“لحسن الحظ، لَمْ يكُن هناك أيُّ خادمٍ مكث في القصر فترةٍ طويلةٍ مثلي. لذا، استطعتُ الهروب عبر ممر لا يعرفهُ سواي، وتمكنت مِن التملص منهم.”
قال لوكا ذَلك وهو يبتسم، رغم وجهه المليء بالكدمات والجروح.
لَمْ يكُن هُناك أثرٌ للخوف أو الصدمة مِما تعرض له.
كان يشعر فقط بالفرح لنجاحهِ في الهروب وعودته بسلام إلى جانب أرتيا.
لكن أرتيا لَمْ تستطع أنْ تبتسم مثله.
رؤية وجهها المُتجهم جعلت الابتسامة تختفي مِن وجه لوكا.
نظر إليّها بحذر.
“سيدتي، هل أنتِ غاضبة؟”
“لا.”
لكن الحقيقة أنها كانت تغلي مِن الداخل.
كان غضبها موجّهًا نحو تنغويل.
ومع ذَلك، لَمْ يكُن الوقت مناسبًا لإظهار هَذهِ المشاعر أمام طفلٍ جريح.
أجبرت أرتيا نفسها على إظهار تعبيرٍ هادئ.
“الآن بعد أنْ فهمتُ ما حدث، مِن الأفضل أنْ ترتاح.”
“حسنًا.”
“إذا ارتفعت حرارتكَ أكثر، فسيكون الأمر مُتعبًا. لقد طلبتُ مِن سوزان أنْ تعتني بك، لذا إنْ احتجت إلى أيِّ شيء، أخبرها فورًا.”
‘بدلًا مِن رئيسة الخادمات، ألا يمكنكِ أنتِ البقاء بجانبي؟’
كادت الكلمات تخرج مِن فمه، لكنه بلعها في اللحظة الأخيرة واكتفى بهزّ رأسه موافقًا.
***
كما توقع الطبيب، ارتفعت حرارة لوكا كثيرًا.
بسبب الحمى وتأثير الدواء، نام بعمق كما لو كان قد فقد وعيّه.
لَمْ يكُن لوكا مريضًا في العادة.
أو بالأحرى، لَمْ يكُن مسموحًا له بأنْ يمرض.
فَبمجرد أنْ يقول إنهُ متعب، كانت تنهال عليه الانتقادات.
“هاها، كودراني ولا يستطيع حتى العمل؟ إذا كنتَ لا تستطيع النهوض فورًا، فَمِن الأفضل أنْ تموت فحسب.”
وكانت جدتُه نوما كذَلك.
كانت امرأةً عجوزًا تكافح يوميًّا مع العمل الشاق، ولَمْ يكُن يريد أنْ يثقل كاهلها بمخاوف إضافية.
لذا، كل ما كان يستطيع فعله وهو طفلٌ صغير هو أنْ يتحمل الألم بصمت، ويخفي ضعفه بينما يضمّ جسده النحيل إلى نفسه.
***
عندما فتح لوكا عينيه، كان قد بلغ الثامنة عشرة.
بدا شاحبًا وضعيفًا، لكن سرعان ما اتسعت عيناه في دهشة.
كانت أرتيا أمامه.
“سي… سيدتي…!”
حاول النهوض فجأةً، لكنها منعته برفق.
“لا تزال حرارتكَ مرتفعة. ابقَ مُستلقيًا.”
“…..”
قبل قليل، كانت قد طلبت مِن إحدى الخادمات الاعتناء بهِ وخرجت.
إذن، لماذا هي هُنا الآن؟
نظر إلى النافذة ورأى أن السماء لا تزال مظلمة.
كان الفجر قد بدأ بالكاد.
بلّلت أرتيا منشفةً بالماء وقالت بصوتٍ هادئ.
“هَذا قد يبدو غريبًا بعض الشيء، لكنني طلبتُ مِن سوزان العناية بكَ سابقًا لأن هُناك الكثير مِن العيون التي تراقبنا. لو رأى الآخرون أنني أعتني بخادمٍ مريض بنفسي، فقد يبدأ الخدم في نشر الشائعات.”
لوكا كان يلفت الانتباه بالفعل بأكثر مِن طريقة.
وإذا رآه الخدم يتلقى معاملةً خاصة مِن أرتيا، فقد ينظرون إليّه بازدراء، تمامًا كما حدث مع بيبي في الماضي.
“لذا، قررتُ أنْ أبدّل معها في وقتٍ متأخر مِن الليل. في هَذهِ الساعة، يكون الجميع في غرفهم للراحة.”
ثم أضافت كما لو أنها تذكرت شيئًا.
“بالمناسبة، زملاؤك الذين ينامون معك في الغرفة انتقلوا مؤقتًا إلى مكانٍ آخر. لا نريد أنْ تنتقل العدوى إليّهم، لذا لا تقلق بشأنهم، وركّز فقط على الراحة.”
قالت ذَلك وهي تضع المنشفة المُبللة على جبينه.
عندما لامست المنشفة الباردة جبينه المحموم، تلاشى الألم وشعر بالراحة.
بدأ النعاس يغلبه مِن جديد.
“لا أريدُ أنْ أنام…”
كانت معجزةً أنْ تبقى سيدته بجانبه.
أراد أنْ يستمتع بهَذهِ اللحظة لأطول وقت ممكن.
لكن جسده المصاب كان بحاجةٍ إلى الشفاء، وبدأت عيناهُ تثقلان تدريجيًّا.
ظلّ يُحدّق بيأس في عيني أرتيا البنفسجيتين، حتى غلبه النوم أخيرًا.
***
أرادت أرتيا أنْ تذهب مُباشرة إلى تُنغوئيل لتفجّر غضبها، لكنها كتمت الأمر.
لقد تجاوزت الأمور مرحلة التهديد بالكلام.
“الكلمات لا تُجدي نفعًا مع تلكَ المرأة.”
كان لا بد مِن انتقامٍ قاسٍ تشعرُ بهِ بكل كيانها.
وبمُجرد أنْ بزغ الصباح، أجلت أرتيا جميع مواعيدها، وذهبت لمُقابلة السيدات النبيلات المُقربات منها.
***
قصر السيدة تنغويل
كانت تحتسي الخمر منذُ الظهيرة.
لَمْ تستطع كبح غضبها منذُ هروب لوكا.
كانت عيناها نصف مُغمضتين، وكانت تعضّ شفتيها بقهر.
“لوكا… أنتَ كلبي. أنتَ ملكي، أنا تنغويل!”
لَمْ يكُن حبًّا، بل كان عنادًا.
لَمْ تستطع تقبّل فكرة أنْ تُسلب منها لعبتُها المفضلة.
حتى إنها تناست خوفها مِن النبلاء.
“لو كانت تلكَ المرأة تملك القوة الكافية لأخذ شيءٍ يخُصني، لكانت قد اقتحمت المكان وأحدثت ضجةً بالفعل.”
لكن أرتيا لَمْ تظهر حتى.
“أرأيت؟ النبلاء ليسوا شيئًا مُميزًا.”
قهقهت بسخرية.
لكن فجأةً، انفتح الباب بعُنف، ودخل أحد الخدم.
“آن… آنستي! هُناك مشكلةٌ كبيرة!”
كان رجُلًا مُسنًّا يخاطبها بلقبٍ لا يليق بها.
كان اسمه جون، وهو كبير الخدم الذي خدم في القصر منذُ عهد والديها.
رمقته تنغويل بنظرة شرسة.
“أخبرتكم ألا يزعجني أحد! أتظن أنني سأكون رحيمةً لأنك عجوز؟!”
“مستحيل، آنستي! لكن الأمر طارئ للغاية، ولَمْ يكُن لدي خيارٌ آخر!”
“ماذا هُناك؟!”
صرخت بغضب، فتلعثم جون وهو يُجيب بصوتٍ خافت.
“جميع التجار قرروا قطع التعامل معنا. لقد أرسلوا إشعاراتٍ تُفيد بأنهم لَن يشتروا منتجاتنا بعد الآن.”
“ماذا…؟!”
كانت تنغويل تُدير تجارةً كبيرة في تربية الماشية.
ورغم أنْ هَذا العمل لَمْ يكُن راقيًا، إلا أنه كان مستقرًا لأن اللحوم ليست مِن المنتجات التي تتأثر بالموضة.
لكن فجأة، قرر الجميع التوقف عن التعامل معها؟!
“عندما استفسرتُ مِن أحد التجار، قال إنْ هُناك تدخّلًا مِن قبل النبلاء.”
“النبلاء؟!”
“نعم، وليس واحدًا أو اثنين، بل عشراتٌ منهم. قالوا إنهم لا يريدون أكل اللحوم التي توفرها عائلتنا، ومَن يُخالفهم سيجعلهم أعداء له.”
رغم أنْ التجار ادّعوا أنهم مُجبرون على ذَلك، إلا أنهم كانوا في الحقيقة سعداء بهَذهِ الفرصة.
فقد كانوا يبحثون منذُ فترةٍ عن عذر لقطع التعامل مع تنغويل، بسبب تراجع جودة لحومها عامًا بعد عام وارتفاع أسعارها.
لكنهم كانوا يخشون العواقب.
أما الآن، فقد حصلوا على فرصةٍ ذهبية للتخلص مِن هَذا العبء.
لكن تنغويل لَمْ تكُن تعلم بذَلك.
فبعد وفاة والديها في حادثٍ مُفاجئ، ورثت الأعمال التجارية للعائلة، ولَمْ تكُن تجيد شيئًا سوى إذلال مَن يعملون تحتها.
“ألَمْ تعاقبوا هؤلاء الأوغاد؟!”
شعر جون باليأس مِن رد فعلها العدواني حتى في مثل هَذهِ الأزمة.
“لو كان واحدًا أو اثنين، لتمكنا مِن التعامل معهم. لكن جميع التجار انسحبوا دفعة واحدة، وليس لدينا أيِّ حل.”
“وماذا تُريد مني أنْ أفعل؟!”
رمت تنغويل كأسها باتجاه جون بغضب.
“أنا أدفع لكَ المال لتتولى حلّ هَذهِ المشاكل! لا تأتِ إليّ وأنتَ تطلب المساعدة!”
أُصيب جون بجرحٍ في رأسهِ بسبب الكأس، لكنهُ حاول جاهدًا السيطرة على الوضع.
بدأ يزور التجار يوميًّا ليقنعهم بالعودة، ويتوسل إليّهم، بل لجأ حتى إلى التهديد.
لكنهم لَمْ يكترثوا، واكتفوا بالنظر إليّه بازدراء.
“لا تتوسل إلينا، بل اذهب إلى تنغويل. لا نعلم أيِّ نبيلٍ أغضبت، لكن مِن الأفضل لها أنْ تركع وتتوسل له. عندها، قد نُعيد التعامل معها.”
“لكن بالطبع، سيكون عليها أنْ تبيع بسعرٍ أرخص مِن السوق.”
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿《التليغرام》
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 152"