55
الفصل 55 : أسوأ خاطِب ²⁸
بعد أنْ بقيت هيلين وحدها لفترةٍ طويلة، أخفضت يديها أخيرًا. في تلكَ اللحظة، دخل هيمفري إلى الغرفة.
اتسعت عيناهُ عند رؤيته هيلين وحدها. لكنه لَمْ يتمكن حتى مِن سؤالها عن مكان أرتيا، لأنها تحدثت أولًا.
“عزيزي، جولي جاءت لرؤيتي.”
“…….”
“يبدو أنها كانت قلقةً لأنني ظللتُ على هَذهِ الحال. فهي طيبةُ القلب دائمًا.”
“…….”
“أخبرتُها بإنني بخير، وطلبتُ منها ألا تقلق عليّ وأنْ تذهب بسلامٍ. أخيرًا…”
بدأت الدموع تنهمر مُجددًا مِن عيني هيلين المتورمتين، فربت هيمفري على ظهرها بعينيهِ المُحتقنتين.
بعد مُغادرة القصر، تسللت أرتيا مُجددًا سرًا للقاء الكونت هيمفري.
استقبلها هيمفري مُتسائلًا.
“سمعتُ أنْ هيلين قد ودعت جولييت. ما الذي يحدًث بالضبط؟”
أخبرتهُ أرتيا بكُل ما قالتهُ لها هيلين، باستثناء سر جولييت.
لَمٌ يستطع هيمفري إخفاء صدمته.
“جولييت لَمْ تكًن ترغب في الزواج؟”
“نعم، وخلال نقاشها مع عمتي حول ذَلك، اشتد الجدال… وسقطت مِن النافذة على ما يبدو.”
غطى هيمفري وجههُ بيديه المُجعدتين.
كان يعلم، في أعماقه، أنْ فكرة سقوط ابنتهٍ الراشدة مِن النافذة لَمْ تكُن منطقية.
لقد قفزت بنفسها.
لكنهُ تجنب الاعتراف بذَلك.
لَمْ يكُن يملك الشجاعة لمواجهة ذنبهِ في دفعها لهَذا الخيار، أو للاعتراف بمدى مُعاناتها.
ولكن الآن، لَمْ يعُد بإمكانهِ الهروب بجُبن.
ضم هيمفري يديهُ المُرتعشتين وبكى.
“أنا آسفٌ، جولييت. سامحي أباكِ الضعيف.”
وقفت أرتيا بهدوء، مُستمعة إلى كلماتهِ المليئة بالألم.
بعد مرور وقتٍ طويل، وبعد أنْ هدأ قليلاً، انحنى هيمفري نحو أرتيا.
اتسعت عيناها مِن الدهشة، لكنهُ قال.
“شكرًا لكِ على كُل شيء. لَمْ يعُد عليكِ تمثيل دور جولييت بعد الآن.”
“وماذا عن حفل الزفاف؟”
“بما أنْ العروس قد رحلت، فسيتُم إلغاؤه. سأهتمُ بالأمر، فلا تقلقي.”
لَمْ يكُن في صوتهِ أيُّ ندم.
“أما المال الذي وعدتكِ به، فقد تم تحميلهُ في العربة، لذا يُمكنكِ المُغادرة متى شئتِ.”
“…….”
عندما جاءت أرتيا إلى هَذا المكان لأول مرة، لَمْ يكُن لديها أيُّ مشاعر تجاههم.
كانت تسعى فقط للحصول على المال.
ومع ذَلك، وجدت في هَذا المكان دفئًا لَمْ تختبرهُ مِن قبل.
حتى لو كان موجّهًا لابنةٍ غير موجودة…
‘كان عليّ أنْ أكون سعيدةً بانتهاء الأمر… فَلماذا أشعرُ بهَذا الحزن؟’
أخفت أرتيا اضطرابها الداخلي، ومدت حقيبة جلدية نحو هيمفري.
“هَذهِ الحقيبة التي أعطتني إياها عمتي. عندما فتحتُها، وجدتُ داخلها مجوهراتٍ ثمينة تبدو وكأنها تخصها.”
لكن هيمفري هزّ رأسه.
“بما أنْ هيلين قد أعطتكِ إياها، فهي لكِ الآن.”
