33
الفصل ٣٣ : أسوأ خاطِب ⁷
“ماذا؟!”
اتسعت عينا أرتيا بينما كانت تنظرُ إلى صاحب المتجر المذهول.
“لا يُمكن أنْ تكون قد عرضتَ هَذا المبلغ الضئيل لأنكَ افترضت أنْ سيدةً نبيلةً راقية لَن تُبدي أيَّ اعتراضٍ على السعر، أليس كذلك؟”
هَذا صحيح تمامًا.
لَمْ يكُن بإمكان صاحب المتجر أنْ يقول ذَلك بصوتٍ عالٍ.
حاول الحفاظ على تعابيرهِ، وردّ بجدية.
“بالطبع لا. أنا أقدّر جميع المُتبرعين وأتعامل معهم بإخلاص. إذا لَمْ يرُق لكم عرضي، أخبروني بالسعر الذي ترونهُ مناسبًا.”
ردّت أرتيا بنبرةٍ هادئة.
“15 مليون.”
في تلكَ اللحظة، انهارت قدرةُ صاحب المتجر على إخفاء صدمتهِ.
“ه-هِذا… سيكون مِن الصعب… ماذا عن 6 ملايين؟”
“…….”
“هل 7 ملايين ستكون مقبولةً؟”
“…….”
بعد مفاوضاتٍ طويلة، تم إتمام الصفقة أخيرًا بمبلغ 10 ملايين جولد، أيِّ ضعفُ السعر الذي عرضهُ في البداية.
ابتسم صاحب المتجر، رغم أنهُ بدا مُستنزفًا تمامًا.
“إنكِ سيدةٌ حازمةٌ جدًا.”
كانت كلماتهُ تعني ضمنيًا أنها مهووسةٌ بالمال بشكلٍ غيرِ لائق لسيدةٍ نبيلة، لكن أرتيا لَمْ تكترث إطلاقًا، بل أشارت إلى كاثرين قائلة.
“أمي، أخرجي بقية الفساتين التي جلبناها. علينا إكمال التبرع.”
في النهاية، حصلت أرتيا على ضعف السعر الذي عرضهُ صاحب المتجر في البداية مُقابل جميع القطع.
وبدا أنْ روحهُ قد استُنزفت بالكامل، لدرجة أنهُ عندما جاء الدور لآخر قطعة، لَمْ يُحاول حتى التفاوض وعرض سعرًا مُناسبًا مِن البداية.
خرجت كاثرين مِن المتجر تحملُ كيسًا مليئًا بالنقود، ونظرت إلى أرتيا بدهشةٍ.
“أنتِ التي كنتِ ترتجفين خوفًا وتنظرين للأرض طوال الوقت… متى أصبحتِ قادرةً على القيام بِمثل هَذا؟”
“مهما يكُن، أنا أول امرأةٍ تطلّقت منذُ تتويج جلالة الإمبراطور، لذا لا يُعدّ التفاوض أمرًا صعبًا عليّ.”
“حقًا؟ حسنًا، في المرة القادمة، افعلي ذَلك عندما لا أكون معكِ. لقد شعرتُ بالإحراج وأنا واقفةٌ هُناك.”
ضيّقت أرتيا عينيها قليلًا وهي تنظرُ إلى كاثرين، التي كانت مُتمسكةً بكبرياء السيدات النبيلات حتى النهاية.
“سأفعلُ ذَلك.”
أجابت ببرودٍ، لكن كاثرين تقدمت وأمسكت بذراعها.
“حسنًا، لنذهب الآن! إلى التسوق!”
قبل لحظاتٍ فقط، قالت إنها شعرت بالإحراج، لكنها الآن بدت مُتحمسةً للغاية. بالطبع، السبب هو أنها حصلت على مبلغٍ أكبر بكثيرٍ مِما كانت تتوقعه.
عندما دخلت كاثرين إلى أحد أرقى متاجر الفساتين في العاصمة، قالت بفخر.
“جئنا لتفصيل فستان لهَذهِ الشابة.”
كان واضحًا مِن مظهرها أنها سيدةٌ خبيرةُ في الترف والرفاهية، لذا استقبلها الموظفون بابتساماتٍ مُشرقة.
وعلى عكس وقارها في المتجر السابق، تحوّلت كاثرين إلى شخصٍ كثير الكلام داخل متجر الفساتين.
“لا يجبُ أنْ يكون الفستان مزخرفًا بشكلٍ مُفرط أو مكشوفًا كثيرًا. أنا أحبُ أنْ ترتدي الفتيات الشابات هَذا النوع مِن الفساتين، لكنها تكرهُ ذَلك تمامًا. أريدُ شيئًا أنيقًا ونقيًا.”
“بشرتُها بيضاء جدًا، لذا تناسبها الألوان الفاتحة والمُشرقة.”
“ليس مِن الضروري أنْ يكون الصدر بارزًا، لكن يجبُ أنْ يكون الخصر مشدودًا بإحكام. خصرها نحيفٌ جدًا، ويجبُ أنْ نُبرز ذَلك!”
