البحث عن زوج للدوقة - 83
- الصفحة الرئيسية
- جميع القصص
- البحث عن زوج للدوقة
- 83 - السيدة النبيلة والجميلة هي في الواقع...²⁴
الفصل 83 : السيدة النبيلة والجميلة هي في الواقع…²⁴
فتح الطفل فمهُ بتعبيرٍ مُتردد.
“إذا أعدتُ لكِ الأوراق، هل ستطلقين سراحي؟”
“بالطبع.”
“ولَن تُعاقبيني؟”
“أجل.”
كانت عينا أرتيا الوردية صافيةً تمامًا، مِما جعل مِن المُستحيل تصديق أنها قد تكذب.
وفي النهاية، اعترف الطفل بكُل شيء.
***
جلست داليا في زاوية دار النشر.
كانت وضعيتُها الأنيقة والمُستقيمة، التي تعلمتها بصرامةٍ منذُ صغرها، قد انهارت تمامًا. كانت تعضّ إبهامها بقوةٍ وتهزّ ساقيها بقلق.
على عكس المال أو الحقيبة، فإنْ مخطوطتها، التي لا فائدة منها للآخرين، كان مِن المُحتمل جدًا أنْ يتم التخلُص منها أو إتلافها.
تخيلت مشهد الأوراق وهي تُرمى في نارٍ مُشتعلة، فصرخت بفزع.
“لااا!”
رُبما يراها الآخرون مُجرد خربشاتٍ لسيدةٍ نبيلة تملكُ وقتًا فائضًا، لكنها كانت بالنسبة لداليا عملًا ثمينًا استنزفت روحها لكتابته. لَمْ يكُن هُناك ما يُعادله…
“أرجوك…”
جمعت يديها وصلّت بوجهٍ يائس.
وفجأةً، انفتح الباب بعُنف، ودخلت أرتيا وهي تصرُخ بصوتٍ عالٍ.
“لقد وجدتُ المخطوطة!”
“……!”
قفزت داليا مِن مكانها وركضت نحوها، وأخذت الأوراق بيديها المرتجفة.
بدأت تُقلب الصفحات بيدين مُرتعشتين، وسرعان ما امتلأت عيناها السوداوان بالدموع.
“إنها… إنها بالفعل روايتي…”
على الرغم مِن أنها كانت مُجعدةً قليلًا، لَمْ يكُن هُناك أيُّ صفحاتٍ مُمزقة أو ناقصة.
احتضنت داليا مخطوطتها التي عادت سالمة، وانهارت باكيةً مثل طفلٍ صغير بعد أنْ انحسرت عنها موجة التوتر.
راحت أرتيا تُربّت على كتفها برفق.
بعد فترةٍ طويلة مِن البكاء، نظرت داليا إلى أرتيا.
كانت وجنتاها الحمراوان وخصال شعرها الفضي المُبتلة بالعرق دليلًا على الجهد الذي بذلته.
‘يا ترى، كم مِن المسافة ركضتِ؟’
نظرت إليّها داليا بامتنان.
“لحُسن الحظ، الطفل الذي سرق الحقيبة لَمْ يتخلص مِن الأوراق. قال إنهُ احتفظ بها لأنه وجد نوعية الورق جيدةً ورُبما قد يحتاجها لاحقًا. يا لها مِن مُعجزة!”
كانت داليا تُحدق في وجه أرتيا المبتسم.
‘كنتِ محقةً، ماريغولد.’
كانت أرتيا فون إيدينبرغ تتعامل مع مشاكل الآخرين كما لو كانت مشاكلها الشخصية، وهَذا… جعلها تبدو جميلة في نظر داليا.
عندما كانت تُحدق فيها مأخوذةً بملامحها، انفتح الباب فجأةً، ودخل صاحب دار النشر والموظف الوحيد فيها، دان.
“هل صحيحٌ أنكم وجدتم المخطوطة؟!”
بعد أنْ ركض بجنونٍ في الأزقة كغوريلا مجنونة ثم تلقى خبرًا مِن بيبي، هرع إلى المكان. وبِمُجرد أنْ رأى المخطوطة بين يدي داليا، انفجر بالبكاء وكأنه غوريلا وجدت صغيرها المفقود.
“أوووه، لقد وجدتِها حقًا!”
عند رؤية دان يبكي، عادت دموع داليا التي توقفت قبل قليل.
راقبت أرتيا هَذا المشهد برضا.
“بما أنكِ وجدتِ المخطوطة، سأغادرُ الآن.”
“ولكن…”
“لديكِ الكثير مِن الأمور لإنجازها. لا تقلقي بشأني وركّزي في عملكِ.”
أومأت داليا برأسها بتعبيّرٍ مُعقد.
أمسك دان بالمخطوطة كما لو كان يحتضنُ طفلًا حديث الولادة.
“سأحافظُ عليها وكأنها روحي، بل أثمن مِن حياتي، وسأتأكد مِن نشرها دوّن أيِّ مشاكل. شكرًا لكِ على ثقتكِ بي مُجددًا، أيتُها الكاتبة.”
بعد إنهاء حديثها مع دان حول النشر، عادت داليا إلى قصرها.
استقبلها زوجها، كونت غريك، بتعبيرٍ مُتجهمٍ بعض الشيء.
“أخبرتني الخادمة التي وصلت قبلكِ أنكِ كنتِ تبحثين عن شيءٍ ضائع.”
قال ذَلك بدلًا مِن أنْ يسألها إنْ كانت قد وجدته.
“بغض النظر عن السبب، ليس مِن اللائق لسيدةٍ نبيلة أنْ تتجول في الشوارع حتى هَذا الوقت لمُجرد البحث عن شيءٍ مُفقود. إنْ حدث هَذا مُجددًا، دعيّ الخدم يتولون الأمر وعودي إلى المنزل فورًا.”
رغم عدم وجود أيِّ مشاعر حُبٍ بينهما، إلا أنْ داليا كانت دائمًا تُحافظ على حدود اللياقة الزوجية. لكن اليوم، لَمْ تكُن في مزاجٍ يسمحُ لها بذَلك.
“هاه…”
أخرجت لسانها قليلًا.
“ماذا رأيتُ للتو؟”
لَمْ يسبق للكونت غريك أنْ تعرض للإهانة بحركة ميرونغ (إخراج اللسان للسخرية) طوال حياته، لذا لَمْ يستطع فهم التعبيّر الغريب الذي أظهرتهُ زوجته، مِما جعله يبدو في غاية الارتباك.
لكن داليا لَمْ تكترث لهُ، بل تجاوزت زوجها المُتعطل عن الفهم واتجهت إلى غرفتها.
جلست على السرير، وبدأت بخلع حذائها.
بسبب المشي الطويل والركض طيلة اليوم، كانت أصابعُ قدميها متورمةً وحمراء.
‘قد لا يكون لديكِ هَذا في المنزل، لذا خذيهِ معكِ. إنهُ فعالٌ جدًا عند وضعهِ على القدمين المتورمتين.’
تذكرت داليا كلمات أرتيا، وأخرجت الدواء الذي أعطتهُ لها.
“كيف لشخصٍ أنْ يكون بهَذهِ الدرجة مِن الاهتمام بالآخرين…؟”
لَمْ يكُن هَذا النوع مِن العناية نابعًا مِن مُجرد تفكيرٍ عقلاني، بل كان يتطلبُ قلقًا صادقًا مِن القلب.
تمتمت داليا وهي تدهنُ الدواء على أصابع قدميها.
“حقًا، إنها طيبةٌ أكثر مِما ينبغي… مُعجبيتي.”
***
في اليوم التالي، زارت داليا أرتيا.
كانت أرتيا تتوقعُ قدومها، فقد اتفقتا على اللقاء أثناء وداعهما بالأمس، لذا استقبلتها بشكلٍ طبيعي.
“أهلًا بكِ، سيدة غريك. هل استرحتِ جيدًا البارحة؟”
‘ها هي مُجددًا، تقلق عليّ قبل نفسها. طيبةٌ أكثر مِن اللازم…’
“نعم بفضلكِ. ماذا عنكِ، سيدة إيدينبرغ؟”
“أنا أيضًا نمتُ جيدًا. لقد تحركتُ كثيرًا بالأمس، لذا شعرتُ بنعاسٍ عميق بعد فترةٍ طويلة.”
“هَذا مُطمئن.”
ساد الصمت للحظات، ثم قطعتهُ أرتيا قائلة.
“لَمْ أتمكن مِن سؤالكِ بالأمس بسبب الارتباك، لكن بشأن الطفل الذي سرق حقيبتكِ… ماذا تنوين فعله به؟”
“ولماذا تسألين؟”
“في الحقيقة، أخبرتُه أنه إذا أعاد المخطوطة طواعية، فَلَن تتم معاقبته.”
قالت ذَلك بكُل بساطة، رغم أنها لَمْ تكُن تملك أيِّ سلطةٍ لاتخاذ مثل هَذا القرار. ولكن…
“لا شك أنْ سرقة مُمتلكاتكِ كان خطأ، لكنهُ لا يزال طفلًا صغيرًا. بدلًا مِن معاقبتهِ بشدة، ألا ترين أنه مِن الأفضل منحهُ فرصةٌ للتفكير في أفعاله؟”
كانت كلماتُها، في النهاية، دفاعًا عن الطفل، لذا حدقت في داليا بوجهٍ متوتر.
لَمْ يكُن لديها ما تقوله إنْ غضبت داليا مِن كونها تتعاطف مع مَن أساء إليّها.
لكن على عكس مخاوفها.
“وكيف تقترحين أنْ نفعل ذلك؟ لا تُخبريني إنكِ ترغبين في ترك الأمر يمر كأنه لَمْ يحدُث.”
“بالطبع لا. بهَذهِ الطريقة، لَن يتعلم الطفل شيئًا. في الواقع، لديّ فكرة.”
اقتربت أرتيا وهمست لها باقتراحها.
وبعد لحظات، أومأت داليا برضا.
“إنها فكرةٌ جيدة. فلنفعل ذَلك.”
“أشكركِ على قبول الاقتراح.”
بينما كانت تنظرُ إلى ابتسامة أرتيا المُشرقة، سألتها فجأةَ.
“هَذا كل شيء؟”
“عذرًا؟”
“أهَذا كُل ما لديكِ لتقوليه؟”
كانت داليا قد تلقت مساعدةً كبيرة مِن أرتيا بالأمس.
ليس ذَلك فحسب، بل إنها، أثناء البحث عن المخطوطة، لا بد أنها أدركت أنْ داليا هي الكاتبة ريدليب.
ومع ذَلك، لَمْ تذكر أرتيا أيِّ شيء عن الأمر، وكأنها قد نسته تمامًا.
بالطبع، لَمْ يكُن ذَلك مُمكنًا.
لا تزال أرتيا تتذكر كُل شيء، بل كانت على وشك أنْ تصرُخ قائلة ‘سيدة ريدليب، أنا مِن أشد مُعجبيكِ!
لكنها امتنعت عن ذَلك.
لأنها عرفت أنْ داليا أرادت الحفاظ على سرية الأمر.
“لا تقلقي، سيدتي. لقد محوتُ تمامًا ما حدث البارحة مِن ذاكرتي. ولَن أخبر أحدًا عنه.”
“أنْ تُساعد شخصًا ثم لا تطلبين شيئًا في المُقابل، بل تدّعيين بأنكِ نسيته تمامًا؟”
نظرت إليّها داليا كما لو أنها تتساءل عن ماهية هَذا الكائن العجيب،
“كما قلتِ، لا أريدُ مشاركة سري مع أحد. لذا، سأقبل حُسن نيتكِ، ولَن نذكر ما حدث البارحة مرةً أخرى.”
لكن هَذا لا يعني أنْ الأمر سينتهي هُنا وكأنْ شيئًا لَمْ يكُن.
“لهَذا، سأقدم لكِ امتناني الآن، كما ينبغي.”
جمعت داليا يديها وانحنت قليلًا.
“شكرًا لكِ، أرتيا فون إيدينبرغ. بفضلكِ، تحول اليوم الذي كان يُمكن أنْ يكون الأشد يأسًا في حياتي إلى يومٍ مليء بفرحةٍ عظيمة. أقسم أنني سأردُ لكِ هَذا الجميل بأفضل طريقةٍ مُمكنة.”
وبالفعل، أوفت داليا بوعدها.
بعد أسبوعين، وصل كتاب إلى منزل أرتيا.
وما إنْ رأته، حتى شهقت وأمسكت بفمها مِن الدهشة.
“الأمير النبيل هو ممسحة قدميها”
كان هَذا أحدث كتابٍ مِن تأليف ريدليب، ولَمْ يكُن قد نُشر في المكتبات بعد!
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة