البحث عن زوج للدوقة - 86
الفصل 86 : الأميرة المليئة بالجراح ²
احمرّت عينا فريجيا.
“لا أريدُ منكما أنْ تقتربا أكثر مِن السيدة إيدينبرغ.”
كان صوتُها متوسلاً.
ساد الصمت في غرف الاستقبال الفسيحة.
وكانت ماريغولد أول مَن تحدث بعد لحظة الصمت.
“هَذا سيكون صعبًا، يا أميرتي.”
“……!”
“أنا أحبُ أرتيا. لا أريدُ أنْ أتجنبها بسبب مشاعركِ.”
أومأت داليا، التي كانت جالسةً بجانبها، برأسها.
“أنا أيضًا.”
كان ذَلك يعني أنهُما لا تُريدان الانحياز إلى أيِّ طرف، بل ترغبان في البقاء مع كلٍّ مِن أرتيا وفريجيا.
لكن فريجيا شعرت وكأنهُما قد تخلّتا عنها واختارتا أرتيا.
تساقطت دمعة مِن عينيها ذاتُ اللون الزمردي.
“كنتُ أظنكُما صديقتي، لكن يبدو أنني كنتُ مخطئة…”
ألقت فريجيا هَذهِ الكلمات القاسية ثم استدارت.
ألحقا بيّ، تحدثا إليّ،
أخبراني بأنكُما قد أخطأتُما التعبير، وإنني الأهم بالنسبة لكما.
لكن، خلافًا لتوسلات فريجيا المُلحة، لَمْ تتحرك ماريغولد ولا داليا. كانتا قاسيتين.
بعد مُغادرة فريجيا، تنهدت ماريغولد.
“كنتُ أعلم أنها ستغضب، لكن نظرتُها المجروحة كانت أقسى مِما توقعت. إنهُ أمرٌ مؤلم.”
“إذن، لماذا لا تلحقين بها وتعتذرين لها؟”
هزّت ماريغولد رأسها.
“لو كنتُ سأفعل ذَلك، لما تحدثتُ عن الأمر. أنا أحبُ الأميرة، لكن مشاعري تجاه تيا مُختلفةٌ تمامًا عن ذَلك. يجبُ أنْ تفهم فريجيا هَذا.”
بدت داليا منزعجة.
“أنتِ تبدين كفارسٍ لعوب يعترفُ بحبهِ لامرأتين في آنٍ واحد.”
لَمْ تُحاول ماريغولد دحض كلام صديقتها. فقد كانت بالفعل مِن النوع الذي يرغب في الاحتفاظ بكُل الجميلات حولها.
***
قبل خمس سنوات، عندما تزوجت فريجيا مِن الكونت إليزيوم وانتقلت إلى الإمبراطورية، لَمْ تكُن تعرفُ أحدًا.
في أول حفلٍ اجتماعي لها، حيثُ حضرته بوجهٍ متوتر، اقتربت منها امرأةٌ دوّن تردد.
كانت ماريغولد.
على عكس باقي السيدات اللواتي كنّ حذراتٍ مِن فريجيا الأجنبية، أظهرت ماريغولد اهتمامًا واضحًا وهي تُضيء عينيها بحماس.
“يا إلهي، كم أنتِ جميلة! كأنني أرى الأميرة التي كنتُ أتخيلُها منذُ طفولتي قد تجسدت أمامي!”
كان إطراءً مُحرجًا بعض الشيء، لكنهُ كان صادقًا. ابتسمت فريجيا بخجل.
وعندما رأت ماريغولد تلكَ الابتسامة، صاحت بدهشةٍ،
“يا لهُ مِن جمال، أنتِ تبدين أجمل عندما تبتسمين!”
ومنذُ ذَلك الحين، أصبحت ماريغولد أقرب صديقةٍ لفريجيا، ومعها صديقتها داليا.
“كانت علاقتي بسيدات المُجتمع الأخريات سطحية، لكن الأمر كان مُختلفًا معهما. لقد أحببتُهما بصدق.”
ولهَذا، كان الألم أكبر.
***
في غرفةٍ مُظلمة لَمْ تشعل فيها المصابيح، دفنت فريجيا وجهها في الوسادة وبكت.
لا أحد يعلم كم مِن الوقت مرّ، حتى سُمع صوت فتح الباب.
كان الكونت إليزيوم.
“الخادمات قلقات عليكِ. قُلنَ إنكِ عُدتِ بوجهٍ باكٍ ولَمْ تُغادري غرفتكِ…”
اقترب منها ووضع يدهُ على كتفها المرتعش.
“لا يجبُ أنْ تُظهري مثل هَذا الضعف أمام الخدم، فريجيا.”
“……!”
في تلكَ اللحظة، توقفت شهقات فريجيا.
تابع إليزيوم حديثهُ وهو يُربت على كتفها المُتصلب.
“ألَمْ أخبركِ مِن قبل؟ يجبُ أنْ تظهري دائمًا بمظهر الأميرة المثالية التي لا تشوبها شائبة.”
كان صوته في غاية اللطف والاحترام، لكن عينيهِ الرماديتين كانتا حادتين كوحشٍ يُحدق في فريسته.
بوجهٍ شاحب، همست فريجيا بصعوبة.
“أنا… آسفة. لقد كنتُ فقط… مُحبطةً للغاية…”
“وما السبب؟ هل بسبب السيدة غولدجرس والسيدة غريك؟”
كيف عرف…!
اتسعت عينا فريجيا بصدمةّ، وضحك إليزيوم بهدوء.
“بالطبع أعلم، إنهُ أمرٌ يخصُ زوجتي العزيزة…”
“…….”
“سمعتُ أنْ هاتين السيدتين تقتربان مِن السيدة إيدينبرغ مؤخرًا؟”
لَمْ يكُن يهمها مَن تُرافق هاتان السيدتان. ولكن…
“يُقال إنْ هَذا هو السبب وراء ابتعادكِ عنهن.”
إحداهنَ لَمْ تملك سوى المال لكنها كانت فارغة الرأس، والأخرى كانت جامدةً تمامًا مثل حجرٍ لا يتزعزع.
مِن وجهة نظر إليزيوم، كانتا تافهتين للغاية، لكنهُما مع ذَلك تمتعتا بنفوذٍ كبير في المجتمع.
“إذا ابتعدتِ عن هاتين المرأتين بهَذهِ الطريقة، فسوف تتأثر سمعتُكِ. عندها، سيُصبح حصولكِ على لقب الإيثيريال لهَذا العام أمرًا صعبًا. وهَذا سيكون مشكلة.”
همس إليزيوم وهو يُمرر يدهُ برفقٍ على عُنق فريجيا الأبيض النحيف.
“لأن زوجتي يجبُ أنْ تكون الأفضل دائمًا.”
جفّت الدموع التي كانت مُتجمعةً في عيني فريجيا تمامًا. لَمْ يتبقَ على وجهها الجميل سوى الخوف المُطلق.
كان الرُعب يسيطر عليها بشدةٍ حتى أنها بالكاد استطاعت أنْ تنطُق بكلمة.
لكن إذا بقيتُ صامتةً، فسوف يوبخني مُجددًا.
حشدت فريجيا كُل طاقتها لتتمكن مِن التحدث.
“س… سأبذلُ جهدي.”
حدّق فيها إليزيوم للحظة، ثم طبع قبلةً على شفتيها.
“سأكون في انتظار ذَلك.”
“…….”
بِمُجرد أنْ غادر إليزيوم الغرفة، انهارت فريجيا على الأرض. كانت ترتجفُ كما لو أنها نجت بالكاد مِن بين أنياب ذئبٍ مُفترس.
“ص… صحيح. ليس الوقتًا مُناسبًا الآن للتصرُف كطفلةٍ مجروحة.”
كان عليها أنْ تُصبح الإيثيريال بأيِّ وسيلة.
كما أراد زوجها تمامًا.
***
في متجر الكتب، كانت أرتيا تتصفحُ العناوين بحماس، تنفثُ أنفاسًا ساخنة مِن شدة التركيز.
“هُناك الكثير مِن الروايات المُمتعة التي صدرت حديثًا.”
كانت قد بدأت في قراءة أحدث كتب ريدليب في مكتبتها، ثم شعرت برغبةٍ في العودة إلى أعمالها السابقة، وهَكذا وجدت نفسها تتنقلُ بين الكتب مرارًا حتى انتهى بها الأمر في متجر الكتب بعد غيابٍ طويل.
“آه! الجزء الثاني مِن ‘الفارس الذي يُحب الدببة المحشوة’ قد صدر!”
حين التقطت أرتيا الكتاب بعينين مُتألقتين، تحركت يدٌ مُتجعدة بجانبها.
“آه…”
تنهدت امرأةٌ مسنة بخيبة أمل بعدما فوتت فرصة التقاط الكتاب.
كانت السيدة ترتدي قبعةً دائرية مُزينةً بالورود وفستانًا بنقوشٍ زاهية مُتعددة الألوان.
‘يا لها مِن سيدةٍ لطيفة!’
انجذبت أرتيا إلى ملابسها المشرقة، غير المُعتادة لمِن هم في سنها، ولَمْ تُدرك على الفور أنْ عيني السيدة كانتا تُحدقان بأسفٍ في الكتاب الذي تُمسك به.
“هل كنتِ تودين أخذ هَذا الكتاب؟”
“نعم. أخبرني البائع أنهُ لَمْ يتبقَ سوى نسخةٍ واحدةٍ منه، لكنني تأخرت.”
حاولت السيدة الابتسام رغم خيبة أملها الواضحة.
نظرت أرتيا بين الكتاب والسيدة، ثم مدت الكتاب نحوها.
“خُذيه، إنهُ لكِ.”
اتسعت عينا السيدة بدهشة.
“أحقًا؟ هل يُمكنني أخذُه؟”
في الجزء الأول، انتهت القصة عندما اكتشفت الأميرة أنْ الفارس الجاد كان يُحب الدببة المحشوة. كانت أرتيا متحمسةً لمعرفة ما سيحدُث بعد ذَلك في الجزء الثاني.
لكنها لَمْ تكُن عاجزةً عن مقاومة فضولها إلى الحد الذي يجعلها تتجاهل نظرات السيدة المُتلهفة.
“يُمكنني قراءتُه لاحقًا. يجبُ أنْ تكون الأولوية لمِن يُحب العمل أكثر.”
ابتسمت أرتيا بحرارةٍ، بروح زمالة تجاه شخصٍ يُشاركها نفس الهواية.
“يا لكِ مِن فتاةٍ طيبة…”
ضمت السيدة الكتاب إلى صدرها كما لو كان كنزًا، ونظرت إلى أرتيا بعينين مُتألقتين بالامتنان.
بعد أنْ اشترت عدة كُتب وخرجت مِن متجر الكتب، اتسعت عينا أرتيا عندما رأت السيدة ذات القبعة المزينة بالورود تقفُ هناك.
اقترب منها رجلٌ شاب أنيق المظهر.
بِمُجرد اقترابه، ابتسمت السيدة ابتسامةً دافئة أشبه بابتسامة فتاةٍ صغيرة، ثم تشابكت ذراعيهما بسلاسة.
عرفت أرتيا على الفور طبيعة علاقتهما.
“إنها والدتُه.”
رغم اختلاف الأجواء بينهما، إلا أنْ ملامحهُما كانت مُتطابقةً تقريبًا.
وقبل أنْ تصعد السيدة إلى العربة، التقت نظراتها بأرتيا.
رفعت كتاب ‘الفارس الذي يُحب الدببة المحشوة’ ولوّحت بهِ بلطافة، محركةً شفتيها بصمت.
“شكرًا لكِ، آنستة.”
ردّت أرتيا بابتسامةٍ مُشرقة على تحية السيدة اللطيفة.
كانت لحظةً قصيرة، لكنها تركت أثرًا دافئًا في قلبها.
لكن ما لَمْ تكُن أرتيا تتوقعُه هو أنْ هَذا اللقاء العابر سيقودها إلى شيء لَمْ يخطُر ببالها أبدًا.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》