استمرت كاثرين في الحديث طوال الوقت، بينما كانت أرتيا تُجرب عشرات الفساتين حتى استقرّتا أخيرًا على واحد.
“شكرًا جزيلاً، سيدتي!”
حتى الموظف، الذي تمكن مِن تحقيق هدف مبيعاتهِ اليومية بفضل تلكَ الصفقة، ودّعهما بحماسٍ كبير.
خرجت كاثرين مِن المتجر مُفعمةً بالحيوية أكثرَ مِن أيِّ وقتٍ مضى، على عكس أرتيا التي بدت وكأنها قد استُنزفت تمامًا مِن تجربة الفساتين المُتكررة.
‘لطالما أحبت أمي التسوق…’
لكن المُثير في الأمر أنْ الشيء الوحيد الذي اشترتهُ اليوم كان فستان أرتيا. لقد أنفقت كُل الأموال التي كسبتها اليوم على شراء فستانٍ لها.
شعرت أرتيا بوخزةٍ دافئةٍ في قلبها.
نظرت إلى كاثرين وقالت.
“شكرًا لكِ. سأرتديهِ جيدًا.”
لكن كاثرين أجابت بجملةٍ بددت كُل مشاعر الامتنان تلك.
“إذا كنتِ شاكرة، فلا تكتفي بالكلام، بل زيني نفسكِ جيدًا وتزوجي رجلًا ثريًا. ثم أخبري دوق إيدنبيرغ الجديد أنْ يمنحني مُخصصاتٍ مالية أكبر!”
ضحكت أرتيا، وكأنها أدركت أنْ هَذا هو المتوقع تمامًا مِن كاثرين.
“سأفعل ذَلك.”
ردّت بابتسامةٍ وكأنها تعرفُ أنْ لا مفر مِن ذَلك.
* * *
تلكَ الليلة، كانت أرتيا ترتدي ملابس منزليةً مريحة وتعبثُ بفستان وردي.
وفجأةً، سمعت صوت حفيفٍ خفيف. عندما رفعت رأسها، رأت قطةً سوداء واقفةً عند النافذة.
“نوي!”
نهضت أرتيا مِن كرسيها بحماسٍ واقتربت مِن النافذة.
“لقد كنتُ خائفةً مِن أنكَ شعرت بالذعر عندما أتيتِ في المرة الماضية ولَمْ تجديني. لا تعلم كم كنتُ قلقةً مِن ألا تعود مُجددًا.”
بينما كانت أرتيا تتحدثُ بحماسٍ كالأطفال، بقيت القطة السوداء مًتعالية وغيرَ مبالية.
‘وهِذا ما يجعلُها رائعةً أكثر…’
بينما كانت أرتيا تُحدق في القطة بذهول، لاحظت نظراتها الموجهة نحو الفستان الوردي.
ابتسمت أرتيا برضًا.
“جميل، أليس كذَلك؟ هَذا الفستان الذي ارتديتُه عندما حضرت حفل بلوغي.”
كان فستانها مِن خمس سنوات، عندما كانت في الثامنة عشرة مِن عمرها.
وكما هو متوقع مِن فستانٍ مُخصص لحفل بلوغ فتاةٍ شابة، فقد كان تصميمهُ يعكس نقاء وبراءة فتاةٍ بلغت سن الرشد حديثًا.
نظرت أرتيا إلى الفستان وتابعت حديثها:
“اليوم، اشترت لي أمي فستانًا جديدًا، ولكن فجأةً رغبتُ في رؤية هَذا الفستان القديم. فقد كانت أمي هي مَن اختارتهُ لي أيضًا.”
“…….”
“يقول الجميع إنْ حفلات البلوغ تكون تجربةً مُثيرةً لا تُنسى، لكنني لَمْ أشعُر بذَلك.”
بالنسبة لها، كان الأمر أشبه بالكابوس.
أنْ تكون مُحاطة بحشدٍ مِن الناس، وتُجبر على استعراض جمالها كدميةٍ معروضةٍ في متجر، والرقص مع رجل بالكاد تعرفُه… كان ذَلك كُله أمرًا مزعجًا للغاية.
“لكن على الأقل، أحببتُ الفستان كثيرًا.”
لطالما حلمت أرتيا منذُ طفولتها أنْ تختار فستان حفلة بلوغها مع والدتها.
بعد وفاة والدتها، اعتقدت أنْ ذَلك الحلم لَن يتحقق أبدًا، ولكن كاثرين حققت ذَلك لها.
حتى وإنْ لَمْ تكُن أمها الحقيقية، وحتى إنْ لَمْ تكُن العلاقة بينهما حميمة كما هو الحال بين الأمهات وبناتهن في العائلات الأخرى، فقد استمتعت أرتيا بوقتها مع كاثرين أثناء اختيار الفستان.
وقد أحبت الفستان بشدة.
بالطبع، في قاعة الحفل، تعرضت للسخرية بسبب ارتدائها فستانًا مُشرقًا رغم أنها كانت معروفةً بكونها فتاةً كئيبة…
رفعت أرتيا الفستان أمامها وابتسمت ببراءة.
“ما رأيك؟ إنهُ جميل، أليس كذَلك؟”
“…….”
عندما لَمْ تتحرك القطة أو تُبدي أيِّ ردة فعل، شعرت أرتيا بالحرج وعَبُست قليلًا.
“كنتُ أقصدُ الفستان، وليس أنا.”
في طريق العودة إلى القصر الإمبراطوري.
كانت القطة السوداء تسيرُ في طريقٍ هادئ شُبه مهجور، بينما كانت تسترجع ذكريات حدثت قبل خمس سنوات.
في ذَلك اليوم، حضر كيليان حفل بلوغهِ، تمامًا مثل أرتيا.
دخل القاعة مرتديًا ملابس فاخرةً بعناية، أنيقًا مِن رأسهِ حتى أخمص قدميه.
جميع الحاضرين في قاعة الحفل لَمْ يتمكنوا مِن منع أنفسهم مِن النظر إليّه وكأنهم مسحورون.
لَمْ يكُن هُناك أيُّ أثرٍ للارتباك أو الحرج الذي يُصاحب الشباب الذين بلغوا سن الرشد حديثًا. بدا ببساطةٍ مثاليًا وجميلًا إلى حدٍ لا يُصدق.
“انظروا إلى وقارهِ المُهيب! لا شك أنْ الأمير كيليان سيجلبُ لهَذا الإمبراطورية مجدًا غيرَ مسبوق!”
لكن، على عكس إعجاب الناس بهِ، كان كيليان في أسوأ حالاته.
كانت رائحةُ العطور الثقيلة المُنتشرة في القاعة تخنقه، كما أنْ أصوات النساء الناعمة والمغرورة كانت لا تُطاق.
بينما كان يعقدُ حاجبيهِ بانزعاج، اقتربت منهُ الإمبراطورة وهمست لهُ بنبرةٍ منخفضة.
“لا تُظهر أيَّ ضُعف.”
في ذَلك الوقت، لَمْ يكُن أحدٌ يعلم بعد بإصابتهِ برهاب النساء، وكان ذَلك سرًا مخفيًا عن العامة.
حاول كيليان جاهدًا ضبط تعابير وجههِ، ثم قالت الإمبراطورة.
“الجميع ينتظرونكَ. اذهب وافتتح الحفل بالرقصة الأولى.”
كان كيليان مُتغطرسًا ووحشيًا، لكنهُ كان مُطيعًا أمام الإمبراطورة.
وعلاوةً على ذَلك، لَمْ يكُن ليدع حالتهُ تؤدي إلى إفساد مثل هَذا الحدث المهم، فَهو لَمْ يكُن شخصًا يفتقر إلى الشعور بالمسؤولية.
مد يدهُ ليمسك بيد الفتاة التي اختارتها الإمبراطورة له.
لَمْ ينظر حتى إلى وجهها.
كل ما أدركه كان الشعور المُزعج الذي انتابهُ بِمُجرد أنْ لامست يدُها يده، والرائحة القوية لعطرها التي جعلت معدته تتقلب.
لكن، بفضل قوة تحملهِ الفائقة، أكمل الرقصة دوّن أنْ يُظهر أيَّ انزعاج.
انهالت التصفيقات الحارة مِن جميع أنحاء القاعة.
ابتسمت الفتاة التي رقصت معهُ وقالت شيئًا، لكنهُ لَمْ يسمع كلماتها بوضوح.
استدار كيليان وغادر القاعة بخطواتٍ راقية وأنيقة، دوّن أنْ يُلقي نظرة أخرى.
واصل المشي حتى وصل إلى حديقة القصر، مُبتعدًا عن ضجيج قاعة الحفل.
وفقط عندما لَمْ يعُد يسمع أيَّ صوتٍ مِن هُناك، توقف في زاويةٍ معزولة مِن الحديقة، وأمسك بشجرةٍ ثم فتح فمه…
“أُوووويك.”
تقيأ عصارة معدتهِ الفارغة، حيث لَمْ يكُن قد تناول أيَّ شيءٍ طوال اليوم.
عندها، سمع صوت حفيفٍ بين الشجيرات، تلاهُ صوتٌ خافت يسأل.
“هل أنتَ بخير؟”
“……!”
كانا يقفان على جانبي الشجيرات، لذا لَمْ يتمكن أيٌّ منهما مِن رؤية وجه الآخر.
ورغم ذَلك، عرف كيليان فورًا مَن صاحبة الصوت.
أرتيا فون إيدنبيرغ.
لكن مِن الواضح أنْ أرتيا لَمْ تكُن تُدرك هوية الشخص الذي تُحدثه.
فَلو كانت تعلم أنهُ كيليان، لما كانت لتقترب منهُ بهَذهِ الطريقة.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة