59
الفصل 59 : أسوأ خاطِب ³²
رأى شايلوك العداء الواضح في العينين الذهبيتين، فأدرك أنْ الأعذار لَمْ تعُد تُجدي نفعًا، فصاح قائلاً:
“سأتوقف عن إقامة الحفلات فورًا! لَن تُقام بعد الآن أيُّ لعبة قمار، ولَن يكون هُناك إقراضٌ بالربا بعد الآن!”
“هَذا ليس كافيًا.”
“إذًا، ماذا عليِّ أنْ أفعل أيضًا…؟”
“قُم برد جميع الأموال التي أخذتها مِن الأشخاص الذين أغرقتهم بالقمار وأوقعتهم في الديون خلال السنوات الخمس التي توليت فيها منصب رئيس العائلة، بما في ذَلك الفوائد ورأس المال.”
عندها، نسي شايلوك للحظةٍ خوفهُ مِن الأمير المجنون وصاح بغضب:
“هَذا غيرُ معقول! قد يكون مِن المقبول إعادة الفوائد، لكن أنْ أعيد لهم رأس المال أيضًا؟ لماذا يجبُ عليّ إعطاؤهم ذَلك؟!”
“لا تتظاهر بالبراءة. الأموال التي اقترضوها منكَ وأنفقوها في القمار انتهى بها الأمر في جيبكَ، أليس كذلك؟”
“……!”
أجاب شايلوك بصوتٍ خافت خالٍ مِن الثقة:
“إنه… مُجرد جزءٍ بسيطٍ منها. إنْ أعدتُ جميع الأموال التي أخذتُها، ستُفلس عائلة لوشيان.”
“إذن فَلتُفلس.”
“……!”
“وإنْ وجدتَ الأمر صعبًا، يُمكنكَ إنهاء حياتكَ بنفسك.”
“…….”
“وإنْ لَمْ يُعجبكَ أيٌّ مِن الخيارين، فلا تفعل شيئًا على الإطلاق. سأجعلُكَ تندم على عدم اختيار أحدهما.”
كان صوتُه الهادئ أبعد ما يكون عن المُزاح. كان تهديدًا حقيقيًا مُرعبًا.
بدا اليأس على وجه شايلوك، ثم قال بصوتٍ مُرتجف:
“لماذا تفعل هَذا بي؟ شخصٌ مثلي لا يستحقُ حتى أنْ يُشغل جلالتُكَ بهِ.”
مِن أجل تحقيق العدالة.
مِن أجل حماية النبلاء.
بدلًا مِن التذرُع بهَذهِ العبارات المُبتذلة، قال كيليان بكُل بساطة:
“لأنكَ تجرأتَ على المساس بأرتيا فون إيدينبرغ.”
“……؟!”
لماذا يُذكر ذَلك الاسم هُنا؟!
اتسعت عينا شايلوك في صدمة، غيرَ قادرٍ على استيعاب الموقف.
أشار إليّه كيليان بإصبعهِ السبابة.
“لا تقترب منها مُجددًا. وإنْ فعلت…”
حرك إصبعهُ يمينًا ويسارًا، وكأنهُ يذبحه.
“ستموت.”
كانت نفس الكلمات التي تفوهت بها أرتيا سابقًا في حفل البارون كروفاشون. كانت مُبتذلةً، لكنها فعالة تمامًا.
في اليوم التالي، عمّت الفوضى العاصمة.
اعترف شايلوك بنفسهِ بجرائمه علنًا.
“شعرت بالضغط الشديد لتوسيع أعمال العائلة بعد أنْ أصبحت رئيسها فجأةً، فارتكبتُ أفعالًا لا ينبغي لي القيام بها.”
ثم بدأ في سرد أفعالهِ بالتفصيل.
مِن الناحية القانونية، لَمْ يكُن أيٌّ مِن أفعالهِ يستوجب العقوبة، رغم أنها كانت تستحقُ اللوم الأخلاقي.
ولكن، كمظهرٍ مِن مظاهر ندمه، أعلن أنهُ سيعيد جميع الأموال، بما فيها الفوائد ورأس المال، إلى جميع مَن تضرروا منه.
عندما سمعت أرتيا بذَلك، كان أول ما خطر في بالها.
“هل جُنّ؟”
“هل هذا حقيقي؟”
المُفاجأة الأكبر كانت أنْ شايلوك كان جادًا بالفعل.
بعد فترةٍ وجيزة، وصل إلى قصر إيدينبرغ صندوقٌ ضخمٌ مرسلٌ مِن عائلة لوشيان.
كان الصندوق مليئًا بعٌملات ذهبية متلألئة. بعد عدّها، تبين أنها ٢٠٠ مليار التي أعطتها له أرتيا.
كانت مذهولةً لدرجة أنها لَمْ تستطع قول أيِّ شيء.
“ما الذي يجري بحق السماء؟ هل تدخل ملاكٌ مِن السماء وهذّب هَذا الوغد الشرير؟”
لَمْ تكُن تعرف كيف حدث ذَلك، لكنهُ كان بمثابة مُعجزةٍ بالنسبة لها.
رغم أنها حاولت تجاوز الأمر باعتبارهِ مُجرد حلٍ ناجح، إلا أنها كانت تشعرُ بحزنٍ شديد حيال كل ما جرى.
بفرحةٍ غامرة، أرسلت أرتيا على الفور الـ ٢٠٠ مليار إلى هيمفري.
“رغم أنني كنتُ قد حصلت عليهِ مُقابل عملٍ مُتفق عليه، إلا أنني شعرتُ بثقلٍ كبيرٍ في قلبي. كان ذَلك مبلغًا ضخمًا حتى بالنسبة لخالي.”
ثم ذهبت إلى متجر السلع المُستعملة حيث باعت مُمتلكاتها سابقًا.
“أود شراء الأشياء التي بعتُها سابقًا.”
كانت تتوقع أنْ يُطلب منها صاحب المتجر مبلغًا أكبر مِما دفعه، لكنهُ، وبوجهٍ يبدو عليهِ الخوف، قال:
“يُمكنكِ دفع نفس المبلغ الذي أعطيتِني إياه.”
‘هل زارهُ ذَلك الملاك أيضًا؟’
بفضل ذَلك، تمكنت أرتيا مِن استعادة جميع مُمتلكاتها، وعاد القصر إلى حالتهِ الأصلية، وكأنْ شيئًا لَمْ يحدُث.
في تلكَ الليلة، كانت أرتيا تقرأ كتابًا في غرفتها عندما تلألأت عيناها بفرح.
لقد عاد القط الأسود.
“مرحبًا بك، نوي!”
“…….”
“لقد مر وقتٌ طويل منذُ آخر لقاءٍ لنا، أليس كذَلك؟ كنتُ قلقةً مِن أنْ تأتي أثناء غيابي، لكنكَ لَمْ تفعل، صحيح؟”
قبل مُغادرتها القصر، طلبت أرتيا مِن بيبي أنْ تعتني بنوي إذا جاء.
كانت بيبي تدخلُ غرفة أرتيا عدة مراتٍ في اليوم لتفقُد النافذة، بل ووضعت وعاءً يحتوي على وجباتٍ خفيفة تُحبها القطط كُل صباح بجانب النافذة، لكنها لَمْ تجد أيَّ أثرٍ للقط الأسود.
“صحيح أنكَ لَمْ تأتِ، لكن حتى لو فعلت، هل كنت ستأكل طعام القطط؟”
نظر إليّها كيليان بنظرةٍ ماكرة قبل أنْ يجلس على حافة النافذة، وكأنهُ يدعوه لمواصلة الحديث.
وكأنها فهمت ذَلك، بدأت أرتيا في سرد ما حدث خلال الفترة الماضية.
ديون كاثرين الباهظة، رحلتُها إلى قصر الكونت هيمفري لسداد الدين، ثم…
“كِدتُ أنْ أتزوج (زواجًا مزيفًا).”
“……!”
“ومِن شخصٍ يُقال إنهُ يكره النساء بشدة.”
حدقت أرتيا في القط الأسود وتمتمت:
“عندما أفكر في الأمر، أنتَ تُشبهه كثيرًا.”
“……!”
عند سماع هَذهِ الكلمات غير المتوقعة، انتصب ذيلُ القط الأسود على الفور. لكن أرتيا، غيرَ مُدركةٍ لذَلك، واصلت حديثها ببراءة.
“فراءٌ أسود، عيون ذهبية، وجهٌ جميل لدرجة تجعلُكَ تلهث مِن الدهشة…”
في تلكَ اللحظة، ارتجف طرفُ فم القط الأسود قليلاً.
‘إذًا لديكِ عينٌ جيدة، أرتيا فون إيدينبرغ. كنتُ أشك في ذوقكِ لأنكِ كنتِ ترتجفين وتنظرين إلى الأرض كُلما رأيتني.’
بينما كان القط الأسود يُفكر بغرور، تابعت أرتيا حديثها دوّن أنْ تكون على درايةٍ بأفكاره.
“حتى أنهُ يكره لمس الآخرين، تمامًا مثلكَ.”
“…….”
“عندما أمسكتُ بيد سموّه، كانت هَذهِ هي تعابير وجهه.”
حدقت أرتيا في القط الأسود بملامحٍ قاتمةٍ مُخيفة.
“يبدو أنهُ كان مُنزعجًا جدًا.”
‘ هَذا ليس لأنني كنتُ منزعجًا…!’
شعر القط الأسود برغبةٍ مُلحةٍ في تصحيح كلامها على الفور، لكن أرتيا ابتسمت له فجأة.
“لكنني كنتُ سعيدة.”
“……?!”
“لقد كان دائمًا يبدو بعيدًا جدًا، لكن تلكَ اللحظة جعلتني أشعرُ أنه أصبحَ أقرب قليلًا.”
“…….”
ترددت أرتيا للحظة، ثم قالت:
“نوي، هل يُمكنني أنْ ألمسك قليلاً؟”
لطالما كانت أرتيا حذرةً كي لا تلمس نوي عن غير قصد، لأنها كانت تعتقدُ أنه لا يُحب ذَلك.
ولكن حتى الأمير كيليان، الذي بدا وكأنهُ سيثور مثل فهدٍ غاضب، لَمْ يكُن رد فعلهِ سيئًا عندما لمسته.
رغم أنْ تعبيراتهِ كانت مُخيفة، إلا أنه لَمْ يبدو عليه الاشمئزاز الحقيقي.
‘رُبما يكون نوي كذلك أيضًا؟’
كان هَذا أملًا صغيرًا دفينًا داخل أرتيا.
لقد أرادت أنْ تلمسه.
أنْ تمسح على فروهِ الأسود الناعم، أنْ تشعر بدفء جسده.
“بالطبع، إذا كنتَ لا تُريد ذَلك، فَلَن أجبركَ أبدًا…”
اتسعت عينا أرتيا.
مد القط الأسود إحدى قوائمهِ الأمامية نحوها.
بوجهٍ مُتعجرف وكأنهُ يقول: “افعلِي ما تشائين.”
“هل يعني هَذا أنني أستطيعً لمسك؟”
“…….”
“إذن، أستأذن.”
مدّت أرتيا يدها بحذرٍ وأمسكت بكفهِ الأسود الدائري.
“واااه… إنهُ أنعم وأدفأ مِما تخيلت!”
بينما كانت أرتيا تُحدق فيهِ بملامحٍ تنطقُ بالسعادة وكأنها امتلكت العالم، عقد كيليان حاجبيه.
‘إنها تبدو أكثر سعادةً مِن عندما أمسكتُ بيدها في هيئة الإنسان… لماذا أشعر بالضيق؟’
***
[عزيزتي أرتيا،
كيف حالُكِ، أرتيا؟
أكتبُ لكِ هَذهِ الرسالة لأنكِ كنتِ ترغبين في معرفة ما حدث بعد رحيلكِ.
في صباح اليوم التالي لمُغادرتكِ، لَمْ تعُد هيلين تبحث عن جولييت. ولَمْ تبكِ.
رغم أنْ الحنين كان لا يزال ظاهرًا في عينيها، إلا أنها بدت أنيقةً وجميلة. تمامًا كما كانت قبل وفاة جولييت.
ثم أخبرتني هيلين:
“عزيزي، لنُقِم حفلاً.”
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة