41
الفصل 41 : أسوأ خاطِب ¹⁵
كانت أرتيا أصغر حجمًا مِن كاثرين.
وعلى الرغم مِن ذَلك، فقد كان الجو الذي تبعثهُ قاتمًا لدرجة أنْ كاثرين شعرت برعبٍ شديد.
بينما كانت كاثرين تعضُّ شفتيها بوجهٍ مشوه، فكرت أرتيا.
‘عندما أصبحَ شايلوك رئيس العائلة، حققت أعمال عائلة لوشيان نموًا هائلًا.’
كان يُقرض المال للنبلاء الذين يحتاجون إليّهِ بشدةٍ.
بفائدةٍ مُرتفعةٍ للغاية بشكلٍ لا يُصدَّق.
لَمْ يكُن ذَلك الرجل ليُقرض كاثرين المال بنيةٍ صافية.
سألت أرتيا بصوتٍ هادئ.
“كم كان مُعدل الفائدة؟”
20%؟ 30%؟
لكن كاثرين أجابت بإجابةً غيرَ مُتوقعة، وكأنها تسخرُ مِن أرتيا.
“لستً متأكدة.”
“ماذا؟”
“هُناك مستنداتٌ، لكنني لَمْ أقرأها بعناية…”
“…..”
تصلبت عينا أرتيا الوردية، وأصبحت أكثر برودةً مِن الجليد.
***
منزل بارون لوشيان.
بينما كان شايلوك يَعدّ أكوامًا مِن العُملات الذهبية المُتراكمة على مكتبهِ الضخم، اقترب منهُ أحد الخدم وهمس لهُ بشيء.
وبعد لحظاتٍ، فُتح الباب ودخلت أرتيا الغرفة.
رفع شايلوك نظارتهِ الخارجية وابتسم ساخرًا.
“حينما كان أخي يتوسل، تجاهلتِه، ولكن ما إنْ تعلق الأمر بالمال حتى أتيتِ بنفسكِ.”
وأضاف بلهجةٍ مُستفزة.
“المال هو أكثر الأشياء رعبًا، أليس كذَلك؟”
لَمْ ترُد أرتيا على كلام شايلوك، بل دخلة مُباشرة في الموضوع.
“لقد أقرضتَ والدتي مبلغًا ضخمًا مِن المال، وبفائدةٍ مجنونة تصلُ إلى 200%.”
صحيح. وفقًا للمُستندات التي راجعتها أرتيا، فقد استدانت كاثرين المال بفائدةٍ مُذهلة بلغت 200% خلال ثلاثة أشهر.
عندما رأت ذَلك، أصيبت أرتيا بصدمةٍ لدرجة أنْ عقلها أصبح فارغًا تمامًا.
لكن شايلوك، على العكس، بدا غيرَ مُكترثٍ ورد بوجهٍ هادئ.
“صادف أنني كنتُ هُناك في الوقت المُناسب عندما احتاجت السيدة إيدنبيرغ الكبرى المال، فساعدتُها.”
“ساعدتها؟”
“نعم، السيدة إيدنبيرغ الكبرى بدأت بطلب مبلغٍ صغير، ثم زادت المبلغ تدريجيًا. لَمْ يكُن هُناك مَن يستطيعُ تلبية طلبها غيري. ولكن مِن الواضح أنها كانت امرأةً جريئة، إذ إنها لَمْ تُكلف نفسها حتى عناء التحقق مِن نسبة الفائدة…”
كان تصرفهُ في غاية الوقاحة.
شعرت أرتيا برغبةٍ قاتلة في تمزيق فم شايلوك.
لكنها بالكاد تمالكت نفسها وقالت.
“هل نصبتَ فخًا لوالدتي انتقامًا مِما حدث لأخيكَ؟”
اتسعت عينا شايلوك الضيقتان قليلًا قبل أنْ تأخذ مُنحنى ناعمًا.
“يا لكِ مِن شخصِ ظريف، سيدة إيدينبرغ.”
“…..”
“بالطبع، لا يُمكنني تركُ مَن يؤذي أخي العزيز دوّن عقاب. ولكن لَمْ يكُن الانتقام العاطفي هو ما أردتُه مُقابل إقراض المال للسيدة الكبرى.”
كان شايلوك شخصًا لا يُعطي شيئًا دوّن مُقابل، وكان دائمًا يحرصً على أنْ يسترد عشرة أضعاف ما يُقدمه.
“إذا تزوجتِ مِن سيمون، فسأقومُ بإلغاء دين السيدة الكبرى بالكامل.”
“..…!”
اتسعت عينا أرتيا بدهشةٍ، لكن شايلوك أكمل حديثه.
“منذُ أنْ رفضتِه، لَمْ يُغادر سيمون غرفته. لقد أصبح شاحبًا كالميت بسبب قلة الطعام، وهو يهمسُ باسمكِ طوال اليوم. بعد أنْ قلبتِ مشاعرهً رأسًا على عقب بهَذهِ الطريقة، ألا تعتقدين أنه عليكِ تحمل المسؤولية، سيدة إيدينبرغ؟”
وقف في مكانهِ، وألقى نظرةً للأسفل بعينين حادتين كالأفعى الغاضبة، مِما جعلهُ يبدو مًخيفًا.
لكن أرتيا، التي كانت تقفُ تحته بكثير، ردت بصوتٍ ثابت دوّن أدنى تردد.
“يا لكَ مِن شخصٍ حقير حتى في تهديداتكَ.”
“…..!”
“أنا آسفة لأن السيد سيمون يًعاني، لكن لا علاقة لي بذَلك إطلاقًا.”
“…..”
“ويبدو أنكَ لا تملكُ أيَّ ذكاءٍ حقيقي أنتَ لا تفعلُ شيئًا سوى خداع الآخرين واستغلالهم، لذا سأوضح لكَ الأمر مًجددًا. لَن أتزوج مِن سيمون.”
ارتفعَ أحد حاجبي شايلوك بحدةٍ.
كان سيمون عريسًا مُناسبًا مِن جميع الجوانب؛ العمر، المظهر، الشخصية، العائلة، كُل شيء فيهِ كان مقبولًا.
وقبل كُل شيء، كان العرض يتضمن إسقاط دينٍ ضخم قدرهُ 1.5 مليار دفعةً واحدة.
مِن جميع النواحي، لَمْ يكُن اقتراحًا سيئًا بالنسبة لأرتيا.
ومع ذَلك، فقد أغضبهُ أنها، بعينيها الورديتين المتوهجتين بالكبرياء، رفضت الزواج منهُ بشكلٍ قاطع.
“ظننتُ بأنكِ جئتِ راكضةً إلى هُنا بدافع الخوف مِن المال، لكن يبدو أنني كنتُ مُخطئًا. ما زلتِ ساذجة.”
مد شايلوك ورقةً أمام أرتيا.
ما إنْ قرأت الوثيقة، حتى شحُب وجهها في لحظة.
شعر شايلوك بنشوةٍ وهو يرى ذَلك المشهد، ثم قال بابتسامةٍ خبيثة.
“كما توقعت، لَمْ تخبركِ السيدة الكبرى بالأمر. لَمْ يكًن الاتفاق على مجرد فائدة 200% فقط عند إقراضها المال. إذا لَمْ تُسدد الدين في الموعد المُحدد، فعلى دوقية إيدنبيرغ التنازُل عن ملكية بحيرة آنسي.”
بحيرةُ آنسي كانت قطعة أرضٍ صغيرة بعيدةً عن العاصمة.
مِن حيث القيمة، لَمْ تكُن تساوي 1.5 مليار التي اقترضتها كاثرين. ولكن…
‘إنها المكان الذي أقامت فيهِ والدتي.’
كانت والدة أرتيا ضعيفة الصحة، لذا قضت وقتًا طويلاً في قصرٍ صغير على ضفاف بحيرة آنسي.
حتى أرتيا، عندما كانت صغيرة، زارت ذَلك المكان وقضت الوقت معها هُناك.
بحيرةٌ زرقاء صافية، وأشجارٌ خضراء تُحيط بها، ووجهُ والدتها الشاحب يبتسمُ بلطف.
يدٌ دافئةٌ كانت تمسحُ على رأس الطفلة الصغيرة التي لَمْ تحظَ بحب والدتها بالكامل.
كان ذَلك المكان بمثابة كنزٍ ثمين لأرتيا.
والآن، كان شايلوك يُحاول انتزاعهُ منها.
ولَمْ يكُن ذَلك مُجرد صدفة.
“لقد أجريتَ تحقيقًا عني؟”
“الاستعداد الجيد وبذلُ الجهد للحصول على ما أريد هو أمرٌ أساسي.”
حدّقت أرتيا بشراسةٍ في شايلوك.
تحت وهج عينيها الورديتين المليئتين بالكراهية، انحدرت قطرةُ عرقٍ باردة مِن جبينه.
لكن سرعان ما ارتسمت ابتسامةٌ على وجههِ.
‘لقد كان رهنُ بحيرة آنسي خيارًا ممتازًا.’
كان واثقًا مِن أنهُ قد أمسك بالشيء الوحيد الذي لَن تتمكن أرتيا مِن التخلي عنه.
ثم قال بملامحٍ مُتعجرفة.
“سأنتظرُ حتى يحين موعد السداد. سنرى ما إذا كنتِ ستتمكنين مِن إعادة المال، أو إنْ كانت بحيرةُ آنسي ستُصبح ملكي.”
“…..”
“أو رُبما، سأحصلُ على عروسٍ ذات عينين وردية اللون، وهَذا أكثرُ ما يُثير حماسي.”
في طريق العودة إلى القصر، قبضت أرتيا على حافة تنورتها بيدٍ مًرتجفة.
شايلوك قد حَاك هَذهِ المكيدة مِن أجل تزويجها مِن سيمون.
بسبب ذَلك، غرقت كاثرين في ديونٍ هائلة.
لكن أكثرُ ما أثار غضبها هو أنْ كاثرين رهنت بحيرة آنسي.
‘حتى لو لَمْ تكُن علاقتُنا وثيقة، كنتُ أعتقد على الأقل أنها تكُن لي بعض المشاعر.’
جلست بيبي مُقابلها وقالت بصوتٍ منخفض.
“إذا كنتِ لا تُريدين رؤية البارون لوشيان مُجددًا، فقط أعطني الأمر وسأتكفل بالأمر.”
اتسعت عينا أرتيا للحظةٍ، ثم انفجرت بضحكةٍ صغيرة.
“بيبي، كلما قلتِ شيئًا كهَذا، أبدأ في الشك بأنكِ لست ابنة صيادٍ عادية، بل قاتلةً مُحترفة.”
“قتل الحيوانات أو البشر لا يختلفُ كثيرًا.”
قالت بيبي هَذهِ الكلمات القاسية بوجهٍ خالٍ مِن التعبير.
لكن أرتيا فهمت.
كانت هَذهِ أقصى درجةٍ مِن المواساة تستطيعُ بيبي تقديمها.
هدأت مشاعرُ أرتيا التي كانت على وشك الانفجار قليلًا.
‘لا يُمكنني تحويل خادمتي العزيزة إلى مُجرمة.’
ما كان عليها فعلُه الآن لَمْ يكُن الغضب، بل التعامل مع الأمر بعقلانية.
ما إنْ وصلت إلى القصر، حتى توجهت مُباشرةً إلى غرفة كاثرين بخطواتٍ سريعة.
“بدءًا مِن اليوم، لا يُمكنكِ مُغادرة القصر. إذا اضطررتِ للخروج لأيِّ سبب، عليكِ الحصول على إذني وأخذ خادمٍ معكِ.”
تجعد وجهُ كاثرين الجميل بغضب.
“هل تُحاولين حبسي؟!”
“نعم. لا يُمكنني تركُكِ وشأنكِ، فَلا أعلم ما الكارثة التالية التي قد تتسببين بها.”
“حتى لو أخطأتُ، فَهَذا قاسٍ جدًا!”
“أنتِ مِن قسوتِ عليّ أولًا. كيف لكِ أنْ ترهُني بحيرة آنسي مُقابل المال؟”
“…..!”
ارتجفت عينا كاثرين بعُنفٍ عند سماع صوت أرتيا البارد.
عندما عرض عليها شايلوك قرض 1.5 مليار مُقابل رهن بحيرة آنسي، لَمْ تستطع اتخاذ القرار بسهولةٍ.
فقد كانت تلكَ الأرض هي الملكية الوحيدة التي منحها لها زوجها، كما أنها تحملُ معنى خاصًا لأرتيا.
لَمْ تُخبرها أرتيا بذَلك بشكلٍ مُباشر، لكنها كانت تُدرك أنْ ذَلك المكان هو حيثُ قضت أرتيا طفولتها مع والدتها الراحلة.
أثناء ترددها، همس شايلوك في أذنها.
‘حتى لو أردتِ بيعها، لَن يشتري أحدٌ بحيرة آنسي مُقابل 1.5 مليارات. حتى لو لَمْ تستطيعي سداد الدين، فأنا مَن سيتكبدُ الخسارة. ثم…’
كررت كاثرين الكلمات التي قالها شايلوك بوجهٍ شاحب كمَن مسّهُ الشيطان.
“إذا كنتِ لا تُريدين خسارة بحيرة آنسي، فَلماذا لا تتزوجين مِن سيمون؟”
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة