البحث عن زوج للدوقة - 149
الفصل 149 : كسر البيضة والخروج منها ³²
أوصلت أرتيا إلى لوكا رسالة مِن جدتهِ نوما.
“متى ما أردت رؤية جدتكَ، يُمكنكَ الذهاب إليّها.”
أجاب لوكا بأنهُ فهم ذَلك، لكنهُ لَمْ يذكر أيِّ شيءٍ عن جدتهِ بعد ذَلك.
ولَمْ يُغادر القصر قط.
“سمعتُ أنه لَمْ يكُن له سوى عائلةٌ واحدة، لكن يبدو أنَّ علاقتهُما ليست وثيقةً كما كنتُ أعتقد.”
لَمْ تكُن أرتيا تعرف السبب بالتحديد، لكنها لَمْ تسأل عن الأمر.
فَلَمْ يكُن مِن الصواب أنْ تفتح الموضوع بنفسها، فقد يشعرُ الاثنان بالحرج إنْ حاولت جمعهما بالقوة.
لكن بعد فترةٍ، خطرت لها فكرة.
‘رُبما كلاهُما يتحملان الأمر لأنهُما يشعران بأنهُما يًشكلان عبئًا عليِّ.’
بعد تفكيرٍ طويل، قررت أرتيا استدعاء نوما، قائلة إنَّ لديها ما تود الحديث عنه بشأن لوكا.
ورغم ألم ساقيها، جاءت نوما مسرعةً.
وما إنْ رآها لوكا، حتى اندفع ليُعانقها بقوة.
كان لوكا أطول مِن معظم الرجال البالغين، بينما كانت نوما امرأةً نحيلة صغيرة الجسد.
ومع ذَلك، بدا وكأنهُ هو مَن وجد الطمأنينة في حضنها.
ربتت نوما على ظهره بيدها المجعدة.
“هل كنتَ بخير؟ هل كنتَ تتناولُ طعامكَ جيدًا؟”
“نعم، كنتُ بخير. ماذا عنكِ، جدتي؟”
ابتسمت أرتيا وهي تُراقب المشهد الدافئ بينهما.
شعرت بالراحة لأنها لَمْ تتدخل عبثًا، لكنها في الوقت نفسه، تأسفت لأنها لَمْ تفعل ذَلك في وقتٍ أبكر.
انسحبت بهدوء، تاركةً لهُما بعض الوقت ليتحدثا براحة بعد طول الفراق.
***
لَمْ تمضِ ساعةٌ حتى أتت نوما إلى غرفة أرتيا، وانحنت لها احترامًا.
“شكرًا لكِ، سيدتي. بفضلكِ تمكنتُ مِن رؤية لوكا بعد مدةٍ طويلة.”
“أنا سعيدةٌ لأنكُما قضيتُما وقتًا جيدًا. لا داعي للعجلة، يُمكنكِ البقاء لفترةٍ أطول…”
“لا، لا حاجة لذَلك. يكفيني أنني رأيتُه بصحةٍ جيدة.”
كان في كلماتها حبٌ عميق لحفيدها.
“إذا اشتقتِ إلى لوكا، يُمكنكِ القدوم متى شئتِ.”
“سأفعل ذَلك.”
رفضت نوما عرض أرتيا بأنْ تستقل عربةً لمُغادرة القصر، وذهبت سيرًا على قدميها.
وقف لوكا عند بوابة القصر يُراقبها، ولَمْ يتحرك حتى اختفت عن ناظريه تمامًا.
بعد ذَلك، توجه مُباشرةً إلى مكتب أرتيا.
كانت هَذهِ أول مرةٍ يأتي إليّها دوّن أنْ تستدعيه.
“هل ودّعتَ جدتكَ كما ينبغي؟”
“نعم.”
أجاب لوكا، لكن عينيهِ كانتا حمراوين، وكأنهُ كان يكتمُ دموعه.
في تلكَ اللحظة، رأت أرتيا انعكاس نفسها في الماضي.
طفلةٌ صغيرة، كانت تعضّ شفتيها وتحبسُ دموعها خوفًا مِن أنْ تُوبَّخ.
‘هل لهَذا السبب أرغبُ بمساعدتهِ بهَذا الشكل؟’
“لوكا، أود دعوة جدتكَ إلى القصر مرةً كُل شهر، هل هَذا يُناسبكَ؟”
اتسعت عينا لوكا، وظهر على وجههِ نظرةٌ بدت وكأنه على وشك البكاء.
“شكرًا لكِ، شكرًا جزيلًا، سيدتي.”
“إنهُ أمرٌ أفعله لأنني أريدُ ذَلك، لا أكثر.”
حينها، قال لوكا بحزم، وعيناهُ البنفسجيتان تتقدان بإصرارٍ لَمْ يكُن فيهما مِن قبل.
“سأبذل جهدي بكُل ما أوتيت مِن قوة. وسأرد لكِ جميلكِ هَذا يومًا ما، سيدتي.”
رمشت أرتيا للحظة، ثم ابتسمت.
“أنا بانتظار ذَلك.”
***
في اليوم التالي، وصل رام إلى قصر إيدينبرغ، وقد ارتسمت على وجههِ كآبةٌ شديدة وكأنهُ يحمل على عاتقهِ كُل هموم الدنيا.
كان يسيرُ متكاسلًا إلى قاعة التدريبات، بينما كان يتذكرُ ما حدث معه في اليوم السابق.
كان قد حصل على إجازةٍ غير متوقعة، فاستلقى في منزله بلا هدف، أشبهَ بكائنٍ هلامي مُترهل.
ثم جاءت أرتيا بنفسها إليّه.
لطالما كان يلتقيها في المكتب المؤقت أو قاعة التدريبات، لذا عندما زارتهُ فجأةً في منزله، قفز مِن مكانه بصدمة.
“أعلم أنْ المكان متواضع، لكن تفضلي بالدخول.”
لَمْ يكُن مُجرد كلام مجاملة، بل كان منزلهُ في حالة فوضى حقيقية.
نظرت أرتيا إلى السقف المُغطى بشباك العنكبوت.
“لديكَ منزلٌ فريدٌ مِن نوعه. يبدو وكأنهُ منزل المخرج العبقري رام.”
كلماتها كانت مديحًا لطيفًا، فكاد يبتسم، لكنهُ سرعان ما عبس مجددًا.
لَمْ يكُن في مزاجٍ جيد على الإطلاق.
“أنتَ غاضبٌ لأن لوكا لَمْ يتمكن مِن الغناء، أليس كذَلك؟”
تطايرت عينا رام نتيجةً لتلكَ الكلمات.
“لَمْ يكُن الأمر مُجرد إحباط، بل كنتُ غاضبًا لدرجة أنَّ روحي كادت تخرج. كنتُ أتوقع الكثير لأنكِ كنتِ تبذلبن جهدًا كبيرًا في كُل شيء دوّن استثناء، لكن خيبت أملي مع لوكا ليست بسيطة.”
تحدثت أرتيا بصوتٍ هادئ تجاه راز الذي كان يلهث بغضب.
“فلنستبعد جزء الغناء مِن لوكا.”
“ماذا؟”
سأل رام بدهشةٍ وكأنه تلقّى ضربةً على رأسه، ثم صرخ كالعصفور الذي وقع في فخ.
“ماذااااا؟!”
ثم اقترب مِن أرتيا وعينه تكاد تخرُج مِن محاجرها.
“ماذا تقصدين الآن؟ أليس مِن المعروف أنَّ إضافة مُجرد جملةٍ غنائيةٍ واحدة ستزيدُ مِن التفاعل والإتقان في الجزء الثاني مِن الأغنية؟!”
كان غضب رام ظاهرًا حتى أنَّ اللعاب كاد يتناثر على وجه أرتيا.
تحدثو بيبي التي كانت تقفُ بجانب أرتيا بصوتٍ منخفض.
“يبدو أنْ رام متحمسٌ للغاية. هل يجبُ أنْ أهدئه؟”
كان هَذا تعبيرًا مًهذبًا عن محاولةٍ لإغمائه.
هزّت أرتيا رأسها ثم نظرت إلى رام.
“لهَذا السبب جئتُ إليّكَ شخصيًا.”
كان هَذا قولًا صعبًا مِن وجهة نظر المنتج.
“بعد الحديث مع لوكا، تبين أنَّ لديهِ صدمةً كبيرة بسبب الغناء. إذا أصررنا على هَذا الجزء، سيًشكل ضغطًا كبيرًا عليه.”
“يجبُ أنْ يتغلب على ذَلك!”
“لكن عمرهُ لا يزال ثمانية عشر عامًا.”
“…..!”
“لقد تعرض لوكا للكثير مِن المُعاناة في سنٍ مُبكرة، بسبب بيئتهِ التي فرضت عليهِ أنْ يكون قويًا. لا أريدُ له أنْ يتأذى بعد الآن، على الأقل عندما يكون معنا في التمثيل.”
كان رام يفعل أيِّ شيءٍ لإنتاج عملٍ مثالي.
لقد أجبر ممثلًا مريضًا يُعاني مِن التهابٍ في الحنجرة على تناول شرابٍ قديم مُسببًا له القيء، وطارد آخرين طوال اليوم لكي ينقص وزنهم وفقًا للدور حتى أصبح نصفه فقط.
وكذَلك كان مع لوكا.
كان واثقًا بأنه يستطيع أنْ يجعله يُغني بأيِّ وسيلة، لكن…
‘إنهُ مُجرد طفلٍ في الثامنة عشرة.’
لحظة ضعفٍ مرت به عندما فكرت في ذَلك.
لَمْ تكُن أرتيا تتصرف كمديرة، بل كأحد البالغين الذين يعرفون لوكا.
في النهاية، بدأ رام في البكاء، ثم هزّ رأسه موافقًا.
وبينما كان يذرف الدموع، همس لنفسهِ بحزن.
“لقد قررت.”
لَن أذكر كلمة غناء أمام لوكا.
سيتنازل عن الموضوع وكأنه لَمْ يكُن موجودًا منذُ البداية.
وإذ بذَلك، دخل رام غرفة التمرين، فركض لوكا نحوه.
“أريد أنْ أغني، ايُها المخرج!”
“ماذا؟!”
“رُبما كنتُ متسرعًا في رفض ذَلك. كما أخبرتني، إذا لَمْ نستطع أداء مشهدٍ ما، يجبُ أنْ نتدرب عليهِ مئات وآلاف المرات. ارشدني لأغني، مِن فضلك.”
“آه، هَذا الطفل حقًا…!”
استعاد رام حيويته بشكلٍ مُفاجئ وكأنه عاد مِن بين الأموات، ثم صاح بصوتٍ قوي.
“حسنًا، سأساعدًكَ في فك تلكَ اللعنة السيئة!”
بدأ لوكا التمرين على الأغنية.
لكن، عكس ما كان يأمل، عندما حاول أنْ يُغني، كان جسدهُ يتجمد تمامًا وصوتهُ لا يخرج.
“حقيقة أنهُ لا يستطيع الغناء، وهَذا أمرْ جدي للغاية.”
“فكر في الأمر كأنها مُجرد كلماتٍ عادية، وحاول أنْ تقرأها.”
بناءً على تعليمات رام، بدأ لوكا في قراءة الكلمات كما لو كانت حديثًا داخليًا.
تحدث ميخائيل وساندرا اللذان كانا يُشاهدان مِن جانب.
“صوته وكلماتهُ رائعات لدرجة أنَّ مُجرد قراءتها تؤثر فينا.”
“نعم، يُمكن أنْ أكتفي بذَلك.”
لكن رام نظر إليّهم بعينين مُتسعتين وصرخ.
“ماذا تقولان؟! التعبير الأفضل الذي يُمكن أنْ يُظهرهُ الإنسان هو مِن واجب الفنان! أليس كذَلك، لوكا؟”
“نعم!”
في الواقع، لَمْ يكن لوكا يعرف عن الفن الكثير.
كان التمثيل مُمتعًا بالنسبة له، لكنهُ لَمْ يشعر بمشاعرٍ هائلة تقلبُ حياته.
لكن كان يريدُ أنْ يبذل جهدًا.
لأنه أراد أنْ يتلقى الثناء مِن سيدته.
وفي تلكَ اللحظة، فُتِحَ الباب ودخلت أرتيا.
ركض لوكا نحوها في لمح البصر.
“سيدتي!”
“كأنَّ البرق خرج منه.”
هزّ ميخائيل رأسهُ موافقًا.
“حتى أنهُ اسرع مِن كلبُنا بوبّي!”
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة