي بمحض إرادتي فَحسب، بل تم ذَلك بموافقة جلالة الإمبراطور. باعتبارهِ حاكم هَذهِ الإمبراطورية، فقد قرر أنْ الزواج مِن شخصٍ عديم الفائدة هو أمرٌ غير مقبول، وأعطى موافقتهُ لإنهاء الزواج.”
تألقت عينا أرتيا الوردية.
“لذَلك، انتقادُكِ لطلاقِي يعني أنكَ تستخفُ بقرار الإمبراطور نفسه. وبما أنكَ نبيل يخضعُ لحكمه، أعتقدُ أنه مِن الأفضل لكَ تجنُب أيِّ تصرفٍ قد يُغضبه.”
كانت رسالتُها واضحة: إذا كنت تخشى الإمبراطور، فاحرص على عدم التدخل في شأني.
في تلكَ اللحظة، تشوه وجه الكونت إليزيوم، الذي كان مُتحليًا بابتسامة نبلاء زائفة، بغضبٍ شديد.
“تيا!”
بالتوقيت المُناسب، اقتربت ماريغولد وداليا مِن أرتيا.
ثم تبعتهُما مجموعةٌ مِن النساء اللواتي كنّ على صلةٍ بأرتيا، مِما جعلها تنفصل عن الكونت إليزيوم وزوجتهِ بشكلٍ طبيعي.
تمتم الكونت إليزيوم بصوتٍ مُنخفض لا يسمعه إلا فريجيا.
“لماذا دعوتِ امرأةً مثلها؟”
تشنجت أصابعُ فريجيا المُرتجفة وهي تُحاول السيطرة على نفسها قبل أنْ ترُد بهدوء.
“خشيتُ أنْ يتحدث الناس عني بسوء إنْ لَمْ أرسل لها دعوة…”
“هاه…”
أطلق الكونت إليزيوم زفرةً طويلة جعلت كتفي فريجيا النحيلين يهتزان. ثم وضع يدهُ على كتفها، وكأنه يواسيها، لكنهُ همس لها بصوتٍ مُنخفض:
“ابتسمي. يجبُ أنْ ينظُر إلينا الجميع بإعجاب.”
بذلت فريجيا جُهدها لترسم ابتسامةً على وجهها.
* * *
كانت بينيلوب ترتسمُ على وجهها ملامح الدهشة.
قبل بضعة أشهر، عندما ذهبت إلى منزل والديها لرعايتهمُا بسبب مرضهما، لَمْ يكُن لدى أرتيا الكثير مِن المعارف.
كانت بينيلوب تُرسل لها دعواتٍ يومية لأنها شعرت بالأسف تجاهها، حيثُ كانت أرتيا تُمضي وقتها في المنزل دوّن أنْ تُدعى إلى أيِّ حفلة.
لكن الآن، كانت أرتيا محاطةً بالعديد مِن السيدات.
والأمر الأكثر إثارة للدهشة أنْ مِن بينهنَ كانت ماريغولد وداليا، سيدات زهور الشهيرات.
“ما الذي حدث أثناء غيابي؟!”
في خضم ارتباك بينيلوب، وجهت إليّها ماريغولد بالكلام.
“سعدتُ بلقائكِ، كونتيسة أورين.”
رغم أنْ بينيلوب كانت ناشطةً في المُجتمع الأرستقراطي، إلا أنها لَمْ تتبادل سوى التحيات الرسمية مع سيدات الزهور، ولَمْ تخض معهن محادثةً مطولةً مِن قبل.
فقد كان هُناك تسلسلٌ هرمي غيرِ مرئي بين السيدات في المُجتمع.
ردت بينيلوب التحية بوجهٍ مُتحفظٍ بعض الشيء.
“تشرفتُ بلقائكِ، كونتيسة غولدجرس.”
واصلت ماريغولد الحديث بابتسامة.
“سمعتُ الكثير عنكِ مِن تيا. لقد أخبرتني أنكِ كنتِ دعمًا كبيرًا لها أثناء طلاقها.”
تيا؟!
اتسعت عينا بينيلوب على اتساعهما عند سماع ماريغولد تستخدمُ اسمًا مُستعارًا لأرتيا.
“بصفتي أخت تيا الكبرى، أشعرُ بسعادةٍ غامرة لأن لديها صديقةً مثلكِ.”
أختها الكبرى؟! (اوني)
هَذهِ المرة، فتحت بينيلوب فمها مرتين أكثر مِن دهشة.
كانت ماريغولد معروفةً بأنها ذاتُ شخصيةٍ نشطة ولكنها انتقائيةٌ في اختيار مَن تتعامل معهن، حيث لَمْ تكُن تتقرب إلا مِن السيدات اللواتي يروقن لها.
‘لماذا تغيّرت فجأةً؟ هل تعرضت للتنويم المغناطيسي؟ أم أنْ هُناك تهديدًا؟ أم رُبما…’
بينما كانت بينيلوب تُفكر، نظرت إلى أرتيا الواقفة بين ماريغولد وداليا.
‘هل يُمكن أنهن أيضًا وقعن تحت سحر أرتيا؟!’
كانت جميع السيدات اللواتي أحبتهن ماريغولد يشتركنَ في صفةً واحدة: الجمال المُبهر.
صحيح أنْ أرتيا لَمْ تكُن ذات جمالٍ صارخ، لكن…
“بِمُجرد أنْ نقدم لها جزرة، ستبدأ بتحريك أذنيها الكبيرة مثل الأرنب اللطيف.”
خرجت هَذهِ الكلمات مِن فم بينيلوبي دوّن أنْ تُدرك.
كانت داليا هي مَن التقطت حديثها.
“هل كنتِ تصفين دوقة إيدينبرغ؟ إنهُ تعبيرٌ طريفٌ للغاية.”
“……!”
نظرًا لأن داليا كانت شخصيةً لامعة مثل ماريغولد، ازداد اندهاش بينيلوب أكثر.
‘لقد أصبحتِ صديقةً لأقوى امرأتين في المُجتمع الأرستقراطي… لقد نجحتِ يا تلميذتي!’
رفعت بينيلوب إبهاميها تجاه أرتيا بفخر.
كانت السيدات اللواتي تجمعن حول أرتيا مُستمتعاتٍ بمحادثتهن، بينما وقفت فريجيا على مسافة قصيرة تُراقب المشهد وتفكر.
‘سيدة إيدينبرغ، أعترفُ بأن لديكِ موهبةٌ في جذب النساء مِن حولكِ.’
لكن بغض النظر عن أيِّ شيء، كانت فريجيا مصممةً على أنْ تكون هي نجمة هَذا الحفل.
“يجبُ أنْ أكون كذَلك.”
وسط قاعة الاحتفال المُضيئة، دخلت فريجيا ممسكةً بيد الكونت إليزيوم.
وفي اللحظة ذاتها، تغيّرت الموسيقى المُصاحبة للحفل.
نشيد الحب—لحنٌ يُعبر عن مشاعر الحُب العميقة والمترنحة بين العشاق.
عندما بدأ الكونت إليزيوم وفريجيا بالرقص وفقًا للنغمات الحالمة، أطلقت الحشود تعبيرات الإعجاب.
“يا لهما مِن زوجين رائعين!”
رجُل كان ذات يوم الحُب الأول للعديد مِن فتيات النُبلاء، وأميرةٌ أجنبية رائعة الجمال.
كان مشهدهُما معًا كزوجين مُتحابين يجعل القلوب تنبض سريعًا، وسرعان ما تحولت تلكَ المشاعر إلى إعجابٍ عميق.
شعرت فريجيا بالراحة أخيرًا عندما أدركت نظرات الإعجاب التي تًحيط بها.
‘أرأيتِ؟ هَذا هو ما يتطلع إليّه الجميع—الصورةٌ المُثالية لسيدة المجتمع الراقية.’
في جميع اللوحات الفنية والأوبرا الشهيرة، كانت المرأة تتألق أكثر عندما تكون بجانب رجُلٍ تُحبه. أما المرأة التي تعيش بمُفردها، فكانت دائمًا محط انتقاداتٍ وازدراء، مصيرُها أنْ تغرق في البؤس.
لكن عندما التفتت فريجيا ونظرت إلى أرتيا الواقفة خارج القاعة، اتسعت عيناها بصدمة.
لَمْ يكُن هُناك أدنى أثرٍ للحسد أو الغيرة على وجه أرتيا وهي تنظرُ إليّها.
كانت فقط تبتسمُ بثقة.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة