37
الفصل 37 : أسوأ خاطِب ¹¹
تمتمت أرتيا وهي تنظرُ إلى القطة السوداء التي بدا أنها أكثرُ انزعاجًا مِن المُعتاد.
“نوي، هل مِن المُمكن أنكَ تكره الرجال؟”
بدلًا مِن الإجابة، قامت القطة مُجددًا بخدش صورة الرجُل الأكثر وسامة بينهم.
لَمْ تكُن أرتيا تتخيل أبدًا…
أنْ أصحاب الصور التي عرضتها على نوي سيلتقون في القصر الإمبراطوري في اليوم التالي بكل وِدّ.
“لماذا استدعانا فجأةً صاحبُ السمو الأمير كيليان؟”
“أنا حقًا لا أعلم.”
دخل الرجال قاعة الاستقبال وهم متوترون للغاية بسبب الاستدعاء المُفاجئ للأمير.
وما إنْ وقع نظرهم على كيليان حتى أطلقوا صرخة فزعٍ.
كان كيليان جالسًا بتعجرُف يُحدق بهم بنظرةٍ مُخيفةٍ لدرجة أنها قد تطاردُهم في أحلامهم.
انبطح الرجال على الأرض دفعةً واحدة وانحنوا.
“نحنُ… نحنُ نعتذر!”
لَمْ يكونوا يعرفون ما الخطأ الذي ارتكبوه، لكنهم شعروا بأنه يجبُ أنْ يطلبوا المغفرة بأيِّ ثمن.
لأنهم أرادوا النجاة!
أما نوكترن، الذي كان يُراقب المشهد، فقد فكر مُبتسمًا
‘يا إلهي… صاحب السمو يزداد جنونًا يومًا بعد يوم.’
***
بينما كانت أرتيا تقضي وقتًا مُمتعًا مع نوي، كانت كاثرين ترتدي ملابس فاخرةً وتحضر حفلةً راقية.
سألت إحدى السيدات الكبيرات في السن المُحيطات بكاثرين:
“سيدة إيدنبيرغ الكبرى، كيف تجري مسألة زواج ابنتكِ؟”
مَن سيكون الرجُل الذي سَـ تتزوجه دوقة إيدنبيرغ الحالية؟ ومَن سيشغلُ مقعد الدوق الشاغر؟
كان هَذا الموضوع الأكثر سخونةً في الأوساط الاجتماعية مؤخرًا.
لوّحت كاثرين بمروحتها وأجابت:
“لَمْ أجد بعد مَن يرضيني تمامًا، لذا سألتقي بمزيد مِن الخُطّاب.”
فأثارت كلماتُها ضجةً بين النساء.
خصوصًا الأمهات اللواتي يملكن أبناء مُناسبين للارتباط بأرتيا، حيثُ بدأنَ يقترحنَ بحماسٍ.
“ماذا عن ابني الثالث؟ إنهُ شجاعٌ جدًا.”
رغم أنهُ في الأربعين مِن عمره.
“أخي الأصغر سيكون مُناسبًا تمامًا لابنتكِ.”
رغم أنْ لديهِ أربعة أبناء مِن زوجتهِ السابقة.
لكن تعابيرُ وجه كاثرين ظلّت مُتجهمةً أثناء الاستماع إليّهن.
بالطبع، كان زواج أرتيا مُجددًا أمرًا مُهمًا بالنسبة لها، لكنه لَمْ يكُن الموضوع الذي أرادت سماعهُ في الحفلة.
‘لَمْ آتِ إلى هُنا لتزويج ابنتي، بل لأستمتع بالحفل.’
لكنها لَمْ تعد دوقة إيدنبيرغ. ورغم أنها ما زالت محافظةً على جمالها، فإنْ نضارتها الشبابية قد تلاشت.
إضافةً إلى ذَلك، لَمْ يهتم أحدٌ بها بعد أنْ غابت عن العاصمة لعدة سنوات عُقب وفاة زوجها.
‘هل عليّ التوقف عن حضور الحفلات؟’
بينما كانت كاثرين تعقدُ حاجبيها بقلقٍ، اقترب منها رجُل.
“اتشرفُ بلقائكِ، سيدة إيدنبيرغ الكبرى.”
كان الرجُل الذي يرتدي بذلةً سوداء هو شايلوك.
‘لقد تخلت أرتيا عن سيمون.’
نظرًا لأنهُ كان معروفًا بحبهِ الشديد لأخيه، فَمِن المؤكد أنه لَمْ يكُن سعيدًا برؤيتها.
حاولت كاثرين التراجع والإفلات منه بسبب إحساسها السيئ حيال الموقف، لكنهُ ابتسم لها بلطفٍ وقال:
“إنهُ لشرفٌ لي أنْ ألتقي بالمرأة التي كانت تُلقب بملكة الحفلات.”
بدت كاثرين مُندهشة.
“كيف يعرفُ شابٌ مثلُكَ لقبي؟”
“كيف ليّ ألا أعرف؟ منذُ عشر سنواتٍ فقط، كان رجال العاصمة جميعهم مُعجبين بكِ.”
“……”
“بل كانت والدتي تغضبُ في كل مرةٍ يعود والدي مِن حفلةٍ حضرتِها، لأنه كان مسحورًا بكِ.”
هاهاها!
ضحكت كاثرين دون أن تشعر.
ثم بدأ شايلوك يُغرقها بكلماتٍ لطيفةٍ، وكاثرين لَمْ تجد صعوبة في استنتاج السبب.
‘إنه يفعلُ كل هَذا فقط ليُعيد لمّ شمل أخيهِ وأرتيا بأيِّ طريقة.’
في الواقع، كانت هي أيضًا تشعرُ بالأسف لانفصال أرتيا عن سيمون. فإذا تمكنت مِن بناء علاقةٍ جيدةٍ مع شايلوك، فقد تُتاح فرصةٌ للقاء بين أرتيا وسيمون مُجددًا.
كما أنْ رؤية هَذا الرجل، الذي يبدو أنهُ لا يخشى شيئًا، وهو يتملقها، كان مشهدًا مُمتعًا بحد ذاته.
تناولت كاثرين الكأس التي صبها لها شايلوك، ووجهُها محمرٌ قليلاً.
سألها شايلوك وهي ترتشفُ الشراب.
“لقد عدتِ إلى المُجتمع الراقي في العاصمة بعد سنوات، لكن يبدو أنكِ لا تجدينهُ ممتعًا، أليس كذلك؟”
“هَذا صحيح إلى حدٍ ما.”
عند ردّ كاثرين الصريح، ارتسمت ابتسامةٌ على شفتي شايلوك.
“هَذا طبيعي. لَمْ يعُد هُناك مَن يستمتع بالحفلات كما كنتِ تفعلين، سيدة إيدنبيرغ الكبرى. الجميع مشغولُ بمراقبة تصرفاتهم خشية ارتكاب أيِّ خطأ. لهَذا، عندما أرغبُ في الاستمتاع حقًا، لا أحضر مثل هَذهِ الحفلات، بل أذهبُ إلى صالوناتٍ خاصةٍ صغيرة.”
“صالونات؟”
“نعم، هل ترغبين في الذهاب معي؟”
تألقت عينا كاثرين عند تلقيها الدعوةُ غير المتوقعة.
***
بعد وقتٍ قصير، وصلا إلى غرفةٍ مُضاءة بإضاءةٍ خافتة، حيثُ تملأ رائحتها عبق الشموع العطرة.
لكن ما كان غريبًا هو أنْ جميع الحاضرين في الغرفة كانوا يرتدون أقنعةً تُغطي أعينهم.
جلسوا حول طاولات دائرية، يشربون ويتحدثون بصخبٍ، ويدخنون ويلعبون مُختلف الألعاب. حتى أنْ أحد الرجال، الذي كان يرتدي قناع ثعلبٍ، كان يُجلس امرأةً على ركبتيهِ ويقبلها.
ابتسم شايلوك، الذي كان يرتدي قناعًا ذهبيًا، ليطمئن كاثرين.
“قد يبدو المكان ماجنًا، لكن جميع الحاضرين هُنا مِن النبلاء الذين تم اختيارهم بعنايةٍ. لا تخافي.”
[ماجنًا؛ قليل الحياء]
ارتسمت ابتسامةٌ على شفتي كاثرين، التي كانت تضعُ قناعًا مُزينًا بوردةٍ حمراء.
“ملكة الحفلات ليست ساذجةً لدرجة أنْ تخاف مِن شيءٍ كهَذا.”
لكن في الحقيقة، لَمْ يسبق لها أنْ حضرت مكانًا بهَذهِ الحرية مِن قبل.
كانت دقاتُ قلبها تتسارع، لكنها لَمْ تُفكر أبدًا في المُغادرة.
بل على العكس، زاد فضولها عمّا قد يحدُث لاحقًا.
في تلكَ اللحظة، اقترب منها رجلُ يرتدي قناعًا بنقوش النمر.
“مرحبًا، أيتُها السيدة الجميلة ذاتُ الوردة الحمراء.”
ضحكت كاثرين عندما سمعت اللقب اللطيف الذي كان مُختلفًا تمامًا عن لقبها الرسمي، سيدة إيدنبيرغ الكبرى.
مد الرجل المُقنّع يدهُ إليّها وقال.
“هل تستمتعين بلعب الورق؟”
“بالطبع.”
أجابت كاثرين بثقة.
فالنبلاء لا يقضون أوقاتهم في الثرثرة فقط، وعندما يملّون، يلعبون الورق، وكانت كاثرين مِن بين اللاعبين المهرة.
لكن ما إنْ تبعتهُ حتى اتسعت عيناها.
كان هُناك كومةٌ ضخمةٌ مِن العملات الذهبية مُكدسة فوق الطاولة.
‘هَذا ليس مُجرد لعبٍ للتسلية…!’
كان مالاً حقيقيًا، وبمبالغٍ كبيرةٍ أيضًا.
ترددت كاثرين وتوقفت في مكانها، فتقدم شايلوك نحوها.
“بما أنكِ أتيتِ إلى هُنا، لماذا لا تُجربي جولةً واحدة؟”
كانت تنوي الرفض.
فرُغم أنها تُدعى سيدة إيدنبيرغ الكبرى، إلا أنْ أموالها كانت محدودةً للغاية، وتعتمدُ على المُخصصات التي تتلقاها مِن العائلة.
لكن فجأةً، وضع شايلوك كميةً كبيرةً مِن العملات الذهبية على الطاولة.
نظرت إليّهِ بدهشةٍ، فقال لها مُتبتسمًا.
“لقد دعوتُ شخصيةً ممًيزةً، لذا سأكون مُضيفًا كريمًا اليوم. لا تقلقي بشأن شيء، فقط استمتعي.”
كما قام الرجل ذو القناع المنقوش بسحب كرسي لها، غمز بعينهِ وقال.
“أريْنا مهاراتكِ الذكية، أيتُها السيدة ذاتُ الوردة الحمراء.”
شعرت كاثرين بأنْ حرارة وجهها ترتفع.
‘حسنًا، ليس هَذا مِن مالي الخاص، وإذا نفد، يُمكنني التوقف ببساطة.’
علاوةً على ذَلك، لَمْ تكُن تُريد أنْ تبدو وكأنها فقيرةٌ بعد وصولها إلى هَذا المكان.
عندما جلست كاثرين على الكرسي، تعالت هتافاتُ الحاضرين بحماس أكبر.
ومِن خلف القناع الذهبي، لمع بريقٌ حاد في عيني شايلوك، وكأنهُ ثعبانٌ أمسك بفريسته.
***
ضيّقت أرتيا عينيها وهي تُفكر.
‘هَذا غريب.’
لطالما كانت كاثرين تُلحّ عليها لمُقابلة الخُطّاب، لكنها مؤخرًا أصبحت صامتةً بشكلٍ غيرِ مُعتاد.
بل في الواقع، بالكاد تراها.
ففي الأيام الأخيرة، كانت تخرجُ كل ليلة، ولا تعود إلا مع شروق الشمس، مُحملةً برائحة الخمر والدخان.
‘كنتُ أظن بأنه لا بأس أنْ تستمتع بالحفلات لبضعة أيام، فَهي تُحبها كثيرًا. ولَمْ أكُن أرغب في إلقاء محاضراتٍ عليها، فهي راشدةٌ في النهاية.’
لكن الأمر بدأ يتجاوزُ الحدود.
والأهم، أنْ تصرفات كاثرين باتت مريبةً بشكلٍ واضح.
“أمي ذهبت إلى متجر السلع المُستعملة مرةً أخرى؟”
“نعم، لقد باعت بعض الفساتين. وأيضًا…”
تحدثت بيبي بوجهٍ جاد وأضافت.
“بعضُ التُحف مِن القصر قد اختفت.”
شعرت أرتيا بإحساسٍ سيء.
لقد أدركت أنْ هذا ليس أمرًا يُمكنها التغاضي عنه بعد الآن.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة