42
الفصل 42 : أسوأ خاطِب¹⁶
“……!”
عندها فقط، أدركت أرتيا سبب إقدام كاثرين على هَذا التصرف غيرِ المعقول.
لَمْ يكُن الأمر مُجردَ جنونٍ ناتجٍ عن هوسها بالقمار.
لقد أرادت تزويجها مِن سيمون.
حتى لو كان ذِلك أمرًا لَمْ تردهُ أرتيا على الإطلاق.
كانت عيناها الورديتان، التي تألقتا بحدةٍ قبل لحظات، قد أصبحتا مُعتمتين الآن.
عندما رأت كاثرين ذَلك، خفق قلبُها بقوةٍ.
تحدثت أرتيا بصوتٍ جاف خالٍ مِن أيِّ مشاعر.
“أنا لا أنوي التنازُل عن بحيرة آنسي لأيِّ أحد. ولا أنوي الزواج مِن سيمون أيضًا. لذا، فكري في طريقةٍ لسداد الدين قبل انتهاء المهلة.”
“…….”
“قبل أنْ أبدأ في كُرهكِ بصدق.”
“……!”
وهَكذا، غادرت أرتيا الغرفة.
وقفت كاثرين في مكانها، وكأنها قد تلقت ضربةً بالمطرقة على رأسها، وعاد إلى ذهنها اليوم الذي التقت فيهِ بأرتيا لأول مرة.
حينها، كانت أرتيا صغيرةً، خجلةً، تنظرُ إلى الأرض بوجهٍ مُحمر، وأصابعُها المُرتجفة تُمسك بحافة تنورتها.
نظرت كاثرين إليّها ببرود، مُتصنعة اللامبالاة.
‘هاه، هل أنا مُخيفةٌ لهَذهِ الدرجة؟ لستُ زوجة الأب الشريرة مِن القصص الخيالية.’
وبينما كانت تعبّس، جاءها صوتٌ خافت.
“أ-أهلاً، أمي.”
ومنذُ ذَلك اليوم، لَمْ تتوقف أرتيا عن مُناداتها بـ أمي.
لذَلك، لَمْ تُدرك كاثرين أبدًا كم كانت تلكَ الكلمة مُحملةً بالمشاعر.
“قبل أنْ أبدأ في كُرهكِ بصدق.”
لَمْ تُدرك الأمر إلا عندما نادتها أرتيا بـ أنتِ بدلاً مِن أمي.
حينها، أدركت أنْ الرابطة الرفيعة التي جمعتهُما كأسرة قد انقطعت تمامًا.
“م-ماذا فعلت…!”
اجتاحها ندمٌ شديدٌ، لكن الأوان كان قد فات.
كانت أرتيا تُمسك في يدها عقد القرض الذي وقعتهُ كاثرين.
[دينٌ بقيمة 1.5 مليار.
فائدةٌ بنسبة 200% كل ثلاثة أشهر، ما يعني أنْ المبلغ الإجمالي المطلوب سدادُه 3 مليارات جولد.]
لكن البند الأكثر إشكالية كان الأخير.
[في حال عدم سداد الدين والفوائد بحلول موعد الاستحقاق، تنتقلُ ملكية بحيرة آنسي إلى شايلوك فون لوشيان.]
وضعت أرتيا يدها على جبينها وهي تعبُّس.
“هَذا عقدٌ استغلالي بكُل المقاييس.”
“هل يُمكنني رفع دعوىٍ لإبطال العقد أمام المحكمة؟”
لكن الإمبراطورية لَمْ تكُن لديها قوانينٌ تحدُ مِن الفوائد المُفرطة في الإقراض.
كما أنْ شايلوك لَمْ يُجبر كاثرين على الاقتراض، مِما جعل الطعن القانوني مُستحيلًا.
“إذن لا يوجد سوى حلٌ واحد. يجبُ أنْ أسدد الدين قبل انتهاء المهلة.”
ورغم تراجع نفوذ عائلة إيدنبيرغ، فإنها لا تزال دوقيةً تمتلكُ ثروةً كافية لتغطية 3 مليارات.
لكن كانت هُناك مشكلةٌ واحدة.
لَمْ يكُن لدى أرتيا سيولةٌ نقدية مُتاحة على الفور.
“لجمع هَذا المبلغ، يجبُ بيع جزءٍ مِن مُمتلكات العائلة.”
وهُنا ظهرت مشكلة أخرى.
بعد طلاقها، انتقلت صلاحية التصرف في ممتلكات العائلة إلى مجلس الشيوخ.
بمعنى آخر، لحل هَذهِ الأزمة، كانت بحاجةٍ إلى موافقة الشيوخ.
‘يا لهُ مِن قانونٍ سخيف! أحتاجُ إلى إذن لإنفاق مالي الخاص؟’
أحست بالغضب يتصاعد في صدرها، لكنها لَمْ تكُن تملك خيارًا سوى التعامل مع الوضع لإنقاذ ما يُمكن إنقاذه.
فكتبت رسالةً إلى الشيوخ.
[لقد غرقت والدتي في ديونٍ هائلةٍ بسبب القمار.
وللحفاظ على شرف عائلة إيدنبيرغ، لا بد مِن سداد الدين فورًا، لذا أرجو منكم الموافقة على بيع بعض المُمتلكات.]
كتبت الرسالة بوضوحٍ وصدق، دوّن أيِّ محاولاتٍ للتجميل أو التلاعُب بالألفاظ، وأرسلتها مع أسرع خادمٍ في القصر ليوصلها بسرعة.
كان الوضع عاجلًا للغاية، ولا يحتملُ التأخير.
لكن رغم ذَلك، لَمْ يصل الرد إلا بعد بضعة أيام.
فتحت أرتيا الرسائل مِن الشيوخ الثلاثة وقرأتها بسرعة.
رغم اختلاف صياغتها، إلا أنْ جميعها حملت نفس المعنى:
[بما أنْ منزل الدوق فارغٌ ولا يوجد فيهِ سوى النساء، فَمِن الطبيعي أنْ تحدُث أمورٌ مخزيةٌ كهَذهِ.
أشعرُ بالخجل مِن مُجرد التفكير بالأمر.
(ثم تلت ذَلك قائمةٌ طويلةٌ مِن الإهانات)
…إنْ استخدام مُمتلكات عائلة إيدنبيرغ، التي حافظنا عليها لأجيال، مِن أجل تسوية حماقاتٍ كهَذهِ أمرٌ غير مقبول.
تحمّلي أنتِ وأمكِ العواقب وحدكما.]
كان أصغرُ أعمامها، الذي لطالما وجدتهُ الأكثر استفزازًا، قد أضاف تعليقًا ساخرًا.
[أليست هَذهِ مشكلةً بسيطة؟
يُمكنكِ فقط التنازل عن تلكَ الأرض عديمة الفائدة أو الزواج مِن سيمون فون لوشيان، وانتهى الأمر.]
لَمْ تذكر أرتيا في رسالتها أنْ بحيرة آنسي كانت مرهونةً أو أنْ البارون لوشيان قد عرض الزواج عليها.
فَحتى لو فعلت، لَمْ يكُن ذَلك ليُساعدها في شيء.
لكن الشيوخ كانوا يعلمون بكل هَذهِ التفاصيل بالفعل.
‘هل يُعقل أنْ يكون شايلوك قد وصل إلى الشيوخ أيضًا؟’
إنْ كان الأمر كذَلك، فَلَن يتعاونوا معها أبدًا.
فهم لَمْ يكونوا يهتمون بأرتيا كثيرًا، وبالتالي، لَمْ تكُن الأرض الصغيرة التي تحرصُ عليها تهمهُم بأيِّ شكل، مهما كان مصيرُها.
وفي النهاية، مِن المُحتمل أنْ يكون شايلوك قد قدم لهُم عرضًا يجعلهم راضين حتى لو اضطرت أرتيا للزواج مِن سيمون للحفاظ على الأرض.
تصلبت نظراتُ أرتيا الوردية ببرودٍ.
‘قمت بتهديد الشيوخ لإجبارهم على الموافقة…’
لكنها سرعان ما هزّت رأسها.
تبقى على موعد السداد شهران فقط، ولَمْ يكُن لديها الوقت الكافي لذَلك.
لَمْ تكُن عائلة لوشيان الوحيدة التي تُمارس الإقراض في الإمبراطورية. لذا، توجهت أرتيا إلى نبيلٍ آخر.
“أريدُ أنْ أقترض المال. أعدكَ بسدادهِ في الوقت المُحدد.”
لكن…
“أنا آسفٌ، سيدتي. رغم احترامي وتقديري لاسم دوقية إيدنبيرغ، لا يُمكنني منحكِ قرضًا بهَذا المبلغ الضخم دوّن ضماناتٍ واضحة.”
لَمْ يختلف الرد سواء ذهبت إلى هَذا أو ذاك، الجميع قالوا الشيء نفسه.
حتى ظهر رجُل ينظرُ إليّها بعينين يملؤهُما الأسف.
“إنْ كنتِ تواجهين صعوبة، فَمِن الطبيعي أنْ أساعدكِ. سأمنحكِ القرض.”
“……!”
اتسعت عينا أرتيا بلمعة أمل، لكن الرجل ابتسم ابتسامة ماكرةً بينما ارتعش شاربُه الأبيض.
“لكن بشرط أنْ تُصبحي زوجتي.”
كبحت أرتيا رغبتها في سكب الشاي الساخن على وجههِ، وبدلًا مِن ذَلك، غادرت الغرفة بوجهٍ مُتجمد.
خلفها، صاح الرجل.
“لَن تجدي في هَذهِ الإمبراطورية مَن يقرضكِ المال بسهولة! فكُل مَن يفعلُ ذَلك سيُصبح عدوًا لشيوخ دوقية إيدنبيرغ أو البارون لوشيان!”
عندها فقط، أدركت أرتيا أنْ شايلوك والشيوخ قد خططوا مُسبقًا لعرقلة جميع مُحاولاتها.
عضّت شفتيها بإحباط.
‘إنْ كان الاقتراض مُستحيلًا، فَعليّ أنْ أجمع المال بنفسي.’
لَمْ تكُن بحاجةٍ إلى موافقة الشيوخ لبيع ممتلكات القصر.
لذا، بدأت في جمع كًل ما يُمكن بيعه: اللوحات المُعلقة على الجدران، التُحف الموزعة في أنحاء القصر، الفساتين والمجوهرات داخل الغرف، وحتى العربات والخيول.
ثم استدعت مالك متجر التُحف المُستعملة الذي كانت قد زارتهُ مع كاثرين سابقًا.
بعد أنْ تفحص التاجر الكومة الهائلة مِن الممتلكات، ابتسم.
“إذا تبرعتِ بها جميعًا، يُمكنني منحكِ 1 مليار كتعبيرٍ عن الامتنان.”
عبُّست أرتيا.
‘فقط؟’
كما لو أنهُ قرأ أفكارها، أضاف التاجر.
“إنها أشياءٌ ثمينة، لكن مُعظمها قديمٌ ومهترئ. المُمتلكات التي عفا عليها الزمن تفقدُ قيمتها. والأهم، أنْ المُهلة الزمنية التي حددتها ضيقةٌ للغاية. مِن النادر أنْ تجدِ مُشتريًا يُمكنه الدفع فورًا بمبلغٍ كهَذا.”
وضعت أرتيا يدها على جبينها وأجابت.
“سأفكرُ في الأمر وأردُ عليكَ لاحقًا.”
“كما تشائين.”
غادر التاجر، غيرَ مُتأثرٍ على الإطلاق كما لو أنهُ لَمْ يكُن بحاجةٍ لتلكَ الصفقة.
جلست أرتيا بمفردها في الغرفة، تتأمل المُقتنيات المُكدسة أمامها، وتمتمت.
“وما الفائدة مِن أنني وُلدتُ نبيلةً…؟”
لَمْ تحظَ بحًب والدها، وفقدت والدتها في سنٍ مُبكرة.
أول حُبٍ لها كان قمامةً، وكانت محط ازدراءٍ مِن عشيقة زوجها وخادماتها.
ظنّت أنْ الطلاق سيجلبُ لها بعض الراحة، لكن والدتُها سببت لها كارثةً جعلتها غارقةً في الديون ومجبرةً على الزواج.
أما أقاربها، فَلَمْ يكتفوا بعدم مُساعدتها، بل وقفوا في طريقها.
شعرت بغضبٍ عارمٍ يتفجرُ بداخلها.
“آاااه!”
أمسكت بوسادةٍ وانهالت عليها ضربًا فوق السرير.
“كيف سأجمعُ الـ20 مليار المُتبقية؟!”
رغم أنها كانت تُمارس الرياضة بانتظامٍ، فإنْ ذراعيها ظلتا نحيلتين وضعيفتين.
لكن في تلكَ اللحظة، كان الغضبُ يمنحها قوةً غيرَ متوقعة.
بسبب الضربات العنيفة، تمزق طرفُ الوسادة، وخرجت منها حشوةٌ بيضاء مُتناثرة.
عندها، سُمع صوت طرقٍ على الباب، تلاهُ صوت بيبي.
“سيدتي، لديكِ زائر.”
توقفت أرتيا عن الحركة، وعقدت حاجبيها.
كل مَن زارها حتى الآن لَمْ يجلب لها سوى المشاكل.
‘إذا تجرأ هَذا الشخص على إثارة المتاعب اليوم، فَلَن أتركهُ يرحل بسهولة.’
شددت قبضتها على الوسادة.
لكن حين سمعت كلمات بيبي التالية، أفلتت الوسادة مِن يدها.
“صاحبُ السمو الأمير كيليان.”
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة