36
الفصل 36 : أسوأ خاطِب ¹⁰
“……!”
“منذُ لقائنا الأول، شعرتُ بأنكِ مُختلفةٌ عن النساء الأخريات. كنتِ تجلبين لي الراحة والسرور. ثم عندما رأيتُكِ تحمينني مِن أخي، أدركتُ الأمر بوضوح. أدركتُ مشاعري.”
جثا سيمون على ركبتيهِ على الأرض، وقدّم باقةً مِن زهور التوليب.
كان توددًا يائسًا.
بالنسبة إلى سيمون.
ولكن بالنسبة إلى أرتيا، كان الأمر عبئًا لا يُطاق.
اعتقدت أرتيا أنهُ إذا حاولت التلميح برفضها، فسوف تزدادُ الأمور سوءًا، لذا أجابت دوّن ترك أيِّ مجالٍ للتردد.
“لا أريد.”
“……!”
اهتزّت عينا سيمون البريئتان بشدةٍ، وكأنهُ تلقى صدمة.
للحظة، ضعُفت مشاعرُها أمام مظهر الرجل الذي كان دائمًا يبتسمُ بمرح، لكنهُ الآن يبدو مجروحًا. إلا أنها لَمْ تنجرف مع هَذا الشعور، بل أنهت كلامها بحزم.
“لا أريد أنْ يكون ليّ أيُّ علاقة بكَ مِن الآن فصاعدًا. أرجو أنْ تحترم رغبتي.”
انحنت أرتيا برأسها تحية، ثم غادرت الغرفة.
حدث كُل ذَلك قبل أنْ تبرد حرارةُ الشاي الموضوع على الطاولة.
لكن ما حدث بعد ذَلك كان مُفاجئًا.
سيمون لحق بها. تحت المطر الغزير، دوّن أنْ يستخدم مظلة.
صرخ سيمون باتجاه أرتيا التي كانت قد ركبت العربة.
“سيدتي، امنحيني فرصةً واحدةً فقط. سأبذل قصارى جهدي. سأجعلكِ أسعد امرأةٍ في العالم!”
كان منظرهُ يُشبه بطلًا حزينًا في قصةٍ مأساوية، لكن ذَلك لَمْ يُغير مشاعر أرتيا.
دوّن أنْ تنظر إليّه، قالت للسائق:
“انطلق.”
بدأت العربة بالتحرك.
ركض سيمون خلفها، لكنهُ تعثر وسقط. غارقًا في الطين، صرخ متوسلًا:
“لا تذهبي، سيدة إيدنبيرغ!”
***
فتح سيمون عينيهِ.
كان مُستلقيًا على سريرٍ دافئ في غرفةٍ دافئة.
رمش بعينيهِ الجافتين، ثم فتح شفتيهِ قائلًا:
“أخي…….”
كان شايلوك، الجالس بجانب السرير، ينظرُ إليّهِ بنظراتٍ حادة.
“هل استعدت وعيّكَ؟”
“…….”
“لقد فقدتَ وعيّكَ ليومٍ كامل. كنتَ واقفًا تحت المطر لفترةٍ طويلة، وشربت الكحول رغم أنكَ لا تفعلُ ذَلك عادةً. كان مِن الطبيعي أنْ يحدُث هَذا.”
تمتم شايلوك وهو يضغطُ على أسنانهِ.
“أيُها الضعيف، ماذا كنتَ ستفعل لو مُت؟”
عادةً، كان سيمون عندما يشعرُ أنْ شقيقهُ غاضب، يذعن فورًا ويعتذر مُرتعبًا.
ولكن هَذهِ المرة، لَمْ يقُل شيئًا، بل نظر إلى شايلوك بذهول.
ثم امتلأت عيناهُ المتورمتان بالدموع مُجددًا.
“م-ماذا أفعل، أخي؟ السيدة إيدنبيرغ قالت إنها لا تُريدني.”
حتى وهو في هَذهِ الحالة، لا يزال مُنشغلًا بالسيدة إيدنبيرغ!
شعر شايلوك بالدهشة، بل والغرابة أيضًا.
هَذهِ كانت المرة الأولى التي يبدي فيها سيمون اهتمامًا كبيرًا بامرأة.
‘حقًا… هَذا الفتى قد يبدو غافلًا عن كل شيء في العادة، لكن عندما يقعُ في الحب، فإنهُ يغرق تمامًا. ولا يرتاح حتى يحصل على ما يُريد.’
كان ذَلك مُختلفًا تمامًا عن شايلوك، الذي كان دائمًا باردًا وعقلانيًا في كُل شيء.
نظر إلى شقيقهِ بمودةٍ، رغم أنْ تعبيرهُ الخارجي كان أقرب إلى نظرة ثعبانٍ مُتحفز، وسأله:
“هل تُحب أرتيا فون إيدنبيرغ إلى هَذهِ الدرجة؟”
“نعم، أنا أحبُها كثيرًا.”
جاءت الإجابة دوّن أيِّ تردد.
استعاد شايلوك ذكرى لقائه بأرتيا قبل بضعة أيام.
لَمْ تكُن على الإطلاق مِن النوع الذي يُفضله.
باهتة، بسيطة، لا تمتلكُ أيَّ دلائلٍ على الدلال أو الإغراء.
لكن الفتاة الهزيلة، التي يُمكن كسرها بسهولةٍ بيدٍ واحدة، كانت تتصرفُ بثقةٍ دوّن أنْ تُظهر أيَّ خوف. كان ذَلك…
‘مُثيرًا للاهتِمام.’
ولكن لَمْ يكُن أكثر مِن ذَلك.
لَمْ يكُن مُهتمًا بها بما يكفي لينافس أخاهُ على مَن يُحبها.
والأهم مِن ذَلك، أنْ أرتيا كانت المرأة التي اختارها كزوجةٍ مُناسبةٍ لأخيه.
‘حتى لو لَمْ تكُن في أوج مجدها السابق، تبقى عائلة إيدنبيرغ عريقة.’
بالنسبة إلى عائلة لوشيان، التي لَمْ تكُن تملك سوى المال، كانت عائلة إيدنبيرغ أكثر شريك زواجٍ مرغوبٍ فيه.
كان مِن الجيد أنْ سيمون أراد مثل هَذهِ المرأة بشدة.
مسح شايلوك وجنة سيمون المُبللة برفقٍ وقال:
“توقف عن البكاء، سيمون فون لوشيان.”
“ههيك……”
“سأجعلُ أرتيا فون إيدنبيرغ تُصبح زوجتكَ.”
“……!”
رفع سيمون رأسهُ فجأةً، وهو يُحدق في شايلوك وكأنهُ لَمْ يُصدق ما سمعه.
نظر إليّهِ شايلوك بحنانٍ، وكأنهُ يرى شقيقهُ الأصغر لطيفًا، ثم عبث بشعرهِ المجعد.
“لطالما حصلتَ على كُل ما أردتَه، أليس كذَلك؟ أخوكَ كان دائمًا يُحقق لكَ ذَلك.”
لمعت عيناهُ الرماديتان مِن خلف نظارتهِ.
كانت تلكَ نظرة أخٍ مُحبّ لشقيقهِ الصغير، لكنها كانت أيضًا نظرة رجل أعمالٍ جشع، استطاع أنْ يدفع أعمال عائلتهِ إلى ازدهارٍ هائل بِمُجرد أنْ أصبح سيدها.
***
توقفت الهدايا التي كان سيمون يُرسلها.
بينما شعرت كاثرين بالأسف وظلت تضربُ صدرها بقبضتها، تنفست أرتيا الصعداء.
‘يبدو أنني أوصلتُ لهُ رسالتي بوضوح.’
رغم أنْ النهاية لَمْ تكُن كما توقعت، إلا أنها شعرت بالراحة لأن الأمور قد انتهت على أيِّث حال.
بعد أن محَتْ سيمون مِن أفكارها، سألت أرتيا بيبي:
“المنزل هادئ. هل خرجت والدتي مرةً أخرى؟”
“نعم، لقد ذهبت إلى حفلة الكونتيسة لو بلان.”
حتى عندما كان والدُ أرتيا على قيد الحياة، كانت كاثرين دائمًا مشغولة.
لأنها تُحب الاختلاط بالناس، كانت تحضرُ كل الحفلات التي تُقام في العاصمة.
وعندما تعود إلى المنزل في وقتٍ متأخرٍ مِن الليل، تفوح منها رائحةُ الكحول وهي تلقي على أرتيا محاضراتٍ لا تنتهي.
“أرتيا، إلى متى ستبقين حبيسة غرفتكِ، تقرئين الكتب فقط؟ لا يُمكنكِ العيش بهَذهِ الطريقة. عليكِ أنْ تعتني بمظهركِ وتكوني مشرقةً كزهرة، وإلا فَلَن تتمكني مِن العثور على زوجٍ مناسب.”
في ذَلك الوقت، اعتقدت أرتيا أنْ والدتها كانت تؤنبها لأنها لَمْ تكُن جيدةً بما فيه الكفاية، مِما جعلها تشعرُ بالخوف الشديد.
كانت كاثرين تحدّق في أرتيا، ثم تنقر لسانها قائلة:
“والدتُكِ توفيت مُبكرًا، ووالدكِ كان باردًا، وزوجةُ أبيكِ على هَذهِ الحال… لذَلك عليكِ على الأقل أنْ تحصلي على زوجٍ جيد.”
كان في صوتها شيءٌ مِن الشفقة الصادقة تجاه أرتيا.
وربما لهَذا السبب…
أحبتها أرتيا.
ولكن مع ازدياد التوتر بين كاثرين وبينديكت، أصبحت العلاقة بين أرتيا وكاثرين فاترةً أيضًا.
“حتى لو لَمْ أكُن قادرةً على أنْ أكون معها كابنةٍ حقيقية، أريدُ على الأقل أنْ أحافظ على علاقةٍ جيدةٍ معها.”
فهي، في النهاية، هي عائلتُها الوحيدة.
أغلقت أرتيا الكتاب الذي كانت تقرؤه وأخذت كومةً مِن الأوراق الموضوعة على الطاولة.
كانت قائمة الخُطّاب التي جلبتها لها كاثرين بعد أنْ انفجرت غضبًا عندما سمعت أنْ أرتيا لَمْ تعُد تفكر في سيمون.
‘حسنًا، لننظر في الخُطّاب مرةً أخرى.’
كل الرجال الذين قابلتهم حتى الآن كانوا أثرياء ولكنهم لَمْ يثيروا إعجابها.
لكن مِن يدري؟
رُبما يكون هُناك شخصٌ مُناسبٌ بينهم.
وضعت أرتيا شريحةً مُقرمشةً مِن الجزر في فمها وبدأت تُقلب الأوراق التي تحتوي على صور الخُطّاب، واحدةً تلو الأخرى.
لكن، على عكس توقعاتها، لَمْ يكُن هُناك أيُّ فرقٍ كبيرٍ عن السابق.
‘هَذا الرجُل كبيرٌ في السن جدًا، وهَذا لديهِ الكثيرُ مِن الأطفال، وهَذا لديهِ الكثيرُ مِن الشعر…!’
بينما كانت تُحدق في الرجال الذين لديهم “الكثير” مِما لا تحتاجُه، سمعت فجأةً صوتًا خفيفًا.
رفعت رأسها بسرعةٍ.
كان هُناك قطٌ أسود يقفُ عند النافذة.
“نوي!”
أمسكت أرتيا بالأوراق التي كانت تقرؤها وركضت إلى النافذة.
نظرت إلى القط الأسود بعينين مليئتين بالسعادة، ثم لاحظت شيئًا غريبًا.
كان القطُ يًحدّق في الأوراق التي بيدها—بالضبط في صور الخُطّاب.
‘يقال إنْ القطط مخلوقاتٌ غامضة. و نوي يبدو أكثر تميزًا مِن غيرهِ.’
رُبما بإمكانهِ الشعور بشيءٍ لا أستطيعُ رؤيته.
مدّت أرتيا إحدى الأوراق أمام عيني القط الأسود.
“نوي، ما رأيُكَ في هَذا الشخص؟”
‘ما هَذا؟ إنهُ كالحجر على قارعة الطريق، لَن أتذكرهُ حتى لو رأيتُه كل يوم.’
ظل القطُ ينظرُ إلى الصورة بوجهٍ خالٍ مِن أيِّ تعبير.
فواصلت أرتيا قائلة:
“هَذا رجلٌ فد تقدم لي، وأفكرُ في مُقابلتهِ.”
في اللحظة التي نطقت فيها بهَذهَ الكلمات، تحركت مخالبُ القط الأسود بسرعة.
خدش! خدش!
في ثوانٍ، تمزقت الصورة إلى أشلاء.
تجمدت أرتيا في مكانها، مذهولةً.
كان نوي يجلس دائمًا بطريقةٍ أنيقة، ولَمْ يسبق لهُ أنْ تصرف بعدوانيةٍ كهَذهِ.
“أ-أيعني هَذا أنكَ لَمْ تُحبهُ على الإطلاق؟”
“…….”
“همم، في الواقع، كنتُ أشعر بنفس الشيء. يبدو لطيفًا، لكن سمعتُه سيئةٌ للغاية.”
‘كما هو متوقع، نوي مذهل!’
أعجبت أرتيا بذكاء قطها، ثم مدت صورةً أخرى.
“حسنًا، ماذا عن هَذا الشخص؟”
خدش! خدش!
كان أسرع مِن المرة السابقة.
“إذن، ماذا عن هَذا؟”
خدش!
في النهاية، انتهى الأمر بتمزيقُ جميع صور الخُطّاب الذين كانت أرتيا تنظر إليّهم.
حتى أولئكَ الذين اعتقدت أنهم “مقبولون” لَمْ يسلموا مِن مخالب نوي.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة