38
الفصل 38 : أسوأ خاطِب ¹²
ذهبت أرتيا إلى غرفة كاثرين.
تفاجأت كاثرين التي كانت جالسةً أمام منضدة الزينة تتزين، وسألت بوجهٍ مُستغرب.
“ما الذي جاء بكِ إليّ؟”
“هل ستذهبين إلى قاعة الحفل اليوم أيضًا؟”
“نعم.”
“سأذهبُ معكِ.”
قفزت كاثرين في مكانها مُندهشةً مِن رد أرتيا الهادئ.
“لماذا تُريدين الذهاب معي؟”
“بما أنكِ تذهبين كُل يوم، فقد أصبحتُ أشعر بالفضول بشأن هَذا الحفل. كما أنْ والدتي أخبرتني ألا أبقى في المنزل دائمًا، وطلبت مني حضور بعض الحفلات.”
“ه-هَذا صحيح، ولكن…”
لَمْ تستطع كاثرين إخفاء ارتباكها وهزّت رأسها.
“لا، هَذا ليس مكانًا يُمكنكِ الذهابُ إليّه.”
ازدادت شكوك أرتيا بسبب ردة الفعل الجادة.
“ما هو نوع هَذا الحفل بالضبط…؟”
هَذا مُريب، مُريبٌ جدًا.
تقابلت عينا كاثرين مع عيني أرتيا ذاتُ اللون الوردي، فاستشاطت غضبًا.
“هل عليّ أنْ أراقبكِ حتى في هَذا العمر قبل أنْ أذهب إلى قاعة الحفل؟! أريدُ الاستمتاع براحتي، لذا لا تقولي أشياء غريبةً وابقَي في المنزل!”
غادرت كاثرين القصر وكأنها تهرُب.
وقفت أرتيا ونظرت إلى العربة التي غادرت القصر.
“هيا بنا، بيبي.”
“نعم.”
في العادة، لَمْ تكُن لتقوم بتصرفٍ كهَذا وتتبع أحدًا، لكنها لَمْ تجد خيارًا آخر.
حافظت على مسافةٍ بينها وبين العربة حتى لا تُلاحظها كاثرين.
بعد فترة، وصلت العربة التي تقلّ كاثرين إلى قصرٍ يقعُ في منطقةٍ نائية قليلة السكان.
راقبت أرتيا القصر مِن مسافةٍ بعيدة وعَبُست.
“إلى أيِّ عائلةٍ ينتمي هَذا القصر؟”
لم يكُن مكانًا تعرفهُ أرتيا على الإطلاق.
سألها السائق:
“ماذا سنفعل الآن، سيدتي؟”
كان مِن الواضح أنْ الحراسة في القصر مشددةٌ للغاية، ولَمْ يكُن مِن السهل السماح لأيِّ عربةٍ بالدخول.
“انتظرني هنا قليلًا.”
نزلت أرتيا مِن العربة واقتربت مِن القصر.
كما توقعت، منعها الحراس عند البوابة، وكانت ملامحهُم قاسية.
“يرجى إخراج بطاقة الدعوة.”
“يا للأسف، ليس لديّ بطاقةُ دعوة. لكن والدتي دُعيت إلى هَذا المكان اليوم، وقد حضرت هُنا لأمرٍ عاجل يتعلق بها. لذا، هل يُمكنني الدخول للحظة؟”
لَمْ يكُن للمرأة الصغيرة، البيضاء، ذاتُ العيون الهادئة، أيُّ مظهرٍ يبعثُ على التهديد.
كاد الحراس أنْ يوافقوا لا إراديًا، لكنهم استعادوا وعيّهم سريعًا وقالوا:
“الدخول مسموح فقط لِمَن يحمل بطاقة دعوة.”
كان واضحًا مِن موقفهم أنهم لَن يسمحوا لها بالدخول أبدًا.
اقتربت بيبي مِن أرتيا وهمست لها:
“هل أذهبُ أنا بدلًا منكِ؟”
حتى مع الحراسة المشددة، كانت بيبي قادرةً على التسلُل.
لكن أرتيا لَمْ ترغب في تعريض بيبي للخطر بإرسالها إلى قصرٍ لا تعرفُ ما الذي يجري داخله.
إذا اكتُشف أنها تسللت إلى قصر نبيل، فقد تواجه عقوبةً قاسية.
“الآن بعد أنْ عرفنا مكان الحفل، لنعُد أولًا.”
في اليوم التالي، أجرت أرتيا بعض الأبحاث حول الحفل.
لكن كل ما تمكنت مِن معرفتهِ هو أنْ مكان الحفل قصرٌ يملكهُ شخصٌ يدعى البارون كروباشون، ولَمْ تكتشف أيَّ شيءٍ آخر.
“ما نوع هَذا الحفل بالضبط ليتم إدارتهُ بهَذهِ السرية؟”
هل تسأل والدتها عنه؟
لا، لقد تهرّبت مِن الإجابة بجديةٍ مِن قبل، لَن تُجيبني بشكلٍ صحيح.
“ماذا أفعل…؟”
لكن كل ترددها كان بلا جدوى، حيثُ وجدت أرتيا نفسها بعد بضعة أيام داخل عربةٍ تتجهُ إلى قصر كروباشون.
“يُرجى إبراز بطاقة الدعوة.”
الرجل الجالس أمامها أخرج يدهُ مِن النافذة وسلّم بطاقة دعوةٍ تحملُ ختمًا مُميزًا.
عندها، انفتح الحاجز الأمني المُشدد على الفور.
تحركت العربة عبرَ البوابة التي فتحها الحراس.
“أخيرًا، دخلت…”
كان وجهُ أرتيا متوردًا بالإثارة وهي تنظرُ إلى الرجل الجالس أمامها.
كان الرجل الذي يرتدي بدلةً سوداء ويجلسُ مُتبخترًا بساقين مُتقاطعتين هو كيليان.
لَمْ تستطع تصديق الأمر بعد.
أنها دخلت هَذا القصر المشبوه، مع هَذا الرجل شديد الخطورة.
* * *
قبل أيامٍ، كانت أرتيا مُستلقيةً على سريرها تُفكر في طريقةٍ للدخول إلى ذَلك القصر المُريب.
عندها، ومع صوت حفيفٍ خفيف، ظهر قطٌ أسود.
“نوي!”
قفزت أرتيا مِن سريرها بابتسامةٍ مُشرقة وركضت نحو النافذة.
“لقد أتيت! اشتقتُ إليّكَ.”
على الرغم مِن أنها رأتهُ قبل بضعة أيامٍ فقط، إلا أنها تصرفت وكأنها لَمْ ترهُ منذ سنوات.
لكن القط الأسود كان ينظرُ حوله بعيونٍ مُتعاليةٍ وكأنهُ يبحثُ عن شيءٍ ما.
اليوم، لا أرى تلكَ الوجوه المزعجة.
بدا مرتاحًا أكثر، فَجلس على حافة النافذة.
أرتيا، التي أسندت ذقنها إلى يدها بجانبهِ، ابتسمت بسعادةٍ وسألته.
“ماذا تريدُ أنْ تفعل اليوم؟ هل تريدُ وجبةً خفيفة…؟”
اتسعت عينا القط الذهبيتان.
“أو رُبما لعبة…؟”
اتسعت أكثر!
لاحظت أرتيا انزعاجهُ، فتوسعت عيناها.
“إذن، ماذا لو تحدثنا سويًا؟”
مع أنني سأكون أنا الوحيدة التي تتحدث، قد لا يكون ذَلك مُمتعًا.
لكن، خلافًا لقلقها، استدارت عينا القط الحادتان وأصبحتا مستديرتين بلُطافة.
إنهُ يُحب الاستماع إلى حديث البشر.
وجدت أرتيا ذَلك غريبًا بعض الشيء وبدأت تُثرثر عن كل ما حدث في الأيام القليلة الماضية.
“لَمْ أتمكن مِن دخول قصر البارون كروباشون في النهاية.”
“……”
“لو كنتُ قطة، لكنت تسللتُ إلى الداخل بسهولة…”
ضحكت أرتيا بأسفٍ.
ولكن في اليوم التالي، حدث أمرٌ غيرُ متوقعٍ تمامًا.
جاء نوكترن، خادمُ الأمير.
“أنقلُ لكِ رسالةً مِن صاحب السمو الأمير كيليان. يطلبُ منكِ سموه مرافقتَه إلى الحفل الذي يُقيمه البارون كروباشون.”
“ماذا؟!”
اتسعت عينا أرتيا بدهشةٍ وكادت تخرجُ مِن محجريها.
أنْ تتلقى رسالةً مِن الأمير كيليان كان أمرًا صادمًا بالفعل، لكنهُ يطلب منها أيضًا الذهاب معهُ إلى حفل البارون كروباشون؟
أيُّ صدفةٍ هَذهِ؟
هل مِن المُمكن أنْ الحاكم يُراقبني ويتلاعب بي؟
رغم كل الأفكار التي اجتاحت عقلها، أجابت بالموافقة في النهاية.
لقد كانت فرصةٌ لحضور الحفل الذي لطالما أثار فضولها.
وهَكذا، في يوم اللقاء المُنتظر، جلست أرتيا أمام كيليان داخل العربة.
منذُ أنْ دخلت العربة، ظلّت تشدُ طرف فستانها وتنظر إلى الأرض دوّن أنْ ترفعَ رأسها.
في هَذهِ العربة الضيقة، نحنُ بمفردنا… لا بد أنهُ منزعج. لا أريدُ أنْ أثير غضبهُ دوّن داعٍ.
ظلّ كيليان ينظرُ إلى رأسها المنخفض.
“أرتيا فون إيدنبيرغ.”
“نعم.”
“إذا كان لديكِ ما تُريدين قوله، فَتحدثي.”
هل حقًا أستطيع؟ هل هَذا مسموح؟ طالما أنْ سموك سمحتَ بذَلك أولًا…
بما أنها كانت مليئةً بالأسئلة، رفعت رأسها ببطء.
تقابلت عيناها مع عينيهِ الذهبيتين، فسألتهُ بحذر.
“ما هو نوع الحفل الذي سنحضُره؟”
“إنهُ حفلٌ يستضيفه البارون كروباشون. على الرغم مِن أنهُ مجرد بارون، إلا أنْ حفله يُدار بسريةٍ تامة. يُسمح فقط لأولئكَ الذين تمت دعوتهم بعنايةٍ بحضورهِ، وهُناك قاعدةٌ خاصة يجبُ اتباعها.”
“ما هي تلكَ القاعدة؟”
“لا يُسمح لأيِّ شخصٍ بالكشف عن اسمهٍ أو عائلتهِ أو عمره أو أيِّ معلوماتٍ شخصية أخرى أثناء الحفل.”
“لكن النبلاء في العاصمة تربطهم علاقاتٌ وثيقة، فَهل هَذا مُمكن؟”
“مُمكن. بفضل هَذا.”
ظهر قناعٌ أبيض في يده.
في تلكَ اللحظة، عادت إلى ذهن أرتيا ذكرى قديمة.
تذكرت اليوم الذي عادت فيهِ كاثرين إلى القصر وهي في حالة سُكرٍ، مرتديةً قناعًا فاخرًا مزينًا بالورود الحمراء.
الآن، تم الكشف عن أحد أسرار الحفل.
أومأت برأسها مُتفهمةً، فأعطاها كيليان القناع الذي كان في يده.
“ارتديه.”
آه، ظننتُ أنه خاصٌ بسموه، لكنهُ لي أنا؟
“شكرًا لكَ.”
أخذت القناع بحذرٍ، مُتجنبةً ملامسة أصابعه.
المُفاجئ أنْ القناع بدا وكأنهُ صُنع خصيصًا ليتناسب مع وجهها تمامًا.
كما أنْ تصميمهُ البسيط كان مُناسبًا تمامًا لذوقها.
هل هَذهِ مُجرد صدفة؟
… أم أنهُ نوعٌ مِن الاهتمام؟
وضعت أرتيا القناع على وجهها بترددٍ طفيف.
ارتدى كيليان قناعًا أيضًا.
غطى القناع الأسود نصف وجههِ، مِما جعلهُ يبدو وكأنه شخصٌ آخر تمامًا.
لكن الهالة المُخيفة المُنبعثة منه لا تزال كما هي…
راقبتهُ أرتيا بحذرٍ، ثم فتحت فمها قائلة.
“سموك، لديّ سؤالٌ آخر.”
“اسألي.”
“لماذا طلبت مني حضور الحفل معك؟”
لأنكِ كنت تبدين وكأنكِ ستبكين إنْ لَمْ تذهبي.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة