40
الفصل 40 : أسوأ خاطِب ¹⁴
***
“يا إلهي، لقد جاء رجلٌ وسيم…”
لَمْ تستطع المرأة، التي احمرّ وجهُها وهي تنظرُ إلى الرجُل المقنّع بالسواد، إكمال حديثها.
ذَلك لأن المرأة التي بجانبه، والتي كانت ترتدي قناعًا أبيض، كانت تُحدق بها بقوة.
‘لماذا تنظرُ إليّ بهَذهِ الطريقة؟’
استدارت المرأة مُبتعدةً بسرعة، وكأنها لا تريدُ التورط مع شخصٍ غريب الأطوار.
راقب كيليان المشهد وتحدثِ بصوتٍ مُنخفض.
“هَذا أمرٌ رائع.”
هل كان يسخرُ منها؟ أم كان جادًا؟
بعد تفكير، قررت أرتيا أنٌ تأخذ كلماتهِ على محمل الجد، وردّت قائلة.
“يبدو أنْ التدريب في غرفتي كان مُجديًا.”
لمعت عينا كيليان الذهبيتان باهتمامٍ.
“لقد تدربتِ؟”
“نعم، كما ترى، مظهري الخارجي يبدو ضعيفًا للغاية.”
بعبارةٍ أكثر صراحة، كانت تبدو كهدفٍ سهل.
في الحياة اليومية، لَمْ يكُن لهَذا أهمية، لكن العيش في عالمٍ قاسٍ كان يُسبب ليّ المشاكل أحيانًا.
لذَلك، تلقيتُ تدريبًا مكثفًا مِن بيبي.
“سأعلمكِ كيف تُسيطر على الحيوانات البرية بنظراتكِ!”
رفعت حاجبيها إلى أقصى حد، واتسعت عيناها بشكلٍ مُبالغٍ فيه، ثم بدأت في التحديق بصمت!
“أوه!”
بِمُجرد أنْ حدقت أمامها كما تدربت، استدارت المرأة التي كانت تقتربً بوجهٍ مذعور.
تحمست أرتيا بسبب ردة الفعل غيرِ المتوقعة، وقالت لكيليان
“يبدو أنني مُخيفةٌ جدًا.”
“…نعم، أنتِ مخيفةٌ جدًا.”
شعرت أرتيا بثقةٍ أكبر بعدما أنْ اعترف بها الرجُل الأكثر رعبًا في الإمبراطورية، فحدقت بعزمٍ أقوى.
لكنها لَمْ تكُن تعلم حقيقةً واحدة.
مهما كانت نظراتُها حادة، لَمْ يكُن مِن المنطقي أنْ يهرب الجميع بِمُجرد رؤيتها.
السبب الحقيقي وراء تجنب النساء والرجال الاقتراب منهما هو… كيليان نفسه.
عينيه، التي بالكاد كانت مرئيةً خلف القناع الأسود، كانت مُخيفةً إلى حدٍ لا يوصف.
‘المرأة تبدو غيرَ طبيعية، لكن الرجل يبدو في حالةٍ أسوأ.’
أولئكَ الذين أصابهم الرُعب خفضوا أنظارهم أو استداروا بالكامل لتجنُب الاقتراب مِن الاثنين.
بفضل ذَلك، تمكنت أرتيا مِن مراقبة قاعة الحفل براحةٍ أكبر.
لِمْ تكُن هُنا لمُجرد إخفاء هويتها والاستمتاع بالفساد.
كانت هُناك ألعاب تجري على الطاولات المُنتشرة في أرجاء القاعة، والأجواء لِمْ تكُن طبيعية.
أكوامٌ مِن العملات الذهبية مُكدسة على الطاولات.
عيون اللاعبين المُمسكين بالأوراق كانت مليئةً بالجنون.
صرخ أحدُ الرجال بغضبٍ.
“تبًا، لقد خسرتُ مُجددًا!”
ركع الرجل الذي بجانبهِ على الأرض باكيًا.
“إنْ أخذت هَذا المال أيضًا، سأصبحُ مُفلسًا تمامًا. رجاءً، فقط هَذهِ المرة، سامحني!”
ضحك الرجل الذي كان يرتدي قناع ثعلب، وسحب جميع الأموال على الطاولة نحوهُ قائلاً:
“أوه، هل نسيت؟ حتى لو كنا نلهو بجنون، فالقواعد هُنا صارمة. إنْ كنتَ بحاجةٍ للمال، فلتلعب جولةً أخرى.”
هَذا…
بينما ارتسمت على وجه أرتيا ملامحٌ جادة، همس كيليان في أذنها.
“يبدو أنْ التقارير عن وجود قمارٍ ضخم في الحفل كانت صحيحة.”
لِمْ يكُن القمار نفسه مُحظورًا في الإمبراطورية.
لكن عندما ترتفعُ الرهانات، قد يتعرض المرء لخسائر كارثية، بل إنْ البعض قد ينتهي بهِ الأمر مُفلسًا بين ليلة وضحاها.
عندما فكرت في ذَلك، شعرت بقشعريرةٍ تسري في جسدها.
‘أمي كانت تأتي لمكانٍ كهَذا…؟’
كانت تنوي فقط مراقبة أجواء الحفل والعودة، لكن بعد أنْ رأت الحقيقة، لَمْ يعُد بإمكانها تجاهل الأمر.
استدارت أرتيا.
اليوم أيضًا، خرجت كاثرين مُتأنقةً ببذخ.
‘لا بد أنها هُنا.’
بعد لحظات، رأت القناعٌ المزخرف بالورود الذي رأتهُ قبل أيام.
كاثرين كانت جالسةً حول طاولةٍ مُستديرة مكدسةً بمئات القطع الذهبية، مُمسكةً بعدة بطاقات في يدها.
شعرت أرتيا بأنْ قلبها يهبطُ فجأةً.
‘كنتُ أتمنى أنْ يكون الأمرُ غيرَ صحيح…’
كانت الصدمة كفيلةً بأنْ تُفرغ عقلها تمامًا، لكنها سرعان ما استعادت وعيّها، وخطت بخطواتٍ سريعةٍ نحو كاثرين، ثم أمسكت بمعصمها الذي كان يُمسك بالبطاقات.
“ما هَذا؟!”
استدارت كاثرين بسرعةٍ وحدّقت بالشخص الذي أمسك يدها.
قالت أرتيا بصوتٍ لا يسمعهُ إلا كاثرين.
“لنعُد إلى المنزل، أمي.”
شحُب وجهُ كاثرين على الفور.
“أن-أنتِ… كيف جئتِ إلى هُنا؟”
لَمْ تُجبها أرتيا، بل أمسكت بيدها وسحبتها.
“لنخرج.”
“لا أريد!”
“إذا لَمْ تخرجي الآن، فَسأنزعُ عنكِ القناع.”
“……!”
إنْ حدث ذَلك، سينتشرُ الخبر في لمح البصر.
وسيتحدُث الجميع عن كيف أنْ زوجة دوق إيدنبيرغ السابقة تأتي إلى حفلاتٍ مُنحطةٍ وجشعة، غيرَ مُباليةٍ بكرامتها.
رغم أنها فقدت زوجها وسلطتها، فإنْ كاثرين كانت مُستعدةً لفعل أيِّ شيء لحماية كبريائها.
في النهاية، وقفت مِن مكانها.
قالت أرتيا مخاطبةً كيليان.
“أعتذر يا صاحب السمو لأنني لَن أتمكن مِن إكمال السهرة معك، هل يُمكنني المُغادرة أولاً؟”
ظنت هَذهِ المرة أنهُ قد يغضب، لكن…
“افعلي ما تشائين. لقد انتهيت مِن أعمالي هُنا على أيِّ حال.”
هل أنهى تفقُد الحفل بهَذهِ السرعة؟
رغم أنْ أرتيا استغربت، فإنها لَمْ تسأل أكثر، وانحنت لتحيتهِ قبل أنْ تُغادر.
أجبرت أرتيا والدتها على ركوب العربة التي جاءت بها، رغم أنْ كاثرين لَمْ تستطع إبعاد نظرها عن قاعة الحفل.
جلست في العربة وهي تُتمتم بغضب.
“لماذا أخذتِني مِن هُناك؟ كنتُ على وشك الفوز! لو فزتُ بتلكَ الجولة فقط، لكنتُ قد سددتُ كل ديوني دفعةً واحدة…”
شهقت فجأةً وأطبقت فمها، لكن الأوان كان قد فات.
خلعت أرتيا القناع ونظرت إليّها بوجهٍ مُتجهم، ثم سألتها بحدةٍ.
“هل اقترضتِ المال مِن أجل القمار؟”
“…….”
“إذا كنتِ قادرةً على حل الأمر بنفسكِ، فلا داعي لأن تُخبريني. لكن إنْ لَمْ تستطيعي، فحينها سأتدخل، ولَن يُعجبك ذَلك إطلاقًا.”
كانت نظراتُها الآن أكثر حدةً بكثيرٍ مِما كانت عليهِ عندما طردت النساء اللواتي اقتربن مِن كيليان.
حتى كاثرين انكمشت في مقعدها.
بعد لحظة، بدأت تتحدثُ وعيناها دامعتان.
“في الحقيقة…”
في الليلة الأولى التي حضرت فيها حفلة البارون كروباشون.
دخلت كاثرين لعبة الورق بالقطع الذهبية التي منحها لها شايلوك، وراحت تفوز بشكلٍ مُتتالٍ.
صفق المُتفرجون لها بدهشةّ.
“واو، لديكِ مهارةٌ مذهلة!”
حتى الرجل الذي كان يرتدي قناعًا بنقشة الفهد وضع يدهُ على كتفها بحماسة.
“رائع، يا آنسة الورود!”
اهتمام الجميع الذي انصبّ عليها، والأموال التي تضاعفت بعد بضع جولات فقط…
كل ذَلك جعلها تعود إلى المنزل وهي منتشيةٌ وكأنها في حلم.
منذُ ذَلك اليوم، أصبحت تزورُ المكان كل ليلة.
كلما فازت في جولة، تراكمت العملات الذهبية، وازداد ثقتها بنفسها.
“يبدو أنْ لدي موهبةٌ بالفعل!”
وفي أحد الأيام، وقد بلغت بها الثقة ذروتها، قررت أنْ تراهن بكُل ما تملكُه مِن ذهب.
“أُراهن!”
…لكنها خسرت، وكأنْ الحظ تخلى عنها فجأةً.
لَمْ تستطع تقبل أنْ المال الذي كان بيدها قبل لحظاتٍ قد أصبح ملكًا لشخصٍ آخر.
ظلّت تعضُ شفتيها بغيظٍ حتى اقترب منها شايلوك وهمس لها.
“إذا كنتِ بحاجةٍ إلى المال، يُمكنكِ إخباري في أيِّ وقت. سأُقرضُكِ ما تشائين.”
كانت كلماتًه أشبه بوسوسة الشيطان، مغريةً ومخيفة في آنٍ واحد.
لكن كاثرين لَمْ تكًن قادرةً حتى على إدراك الخطر.
كل ما كان يشغلُها هو استعادة ما خسرته.
“إذًا… فقط القليل…”
عندها، ارتسمت ابتسامةٌ خبيثةٌ تحت القناع الذهبي لشايلوك.
***
نظرت إليّها أرتيا بوجهٍ متجمد وسألتها.
“إذًا، لقد اقترضتِ المال مِن البارون لوشيان؟”
لَمْ تستطع كاثرين النظر إليّها، واكتفت بهزّ رأسها بالموافقة.
“نعم…”
“كم المبلغ؟”
“……إذا جمعتهُ كله، يُصبح حوالي 1.5 مليار قطعةً ذهبية.”
“……!”
في تلكِ اللحظة، تجمد عقلُ أرتيا.
وبعد لحظات، خرجت مِن فمها شتيمةٌ لَمْ تكُن تتوقع أنْ تقولها.
“تبًا، ذَلك الأفعى العاهر الحقير!”
انزلقت كاثرين في مقعد العربة، فقد كان وجهُ أرتيا مُرعبًا بشكلٍ لَمْ تعهدهُ مِن قبل.
‘م-مخيفة جدًا…’
راقبتها بحذرٍ قبل أنْ تقول بصوتٍ مُتردد.
“لَمْ… لَمْ أكُن أنوي اقتراض كل هَذا المبلغ منذُ البداية. لكن مع مرور الوقت…”
“…….”
“لا تقلقي، سأقوم بسداد الدين بنفسي.”
ظلّت أرتيا صامتةً للحظة، ثم سألت ببرود.
“وكيف ستفعلين ذَلك؟”
“…….”
“لا تُخبريني بإنكِ ستسددينهُ مِن خلال القمار، وإلا… سأفقدُ أعصابي بالكامل.”
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة