57
[لقد تم تغيير أسم مساعد الأمير من نوكترن إلى نوكتورن ]
الفصل 57 : أسوأ خاطِب ³⁰
“كيف عرفتِ ذَلك؟”
“رُبما لا تتذكر جلالتُكَ، لكنني رأيتُكَ كثيرًا في قاعات الحفلات.”
أميرُ البلاد وابنة الدوق. لهَذا السبب، كان الاثنان يحضران الحفلات نفسها منذُ طفولتِهما المُبكرة.
لكن الأمير الصغير كيليان كان دائمًا في أبهى الأماكن مُحاطًا بالناس، بينما كانت الطفلة أرتيا تُراقب الآخرين بحذرٍ مِن أكثر الزوايا ظلمةً، لذَلك نادرًا ما تلاقيا.
“على الرغم مِن وجود أطعمةٍ شهية لا تُحصى في قاعة الحفل، إلا أنْ جلالتُكَ كنتَ تتناول كعكة الشوكولاتة فقط.”
كان يأكُلها ببطء، قليلًا قليلًا، لكن بشكلٍ مُتكرر.
رؤيتها لذَلك عدة مراتٍ جعلها تُدرك الأمر بشكلٍ طبيعي.
ذوق الأمير الذي لَمْ يكُن يعرفهُ الكثيرون.
“…….”
بعد لحظة صمتٍ طويلة، فتحَ كيليان فمه.
“هل كنتِ تراقبينني؟”
شعرت أرتيا أنْ سؤالهُ كان غريبًا بعض الشيء، فأخذت شهقةٌ مُفاجئة ولوّحت بيديها على الفور.
“لَمْ أكُن أراقبُكَ أبدًا! لقد رأيتُكَ بضع مراتٍ فقط عن طريق الصدفة!”
‘لستُ مِن ذَلك النوع مِن النساء اللواتي يعشقنكَ أو يرغبنَ فيك، أيُها الأمير!’
ولإثبات ذَلك، قالت ما لَمْ يكُن عليها قوله على الإطلاق.
“أنا أحبُ الأشخاص المُشرقين والودودين!”
دوّن أنْ تُدرك، تحولت نظراتُ أرتيا نحو نوكتورن. عندها، فتحَ نوكتورن عينيهِ باندهاشٍ
“آه؟”
ساد صمتٌ خانق في المكان الجميل.
نظر نوكتورن إلى كيليان بحذرٍ ثم صرخ في داخلهِ.
‘لقد أخطأت!’
لَمْ يكُن يعرف حتى ما هو الخطأ الذي ارتكبهُ، لكنه شعرَ أنْ هَذا هو الوقت المُناسب لخفض رأسهِ وكأنهُ مذنبٌ.
قبل لحظاتٍ فقط، بدا كيليان مُتحمسًا بشكلٍ غيرِ مُعتاد، أما الآن، فقد أصبح بريقُ عينيهِ باردًا أكثرَ مِن الجليد.
‘لا يُمكنهُ فعلُ أيِّ شيء بسبب وجود السيدة، لذا عليّ تغيّر الأجواء بأيِّ طريقةٍ كانت.’
مِن أجل النجاة، أمسك نوكتورن بإبريق الشاي.
“سأصبُ الشاي لكما.”
سكب كوبًا لكيليان وآخر لأرتيا.
وبحركاتٍ أنيقة تفوقُ أيَّ خادمة، صبَ نوكتورن الشاي بهدوءٍ.
عندما رفعت أرتيا الكوب إلى شفتيها، اتسعت عيناها فجأةً.
“هَذا…!”
كان شاي الجزر بلونهِ البرتقالي وطعمهُ ورائحتهُ الغنية بالجزر.
لَمْ يكُن هُناك الكثير مِمَن يمتلكون هَذا الذوق الغريب، على حد علمها.
تحولت عيناها إلى بريقٍ مِن الإثارة.
“هل جلالتُكَ تُحب الجزر أيضًا؟”
“ليس حقًا.”
“إذًا، لماذا تشربُ شاي الجزر…؟”
“لأنني رأيتُكِ أيضًا.”
“…….”
متى كان ذَلك؟
في إحدى الحفلات التي أقيمت في القصر الإمبراطوري، حيث كان هُناك حصادٌ استثنائي للجزر، تم تقديم العديد مِن الحلويات المصنوعة منه.
شاي الجزر، كعكة الجزر، آيس كريم الجزر.
وسط الطاولات المليئة بهَذا اللون البرتقالي، رفعت أرتيا رأسها ببهجةٍ، وارتسمت على وجهِها نظرةٌ ساحرة.
بينما لَمْ يكُن رد فعل الآخرين جيدًا على الإطلاق، كان مِن الغريب أنه منذُ ذَلك اليوم، لَمْ تخلو أيُّ حفلةٍ في القصر مِن حلوى مصنوعةٍ مِن الجزر.
على الرغم مِن أنها كانت تُحاول ألا تلفتَ الأنظار، إلا أنها كانت تأكل كُل قطعة مِن تلكَ الحلويات دوّن أنْ تترُك شيئًا.
‘ظننتُ أنْ لا أحد يعرفُ ذَلك…’
لكن هُناك مَن كان يعلم.
الرجُل الذي ظنت أنهُ يقف على أبعد مسافةٍ مُمكنةٍ منها.
“…….”
شعرت بشيءٍ غريب في قلبها.
لَمْ تكُن تعرف إنْ كان شعورًا بالضيق أم دغدغة غيرِ مريحة.
حدّقت في كيليان بمشاعرٍ مشوشة، ثم هزّت رأسها لتُبدد أفكارها قائلة لنفسها.
‘توقفي عن التفكير بلا فائدة، واشربي شاي الجزر فَحسب.’
“طعمهُ غنيٌ بمذاق الجزر. إنهُ لذيذٌ جدًا…”
احمرّت وجنتاها مِن الدفء والفرح.
كان كيليان يُراقبها بصمت، ثم أخذ آخر قطعةٍ مِن كعكة الشوكولاتة ووضعها في فمهِ.
‘إنها حلوةٌ للغاية.’
تمامًا على كما يُحب.
* * *
تنهدت كاثرين عندما رأت الإيصال الذي يثبت أنْ أرتيا قد سددت ديونها بالكامل.
“الحمدلله…”
راقبت كاثرين أرتيا، التي لَمْ تُبدِ أي رد فعل، ثم مدت إليّها صندوقًا.
عندما فتحتهُ، وجدت بداخلهِ قطعًا ذهبيةً مُتلألئة تملأه بالكامل.
قطبت أرتيا حاجبيها.
“ما هَذا؟”
“كنتُ أرغب في إعطائكِ إياه منذُ فترة، لكنكِ لَمْ ترغبي في لقائي، لذا لَمْ أتمكن مِن ذَلك إلا الآن. لا أعلم كيف تمكنتِ مِن تدبير المال، لكن لا بُد أنكِ أرهقتِ نفسكِ. خذيه.”
تذكرت أرتيا كلمات بيبي عندما عادت إلى القصر.
“الدوقة الكبرى كتبت رسائل هُنا وهُناك في محاولةٍ للاقتراض. لكن يبدو أنْ قلةً مِن الناس كانوا على استعدادٍ لإقراضها المال عندما علموا أنْ الأمر متعلقٌ ببارون لوشيان. كما أنها باعت جميع فساتينها ومجوهراتها.”
عندها فقط أدركت أرتيا الأمر.
لطالما كانت كاثرين متألقةً، أما الآن، فقد بدت بسيطةً دوّن أنْ تُزين نفسها بأيِّ مجوهرات.
والمُفاجئ أنْ الخاتم الذي لطالما تألق في إصبعها الرابع لَمْ يكُن موجودًا.
كان خاتم زواجها كنزها، إذ كان مُرصعًا بأفضل أنواع الألماس ومنقوشًا عليهِ شعار إيدينبرغ…
“لا تُخبريني بإنكِ بعتِ الخاتم أيضًا؟”
“… نعم.”
تجمدت ملامح أرتيا.
“لماذا؟”
“…..”
“كنتِ تُريدين أنْ أتزوج سيمون، ولهَذا اقترضتِ المال دوّن خوف.”
أومأت كاثرين برأسها ووجهُها مُتشنج.
“صحيح. لكن هُناك شيءٌ واحد أريدكِ أنْ تعرفيه. كنتُ أؤمن بصدق أنهُ عريسٌ مناسب. شاب، لطيف، والأهم مِن ذَلك، غني.”
في النهاية، الزواج بين النبلاء لا يقوم على الحب، بل على المصالح. الحب يزول بعد بضع سنوات، لكن المال لا يزول.
قد ترفضينهُ الآن، لكن مع مرور الوقت، ستجدين أنكِ سعيدةٌ بزواجكِ مِن سيمون.
كانت كاثرين تؤمن بذَلك حقًا.
لكن عندما رأت أرتيا غاضبةً تصرخُ مستنكرة، استوعبت الأمر فجأةً.
“لقد ارتكبتُ خطأً فادحًا…”
تكلمت بصوتٍ مُرتجف:
“لقد أخطأت. ألا يُمكنكِ مسامحتي ولو لمرةٍ واحدة؟”
نظرت إليّها أرتيا بوجهٍ خالٍ مِن التعابير قبل أنْ تفتح فمها أخيرًا.
“عندما أحضركِ والدي، كنتُ أشعر بالغرابة، لكني في داخلي كنتُ سعيدة.”
“امرأةٌ جميلةٌ مثلكِ ستكون أمي مِن الآن فصاعدًا؟”
تلألأت عينا الطفلة أرتيا الوردية وهي تُفكر بذَلك.
لكن على عكس توقعاتها، كانت كاثرين غيرَ مُكترثةٍ بها.
كأنها ليست سوى طفلةٍ غريبةٍ عنها تمامًا.
ومع ذَلك، كانت أرتيا سعيدةٌ بوجودها.
“عندما كان والدي يضربُني بالعصا، قلتِ له إنه لا ينبغي ضربُ فتاةٍ بتلكَ القسوة، وكنتُ مُمتنةً لكِ. عندما شعرتُ بالخوف وبكيت عند أول دورةٍ شهرية لي، أخبرتِني أنه ليس أمرًا يدعو للبكاء، بل يستحق التهنئة، فشعرتُ بالاطمئنان. عندما كنتُ أستعد لحفل بلوغي، ذهبنا معًا إلى متجر الفساتين، وساعدتِني في اختيار فستانٍ جميل، فكنتُ سعيدة.”
بدأت المشاعر تتسلل إلى صوتها الهادئ.
“رغم أننا لسنا مُرتبطتين بالدم، ورغم أنْ علاقتنا بعيدةٌ عن علاقة الأم بابنتها، كنتُ أراكِ جزءًا مِن عائلتي.”
حتى لو لَمْ نكُن نهتم ببعضنا بجنون، فقد كنا نتبادل السؤال عن الأحوال ونتمنى الخير لبعضنا.
“لكن في النهاية، حاولتِ بيعي. لرجُلٍ لا يملكُ سوى المال.”
“كما قلتُ سابقًا، ذَلك كان…”
“توقفي عن القول إنكِ فعلتِ ذَلك مِن أجل سعادتي. كل ما كنتِ تُفكرين فيهِ هو المجوهرات التي ستحصلين عليها مِن زواجي.”
“…..”
لَمْ تستطع كاثرين إنكار ذَلك.
لأنها الحقيقة.
مهما قالت، فَلَن يكون سوى تبريرٍ فارغ. فقد كانت تتلاعبُ بأرتيا وفقًا لرغباتها.
بدأت الدموع تتجمع في عينيها. وعندما رأت أرتيا ذَلك، شعرت بألمٍ في قلبها.
لكن ذَلك لَمْ يكُن كافيًا لمحو خيبة الأمل العميقة بداخلها.
أخفضت أرتيا عينيها وقالت:
“غادري. ولا تتدخلي في زواجي بعد الآن.”
كان صوتها باردًا كالثلج.
غطت كاثرين عينيها بيدها.
لَمْ ترغب في أنْ تراها أرتيا وهي تبكي. فقد كان ذَلك آخر ما تبقى مِن كرامتها كأم.
“حسنًا، فهمت.”
بعد بضعة أيام، غادرت كاثرين القصر.
عندما كانت تستعدُ لركوب العربة، جلست أرتيا في غرفتها.
لَمْ تخرُج لتوديعها عمدًا.
كان غضبُها منها لا يزال شديدًا.
“لابد أنها رحلت الآن.”
لكن في تلكَ اللحظة، انفتح الباب وظهرت كاثرين.
كانت أنفاسها مُتقطعةً، وعلى جبينها قطرات مِن العرق وكأنها هرعت إلى هُنا.
صرخت بصوتٍ عالٍ:
“سأحاول!”
“…..”
“سأفعل كُل ما يُمكنني فعله حتى تُسامحيني. وإنْ مر الوقت وهدأ غضبكِ… هل ستُنادينني ‘أمي’ مُجددًا؟”
كانت تنوي أنْ تجيبها بالرفض القاطع.
لكن عندما التقت عيناها بعيني كاثرين المُمتلئتين بالدموع، لَمْ تستطع ذَلك.
‘ظننتُ أنها ستتخلى عني بسهولةٍ… لكنها لَمْ تفعل.’
المرأة التي كانت دائمًا مُتعجرفةً، تلقي كلماتها ببرود، أصبحت الآن تنظر إليّها بوجهٍ يائس للغاية.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة