51
الفصل ٥١ : أسوأ خاطِب ²⁴
لو لَمْ يكُن هَذا الرجل هو كيليان، لكانت قد فكرت بهَذهِ الطريقة.
لكنّهُ كان معروفًا في أرجاء الإمبراطورية بكونهِ مُصابًا برُهاب النساء إلى حدٍّ شديد.
لدرجة أنهُ رفض حتى تلقي خدمة الخادمات، فكيف لهُ أنْ يكون هَكذا الآن؟
‘لا أعلم…’
قررت أرتيا التوقف عن مُحاولة فهم نواياه التي بدت مُعقدةً، وبدلًا مِن ذَلك، قررت الانتقال إلى الحديث عن الأمر الأهم في الوقت الراهن.
“حسنًا، سأفترضُ أنكَ جئتَ بدافع الفضول بعد سماعكَ عن وضعي. في هَذهِ الحالة، ألم يكُن مِن الأسهل لكَ التنكُر كضيفٍ عادي بدلاً مِن…؟”
ترددت قليلًا قبل أنْ تُكمل كلامها.
“هل أتيتَ لتلعبَ دور العريس؟”
لَمْ يكُن ذَلك شيئًا يُمكن تجاوزه بِمُجرد القول إنهُ فضولي.
عند سؤالها، استعاد كيليان ذكريات ما حدث قبل بضعة أيام.
استخدم نوكترن شبكة التجسس الخاصة بولي العهد، المعروفة باسم قطيع الجرذان، للعثور على الرجُل الذي كان مِن المُقرر أنْ يؤدي دور عريس أرتيا.
كان مُمثلًا لا يُجيد التمثيل إطلاقًا، لكنهُ استطاع تدبر معيشتهِ بفضل وسامته.
ضحك الرجُل وهو يقرأ الرسالة التي تلقاها مِن هيمفري.
“ثلاثون مليون فقط لأمثل دور العريس ليومين؟ يا لها مِن فرصةٍ ذهبية! إذا كانت العروس امرأة جيدة، قد أفكر حتى في إغوائها…”
بووم.
وقع صوت ضربةٍ عنيفة على مؤخرة رأسهِ، وسرعان ما فقد وعيّه.
لَمْ تمضِ سوى لحظاتٍ حتى فتحَ عينيه وأطلق شهقة رُعب.
أمامه، جلس رجُل ينضحُ بهالةٍ مِن الهيبة لدرجة أنْ مظهر المنزل البائس مِن حوله بدا غيرَ مرئي أمام سطوته.
كانت نظراتُ الرجل مخيفةً للغاية.
“ش-ش… لقد ظهر الشيطان…”
لَمْ يُنكر كيليان كلماته، بل قال ببرود.
“سَلِّم ليّ المهمة التي أوكِلَت إليّكَ مِن قبل كونت بلورانس.”
رغم أنهُ مُمثلٌ يحصلُ على المال مُقابل عمله، لَمْ يكُن هَذا موقفًا يُمكنه فيهِ التمسُك بمبادئه.
كان يعلم بالفطرة أنهُ إنْ تجرأ على الاعتراض، فإنْ هَذا ‘الشيطان الجميل المُخيف’ أمامه لَن يتردد في استخدام السيف المُعلق على خصرهِ ليقطع رأسهُ عن جسده.
“نعم، سيدي!”
ردّ الرجُل بسرعة البرق، ثم سلّم الرسالة التي حصل عليها مِن الكونت هيمفري بكلتا يديهِ، وكأنهُ يُقدم قربانًا للملك.
أخذ كيليان الرسالة ثم أومأ برأسهِ نحو نوكترن، الذي كان واقفًا بجواره.
عندها، أطلق الرجُل صرخة فزعٍ.
“آآآه! لقد وعدتَ بأني سأظل حيًّا…!”
طَقّ.
وُضِعَ كيس مِن الحرير أمامه.
نظر نوكترن إليّه، مُشيرًا بفتح الكيس، فتردد الرجًل قليلًا قبل أنْ يفتحه، لتتسع عيناه على الفور.
كان الكيس مُمتلئًا بالعملات الذهبية، تتلألأ بريقها لدرجة أذهلته.
ابتسم نوكترن بلطف وقال.
“إنهُ ثمن تخليكَ عن المهمة. هل تفهم؟ هَذا ليس تهديدًا، بل صفقة.”
نظر الرجُل إلى الكيس، ثم أومأ برأسهِ بسرعة.
“بالطبع، بالطبع!”
بهَذا القدر مِن المال، حتى لو غضب كونت بلورانس مِن تسليمه المهمة لشخصٍ آخر، فَلَن يكون لهُ الحق في الاعتراض.
وهَكذا، بطريقةٍ عادلةٍ تمامًا، حصل كيليان على الدور.
أما عن سبب قيامهِ بهَذا الأمر المزعج…
ألقى كيليان نظرةً على أرتيا، التي كانت تُراقبه عن كثب، ثم أجاب.
“ألَمْ تُقرري الزواج مِن الرجل الذي يعجبُني؟ لا أطيقُ المُمثلين الرخيصين الذين يبيعون أنفسهم مُقابل حفنةٍ مِن المال.”
“لكن هَذا ليس زواجًا حقيقيًّا…”
لَمْ تستطع أرتيا استيعاب منطقه، فأضاف كيليان بجدية:
“إضافة إلى ذَلك، فإنْ الكونت ميزورا يحملُ دمًا ملكيًّا ولو بشكلٍ بعيد. لا يُمكن السماح لأيِّ أحدٍ بلعب هَذا الدور حفاظًا على كرامة العائلة المالكة.”
“؟؟؟؟”
كان منطقهُ يبدو معقولًا، لكنهُ في الوقت ذاته غريبٌ للغاية.
في النهاية، تنهدت أرتيا بخفة.
‘لنعتبر الأمر هَكذا…’
‘يبدو أنْ صاحب السمو لديهِ هوايةٌ غريبة تتمثل في لعب دور العريس المزيف.’
أقنعت نفسها بذَلك، ثم استجمعت أفكارها قبل أنْ تقول بصوتٍ جاد.
“فهمت، يا صاحب السمو. سأحترمُ ذوقكَ. ولكن لديّ طلبٌ واحد.”
“قولي ما لديكِ.”
“هَذا الزواج أمرٌ في غاية الأهمية بالنسبة لي، لذا أرجو منكَ التعاون كي أتمكن مِن إتمامهِ بنجاح.”
“بالطبع.”
“…..”
ورغم إجابة كيليان الواثقة، لَمْ يختفِ التجهُم عن وجه أرتيا.
* * *
عندما عاد كلٌّ مِن أرتيا وكيليان إلى قاعة الحفل، انصبّت أنظار الحاضرين عليهما.
‘هل سيتمكن هَذا الأمير المُتعجرف والوحشي مِن إنجاز الأمر بشكلٍ جيد؟’
لكن مخاوف أرتيا بدت بلا معنى، إذ أظهر كيليان سلوكًا مُختلفًا تمامًا عن ذَلك الذي اعتاد عليهِ في العاصمة.
بدا كما لو أنْ هالتهُ القوية والمرعبة قد اختفت تمامًا.
‘صحيح أنْ الحاضرين كانوا متوترين، لكن على الأقل لَمْ يكونوا يرتجفون وكأنهم على وشك الموت.’
حتى عيناهُ الذهبيتان الحادتان أصبحتا أكثر هدوءًا.
‘لكن الناس ما زالوا يراقبونهُ بحذر، لكن على الأقل لَمْ يكونوا يهرعون للاعتذار فور أنْ تلتقي أعيُنهم بعينيه.’
بل قد تحدث مع الضيوف.
‘حتى لو لَمْ تتجاوز مُحادثاتًه ثلاث كلمات، على الأقل لَمْ يكُن الصمت القاتل يُخيم على الأجواء كلما نطق أحدُهم بكلمة.’
‘يبدو أنْ صاحب السمو قادرٌ على فعلها إنْ أراد.’
نظرت أرتيا إلى كيليان بإعجابٍ جديد وهي تُراقب قدرتهُ على التكيف.
لكن هل كان السبب في هَذا التغيير هو موقفهُ المُختلف؟ أم ثيابهُ الرسمية الفاخرة؟ أم رُبما شعرُه الطويل، الذي بدا وكأنهُ حقيقي رغم أنها لا تعرف كيف استطاع تثبيتهُ بهَذهِ الطريقة؟
‘إنه يبدو كشخصٍ مُختلفٍ تمامًا.’
بينما كانت تُحدق به وكأنها مسحورة، داست بالخطأ على طرف فستانها.
ترنحت أرتيا وفقدت توازنها، فمدّت يدها لا إراديًا وأمسكت بذراع كيليان.
في اللحظة نفسها، انقبضت عضلاتُ ذراعهِ بقوة، وكأنْ لمسة يدها كانت شيئًا محظورًا.
تفاجأت أرتيا وسحبت يدها بسرعة.
“أنا آسفة!”
“……لا بأس.”
لَمْ يُبعد كيليان يدها عنه، ولَمْ يشتط غضبًا كما كان متوقعًا.
لكن في عينيهِ الذهبيتين، كانت هُناك بادرةُ ارتباكٍ لَمْ تكُن موجودةً مِن قبل.
‘رُهاب النساء.’
تذكرت أرتيا فجأةً هَذهِ الحقيقة الغريبة عنه، فارتسم على وجهِها ملامحُ القلق.
في هَذهِ الأثناء، لَمْ يكُن الضيوف، الذين لَمْ يكُن لديهم أدنى فكرةٍ عمّا حدث بين العروسين، يتحدثون بينهم بصوتٍ خافت وحماسةٍ ظاهرة.
“لا يُمكننا رؤية وجهٍها بسبب الطرحة، لكن بحسب كلام الكونت، فَهي تُشبه جولييت تمامًا.”
“نعم، ولهَذا السبب اعتقدت هيلين أنْ ابنتها لا تزال على قيد الحياة.”
كان الحاضرون يدركون جيدًا مدى شوق هيلين لابنتها، لذا نظروا إلى أرتيا بنظراتٍ مُعقدةٍ قبل أنْ يحوّلوا أنظارهم عنها بصمت.
أما عندما وقع نظرُهم على كيليان، فقد احمرّت وجوههم—حتى الرجال مِن بينهم.
“كان كونت ميزورا قبل عشرين عامًا رجًلًا وسيمًا، لكن هَذا الرجل يتجاوز جمالهُ بمراحل. مِن أين جلبوا هَذا النبيل الرائع؟”
“جمالُه مذهلٌ بالفعل، لكن لون عينيهِ أكثر إدهاشًا. هَذا الذهبي الساطع… كأنهُ ينتمي إلى العائلة المالكة حقًّا!”
تصادف أنْ جميع النُبلاء الحاضرين في القاعة لَمْ يسبق لهم رؤية وجه الأمير كيليان مِن قبل.
لذَلك، لَمْ يخطُر ببالهم أبدًا أنْ كلماتهم قد تكون صحيحة، وظنوا ببساطةٍ أنْ وسامتهُ أمرٌ يستحق الإعجاب.
حتى الكونت هيمفري، الذي كان مسؤولًا عن أحضار العريس المًزيف، كان يظُن الشيء نفسه.
‘هل أوكلتُ مهمة رسم صورتهِ إلى رسّامٍ سيّئ؟’
بالمُقارنة مع الصورة التي أُرسلت لهُ قبل توقيع العقد، كان هَذا الرجُل أكثر وسامة بشكلٍ لا يُصدق.
‘بالنظر إلى مظهرهِ، لَمْ يكُن المبلغ الذي دفعتُه كثيرًا أبدًا… بل أشعرُ أنني دفعت أقل مِما ينبغي.’
قرر هيمفري بأنهُ سيمنحه أجرًا إضافيًا بِمُجرد انتهاء حفل الزفاف. ثم التفت إلى هيلين، التي كانت تُحدق في أرتيا وكيليان ودموعها تترقرقُ في عينيها.
“إنهُما يبدوان رائعين معًا. جولييت الصغيرة… ستُصبح عروسًا سعيدة، أليس كذَلك؟”
“بالطبع، بالطبع.”
أجاب هيمفري وهو يشدّ على يد زوجتِه.
كُل شيءٍ كان مزيفًا.
القاعة الفخمة، الضيوف المُبتسمون، العريس الواثق، والعروس الجميلة… كُل شيء.
ومع ذَلك، شعر هيمفري وكأنهُ قد عاد عشرين عامًا إلى الوراء.
قطّب حاجبيهِ في حيرة.
‘هل أصبتُ بالجنون مثل هيلين؟’
لكنهُ شعر أنْ الأمر لا يهُم.
على الأقل، حتى انتهاء مراسم الزفاف غدًا.
رفع هيمفري رأسهُ ليُخفي الرطوبة في عينيه. لذا لَمْ يكُن يعلم أنْ تعبير وجه هيلين، التي كانت تُحدق في أرتيا، قد تغيّر تمامًا.
وبصوتٍ بارد، تمتمت هيلين.
“لكنني أشعرُ أنني نسيتُ شيئًا مهمًّا… ما هو؟”
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة