الفصل 160 : كسر البيضة والخروج منها ⁴³
“سيّدتي.”
“هممم؟”
رفعت أرتيا رأسها بينما كانت تتحدث مع الآخرين.
فتح ميخائيل وساندرا أعينهما على وسعهما عندما رأيا ذَلك.
(هل يُعقل أنْ الصغير ينوي التحدث بثرثرة السكر أيضًا أمام المديرة؟!)
غطّى الاثنان أفواههما بدهشة، لكن لَمْ يمنعاه. لَمْ يكُن باستطاعتهما تفويت هَذا المشهد الممتع.
وحين التقت عينا أرتيا بعيني لوكا، فتح فاه وتحدث.
“أُحبّكِ.”
أنْ يُلقي باعتراف فجأة!
سدّ ميخائيل وساندرا أفواه بعضهما بعضًا بذهول، وبدأا يتخبّطان.
وسرعان ما استعاد رام وعيّه واتّخذ تعبيرًا مُشابهًا لهما.
ساد صمتٌ لحظي داخل الحانة التي كانت صاخبةً منذ لحظات.
وفي ظلّ أنظار الجميع، اتسعت عينا أرتيا، ثم سرعان ما أغمضتهما بلطف.
“وأنا أُحبّ لوكا أيضًا.”
“……!”
حتى وهو مخمورٌ وغير واعٍ تمامًا، استطاع لوكا أنْ يُدرك.
أنّ سيدته لا تراه كرجلٍ حقًا.
أحسّ بألمٍ كاد يُمزّق صدره.
وفي اللحظة التي ترقْرقت فيها الدموع في عيني لوكا، أمسك بهِ ميخائيل وساندرا مِن ذراعيه وسحباه إلى الخارج.
“يبدو أنْ الصغير قد سكر كثيرًا.”
“يجبُ أنْ يستنشق بعض الهواء.”
وفور خروجه مِن الحانة، انفجر لوكا بالبكاء كطفلٍ صغير.
“ههيييك!”
ولو رآه نادي معجبيهِ المتعصبين، لصرخوا قائلين: (مَن الذي أبكى صغيرنا؟!) حتى يعثروا على الجاني ويدفنوه.
ربّت ميخائيل على ظهر لوكا.
“لوكا، الحُب الأول عادةً لا يُكلَّل بالنجاح. حتى رجلٌ مثلي لَمْ ينجح فيه. لذا، لا تتألم كثيرًا.”
وأضافت ساندرا تُشجّعه.
“لَمْ يَحن وقت الاستسلام بعد. ستُصبح رجلًا أكثر روعةً مِما أنتَ عليه الآن. وعندها، سترى المديرة هيئتكَ بشكلٍ مُختلفة.”
وتقدّم رام، الذي كان قد لحق بهم دوّن أنْ يشعروا، بتعبيره الجاد الذي لَمْ يروه سوى أثناء التدريبات.
“لِتُجيد التعبير عن مشاعرك، لا بد مِن أنْ تختبر مشاعر متنوعة. المشاعر التي شعرتَ بها اليوم ستكون غذاءً لكَ.”
“وهل جرّبتَ الحبّ أنتَ مِن قبل؟”
فصفعت ساندرا كتف ميخائيل بسبب رده.
“هل تظنّه لَمْ يرد؟ بل لَمْ يستطع!”
“أغلِقا فميكما كلاكما.”
وسط تعازيهم، انهمرت دموع لوكا بغزارة.
***
خرجت أرتيا مِن الحانة قبل الآخرين.
وحين رآها العمّال تعود إلى المنزل، خطرت لهم فكرة.
(رغم انشغالها الدائم، إلا أنها تعود في الوقت نفسه كل يوم… يبدو أنْ الالتزام بالوقت مهمٌ حتى لدى المديرة.)
لكن الحقيقة كانت غير ذَلك.
فالسبب الذي جعل أرتيا تُسرع في العودة… كان كيليان.
وما إنْ دخلت أرتيا إلى غرفتها حتى ظهر كيليان وكأنه كان بانتظارها.
وحين رأته، هرعت أرتيا التي كانت تقف عند النافذة لتعانقه بشدة.
رغم أنهُما التقيا قبل بضع ساعات في المسرح، إلا أنْ وجود الناس حينها أجبرها على كبت مشاعرها.
أما الآن، فقد تمكّنت أخيرًا مِن التعبير عنها بصدق.
“اشتقتُ إليّكَ.”
