44
الفصل 44 : أسوأ خاطِب ¹⁸
بعد وقوع الحادث، تجنبت أرتيا لقاء بينيلوب عمدًا.
فَلَمْ يكُن لديها وقتٌ لذَلك، وكانت تعتقدُ أنْ بينيلوب ستشعرُ بالحرج إذا قابلتها.
لكن الأمر لَمْ يكُن هَكذا…
بينيلوب كانت تحمل مشاعرًا أعمقَ تجاهها مِما توقعت.
“حتى لو لَمْ تتمكني مِن سداد المال، يجبُ ألا تتزوجي أبدًا. كيف تقبلين أنْ تتزوجي مِن رجُلٍ يُحاول شراء عروسهِ بالمال؟ إذا ساءت الأمور، يُمكنكِ الهرب إلى منزلني…”
احتضنت أرتيا بينيلوب بحرارة.
“شكرًا لكِ، بيني.”
لَمْ أكُن أعلم أنني سأجدُ مَن يقفُ إلى جانبي.
تفاجأت بينيلوب قليلاً، لكنها بدأّت تُطبطب ظهرَ أرتيا بلطف.
“بين الأصدقاء، لا داعي للشكر.”
روت أرتيا لبينيلوب بالتفصيل ما يحدُث.
بينيلوب التي كانت تعرفُ فقط الشائعات عن زواج أرتيا مِن لوشيان مُقابل المال، انفجرت غاضبة.
“هل جعلها البارون لوشيان تُشارك في القمار ليقترضَ المال؟ كيف لشخصٍ أنْ يتصرف بهَذا السوء؟”
“أنا أيضًا أشعرُ بالغضب.”
“والسيدة أيضًا! مهما كانت مُغرمةً بالقمار، كيف لها أنْ تضع بحيرة ابنتها كضمانٍ… آه، هَذا يُثير الغضب.”
بينيلوب كانت تضربُ صدرها بقبضتها وكأنْ الأمر كان شخصيًا بالنسبة لها.
عندما شاهدت أرتيا بينيلوب غاضبةً هَكذا، شعرت براحةٍ في قلبها.
ثم سألت بينيلوب، وجهُها معبأ بالغضب وكأنها وحش.
“إذن كم هو المبلغ الذي اقترضتهُ مِن هَذا الرجل؟”
“… مع الفوائد، ٢٠٠ مليار.”
فُتح فم بينيلوب مِن الدهشة. ثم نظرت إلى الكيس الذي كانت تحملُه وهمست.
“هَذا المبلغ لا يكفي حتى…”
وضعت أرتيا يدها على يد بينيلوب التي أصبحت مُحبطةً.
“لا داعي للقلق. لديّ طريقةٌ لسداد الدَين.”
“حقًا؟”
“نعم، ولكن للقيام بذَلك، سأحتاجُ إلى مساعدتكِ، بيني. هل يُمكنكِ مُساعدتي؟”
“بالطبع! اعتمدي عليّ!”
استعادت بينيلوب حيويتها على الفور، وهمست أرتيا بصوتٍ مُنخفض.
وبعد عدة ساعات، غادرت أرتيا القصر في الظلام.
* * *
في قاعة احتفالات في العاصمة، كان النبلاء المزخرفون يتبادلون الهمسات.
“لقد كانت السيدة إيدينبرغ تجوب الأماكن بحثًا عن المال، ولكنها اختفت مؤخرًا، أليس كذَلك؟”
كانت القصة الأكثر تداولًا في الأوساط الاجتماعية هي عن أرتيا وعلاقتها مع عائلة لوشيان.
ضحكت إحدى النبيلات بضحكةٍ خفيفة.
“إذا كانت قد اقترضت المال ولَمْ تفعل شيئًا سوى أنْ تبقى ساكتة، فَهي رُبما فقط تُحاول التظاهر. هل تعتقدون أنها كانت تُخطط لسداده؟ إذا تزوجت مِن سيمون، فَلَن تحتاج إلى دفعهِ.”
“حقًا، تركت زوجها عديم الكفاءة وتزوجت مِن سيمون، يبدو أنها سريعةٌ في حساباتها. هَذا ذكيٌ جدًا.”
وفي اللحظة التي ضحك فيها الجميع، قاطعتهنَ بينيلوب بصوتٍ مُرتفع.
“تتحدثنَ دوّن أنْ تعرفنَ شيئًا!”
دخلت بينيلوب في الحديث وهي تُحدق في المرأة التي كانت تسخرُ مِن أرتيا.
“أرتيا لَمْ تكُن سـ تزوج مِن عائلة لوشيان مِن أجل المال. هي مهددةٌ بالزواج منها بسبب الديون!”
المرأة التي كانت تسخرُ مِن أرتيا تراجعت عندما ردت عليها بينيلوب بنبرةٍ غاضبة.
“إذا كان هَذا صحيحًا، فَلماذا لا تُحاول جمع المال مُجددًا وظلّت ساكنة؟”
أجابتها بينيلوب، وكأنها كانت تنتظرُ هَذا السؤال.
“ألَمْ تفهمي بعد؟ رغم أنْ أرتيا بذلت جُهدًا كبيرًا، إلا أنْ البارون لوشيان تلاعب بالأمور حتى جعل مِن المُستحيل عليها جمع المال. وهَذا جعل أرتيا تنهار، كما لو أنها وقعت في فخٍ خطير!”
وبذَلك، تحولت أرتيا إلى امرأةٍ مظلومة ومعرضةٌ للزواج القسري.
***
فجأةً، فُتح الباب الكبير. صرخ سيمون وهو يركضُ نحو شايلوك الذي كان يعُد العملات الذهبية على الطاولة.
“أخي، يقولون إنْ السيدة إيدينبرغ قد سقطت مريضة!”
“السيدة إيدينبرغ؟”
“نعم، ذهبتُ إلى منزلهم بعد سماعي الخبر، لكنها قالت إنها لا تريدُ رؤيتي ولَمْ تفتح الباب. ماذا لو كانت مريضةً جدًا؟”
ملئت الدموع عيني سيمون، ولكن وجهُ شايلوك لَمْ يظهر عليهِ أيِّ تغيير.
“لو كانت حالتُها خطيرة، لكانوا قد استدعوا طبيبًا، لكن لا يوجد أيُّ مؤشرٍ على ذَلك. في رأيي، تلكَ المرأة تدّعي المرض فقط لأنها مُستاءةُ مِن عدم تمكنها مِن جمع المال.”
خلال الفترة الماضية، بحثت أرتيا عن العديد مِن الأشخاص للحصول على المال.
زارت شيوخ عائلة إيدينبرغ، والنبلاء الذين يُمارسون الإقراض، والتجار الذين يشترون السلع الفاخرة، لكن لَمْ يُساعدها أحد.
وذَلك لأن شايلوك كان يسبقُها بخطوة، ذهب إليّهم قبلها ويقدم لهُم الذهب.
لقد كان للمال قوةً ساحقة.
“لا بد أنْ السيدة إيدينبرغ أدركت ذَلك. مِن المؤكد أنها تشعرُ بالإهانة لتعرًضها لهَذا الذل رغم أنها تنتمي لعائلةٍ نبيلة عظيمة.”
وضع شايلوك عملةً ذهبيةً أخرى فوق كومة العملات التي كانت مكدسةً أمامه، ثم تابع قائلاً.
“لكن هَذا لَن يستمر طويلًا. بِمُجرد أنْ تهدأ وتعود إليّها حدةُ التفكير، ستدُرك أين تكمُن مصلحتها، وستوافق على الزواج منكَ.”
كان شايلوك يبدو كالفائز بالعبة، بينما ازداد شحوب وجهِ سيمون.
عندما رفضت أرتيا طلبهُ للزواج، شعر بألمٍ لا يُحتمل.
وعندما أخبرهُ شايلوك أنْ يعتمد عليه، وأنهُ سيتأكدُ مِن زواجهِ بها بأيِّ وسيلة، وافق دوّن تردد، وكأنهُ كان مسحورًا بكلماته.
لكن مع مرور الوقت وعودتهِ إلى رشدهِ، بدأ يشعرُ بأنْ هَذا ليس الصواب.
جمع سيمون شجاعتهُ وقال.
“أخي، ألا تعتقدُ أنْ الضغط عليها بهَذهِ الطريقة سيجعلُها تكرهني؟ لا أريدُ كراهيتها، بل أريدُ حبها.”
ابتسم شايلوك ابتسامةً ملتوية وكأنهُ يسخرُ مِن براءة أخيه.
“وكيف ستحصلُ على ذَلك؟”
“ماذا؟”
“هل تظُن أنه إذا ألغيت ديونها الآن، ستقعُ في حُبكَ فجأةً؟”
“……”
“مُستحيل. الأمور قد حدثت بالفعل، وبالنسبة لها، أنا وأنتَ لسنا سوى اشخاصٍ قساة جاؤوا للإيقاع بها. إذا سامحتُها في الدين الآن، فَلَن نحصُل على شيء، وسنخسرُ المال فَحسب.”
“……!”
اهتزّ وجهُ سيمون مِن وقع هَذهِ الكلمات القاسية وكأنها لعنة.
ربت شايلوك على كتف أخيهِ وقال بصوتٍ أكثر هدوءًا وكأنهُ يواسيه.
“لكن إذا تزوجتها، فَكُل شيء سيتغيّر. ستحصلُ على المرأة التي تُريدها كعروس، وستُصبح دوق إيدينبرغ.”
“……”
“ليس هَذا فَحسب. سأقدمُ لكَ ثروةً هائلةً لإنعاش عائلة إيدينبرغ. سيستعيدُ الدوقية مكانتها كنبلاء عظماء، ووقتها ستتحول كراهيتُها لكَ إلى حُب.”
أعاد شايلوك ترتيب ياقة سيمون وأضاف.
“وبذَلك، ستحصل حتى على قلب المرأة التي لطالما رغبتَ بها.”
لَمْ تكُن كلماتُه مُجرد محاولةٍ لإقناع أخيه، بل كان يؤمن بها بصدق.
بالنسبة له، لَمْ يكُن هُناك شيءٌ في العالم أثمنُ مِن المال، حتى حياة البشر.
وأرتيا، مهما ادعت العكس، لَمْ تكُن مختلفةً عن الآخرين.
بالنسبة للبعض، كان شايلوك يبدو كالأفعى الخبيثة، لكن بالنسبة لسيمون، كان يبدو واثقًا ومؤمنًا بما يقوله.
وفوق كُل شيء، كان سيمون أيضًا ابنًا لعائلة لوشيان،
تلكَ العائلة التي تقدّس قوة المال.
“هل تعتقدُ أنْ هَذا مُمكن حقًا؟”
“بالطبع. لذا توقف عن التصرف كـ خاسرٍ فقد ماله، وفكر في كيفية كسب قلبها. اشترِ لها خاتمًا مِن الألماس الأغلى، أو حتى قدّم لها جزيرةً كاملة، افعل كُل ما في وسعكَ.”
استعاد سيمون بعض الشجاعة وأومأ برأسهِ.
ربت شايلوك على رأسهِ بلُطفٍ وهو يفكر.
‘لَمْ يتبقَ سوى نصفُ شهرٍ حتى موعد السداد. وعندما يحينُ ذَلك اليوم، لَن يكون أمام تلكَ المرأة التي كانت تبكي في سريرها سوى أنْ تأتي إليّ راكعةً على ركبتيها.’
عندما تخيل ذَلك المشهد، ارتفع جانبُ فمهِ بابتسامةٍ ماكرة.
كانت ابتسامةُ صيادٍ يستعدُ لإتمام صيده.
* * *
“آه!”
أصدرت أرتيا صوت تأوهٍ صغير.
المرأة العجوز المُستلقية على السرير سألتها بقلق.
“ما الأمر؟”
“شعرتُ فجأةً بحكةٍ في أذني. يبدو أنْ أحدهم يتحدثً عني.”
لكن على عكس إجابة أرتيا الهادئة، شحُب وجه المرأة العجوز.
أمسكت المرأة بحبل الجرس بسرعةٍ. وفي لحظات، فُتح الباب ودخلت خادمةٌ عجوز ذاتُ شعرٍ أبيض.
قالت المرأة العجوز للخادمة.
“يبدو أنْ جولي قد أصيبت بنزلة برد، أحضري لها شاي الزنجبيل، وضعي فيهِ الكثير مِن العسل.”
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة