حتى وإن أنكرَك كلُّ العالم، ستظلّ أمّك تحميك طوال حياتها.
تلك كانت غاية حياة الإمبراطورة.
فتح أرسين فمه وهو يحدّق في تلك النظرات العمياء التي لم يلتقَّ بمثلها حتى في زمن امتلاكه للعالم قبل خمسمئة عام.
“أُريد أن يُصبِح كيليان إمبراطورًا.”
“……!”
في تلك اللحظة، تشوّه وجه الإمبراطورة الذي كان ممتلئاً بالتطلّع.
وأرسين أعاد قوله من جديد للإمبراطورة، التي بدا وكأنها تختنق من شدة الألم.
“اجعلي كيليان إمبراطورًا. غدًا إن لَزِم الأمر.”
انهمرت الدموع من عيني الإمبراطورة.
صحيح أن كيليان استحوذ على تطلّعات الإمبراطور واحترام الشعب، لكن العرش، على الأقل، كان يجب أن يكون لك!
لك أنت، أرسين فون أورفيوس، الابن الأول للإمبراطورية!
لكن الإمبراطورة لم تتمكن من النطق بذلك، واكتفت بإيماءةٍ خافتة.
لأنها كانت مستعدةً لتحقيق رغبة أرسين حتى لو كانت إبادة البشرية جمعاء.
كان ذلك حُبّ أمٍّ لطفلها المريض.
في تلك الليلة، قصدت الإمبراطورة الإمبراطور.
ورغم التكتّم الشديد، إلا أن حالته الصحية كانت تزداد سوءًا بشكلٍ ملحوظ.
ولعلّ ذلك ما جعل ذلك الرجل البارد يرحّب بها بشكلٍ غير معتاد.
“لقد أتيتِ.”
“سأُحضّر لك الشاي.”
وعلى الرغم من أن العلاقة الزوجية لم تكن طيبة، فقد أدّت الإمبراطورة واجبها كزوجةٍ على أكمل وجه.
وكان من بين ذلك، إعداد الطعام والشاي للإمبراطور يوميًا.
ورغم خلوّ العلاقة من أي حديثٍ بسيط، إلا أنّ قضاء عشرين عامًا من الزواج أوجدت ألفة بينهما.
كسرت الإمبراطورة الصمت الهادئ بصوتها.
“لقد مرّ على زواجنا ثمانية وعشرون عامًا هذا العام.”
كان زواجًا تمّ على عجل لإنهاء الحرب بين دولتين.
حين سمعت فيليسيتي خبر الزواج، صرخت مرعوبة.
“إمبراطورية أورفيوس كانت عدوّنا لعدة عقود! كيف سأعيش وحدي هناك؟ أنا خائفة! لا أُريد الذهاب، يا أمي!”
لكن ردّ الملك والملكة كان قاسيًا.
“لا تتفوهي بالحماقات. لقد عشتِ كما يحلو لك حتى الآن، لذا حان الوقت لأداء واجبك كأميرة.”
وفي النهاية، جُرّت فيليسيتي إلى الإمبراطورية كحيوانٍ يُباع.
حتى وهي ترتدي فستان الزفاف الأبيض، كان وجهها غارقًا في الخوف.
مكانٍ غريب، وروائح غريبة، ووجوهٍ غريبة.
نظراتهم كانت حادّة، وكأنهم سيفترسونها عند أول غفلة.
وبينهم، ظهر الإمبراطور.
رجلٌ شاب ذو شعرٍ أسود وعينين ذهبيّتين، كان وسيمًا للغاية.
حتى أن خوفها اختفى للحظة.
لكن أول ما قاله الإمبراطور لفيليسيتي وهي مذهولةٌ كان باردًا حدّ القسوة.
“قومي بواجباتكِ كإمبراطورةٍ على أكمل وجه.”
افعلي ما يُفترض عليكِ فعله.
صوته الصارم لم يكن فيه ذرّةُ دفء.
تبددت آمالها القليلة في لحظة.
الإمبراطور كان غارقًا في عمله، ولم يكن يطلب من الإمبراطورة سوى أن تؤدي واجبها.
خافت منه فيليسيتي وكرهته، وبكت كل ليلة، لكنها لم تتخاذل عن أداء ما يجب.
فقط لأجل البقاء على قيد الحياة في هذا القصر الذي يشبه قفص الأسود.
ثم، حملت بطفل.
فرحت فرحًا عظيمًا.
‘سأحظى أخيرًا بحليفٍ مثالي في هذا القصر المليء بالأعداء!’
بدأت تعتني بجسدها كأنها تحمل كنزًا في بطنها، حتى أن الخادمات انتقدنها وقلنَ إنها تبالغ.
وفي أحد الأيام، كادت أن تتعثر وتسقط أثناء تنزّهها في الحديقة.
فرحت الخادمات لأنها لم تسقط، لكن وجه فيليسيتي شحب وهي تضع يدها على بطنها.
“بطني… تؤلمني…!”
سارع أطباء القصر لفحصها، وطمأنوها أن حالتها ليست خطيرة.
لكن وجهها ظلّ متجهّمًا.
‘لا أحد من هؤلاء يقلق عليّ حقًا.’
لا يزال التحيّز ضد الإمبراطورة الأجنبية قويًا.
كانوا في غاية اللطافة أمامها، لكنهم خلف ظهرها يتهامسون بكلامٍ بغيضٍ ومليء بالكراهية.
وقد بلغت شكوك فيليسيتي المتأثرة بطبيعتها الحساسة ذروتها.
وفيما كانت تمسك بطنها بوجهٍ متألم، دخل الإمبراطور فجأة.
صُدم الخدم والأطباء وانحنوا فورًا.
وفتحت فيليسيتي عينيها على اتساعهما ونظرت إلى الإمبراطور.
فلم يكن من عادته أن يأتي دون سبب.
وكانت كلماته التالية أكثر وقعًا.
“هل الطفل بخير؟”
“……!”
لم تكن لتتخيّل أن هذا الرجل البارد كالجليد سيسأل عن ذلك.
فأومأت فيليسيتي برأسها، ووجهها قد احمرّ قليلاً.
“إنه بخير.”
“هذا جيد.”
“…….”
ثم التفت الإمبراطور إلى الخدم وقال:
“زِيدوا عدد وصيفات الإمبراطورة، ولْيكن الطبيب الخاص برفقتها دائمًا. وإن حدث أمرٌ مؤسفٌ كهذا مرةً أخرى، فسأُحاسب كل من كان في المكان حينها.”
انحنى الخدم برؤوسهم وهم يتصببون خوفًا من لهجة الإمبراطور الصارمة، معلنين طاعتهم.
لأوّل مرة، تغيّر رأي فيليسيتي بشأن الإمبراطور.
‘إنه زوجي، ووالد هذا الطفل.’
ربما يُمكننا أن نُصبح عائلة…
نرعى بعضنا ونحمي بعضنا.
لكن ذلك الرجاء البسيط تحطّم تمامًا بولادة أرسين.
في خضمّ آلام الولادة الساحقة، رأت بوضوحٍ نظرة الإمبراطور حين نظر إلى الطفل المتهالك الذي لم يكن يتنفس بشكلٍ طبيعي.
تلك النظرة الحادّة والباردة لم تكن نظرة والدٍ نحو طفله، بل كانت نظرةً نحو قمامةٍ مُقرفة.
‘ذلك الرجل ليس في صفي ولا في صف ابني.’
في هذا القصر الشاسع، لم يكُن في صفها سوى هذا الرضيع الصغير.
صرخت فيليسيتي، التي لم تكن قد تعافت بعد، في وجه الطبيب.
“إن مات طفلي، سأقتلكم جميعًا! افعلوا أي شيء، فقط أنقذوه!”
هل بلغَ دعاؤها القلبي عنان السماء؟
نجا الطفل مراتٍ عدة من شفا الموت، وظلّ على قيد الحياة.
ولم يأتِ الإمبراطور لرؤية الطفل مرّة أخرى.
ولم يذكر ولادة الأمير علنًا مطلقًا، وكأن الطفل لم يُولد قط.
وكأنه على وشك الموت في أي لحظة.
في هذه الحقيقة القاسية، كرّست فيليسيتي نفسها لرعاية طفلها.
فلم تستطع أن تضعه في يد أحد، وهو يحارب المرض يوميًا، فلم تفارقه لحظة.
وكان ذلك اليوم من تلك الأيام.
غفت قليلاً وهي تحتضن طفلها الذي بلغ يومه المئة، واستيقظت على صوت حركة.
كان الإمبراطور واقفًا وسط الغرفة التي أُضيئت بخفوت.
‘هل أتى لأنه قلقٌ على طفلنا؟’
لم يكن ذلك إلا رجاءً ساذجًا نبع من أمنيةٍ دفينة.
فقد كانت مرهقة جدًا، وتحتاج إلى من يشاركها هذا العذاب.
لكن الكلمات التي تفوّه بها الإمبراطور لزوجته المنهكة جسدًا وروحًا، كانت قاسيةً للغاية.
“أنجبي طفلاً آخر.”
“……؟”
لم تفهم فيليسيتي كلامه، وظلّت صامتة.
ثم بعد لحظات، فتحت عينيها على اتساعهما واحتضنت طفلها بقوّة.
“أرسين حيّ!”
“نعم، حيّ… حتى الآن.”
أجمع الأطباء على أن الطفل قد يموت في أي لحظة،
وحتى لو عاش، فلن يكون طبيعيًا
“أنا بحاجةٍ إلى وريثٍ سليمٍ جسدًا وعقليًا. ذلك الطفل لا يُناسبي.”
وضعت فيليسيتي يدها على أذن الطفل الصغير بوجهٍ متألم، كأنها تحميه من سماع تلك الكلمات الفظيعة، ثم قالت وهي تُحدّق بالإمبراطور والدموع تملأ عينيها:
“لن أنجب طفلاً آخر. أرسين هو وريثك الوحيد.”
“إن واصلتِ عنادك، فلا خيار سوى انتزاع الطفل منكِ.”
“……!”
شعرت الإمبراطورة وكأن جسدها يُمزَّق تمزيقًا من شدّة الصدمة.
“أنتِ تُفرطين في التعلّق بذلك الطفل بعد الولادة. كنتُ أتغاضى عن ذلك لأنني ظننتُ أنك ستقومين بواجبكِ كإمبراطورة. لكن إن تخلّيتِ عن واجبكِ بسببه، فلن يكون هناك خيارٌ آخر.”
ليس أمامه سوى التخلّص من العائق.
شحبت ملامح وجه فيليسيتي حتى أصبحت كالرماد.
لم يكُن ذلك مجرد بغض، بل كراهيةٍ عميقة.
لكن الإمبراطور، وكأن مشاعرها لم تصل إليه، تابع حديثه بنبرةٍ خاليةٍ من أي تردد.
“سأُرسل إلى الوصيفة بموعد الليلة التي سنجتمع فيها. سأعود حينها.”
وغادر الغرفة بعد تلك الكلمات.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿《التليغرام》
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 178"