القلقُ الذي شعرت به في ذَلك الحين بدا بلا داعٍ، إذ سرعان ما أظهرت فريجيا مهارةً فائقة.
وكان ذَلك أمرًا طبيعيًّا.
فـ فريجيا لا تمتلك فقط ذوقًا رفيعًا في الفساتين، بل تتمتع أيضًا بقدرةٍ ممتازة على التعامل مع السيدات الأرستقراطيات المتطلبات اللواتي أصبحن مِن عميلاتها بعد أن أصبحت إيثيريال.
“هناك الكثير من الزبائن يأتون فقط للحصول على توصيةٍ من الآنسة فريجيا بشأن الفساتين، حتى لو لم تكن هناك عروض. بعضهم يدخل بقصد النظر فقط، لكنه يطلب عشرات الفساتين كالمسحور بعد أن يستمع لشرحها.”
هزّت آرتيا رأسها بفخر، كأنما كانت هي مَن نال المديح.
“مهارةٌ تليق بالأميرة الأكثر شعبية في المجتمع.”
لكن عندما اقتربت فريجيا، توقّف الاثنان عن الحديث.
“متى وصلتي، آرتيا؟”
“قبل قليل. بالمناسبة، هل أعطيتِ إليزابيث الهدية كما ينبغي؟”
منذ وقتٍ ليس ببعيد، اشترت فريجيا بيانو لابنتها بأول راتبٍ تقاضته.
“نعم، أعجبها كثيرًا.”
ثم أضافت فريجيا وهي تبتسم بخجل.
“لأنني اشتريته بمالي الذي كسبته بيدي، شعرت بنوعٍ من الزهو دون قصد.”
كانت ردة الفعل مختلفةً تمامًا عمّا كانت عليه عندما جاءت آرتيا إلى هنا لأول مرة.
فبناءُ مدرسةٍ ومستشفى في قرية الكودران غيّر نظرة الناس لها.
“لماذا يساعدنا أحد النبلاء فجأةً؟ لا بد أن هناك نوايا خفية.”
ما زال بعض أهالي الكودران متشككين تجاه آرتيا، لكنّ عددًا أكبر منهم تقبّل حسن نيتها بصدق.
وكان ممثل القرية من بين هؤلاء الناس.
“ما سبب زيارتكِ اليوم؟”
“أبحث عن عمّالٍ للقصر، فهل يوجد من تراه مناسبًا؟”
اتسعت عيناه ثم عَقَد حاجبيه.
“إذا قمتم بتوظيف أحدٍ من الكودران، فقد تُقال أمورٌ سيئة عنكِ.”
أجابت آرتيا، وهي تحتسي الشاي المفضل لدى سكان كودران.
“لكن ذلك فقط بسبب النظرة الدونية التي يرى بها الناسُ شعب الكودران.”
كان لا بد مِن كسر تلكَ النظرة.
“مجرد قيام دوقية إيدينبرغ بتوظيف أحدٍ من الكودران سيؤدي إلى تغيير في أفكار الناس.”
لكن رغم أن آرتيا هي من تمهّد الطريق، فإن قدرة هذا التغيير على الاستمرار والاتساع تعود إلى شعب الكودران أنفسهم.
“رجاءً، أرسل لي شخصًا مختارًا بعناية، يتمتع بالمثابرة والذكاء، وصاحب خلقٍ رفيع.”
فهذا الشخص هو مَن سيُحدث التغيير.
تغيير نظرة الخدم الذين يعملون في قصر إيدينبرغ، والتجّار الذين يزورونه، والنبلاء كذلك.
ظهر على وجه الممثل توترٌ واضح.
“مجرد عامل، لكنه يحمل مسؤوليةً كبيرة.”
“هل العبء ثقيلٌ لدرجة أنكَ لا تستطيع العثور على الشخص المناسب؟”
أجاب الممثل بنبرة تحدٍ، وكأنه يرفض الفكرة.
“الشباب في القرية، الذين كانوا يراقبون الوضع بصمت، يطمحون الآن للنجاح مثل لوكا. سأختار من بينهم من يتمتع بعزيمةٍ تفوق عزيمة أبناء الإمبراطورية بثلاثة أضعاف، وسأتواصل معكِ قريبًا.”
ابتسمت آرتيا بلطف.
“سأكون في انتظاركم.”
***
بعد ذلك، زارت آرتيا عدة أماكن أخرى تتعلق بالأعمال، ثم عادت إلى القصر.
‘أنا مرهقة~”
لكن في غرفة الضيافة، كان هناك زائران غير متوقعين.
ديريك وإيان.
قطّبت آرتيا حاجبيها.
“يا أعمامي، حتى وإن كنا عائلة، فإن القدوم دون إبلاغي يُعد تصرفًا غير لائق.”
بدت على وجهي ديريك وإيان تعابيرُ انزعاج.
ديريك حاول إخفاء مشاعره، أما إيان فلم يفعل.
“لقد جئنا هنا لأنك تتهربين بحجة أنك مشغولة ولا تودين مقابلتنا!”
“لم أتهرّب منكما، بل كنت مشغولةً فعلًا.”
وقبل أن يضيف إيان شيئًا آخر، أوقفه ديريك.
“كفى. لقد مضى وقتٌ طويل منذ التقينا، فلا داعي لقول أمورٍ مؤلمة. بصفتنا الكبار، علينا أن نتفهم الوضع.”
رغم أنّ إيان كان غاضبًا، إلا أنه لم يُكمل حديثه.
لأن له مطلبًا.
“آرتيا، هل يمكنكِ إعطاؤنا المزيد من تذاكر العرض؟”
صحيح أنّ آرتيا هي مَن قادت المشروع، لكنه كان مشروعًا تابعًا لعائلة إيدينبرغ.
ولم يكن من اللائق تجاهل كبار العائلة.
لذلك، قبل بدء العرض، أعطت آرتيا بعض التذاكر لعمّيها وإيفانجلين.
لكن في ذلك الحين، لم يكن رد فعل ديريك وإيان إيجابيًّا.
“الناس يتحدثون عن العرض، لكنه في النهاية مجرد تحويلٍ لروايةٍ نسائية تافهة إلى عرضٍ مسرحي. ألا ترين أن الأمر سيثير الكثير من الجدل؟ هل سينجح هذا أصلًا؟”
“أخشى أن يفشل العرض ونتعرض للفضيحة. حينها ستكون نهاية عائلتنا فعلًا.”
لكن عندما نجح العرض، تغيّرت مواقفهم تمامًا.
تحدث ديريك مبتسمًا ابتسامةً باهتة.
“أصدقائي يزعجونني للحصول على التذاكر. يتوسلون لرؤيته، ولا يمكنني تجاهل ذلك، أليس كذلك؟”
مع نجاح العرض، بدأت الأنظار تتجه نحو ديريك، الذي كان في السابق عديم التأثير.
ولم يُرِد هو أن يفوّت تلك الفرصة.
لكن رد آرتيا كان باردًا.
“عمي، هناك الكثير من الناس مستاؤون لأنهم لم يستطيعوا الحصول على تذاكر. وإن بدأنا بتوزيعها هنا وهناك، فقد يتحدث الناس بالسوء عنا.”
ولم يكن ذلك هو السبب الوحيد.
“التذاكر التي تُباع دون قيد أو شرط تُعادل المال، وإن وزعناها مجانًا، فلن تُحتسب كدخلٍ بل كخسارة. ما لم تكن هناك ذريعةٌ واضحة، فلن أُعطيكم أي تذاكر.”
تغيّر تعبير ديريك حتى بدا وكأنه قد مضغ شيئًا مقرفًا، لكنه لم يستسلم.
“إذًا، فقط عشر بطاقات…”
ست بطاقات… بطاقتان…
لكن مهما ألحّ بإصرار، ظلّت أرتيا تهزّ رأسها، فأُصيب ديريك بالإحباط.
ومع تذمّر ديريك متسائلًا كيف يُمكن أن تكون قاسية إلى هذا الحد، تقدّم إيان بعد أن دفعه جانبًا.
“متى ستُقسّمين المال؟”
ارتفع حاجبا أرتيا.
“المال؟”
“نعم، إن شركة إيدينبرغ تُحقق أرباحًا ضخمة.”
فنجاح العرض المسرحي، إضافة إلى المجوهرات والفساتين المرتبطة به، حقق دخلًا جانبيًا هائلًا.
لقد شاع بين الناس أنّ أموال العاصمة كلها تتدفّق إلى إيدينبرغ.
“هذا المال ليس ملككِ وحدكِ. من الطبيعي أن تتقاسميه معنا.”
سارع ديريك المتجهم هناك إلى التدخل مؤيدًا، وهزّ رأسه تأكيدًا.
نظرت أرتيا إلى الرجلين الطامعين بصمت، ثم أشارت بعينيها إلى فيفي.
بدأت فيفي تُحضر رُزمًا من الملفات وتضعها على الطاولة.
حتى إن الطاولة لم تعد تتّسع، فغُطّيَت الأرضية أيضًا بالأوراق.
“هذه جزء من الأوراق التي راجعتُها وكتبتُها منذ أن أعلنتُ عن المشروع الجديد. في المكتب ضعف هذا الكم تمامًا من الوثائق مكدّس أيضًا.”
“وماذا يعني ذلك؟ هل تريدين أن تتفاخري لأنكِ جمعتِ المال بمشقّة؟”
“نعم!”
“…..!”
“لقد نلتُ هذه النتائج بعد جهدٍ وسهرٍ دون نوم. صحيح أنّ ما أُنجزه من خلال الشركة يُعدّ جزءًا من ثروة العائلة، لكن كل ما تحقق من مساهمات يعود إليّ وحدي.”
كان كلامها يتعدى الجرأة ليصل إلى الغرور، فلم يجد الرجلان ما يقولانه.
لكن ديريك تمالك نفسه.
“لا تقولي إنكِ تنوين فعل ما فعله شقيقُنا بنديكت… أن تستحوذي على كل شيء وتُهمّشينا؟”
“فقط جرّبي ذلك، حتى لو كنتِ ابنة أخينا، فلن نغفر لكِ!”
لكن أرتيا أجابت بهدوء وهي تُحدّق في عمّيها المخيفَين.
“بصفتي الابنة الشرعية لدوقية إيدينبرغ، سأرعى العائلة. سواءً كانوا من الفرع الرئيسي أو الفرع الجانبي، إن احتاج أحدٌ إلى المساعدة، فسأُقدّمها. وسأواصل إعطاءكما مصاريفكما الشهرية كما في السابق. لكن…”
تعمّق بريق اللون الوردي في عيني أرتيا.
“إن كنتما تحتاجان إلى أموالٍ إضافية، فعليكما أن تبذلا جهدًا للحصول عليها.”
“ماذا؟!”
“أحضرا لي ملفًا يُبيّن متى، وكيف، ولماذا تحتاجان المال، وأقنعاني. إن رأيت أن السبب مناسب، فسأُعطيكما المال.”
قالت أرتيا ذلك وهي تبتسم.
أما عمّاها، فلم يتمكّنا حتى من التظاهر بابتسامة.
بعد أيام، جاءت إيفانجلين وهي تضحك بصوتٍ عالٍ.
“لقد قلتِ كلامًا جريئًا حقًا. لقد اجتمع إخوتي وسخروا منكِ قائلين إنكِ تختلقين أعذارًا حتى لا تعطيهم المال…”
“وماذا فعلتِ حينها؟”
“طردتُهم بعد أن صفعتُ مؤخراتهم، وقلتُ لهم أن ينضجوا قليلًا.”
قالت إيفانجلين ذلك وهي ترسم على وجهها ملامح الارتياح.
ثم، بعدما ارتشفت رشفةً من الشاي، أضافت:
“أرتيا، لقد أحسنتِ التصرف حقًا.”
كان الكثير من الناس، ومنهم ديريك وإيان، يُقلّلون من شأن نجاح أرتيا، ويقولون إنه مجرد حظ.
لكن من يعرف أرتيا حقّ المعرفة، كان يدرك الحقيقة.
أن كل هذا المجد لم يأتِ إلا بفضل جهدها.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿《التليغرام》
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 163"