فانحنى كيليان قليلًا وطبع قبلةً على وجنتها البيضاء.
قبلة.
وسرعان ما بادَلته أرتيا ااقبلة على وجنته.
قبلة، قبلة.
لَمْ يتغيّر سوى وصف العلاقة مِن صداقة إلى احباء، لكن مشاعر الحب المتأجّجة بدت وكأنها انفجرت فجأة.
(مِن العجيب كيف كنتُ أُخفيها حتى الآن.)
واحتضنته أرتيا وهي تحكي له بمرح عما حدث اليوم.
وكيليان، بدلًا مِن الرد بالكلام، كان يُقبّل خدها بين الحين والآخر وهو يُنصت إليّها.
ثم نظر إلى الساعة وقال:
“إنها الثانية عشرة.”
ومنذُ أنْ أصبحا حبيبين، قضيا ليالي متتالية معًا.
ورغم أنْ كيليان بدا بخير، إلا أنْ أرتيا لَمْ تكُن كذَلك.
إذ كانت ذات بنيةٍ ضعيفة، وكانت تبدو وكأنها على وشك الانهيار في كل مرة، وتواصل أداء مهامها بصعوبة.
فما كان مِن كيليان إلا أنْ يضع قاعدة.
“سأعود حين تصبح الساعة الثانية عشرة.”
(هل أنتَ أميرٌ أم سندريلا؟)
نظرت إليّهِ أرتيا وهي تنفخ خدّها، فضعف قلب كيليان أمام هَذا المنظر، لكنه تماسَك وتمسّك بالقاعدة التي وضعها بنفسه.
وأمسكت أرتيا بذراعهِ وهي تُقطّب حاجبيها بحزن.
“لَمْ يَمضِ على لقائنا سوى ثانية! هل ألقيتَ عليّ سحرًا أم ماذا؟”
ردّ كيليان على عبارتها التي قالتها بنبرة مازحة.
“لو كان لديّ مثل تلكَ القدرة، لأوقفتُ الزمن.”
“…….”
كلماته تلكَ، التي ألقاها بوجهٍ مغرور، كانت شديدة الوقع في قلبها.
فخفق قلبُ أرتيا بشدة.
وهي تشعر بالامتنان لأنها لَمْ تعُد مضطرةً لإخفاء هَذا الشعور، تذكّرت فجأةً الوضع الراهن.
ورغم أنّ خبر “قلب دوق الشمال المشتعل” قد شغل الناس كثيرًا، إلا أنَّ الحقيقة التي تفيد بأنَّ كيليان يستطيع استخدام السحر قد باتت معروفةً للعالم بأسره.
أحسّ كيليان بقلق أرتيا.
“لا داعي للقلق. لَمْ يتغيّر شيء سوى أنّ الأصوات المنادية بأنَّ يُصبح كيليان فون أورفيوس إمبراطورًا قد ازدادت.”
لكن عينيه الذهبيتين كانتا تشعّان بثقلٍ عميق.
فنظرت إليّهِ أرتيا مطولًا.
“جلالتُك… هل لا ترغب في أنْ تُصبح الإمبراطور؟”
كانت عينا كيليان قد اتّسعتا قليلًا.
بالنسبة إلى كيليان، كان أنْ يُصبح إمبراطورًا أمرًا بديهيًا، كالدراسة اليومية، لَمْ يفكر يومًا طَوال حياتهِ فيما إذا كان يرغب بذَلك أم لا.
وبينما كان يُقطّب حاجبَيه طويلاً، فتح كيليان فمه.
“أنا أفتخر بانتمائي إلى العائلة الإمبراطورية، ولدي طموحٌ في جعل هَذهِ الإمبراطورية أكثر ازدهارًا. ولكن حين أتخيّل نفسي وأنا أجلس على عرش الإمبراطور…”
وضع كيليان يده على صدره.
“يَخِيلُ إليّ كأنَّ صخرةً تسقط على قلبي.”
لَمْ يشعر بأيِّ فرح.
فالعرش الإمبراطوري كان مِن حق أرسين أصلًا.
قبل أنْ تمنع الإمبراطورة لقاءه به، كان كيليان الصغير يذهب إلى غرفة أرسين كثيرًا ويتحدث معه كثيرًا.
“حين يُصبح أخي إمبراطورًا، سأُصبح أنا دوقًا.”
“دوق؟”
“أجل، دوق أورفيوس. أليس ذَلك رائعًا؟”
“أجل، إنهُ رائع للغاية!”
“الدوق هو الأقوى بين النبلاء. إذا كان هُناك مَن لا يُطيعك مِن النبلاء، فسأُلقّنهم درسًا. لذا لا تقلق، وركّز فقط على إدارة البلاد.”
رمش أرسين بعينيه الشاحبتَين، ثم تحدث بصوتٍ واهن.
“أنا ضعيفٌ لدرجة أنّني لا أستطيع حتى الخروج مِن غرفتي، فهل سأُحسن أداء هَذهِ المهمة؟”
“طبعًا! أنتَ ذكيٌ لأنكَ تقرأ الكثير مِن الكتب. والمعلم قال إنّ مَن يتمتّع بعقلٍ راجح يُمكن أنْ يُصبح إمبراطورًا عظيمًا.”
كان أرسين يسمع يوميًّا أنه سيموت قريبًا.
لَمْ يكُن أحد، حتى الإمبراطورة نفسها، يُعلّق عليه أيِّ آمال.
ولهَذا، كان إيمان أخيه الصغير بهِ ثمينًا ككنزٍ لا يُقدّر بثمن.
ابتسم أرسين بابتسامةٍ صافية.
“شكرًا لكَ، كيليان.”
تذكّر كيليان ذَلك الوقت.
“ما أتمناه هو أنْ يستعيد أخي عافيته ويجلس على العرش الإمبراطوري.”
كانت عيناه الذهبيتان تلمعان ببراءةٍ وحزنٍ كعيني طفل، حتى شعرت أرتيا بوخزٍ في قلبها.
(الناس في هَذا العالم لَن يعرفوا أبدًا).
أنّ هَذا الرجل الذي يُلقّب بـ الأمير المجنون يملك جانبًا رقيقًا ودافئًا كهَذا.
أمسكت أرتيا بيد كيليان.
“صاحب السمو أرسين رجلٌ قويّ بما يكفي لتحمّل كل تلكَ الأمراض حتى الآن. وسيُصبح أكثر قوّةً وعافية.”
كانت كلماتها أشبه بالخيال، كقول إنْ الإنسان يُمكنه أنْ يطير في السماء.
لكنّ ما تضمّنته مِن صدقٍ جعل كيليان يبتسم بطرف شفتَيه، كما لو أنّه شعر بالعزاء.
***
تمكّن كيليان أخيرًا مِن وداع أرتيا وعاد إلى القصر الإمبراطوري.
كان الوداع يزداد صعوبةً يومًا بعد يوم.
كان يرغب في احتضان جسدها الصغير والناعم، والاستمتاع بعطرها الخفيف، وسماع صوتها.
(لقد افترقنا قبل لحظات، وها أنا أفتقدُها مُجددًا…).
دخل كيليان غرفة نومه وهو يضع على وجههِ تعبيرًا حائرًا، وما إنْ فعل، حتى اتسعت عيناه.
كان أرسين يجلس في الغرفة الواسعة على كرسيٍّ خشبيٍّ متحرّك.
“أخي! كيف جئتَ إلى هُنا؟…”
ابتسم أرسين ابتسامة خفيفة.
“طلبتُ مِن نوكتورن أنْ يسمح لي بالدخول.”
كان نوكتورن واقفًا إلى جانب أرسين، وقد ارتسمت على وجههِ ابتسامةٍ مُحرجة وهو يراقب كيليان.
لَمْ يكُن نوكتورن يُدخل أحدًا إلى غرفة كيليان دوّن إذنه، حتى ولو كان الإمبراطور نفسه.
لكن أرسين كان حالةً خاصة.
كان كيليان يُعطي الأولوية القصوى لأرسين في كلّ أمر.
وكان نوكتورن، المُدرك لمشاعر سيّده، غير قادرٍ على إعادته.
لذا بقي طوال الوقت إلى جانبه، بذريعة أنّه يُقدّم له الرعاية، لكن في الواقع، كان يُراقبه حتى لا يفعل شيئًا مريبًا في غرفة كيليان.
سواء كان أرسين يعلم ذَلك أم لا، فقد ابتسم ببراءة.
“شكرًا لكَ يا نوكتورن لأنكَ انتظرت كيليان معي.”
وخز.
شعر نوكتورن بوخزٍ في ضميره فانحنى رأسه.
“أعتذر على تطفّلي.”
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿《التليغرام》
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
التعليقات لهذا الفصل " 160"