وكأنهم أرادوا البقاء في تلكَ اللحظة الحالِمة إلى الأبد.
“كان تمثيلُ الممثلين مذهلًا حقًا. كنا نعلم أنهم موهوبون، لكن هَذهِ هي المرة الأولى التي يُظهرون فيها مثل هَذا السحر الفريد.”
“وكذَلك الإخراج. لَمْ أكًن أعلم أنْ المخرج رام قادرٌ على إخراج عرضٍ بهَذهِ الجرأة.”
وانصبّ اهتمام الناس المُتزايد على المنتجة أرتيا أيضًا.
“دوقة إيدينبرغ، لدينا الكثير مِن الأسئلة حول العرض.”
تحلّقت مجموعةٌ مِن الناس حول أرتيا وتحدّثت معهم لمدّة ساعة تقريبًا.
“بما أنه اليومُ الأوّل للعرض، فلا يزال لديّ الكثير لأقوم به، لذا سنكتفي بهَذا القدر الآن. سأقوم بتنظيم لقاءٍ رسميٍّ لاحقًا لنُكمل الحديث، فأرجو أنْ تُشاركوني في ذَلك الوقت.”
وتركت أرتيا الحضورَ المُتحسّرين خلفها وتوجّهت إلى غرفة الاستراحة.
رغِب العديد مِن النبلاء بلقاء الممثلين، لكن الدخول كان ممنوعًا بشدّة.
لذَلك، نهض الممثلون الذين كانوا يستريحون بهدوء فور رؤيتهم لأرتيا.
“سيّدتي!”
وكان لوكا هو أول مَن ركض نحوها بسرعةٍ لافتة وعيونه تتلألأ.
“كيف كنتُ اليوم؟ هل كنتُ جيّدًا؟”
‘أرجوكِ، امدحيني!’
وكان لوكا ينتظر التقدير لدرجة أنّ ميخائيل وساندرا تمكّنا مِن تمييز ما في قلبه بمُجرد أنْ تمتم بكلماته.
لكن بدلًا مِن أنْ تُربّت أرتيا على شعره الأحمر، نظرت إلى لوكا وبقية الممثلين.
“لقد أحسنتم جميعًا اليوم. لقد قدّمتم أداءً فاقَ ما تدربنا عليه، واستطعنا إنهاء العرض بنجاح بفضلكم.”
بدت علامات الفخر على وجوه الممثلين بعد سماع مديحها.
“كنتُ أودّ الحديث معكم أكثر، لكن لديّ أمرٌ طارئ، لذَلك يجب أنْ أذهب الآن. هل يُمكنني ذَلك؟”
تكلّم رام، الذي كان مُستلقيًا على الأرض مُنهارًا مِن الإرهاق، نيابةً عن الجميع.
“لا بدّ أنكِ مُنهكةٌ مِن العمل دوّن أنْ تنامي دقيقة، فاذهبي وانهاري في سريركِ. نحنُ سنفعل الشيء نفسه.”
“شكرًا لكم. أنتم أيضًا، ارتاحوا اليوم، وسنلتقي مُجددًا صباح الغد.”
أدارت أرتيا جسدها وغادرت غرفة الاستراحة بسرعة بعد أنْ ألقت التحية.
دوّن أنْ تُمهل لوكا فرصةً أخرى للكلام.
“سيّدتي، أنا أيضًا أريد أنْ—”
لكن ميخائيل وساندرا أمسكا بلوكا، الذي كان يُحاول اللحاق بها.
“أوه، صغيرنا يجب أنْ تأتي معنا إلى حفلة ما بعد العرض، أليس كذلك؟”
***
بمُجرّد أنْ ركبت أرتيا العربة، تغيّر وجهها.
اختفى الهدوء والثبات اللذان كانت تُظهرهما أمام الناس، وتحدّثت بسرعة.
“إلى القصر، بأسرع ما يُمكن.”
وبمُجرّد أنْ وصلت العربة إلى القصر، بدأت أرتيا تركض.
لَمْ تُجب على تحيات الخدم بشكلٍ لائق، وأسرعت نحو باب غرفتها وفتحته.
كان كيليان مُستلقيًا على سريرها.
بنفس الهيئة التي تركته عليها قبل خروجها.
سألت أرتيا نوكتورن، الذي كان واقفًا بجانب كيليان.
“كيف حالُ سموّه؟”
“ما زال نائمًا حتى الآن.”
ارتعبت أرتيا فجأة.
“هل هو بخير؟”
“نعم، الطبيب الذي جاء قبل قليل قال إنه نائمٌ نومًا هادئًا، فلا داعي للقلق.”
تنفّست أرتيا الصعداء بعد سماع ذَلك.
“بما أنّ الدوقة إيدينبرغ قد وصلت، فسأنصرف الآن.”
وغادر نوكتورن الغرفة بسرعة وهو يُخفي سعادته الغامرة.
غرفةٌ لَمْ يبقَ فيها سوى اثنين.
جلست أرتيا بجانب السرير، ونظرت إلى كيليان المُغمض عينيه وهمست بهدوء.
“لقد عدتُ.”
وفي تلكَ اللحظة، حدث أمرٌ مدهش.
تمامًا كما في القصص التي تنكسر فيها اللعنة عن الأميرة، فتح كيليان عينيه.
“ألَمْ تكُن نائمًا؟”
“استيقظتُ للتو، لأنني سمعتُ صوتكِ.”
نظرت إليّه أرتيا بوجهٍ يدلّ على أنها لا تُصدّق، بينما تكلّم كيليان بهدوء.
“هل سارت أولُ عُروضكم بشكلٍ جيّد؟”
تأخّرت أرتيا لحظة قبل أنْ تُجيب.
“نعم.”
ثم تابعت كلامها بصوتٍ مرتجف.
“قمنا بإعادة ترميم كلّ ما تضرر بسبب الحريق، وتمكّنا مِن عرض المسرحية كما أردنا. وكانت ردود أفعال الجمهور مذهلة.”
“إذًا، ما بكِ؟”
“ماذا تقصد؟”
نظر كيليان إليّها مُباشرةً.
“أنتِ حزينة.”
“… وكيف عرفتَ ذَلك، سموّك؟”
“ببساطة، لأنني أراكِ.”
شعرت أرتيا وكأنها على وشك البكاء.
وبَعد لحظات، تكلّمت أرتيا كطفلة تُعبّر عن مشاعرها.
“لَمْ تكُن في قاعة العرض، يا سموّ الأمير…”
“……”
“كنتُ أرغب بشدّة في أنْ أُريكَ العرض أكثر مِن أيِّ شخصٍ آخر.”
وكانت تلكَ الهيئة التي بدت عليها في غاية الجمال.
رفع كيليان يدهُ بصعوبة — إذ لَمْ يكُن قادرًا بعد على تحريكها جيدًا — ولمس خد أرتيا الأبيض برفق.
“سآتي غدًا.”
“……”
“واليوم الذي بعده، والذي بعده أيضًا، وحتى العرض الأخير… سآتي كلّ يوم.”
عقَدت أرتيا حاجبيها قليلًا.
“لَن يكون مِن السهل الحصول على تذكرة، أليس كذَلك؟”
“لا داعي للقلق بشأن ذَلك، نوكتورن كفءٌ بما يكفي.”
قهقهت أرتيا ضاحكة.
“يا سموّ الأمير.”
“نعم؟”
“أنا… أُحبُّكَ.”
“……”
كان اعترافها طبيعيًا لدرجة أنْ كيليان لَمْ يُدركه إلا بعد لحظات طويلة.
ثم قالت له أرتيا، التي بدت عليها ملامحٌ لَمْ تظهرها مِن قبل في حياتها.
“عندما أكون برفقتكَ، يخفقُ قلبي بشدّة، ويتوهّج وجهي. أرغبُ في النظر إلى عينيكَ، وأرغب في الإمساك بيدك.”
“……”
لَمْ يستطع كيليان قول أيِّ شيء.
فهَذا الموقف لَمْ يبدُ واقعيًا بالنسبة له.
لكن صوت أرتيا استمر في الوصول إلى مسامعه.
“لكنني كنتُ أُخفي مشاعري بكلّ ما أوتيت مِن قوّة.”
“……لِمَ؟”
ارتعشت نبرة كيليان المُتكبّرة الواثقة.
عبست أرتيا قليلًا.
“لأننا… لسنا رجُلًا وامرأة عاديين.”
فكيليان هو ولي العهد المُنتظر ليُصبح الإمبراطور القادم، ويجب عليه الزواج مِن امرأةٍ تُصبح الإمبراطورة وتُشاركه حُكم البلاد.
أما أرتيا، فهي الابنة الشرعية لدوق إيدينبرغ وتبحث عن زوجٍ يحمل اسم عائلتها.
لَمْ يكونا مناسبين لبعضهما البعض.
لذَلك، حاولت أرتيا أنْ تُخفي مشاعرها. أرادت أنْ تبقى مُجرّد صديقةٍ له.
لكن لَمْ يعُد الأمر مُمكنًا.
فالحب ليس شيئًا يُمكن تحمّله أو كتمانه.
“أُريد أنْ أُصبح حبيبة سموّ الأمير.”
وكان ذَلك هو القرار الذي توصّلت إليّه أرتيا.
الحب شيء، والواقع شيء آخر.
لَمْ تكُن قادرةٌ حتى على الحلم بالزواج.
ومع ذَلك، كانت ترغب في أنْ يكون ما بينهما علاقةٌ مميزة وخاصة.
حتى وإنْ كانت علاقة هشّة لا تعرف إلى متى يُمكنها أنْ تستمر.
“هل هَذا مُمكن؟”
ظهر التردد والقلق في صوت أرتيا.
فـ كيليان أميرٌ و وليّ العهد.
رغم أنه قد اعترف لها بمشاعره، إلا أنه قد لا يرغب في التقرّب أكثر…
اتّسعت عينا أرتيا فجأة.
فالرجل الذي يُلقّب بـ’الأمير المجنون’ ويهابه العالم بأسره، بدا وكأنه على وشك البكاء.
مدّ كيليان يده وعانق أرتيا بشدّة.
دقّ، دقّ، دقّ.
صوت نبضات قلبه القويّة التي بدت وكأنها ستنفجر، رافقها صوتٌ منخفض.
“نعم.”
وفي تلكَ الكلمة القصيرة، شعرت أرتيا بسعادةٍ جارفة، جعلت الدموع تتجمّع في عينيها.
بادلت كيليان العناق بشدّة.
ثم، بطريقةٍ طبيعية، تلامست شفاههما.
في البداية كان مجرّد قُبلةٍ خفيفة، ثم بدأ الوقت الذي تلامست فيه شفاههما يطول شيئًا فشيئًا.
تحدثت أرتيا وهي تلهث مِن الحماسة.
“هَذهِ المرّة… لا يُمكنك نسيانها.”
“هَذا ما أردتُ أنْ أقوله أيضًا.”
وبينما يقول ذَلك، تلاقت شفاههما مرةً أخرى.
***
في اليوم التالي، ظهر كيليان في قاعة العرض.
وبدا بمظهرٍ واثقٍ وفخور، لدرجةٍ يصعب تصديق أنه قد استهلك كامل قوته السحرية قبل يومين وسقط مغشيًّا عليه، أو أنه قضى ليلته الماضية يُقبّل امرأةً.
تابع كيليان العرض بذراعين متشابكتين ووضعٍ متكبّر.
وبعد نهاية العرض، اقترب مِن أرتيا التي كانت مُحاطةً بالناس.
“كان عرضًا رائعًا سيُسجَّل في تاريخ الإمبراطورية، أرتيا فون إيدينبرغ.”
ولَمْ تتوقّف الإشادة غير المعتادة مِن كيليان عند هَذا الحد.
فمنذُ ذَلك الحين، بدأ كيليان يحضر العرض يوميًا، دوّن أنْ يفوّت يومًا واحدًا.
وسرعان ما بدأت النكات تنتشر عنه.
“قصة حبّ دوق الشمال التي جعلت حتى الأمير المجنون يقع في حبها بجنون.”
وكانت ردود أفعال الجمهور الذين حضروا العرض لا تقلّ حماسة عن ذَلك.
[“في المسرح، عليك أنْ تتخلّى عن كرامة النبلاء.
تضحك بصوتٍ عالٍ، وتبكي كالأطفال، وفي النهاية تتوسّل لترى العرض مرةً أخرى.”]
[“قد يكون هُناك مَن لَمْ يحضر العرض أبدًا، لكن لا يوجد مَن شاهده مرّة واحدة فقط.
فكلّما تكرّرت العروض، ازداد عدد الراغبين في مشاهدتها مرّةً أخرى كما لو أنهم فطرٌ يتكاثر.”]
[“وبسبب صعوبة الحصول على التذاكر، ارتفعت أسعارها بشكلٍ جنوني.
حتى أنّ الناس صاروا يقولون: لَمْ يعُد مِن الممكن الحصول على تذكرة حتى وإن قدّمتَ منجم ألماس كامل، لا مُجرد قيراط واحد فقط!”]
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿《التليغرام》
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 157"