“ولكن…”
“اعتبريها مصروفًا مِن عمتكِ. لا بأس أنْ تهدي القريبات بعض المال، أليس كذَلك؟”
“……!”
ثم تابع هيمفري بصوتٍ دافئ.
“هل يُمكنني أنْ أرسل لكِ رسائل مِن حينٍ لآخر؟”
لَمْ يكُن هَذا هو الوداع الأخير…
كان هُناك رابطٌ سيستمر.
ابتسمت أرتيا، وعيناها تلمعان بدموعٍ خفيفة.
“بالطبع.”
ارتسمت ابتسامةٌ على وجه هيمفري المُتجعد.
بعد قليل، صعدت أرتيا إلى العربة التي أعدها هيمفري.
نظرت مِن النافذة إلى القصر الذي عاشت فيهِ خلال الأسبوعين الماضيين، وغرقت في الذكريات.
العناق الصباحي مع هيلين.
الطريقة التي كانت تُقطع بها الطعام إلى قطعٍ صغيرة وتضعها في طبقها.
المشي معًا في الحديقة، مُتشابكتَي الأذرع.
ابتسامةُ هيلين المليئة بحُبٍ عميق لا يوصف.
‘كنتُ سعيدةً، ماما.’
مع كلماتها هَذهِ، تحركت العربة مُبتعدةً عن القصر.
ولكن فجأةً، تذكرت شيئًا كانت قد نسيتهُ وسط كل هَذهِ الأحداث الصادمة.
أدركته بعد فوات الأوان، فتحول وجهها إلى الشحوب، وصرخت بفزع.
“صاحب السمو كيليان!”
مدت رأسها مِن النافذة. كان القصر قد ابتعد بالفعل حتى أصبح صغيرًا في الأفق.
تمتمت أرتيا، وملامحُها تنطُق بيأسٍ شديد.
“لقد دفعتُ كُل دَيني بشق الأنفس، والآن سأموت بدونه…”
قصر بلورانس
كان كيليان مُستلقيًا في غرفتهِ، غير مدركٍ لما حدث أثناء الليل.
كان يُحدق بيدهِ التي لامست أرتيا قبل قليل وكأنهُ يريدُ قتلها.
استمر في تذكر تلكَ اللحظة التي لمس فيها يدها.
عندما لامست أصابعها الصغيرة والبيضاء أطراف أصابعه، شعر كما لو أنْ صاعقةً اخترقت جسده.
هل استخدمت السحر؟
راودته حتى هَذهِ الفكرة السخيفة.
لكنها لَمْ تكُن تملك أيَّ طاقةٍ سحرية، بطبيعة الحال.
إذن، لماذا أشعر بهَذهِ الطريقة؟
قبل أنْ يجد الإجابة، وضعت أرتيا يدها فوق يده.
في تلكَ اللحظة، أصيب كيليان بصدمةٍ أكبر.
‘هل هَذهِ يدٌ حقًا؟’
كانت صغيرةً جدًا، ناعمة، رقيقة… ودافئة.
لَمْ يشعر وكأنها جزءٌ مِن جسد إنسان، بل كأنْ قطرة ماء دافئة استقرت فوق يده.
كلما مر الوقت، أصبح ذهنهُ مشوشًا أكثر.
خفق قلبُه، وشعر أنْ الدم في جسدهِ يجري بشكلٍ غير مُنتظم.
لَمْ يكُن قادرًا على إظهار أيٍّ مِن هَذهِ الاضطرابات، بفضل تدريبه كأمير.
لو لَمْ يكُن مدربًا جيدًا، لكان قد سحب يده فورًا.
…أو رُبما، كان سيقبضُ عليها بقوةٍ حتى تكاد تتحطم.
‘لو لَمْ تدخل الكونتيسة، لا أدري ما كنتُ سأفعله…’
نظر كيليان إلى يدهِ ومشاعرهُ معقدة، ثم إلى النافذة.
كان الليل المُظلم قد بدأ في الانجلاء.
“بعد قليل، سيحين موعد الزفاف.”
كان جادًا عندما أخبر أرتيا بذَلك.
لقد جاء إلى هُنا فقط لأنه أراد معرفة سبب مجيئها إلى هَذا المكان.
لَمْ يكُن يهتمُ كثيرًا بكونهِ العريس المُزيف في حفل الزفاف.
فبالنسبة له، الذي قتل عشرات الأعداء في ساحة المعركة وواجه الخونة المُسلحين بالخناجر في القصر الإمبراطوري، لَمْ يكُن هَذا سوى لعبة أطفال.
لكن الآن، مع اقتراب اللحظة، بدأ قلبُه ينبض بسرعة.
لَمْ يكُن هَذا مِن عادته.
وهَكذا، استقبل شروق الشمس دوّن أنْ ينام لحظة واحدة.
صَرير—
فُتِح الباب المُغلق، ودخل الكونت هيمفري.
كان وجههُ متورمًا مِن البكاء طوال الليل.
قال بصوتٍ مُرهق.
“تم إلغاء حفل الزفاف، لذا غادر مِن فضلك.”
“……؟!”
في عيني كيليان الذهبيتين، لمع برقٌ مدوٍّ.
***
“السيدة إيدينبرغ في انتظاركَ.”
عند سماع كلام الخادم، رفع شايلوك نظارتهِ المُستديرة ونظر إلى الأعلى.
بعد لحظات، دخلت أرتيا إلى مكتبهِ.
ابتسم شايلوك بخُبث.
“سمعتُ أنكِ مريضةٌ جدًا لدرجة أنكِ لا تستطيعين مُغادرة القصر، لكن يبدو أنكِ بخير.”
كانت كلماتُه استهزاءً واضحًا، مُتهمًا إياها بالتمارض.
بمعنى آخر، لَمْ يكُن يعلم حتى الآن أنها غادرت القصر خلال الأيام الماضية.
‘لو كان قد عرف، لكان حتمًا حاول منعي بأيِّ طريقةٍ مُمكنة.’
اعتقد شايلوك أنْ صمت أرتيا كان بسبب شعورها بالإحراج، فابتسم بغطرسة.
“اليوم موعد السداد، إذن. حسنًا، ما هو قرارُكِ؟ هل ستتنازلين عن بحيرة آنسي لي، أم ستُصبحين زوجة أخي؟”
جلست أرتيا على المقعد المُقابل له، ثم ابتسمت ساخرة.
“يا لهُ مِن اختيار أناني. لَن أتنازل عن بحيرة آنسي، ولَن أتزوج مِن أخيكَ.”
“……؟!”
ارتفع حاجباهُ بدهشةٍ مِن ردّها غيرِ المتوقع.
“بيبي.”
بِمُجرد أنْ نطقت أرتيا باسمها، فُتح الباب، ودخلت بيبي حاملةً صندوقًا ضخمًا يكفي لدخول عدة أشخاص.
“دُووم!”
وضعت بيبي الصندوق أمام شايلوك بخشونةٍ، وكأنها ستسحقُه به.
تراجع شايلوك لا إراديًا، ثم فتح الغطاء.
“هَذا…”
داخل الصندوق، كانت هُناك جبال مِن العملات المعدنية فئة واحد بلانغ، أصغر وحدةٍ نقدية في الإمبراطورية.
قالت أرتيا بابتسامةٍ ساخرة:
“هَذا هو الدين، ١.٥ مليار، مع الفوائد، ليُصبح ٢٠٠ مليار. تحقق مِن ذَلك بنفسك. ستكون هُناك ٢٠٠ مليار قطعة نقدية، لذا قد يستغرق الأمر بعض الوقت.”
“……!”
تصلب وجهُ شايلوك.
لقد قام بسد جميع الطرق أمام أرتيا للحصول على المال.
تأكد مِن أنْ شيوخ عائلة إيدينبرغ، والنبلاء الذين يقرضون المال، وحتى التجار الذين قد يشترون مُمتلكاتها، لَن يساعدوها بأيِّ شكلٍ مِن الأشكال.
‘مِن أين حصلت على هَذا المال؟’
تمتم بسؤالٍ لنفسهِ، فأجابتهُ أرتيا بنبرةٍ غير مبالية.
“لا أريدُ أنْ أخبر شخصًا شريرًا حاول التلاعب بي بمُكرهِ الدنيء.”
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة