30
الفصل 30 : أسوأ خاطِب ⁴
“…….”
تحدّثَ كيليان وهو يُحدّق بأرتيا بعينيهِ الذهبية التي يصعُب فهمُها، ثم أومأ برأسهِ.
“حسنًا.”
“شكرًا لكَ.”
في اللحظة نفسها التي ردت فيها أرتيا، أدارت جسدها بسرعة البرق. ثم قامت بتفعيل إحدى مهاراتها الخفية: ‘المشي بسرعةٍ أثناء التظاهُر بالمشي بطبيعية.’
“…… ولكن لماذا أشعرُ بحرارةٍ في مؤخرة رأسي؟”
ظلَّ كيليان يًحدّق بظهر أرتيا وهي تبتعدُ.
“إنها تُشبه الأرنب الهارب تمامًا.”
بيضاء، صغيرة، ضعيفة، ويرغبُ في الإمساك بها.
عندها ارتفع حاجباهُ.
لطالما فكّر في القضاء على البشر، لكنهُ لَمْ يُفكر يومًا في الإمساك بأحدهم مِن قبل.
“وما الذي سأفعلُه بها بعد ذَلك؟”
الأرنب يُمكن سلخ جلدهِ وصنعُ الملابس منه، كما يُمكن أكله، لكن أرتيا فون إيدنبيرغ ليست كذَلك، أليس كذَلك؟
تنهدَ كيليان بصوتٍ خافتٍ وهو يُفكر في الأمر.
في كل مرةٍ يُقابل أرتيا فون إيدنبيرغ، يجد نفسهُ يُفكر في أمورٍ غيرِ منطقيةٍ.
إنهُ أمرٌ مُزعجٌ.
أما نوكترن، الذي كان يقفُ بجانبهِ بصمتٍ وكأنه غيرُ موجودٍ، فقد ارتسمت على وجههِ ملامحُ الذهول.
كيليان هو مَن بادر بالحديث مع امرأةٍ أولًا؟
هَذا وحدهُ كان كافيًا ليُعدّ صدمة، لكن نظراتُ الأمير وهو يحدّق بالمرأة المُغادرة كانت أشبه…
‘لماذا تبدو وكأنكَ شخصٌ قد فقط قطهُ الثمين؟’
ذَلك التعبير لَمْ يكُن يُلائم كيليان على الإطلاق، بل كان مرعبًا لدرجةٍ لا توصف.
أطلق نوكترن تنهيدةً داخلية.
‘جلالتُكَ، أرجوك لا تزد جنونكَ أكثر مِن ذَلك. الوضع صعبٌ بالفعل بما فيهِ الكفاية.’
في اليوم الذي أتى فيهِ خامسُ خاطبٍ.
كانت أرتيا ترتدي ملابس بسيطةً، وعلى وجهِها تعبيرٌ فاترٌ كما هو الحال دائمًا.
‘يا ترى، كيف سيكون هَذا الرجل اليوم؟’
شابٌ أعزب يتفاخرُ بأنه لَمْ يسبق لهُ الزواج؟
أبٌ لخمسة أطفال؟
أم رُبما جدٌ مسنّ لَمْ يتبقَ لهُ الكثير مِن الوقت؟
وبلا أدنى توقعات، فتحت باب غُرفة الاستقبال.
في الداخل، كان هُناك شابٌ ذو شعرٍ بُني مُجعد وعينين لطيفتين يقفُ منتظرًا.
“تشرفتُ بلقائكِ، سيدة إيدنبيرغ. اسمي سيمون فون لوشيان.”
تفاجأت.
لأنه كان أكثرَ رجُلٍ طبيعي قابلتهُ حتى الآن.
تذكرت أرتيا المعلومات التي حفظتها مُسبقًا عن عائلة لوشيان.
لَمْ تكُن مِن العائلات المرموقة، لكنها كانت تُدير أعمالًا ماليةً لعدة أجيال، وقد جمعت مِن خلالها ثروةً طائلة.
أما الرجُل الذي أمامها، فَهو الشقيق الأصغر للبارون الحالي لعائلة لوشيان.
‘سمعتُ أنْ البارون لوشيان قد ربى أخاهُ الأصغر وكأنهُ ابنه، بعد أنْ فقد والديهما في سنٍ مُبكرة.’
رُبما لهَذا السبب.
رغم أنهُما في العمر نفسه، بدا سيمون أصغر بكثير.
تحركت يد سيمون الُمتشابكة بترددٍ قبل أنْ يتحدث.
“سيدتي، أعتذر عن وقاحتي، لكن لديّ شيءٌ أود قوله.”
“تفضل، قُل ما لديك.”
ابتلع سيمون ريقهُ قبل أنْ يفتحَ فمه.
“أنا لا أفكرُ في الزواج بعد.”
“حتى لو صفعتني الآن، لَن أعترض! إنْ كنتِ ستضربيني، فَلتفعليها مِن هَذا الجانب!”
قال ذَلك وأدار رأسهُ قليلًا بينما يعضُّ شفتيهِ بقوةٍ.
لكن الرد الذي تلقاهُ كان في غاية البرود.
“لا بأس.”
“ماذا؟!”
“لأنني لستُ مُختلفةً كثيرًا عنك.”
“آه…….”
“بما أنكَ قد أتيت، فَلمَ لا تجلسُ وتتناول كوبًا مِن الشاي؟ لقد أعدّت والدتي شاي البابونج، وهو ذو رائحةٍ زكيةٍ للغاية.”
نظر سيمون إلى أرتيا بفمٍ مفتوح، ثم أومأ برأسهِ دوّن وعيّ.
بعد أنْ تأكد مِن موقف أرتيا، شعرَ سيمون بالارتياح، وعاد إلى طبيعتهِ وهو يقول بابتسامةٍ مريحة:
“أنا لَمْ أجرب الحُب حتى الآن. ليس لأنني لَمْ أرغب بذَلك، ولكن لأنني لَمْ ألتقِ بعد بالمرأة التي ستكون قدري.”
“المرأة التي ستكون قدركَ؟”
“نعم، فأنا أؤمن بالحب مِن النظرة الأولى. وأريدُ الزواج مِن امرأةٍ كهَذهِ.”
قال سيمون ذَلك وهو يمضغُ قطعةً مِن الماكرون بمرح، مُتحدثًا بكلماتٍ بريئة لا تليقُ بنبيل.
“لكن شقيقي تجاهل مشاعري تمامًا.”
“أيُها الأخ الساذج واللطيف، جميع ُالنساء مُتشابهات في النهاية. المُهم هو الشروط المُناسبة، لذا لا تتذمر وتزوج المرأة التي اخترتُها لك.”
لَمْ يكُن سيمون يجرؤ على معارضة شقيقهِ، لذا لَمْ يستطع رفض الأمر بوضوحٍ وانتهى بهِ المطاف في قصر إيدنبيرغ.
ولكن كان مِن المُحرج للغاية الجلوس والتحدث مع امرأة بينما لَمْ يكُن ينوي الزواج أصلًا.
لذَلك، عندما قرر أنْ يكون صريحًا وتحدثَ بصدقٍ، حصل على نتيجةٍ إيجابية أشبهُ بالمعجزة.
“أنا مرتاحٌ للغاية لأن السيدة وافقت على ذَلك.”
أرتيا، وهي تُراقب سيمون يبتسمُ بوجهٍ مُغطى بفتات الماكرون، ضاقت عيناها بابتسامةٍ خفيفة.
لَمْ تشعر بأيِّ جاذبيةٍ رجوليةٍ تجاهه.
لكنهُ، ببراءتهِ الطفولية وتصرفاتهِ العفوية، كان يبعثُ شعورًا مريحًا.
أما سيمون، فكان يشعرُ بشيءٍ مُختلف تمامًا.
‘قال شقيقي إنْ سيدة إيدنبيرغ ليست جميلةً، لذا لا تتوقع الكثير مِن مظهرها…’
‘لكن يبدو أنْ شقيقي يضعُ معايير عاليةً جدًا. مِن وجهة نظري، فَهي جميلةٌ بما يكفي.’
كان سيمون يفتقرُ إلى الخبرة والاهتمام بالجنس الآخر لدرجة أنهُ لَمْ يكُن قادرًا على إدراك مشاعرهِ جيدًا.
لذَلك، دوّن أنْ يُفكر كثيرًا، تحدثَ بما يجول في خاطرهِ.
“سيدتي، هل يُمكن أنْ نلتقي مرتين فقط بعد اليوم؟”
“ماذا تقصدُ بذَلك؟”
“إذا تقابلنا اليوم فقط، فَلَن يدعني شقيقي وشأني. إنهُ عنيدٌ للغاية.”
رفعَ سيمون ثلاثة أصابع.
“لكن إذا التقينا ثلاث مرات، ولَمْ ينجح الأمر، فَسيتخلى عن الفكرة.”
كانت نظراتُه مليئةً بالرجاء.
وكان العرض مُناسبًا لأرتيا أيضًا.
فَخلال هَذهِ الفترة، يُمكنها تجنُب ضغوط كاثرين بشأن مقابلة الخُطّاب، كما أنها ستتركُ انطباعًا بأنها تبذلُ جهدها في البحث عن زوج.
لهَذا، أومأت بالموافقة دوّن تردد.
بعد مُغادرة سيمون، اقتربت كاثرين مِن أرتيا بوجهٍ مُتحمس.
“لقد قضيتُما وقتًا أطول مِن المعتاد. هل أعجبكِ؟”
نعم، خصوصًا أنهُ لا يرغبُ في الزواج بعد.
لكن بدلًا مِن الإجابة بصراحة، ردت أرتيا بإيجاز.
“أفكرُ في مُقابلتهِ مرةً أخرى.”
“يااااه!”
صرخت كاثرين بحماسٍ كطفلةٍ صغيرة، ثم تابعت الحديث باندفاع.
“عائلة البارون لوشيان أقل شأنًا بكثيرٍ مِن دوقية إيدنبيرغ، لكنها تملكُ ثروةً طائلة!”
كانت دوقية إيدنبيرغ تمتلكُ أراضي شاسعة وعدة مشاريع تجارية.
لكن بسبب سوء إدارتها لفترةٍ طويلة، فقدت الأراضي قيمتها، وتدهورت الأعمال التجارية.
إضافةً إلى ذَلك، كانت تُعاني مِن أزمة سيولةٍ بسبب الديون المُتراكمة.
بعبارةٍ أخرى، كانت مُجرد عائلةٍ نبيلة تحملُ اسمًا عريقًا دوّن أيِّ فائدةٍ حقيقية.
وبهَذا المعنى، كان البارون لوشيان خيارًا جيدًا للزواج.
لكن أرتيا عقدت حاجبيها.
“لكن، ألا تُلاحق عائلتهم سمعةٌ سيئة تجعلُها غيرَ مُناسبةٍ للزواج؟”
كان البارون الحالي، شقيق سيمون، شايلوك، معروفًا بكونهِ قاسيًا وعديم الرحمة.
فقد كان يفعلُ أيَّ شيءٍ مِن أجل المال.
“وما المشكلة إنْ كانت هُناك بعضُ الشائعات؟ فَهو يملكُ ثروةُ لا تُحصى!”
“…….”
“المُهم أنكما، إنْ تزوجتما، ستحصل عائلة لوشيان على لقب دوقية إيدنبيرغ المرموق، بينما ستحصُلين أنتِ على ثروةٍ تكفيكِ مدى الحياة. أليس هَذا الزواج المثالي؟!”
لكنني اتفقتُ على مقابلتهِ مرتين فقط بعد اليوم…
لكن إنْ قالت ذَلك الآن، فَلَن تسمع سوى محاضرةٍ طويلة، لذا فضّلت أرتيا احتساء الشاي بهدوء.
ومنذُ ذَلك اليوم، توقفت كاثرين عن إلحاحها بعرض لوحات لخطّاب آخرين.
لكنها، بالمُقابل، كانت تسأل كل ساعةٍ عن موعد اللقاء التالي مع سيمون.
لقد كانت فترة سلامٍ قصيرة بفضل هَذا التحالف.
في اليوم الثاني للقاء أرتيا وسيمون.
عندما وصل سيمون إلى قصر إيدنبيرغ، قال:
“الطقسُ جميلٌ اليوم، لمَ لا نتحدثُ في الخارج؟”
“موافقَة.”
لَمْ تكُن أرتيا تُفضّل مُغادرة المنزل عادةً، لكنها قبلت اقتراح سيمون بسهولةٍ بسبب كاثرين.
فقد كانت مُتحمسةً جدًا لأن سيمون كان الخاطب الوحيد الذي عاد للزيارة مرةً أخرى.
لَمْ يكُن مِن المُستبعد أنْ تقتحم غرفة الاستقبال فجأةً وتقترح تحديد موعد الزفاف على الفور.
ولوّحت كاثرين بيديها بحماسٍ وهي تقول بوجهٍ مليء بالتوقعات:
“استمتعا بوقتكُما معًا!”
“لا بأس إنْ عدتُما في وقتٍ مُتأخرٍ جدًا أيضًا.”
وبينما كانت تتلقى هَذا التوديع الحار، خرجت أرتيا مِن القصر برفقة سيمون.
وبعد فترةٍ، عندما نزلت مِن العربة، اتسعت عيناها.
“هَذا المكان…”
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة