48
الفصل 48 : أسوأ خاطِب ²²
عندما رأت هيلين هيمفري، انخفض حاجباها.
“عزيزي، لماذا تبدو هَكذا مُجددًا؟ هل تحُزن إلى هَذا الحد لأن جولي ستتزوج؟”
“……نعم.”
“أنا أيضًا أشعرُ بالحزن، لكن لا ينبغي أنْ نُظهر ذِلك. فَهَذا أسعدُ يومٍ في حياة ابنتنا، ويجبُ أنْ نودعها بابتسامة.”
“……نعم، معكِ حق.”
عندها، جات إحدى الخادمات وقالت.
“السيدة ديولا قد وصلت.”
أضاءت عينا هيلين وكأنها طفلةٌ قد سمعت بخبر قدوم سانتا كلوز، وأمسكت بيد أرتيا بقوة.
“هيا نرى الفستان الجميل الذي صنعتهُ ديولا!”
ااسيدة ديولا، كانت المُصممة التي أوكلت إليها هيلين تصميم فستان زفاف جولييت قبل عشرين عامًا.
عندما رأت ديولا هيلين جالسةً بوجهٍ مرتاح، هتفت بدهشة.
“سيدتي، لقد أصبحتِ بصحةٍ جيدةٍ حقًا!”
“تتحدثين وكأنني كنتُ مريضة. لديّ القليل مِن أعراض البرد وأتناول بعض الدواء، لكنني بخير. أما أنتِ، فيبدو أنْ وجهك مُتعب. هل أرهقتُكِ في صناعة الفستان؟”
عندما رأت القلق في عيني هيلين، خفضت ديولا حاجبيها.
ليس الأمر أنني مُتعبة، بل لأنني تقدمتُ في السن.
لَمْ أعد تلكَ المُصممة الشابة التي تتابع أحدث صيحات الموضة بشغف، بل أصبحتُ مُجرد امرأةٍ مُتقاعدة.
لكنها لَمْ تقلُ ذِلك، بل اكتفت بالإيماء برأسها.
“نعم، لقد بذلتُ كُل جهدي في صناعة الفستان مِن أجلكِ ومِن أجل الآنسة جولييت.”
ثم التفتت نحو أرتيا.
في مواجهتها الأولى مع شخصٍ غريب منذُ أنْ أصبحت جولييت، شعرت أرتيا بالتوترٍ وابتلعت ريقها.
لكن ديولا ابتسمت لها بلطفٍ وقالت:
“جربي فستان الزفاف، آنسة جولييت.”
نطقت باسم جولييت بسلاسةٍ تامة، وكأنها ولدت بموهبة البيع والإقناع.
عندما أخبرها هيمفري بالأمر، حملت ديولا الإبرة مُجددًا بعد سنواتٍ مِن التوقف، وسهرت ليالي متواصلةً في صنع الفستان.
تمامًا كما طلبت هيلين قبل عشرين عامًا.
بعد فترةٍ وجيزة، ظهرت أرتيا مرتديةً الفستان الأبيض.
كان التصميم يعكسُ موضة الماضي، بأكتافٍ مُنتفخة وأشرطةٍ مُزينة بكثرة، مِما جعلهُ يبدو قديم الطراز.
لكن عند النظر إلى التطريزات الدقيقة عند أطراف الأكمام وحواف التنورة، كان مِن الواضح كم بذلت ديولا مِن جهد وعناية في صنعه.
‘هَذا هو فستان الزفاف الثاني في حياتي… يبدو أنني مُرتبطةٌ بفساتين الزفاف أكثر مِما توقعت.’
ابتسمت بسخريةٍ، لكنها تفاجأت عندما رفعت رأسها.
كانت هيلين تبكي.
“أنتِ جميلةٌ جدًا، يا ابنتي.”
كان في عينيها دفءٌ وحنان جعلا قلب أرتيا ينقبضُ تأثرًا.
وسط هِذا الجو المشحون بالمشاعر، صفّقت ديولا بيديها قائلة.
“حتى في نظري، تبدين رائعة! إنهُ لشرفٌ كبير لي أنٌ أصمم فستان زفاف لعروسٍ بهَذهِ الجمال.”
ثم أضافت، بعباراتٍ تنسابً بسلاسةٍ كالعسل.
“آنسة جولييت، ستكونين أسعد عروسٍ في هَذهِ الإمبراطورية بلا شك.”
نسيت هيلين دموعها فورًا، وابتسمت بسعادة.
“أليس كذَلك؟”
“بالطبع، كيف لا وهي ابنتًكِ؟”
عرفت ديولا تمامًا كيف تُجاري مشاعر هيلين، وغمزت لأرتيا بطرف عينها.
‘واو… يبدو أنْ العمل في هَذا المجال قد صنع منها محترفةً بكل معنى الكلمة.’
بإعجابٍ، رفعت أرتيا إبهاميها لها بصمت.
بعد مُغادرة ديولا، بدأ الكثيرون في زيارة القصر.
تجار المجوهرات، تجار الأزهار، بائعو الأحذية، تجار مستحضرات التجميل، وتجار الأقمشة… جميعُهم كانوا جزءًا مِن الاستعدادات الأصلية لزفاف جولييت قبل عشرين عامًا.
وعندما تلقوا دعوة مِن هيمفري للمشاركة في الزفاف المُزيف، وافقوا دوّن تردد.
لأنهم جميعًا أرادوا تقديم العون للكونتيسة المسكينة، التي خططت لحفل زفافٍ رائع لكن لَمْ يُكتب لها رؤيتُه يتحقق.
“هَذهِ هي مجموعة المجوهرات التي طلبتها سيدتي. اخترنا ألماسًا يميلُ إلى اللون الأزرق، ليتناسب مع لون عيني الآنسة جولييت.”
“في شهر مايو، لا يُمكن أنْ يخلو الحفل مِن الأزهار! سنملأ المكان بالورود المُتفتحة.”
تحوّل القصر، الذي ظل ساكنًا لفترةٍ طويلة، إلى مكانٍ صاخب مليء بالحركة.
وبينما كان الجميع منشغلين بالتحضيرات، ظلت هيلين مُمسكة بيد أرتيا، تختارُ معها مُختلف الأغراض، بابتسامةٍ مشرقة…
كما كانت تفعل قبل عشرين عامًا.
* * *
في ذَلك الوقت، في العاصمة.
انتشرت شائعاتٌ كثيرة حول أرتيا، التي لَمْ تخرج مِن منزلها منذُ عدة أيام.
وكانت أكثر القصص إقناعًا هي أنْ شايلوك قد هددها مِن أجل المال، مِما أدى إلى انهيارها نفسيًا وجسديًا.
لَمْ يكُن مِن الصعب على شايلوك معرفة مصدر هَذهِ الشائعة السخيفة.
كانت بينيلوب.
“أرتيا تُعاني كثيرًا. ماذا لو خسرت بحيرة آنسي أو اضطرت للزواج؟ يا للمسكينة… صديقتي العزيزة…”
ومع ازدياد عدد المُتأثرين بكلام بينيلوب، تزايدت الأحاديث السلبية عن عائلة لوشيان.
“لطالما كانوا مهووسين بالمال، والآن وصل بهم الأمر إلى اختطاف العرائس أيضًا.”
انتهز أولئكَ الذين كانوا يحملون مشاعر سيئةً تجاه عائلة لوشيان الفرصة لرفع أصواتهم.
“الأمر لا يقتصر على دوقية إيدنبيرغ، هُناك العديد مِن العائلات التي اقترضت المال مِن عائلة لوشيان وانتهى بها الأمر إلى الخراب. بعضها لَمْ يتمكن حتى مِن النهوض مًجددًا.”
“هِذا طبيعي. لقد كانوا يفرضون فوائد قاسيةً… عائلة لا تعرفُ الرحمة.”
عندما وصلت هَذهِ الشائعات إلى مسامع شايلوك، تمتم ببرودٍ بينما ومضت عيناهُ بحدة.
“أين كانت كرامتُهم عندما كانوا يتوسلون للحصول على المال؟ والآن يتحدثون بهَذهِ الطريقة؟”
لَمْ يكُن يهتم كثيرًا بالانتقادات المُعتادة التي يسمعها، لكنهُ لَمْ يستطع تجاهل الشائعات التي تمُس أرتيا.
“لا يُمكنني السماح لأيِّ شيء أنْ يعيق زواج سيمون مِن أرتيا فون إيدينبرغ.”
لذَلك، قرر أولًا مواجهة مصدر الشائعات، بينيلوب.
“سيدتي، على عكس ما تظُنين، فإنْ الزواج بين دوقية إيدينبرغ وعائلة لوشيان يتم ترتيبُه بشكلٍ طبيعي تمامًا. مِن الأفضل ألا تُفسدي الأجواء الجيدة بنشر كلامٍ غيرِ ضروري، ما لَمْ تكوني ترغبين في معاداة عائلتنا.”
كان تهديدًا مُبطنًا بلباقة، ثم مدّ أمامها صندوقًا مًخمليًا فخمًا، بداخلهِ مجموعةٌ مِن المجوهرات المُتلألئة.
العصا في يد، والجَزَرَة في اليد الأخرى. الخوف مِن العصا يدفعُ الشخص لأخذ الجزرة.
هَذهِ هي الطريقة التي بنى بها شايلوك فون لوشيان إمبراطوريتهُ التجارية.
لكن بينيلوب لَمْ تخفِ اشمئزازها، حتى بدا وجهُها مشوهًا بالغضب، بطريقةٍ لا تليقُ بسيدة مُجتمعٍ راقية.
“رائع، إذن تفعلُ معي ما فعلتهُ مع أرتيا؟ ولكن ما العمل؟ صديقتي أثمنُ بكثيرٍ مِن هَذا المال التافه.”
“……!”
“رُبما سأفكرُ في الأمر لو جلبت ليّ كُل أموال عائلتكَ.”
كان كلامُها سخريةً صريحة.
أدرك شايلوك على الفور أنهُ يتعامل مع شخص لِن يًجدي معهُ الحوار، فاستدار مُغادرًا دوّن تردد.
‘مهما قالت تلكَ المرأة، فَلَن يغيّر ذَلك شيئًا.’
بِمُجرد أنْ يتزوج سيمون مِن أرتيا، ستتلاشى هَذهِ الشائعات مِن تلقاء نفسها.
ولكن كان هُناك أمرٌ واحدٌ يُقلقه… سلامة أرتيا.
‘اعتقدتُ أنها تختبئ في القصر فقط لأنها لَمْ تستطع تقبّل الهزيمة بسهولة. لكن ماذا لو كانت طريحة الفراش كما تقول بينيلوب…؟’
في أسوأ الأحوال، قد تلجأ إلى إيذاء نفسها أو حتى الانتحار.
تمامًا كما فعل أولئك الحمقى الذين سحقهم الدَين.
تصلب وجهُ شايلوك ببرود.
لَمْ يكُن يشعرُ بالحُزن على فقدان أحد، لكن لو حدث مكروهٌ لأرتيا الآن، فقد يُلقى باللوم على عائلته.
خاصة أنْ دوقية إيدنبرغ، رغم ضعفها الحالي، لا تزال عائلةً ذات نفوذ.
والأهم مِن ذِلك… أنْ سيمون سيحزن.
‘وذَلك سيكون مزعجًا.’
حمل شايلوك دواءً ثمينًا، وتوجه إلى قصر إيدينبرغ.
“سمعتُ أنْ دوقة إيدينبرغ ليست بخير، لذا جئتُ لزيارتها. خذوني إليّها فورًا.”
لكن بيبي، التي وقفت أمامهُ، هزّت رأسها.
“السيدة ليست في حالةٍ تسمحُ لها باستقبال الزوار.”
“هل تجرؤ خادمةٌ على منعي؟ لا تتكلمي كثيرًا، فقط قودي الطريق.”
انبثق مِن شايلوك جوٌّ مُخيف يُشبه وحشًا غاضبًا، لكن بيبي لِمْ تتراجع خطوة، بل وقفت بثباتٍ كالدُب المدافع.
ضغط شايلوك على أسنانهِ بغضب.
لو كان الأمر بيده، لصفع هَذهِ الخادمة الوقحة وسحقها تحت قدميه.
لكنهُ تذكر كيف طُرد على يد بيبي في المرة السابقة، فتراجع قليلاً.
كسر هِذا التوتر صوتُ كاثرين.
“ما سبب هَذهِ الجلبة؟”
“السيدة الكبرى!”
كانت كاثرين حليفًا واضحًا لشايلوك.
لأنها، مثلُه، أرادت حبس أرتيا داخل قفص عائلة لوشيان.
ابتسم شايلوك ابتسامةً خبيثة وقال.
“جئتُ لمناقشة مسألة الزواج. اسمحي لي بمُقابلة ابنتكِ.”
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة