البحث عن زوج للدوقة - 144
الفصل 144 : كسر البيضة والخروج منها ²⁷
على طبقةٍ رقيقة مِن البسكويت، وُضِعَت شرائحٌ مِن الجزر المبشور والمُحمَّص على شكل وردة، تزينها قطعٌ صغيرة على شكل جزر.
كذَلك، وُضِعَت كعكة جزرٍ إسفنجية مزينةٍ بشكلٍ لطيف، إلى جانب بسكويت الجزر المصمم بأشكال جميلة، وكؤوسٌ زجاجية مزخرفةٌ بدقة تحتوي على عصير الجزر.
كان الأمر أشبه بمهرجان للجزر.
نظر كيليان إلى أرتيا، التي كانت تُحدق بالمائدة بعيونٍ متألقة كأنها عثرت على كنز.
“تذوقيها.”
أومأت أرتيا برأسها وأخذت قضمةً مِن البسكويت.
قرمشة!
“يا لهُ مِن مزيجٍ رائع بين البسكويت المقرمش والجزر الطازج!”
رأى كيليان تعابير السعادة على وجهها وهي تمضغُ الطعام، فصار بريق عينيهِ أكثر لطفًا.
‘هيك!’
أشاح نوكتورن بنظرهِ بسرعةٍ وكأنَّ مشهدًا مزعجًا قد أصابهُ بالقشعريرة.
لَمْ يكُن يُريد أبدًا رؤية ذَلك التعبير على وجه كيليان.
بينما كان كيليان يتابع أرتيا وهي تتناول الطعام، نظر إلى الأسفل حيث كان بإمكانهِ رؤية الطابق الأول بوضوح.
جالت عيناهُ الذهبيتان ببطء بين الحاضرين، وتحديدًا بين الرجال.
أول مَن لفت انتباههُ كان ميخائيل.
‘لقد رأيتُه مِن قبل.’
كان شابًا طويل القامة، وسيم الملامح، مِما جعله مزعجًا بعض الشيء.
ولكن عندما رآه مُمسكًا بقطعتين مِن كعكة الجزر في كلتا يديه، مستمتعًا بتناولها بسعادة، تلاشت حدة نظراته.
‘رام؟ لا بأس.’
ثم توقفت عيناهُ عند شخصٍ معين.
‘ذَلك الفتى.’
إنهُ الصبي ذو الثمانية عشر عامًا الذي لفت انتباه أرتيا مؤخرًا.
كان يحمل سمات الكودرانيين المُميزة، طويل القامة، صاحب بنيةٍ قوية، لكنهُ لا يزال شابًا صغيرًا بملامحٍ صبيانية.
الآن فهم كيليان سبب عدم رؤيتها لهُ كرجُل.
لكن تحول الصبي إلى رجُل قد يحدث في لحظة.
مَن يدري متى سيبدأ هَذا الفتى بإطلاق رائحة الرجولة والوقوف أمامها كرجُلٍ حقيقي؟
بِمُجرد أنْ طرأت هَذهِ الفكرة على ذهنه، شعر بغريزةٍ عدائية لَمْ يستطع كبحها.
“……!”
شعر لوكا بقشعريرةٍ وكأنَّ وحشًا مُفترسًا يُحدق به، فرفع رأسه بسرعة.
وما إنْ التقت عيناه البنفسجيتان بعيني كيليان الذهبيتين في الطابق الثاني، حتى شحُب وجهه فورًا.
كانت نظرات كيليان الباردة تنبعث منها هالةٌ قاتلة جعلت جسدهُ يرتجف لا إراديًا.
وفي اللحظة التي بدأت عيناهُ تمتلئان بالدموع الشفافة…
“ما الذي تنظر إليّهِ هَكذا؟”
سألت أرتيا وهي تضع قطعةً مِن بسكويت الجزر في فمها، غير مدركةٍ لما يحدُث حولها.
بلمح البصر، تلاشت الهالة القاتلة مِن كيليان، ثم التفت نحو أرتيا قائلًا بصوت هادئ.
“لا شيء.”
ردَّ بوجهٍ خالٍ مِن أيِّ تعبير، ثم مد يدهُ إلى زاوية فمها.
تفاجأت أرتيا ونظرت إليّهِ باستغراب.
“كان هُناك بعض الكريمة على شفتيكِ.”
“أ-أوه، فهمت. شكرًا لكَ.”
تلعثمت أرتيا وردت بوجهٍ احمرّ أكثر مِن الجزر نفسه، وهي ترفرفُ بعينيها بارتباك.
بدت تمامًا مثل أرنبٍ مذعور، مِما جعل كيليان يبتسم بسخرية.
كان مِن العجيب أنْ رجُلاً كان يزأر قبل لحظاتٍ على فتى لَمْ يتجاوز الثامنة عشرة، يبتسم الآن بتلكَ الطريقة غير المتوقعة.
***
على الأقل، لوكا كان شخصًا يمتلك قدرةً خارقة على استشعار نظرات النساء اللواتي يرغبنَ به، وكذَلك نظرات الرجال الغاضبين بسبب ذَلك.
‘هل يعقل أنْ يكون جلالة الأمير مُهتمًا بالسيدة أرتيا…؟’
في تلكَ الليلة، رأى لوكا كابوسًا.
كان في حلمهِ وحشٌ أسود بعينين ذهبيتين يُطارده لينهشه.
“آه!”
استيقظ فجأةً وهو يلهث، ثم عانق جسدهُ محاولًا التخلص مِن القشعريرة التي تسري فيه.
لَمْ يكُن كيليان الرجل الأول مِن هَذا النوع الذي يلتقيه.
كل الرجال الذين كانوا يحيطون بالنساء اللواتي رغبنَ في لوكا، كانوا يكرهونه.
حتى لو لَمْ يكُن يشعر بأيِّ شيء تجاه تلكَ النساء، فإنَّ ذَلك لَمْ يكُن مهمًا بالنسبة لهم.
وبعضهم صب جام غضبهِ عليه بعنفٍ وحشي.
لو لَمْ يكُن لوكا يتمتعُ بجسدٍ قوي، لكان قد قُتِل تحت الضرب المبرح منذُ زمنٍ طويل.
“مُخيف…”
لطالما كان لدى لوكا خوفٌ عميق مِن رجال الطبقة النبيلة، ولذَلك كان لقاء نظرتهِ مع كيليان اليوم مرعبًا بالنسبة له إلى حدٍ لا يطاق.
لَمْ يكُن بإمكانهِ النوم مُجددًا بهَذهِ الحالة.
“عليَّ الخروج قليلًا لاستنشاق الهواء.”
خرج لوكا مِن الغرفة بحذر، حتى لا يوقظ الخدم الذين يتشاركون معه الغرفة.
كان القصر هادئًا في هَذا الوقت المتأخر مِن الليل.
نظر إلى السقف العالي بشكلٍ مذهل، وغرق في أفكاره.
لطالما كان يكره القصور الضخمة.
كانت تمنحهُ شعورًا وكأنه محاصرٌ داخل متاهةٍ يسيطر عليها الشيطان.
ولكنهُ لَمْ يشعر بذَلك أبدًا في قصر إيدينبرغ.
كان يعرف السبب جيدًا.
في هَذا المكان، لَمْ يحتقره أحد لكونه كودراني.
لَمْ يسخر منه أحد لأنه لفت الأنظار، ولَمْ يضربهُ أحد لأنه مُجرد شخصٍ مزعجٍ في نظرهم.
لَمْ يكُن الأمر مُجرد معجزةٍ لأن جميع مَن في القصر أناس طيبون.
بل كان ذَلك بفضل أرتيا.
“هيه، هل صحيح أنكَ كنتَ تخدمُ سيدات النبيلات في الخارج؟”
كان أحد الخدم يضحكُ مستهزئًا وهو يوجه كلامهُ إلى لوكا، لكن خادمٌ آخر سارع إلى تغطية فمه.
“هل نسيت أنَّ السيدة أمرت بعدم التفوه بمثل هَذهِ الكلمات إطلاقًا؟”
“لا، لقد كنتُ فضوليًا فقط.”
“لا يهمُني سببُك، فقط انتبه لكلامكَ. إنْ سمعت السيدة بذَلك، ستتلقى عقابًا شديدًا.”
ثم وجه الخادم كلامه إلى لوكا.
“إذا تفوه أحدُهم مُجددًا بمثل هَذهِ الكلمات القذرة، فلا تظلّ صامتًا، بل أخبر السيدة فورًا.”
لَمْ يسبق لأرتيا أنْ قالت شيئًا مثل ‘أنا مَن يحميك.’ أو ‘بفضلي تستطيعُ العيش براحة.’
بل كانت تراعيهِ بصمت، دوٍن تفاخر أو استعراض.
ولهَذا السبب، لَمْ تكُن أرتيا مُجرد امرأةٍ بالنسبة إلى لوكا.
بل كانت شخصًا رائعًا، مُمتنًا له، ويريدُ أنْ يُصبح مثله.
***
“لوكا.”
جاء صوتٌ نقي مِن خلفه.
استدار لوكا بسرعة، واتسعت عيناهُ دهشة.
كانت أرتيا واقفةً عند نهاية الممر الطويل.
لَمْ تكُن بمظهرها المعتاد الأنيق والمنظم.
بل كانت ترتدي ثوب نومٍ خفيفًا، وشعرها الفضي متساقطًا بشكلٍ طبيعي.
“الوقت متأخر، ماذا تفعل هُنا؟”
“آه…”
كان مِن المفترض أنْ يُجيب فورًا على كلام سيدته، لكن الكلمات لَمْ تخرج بسهولة.
بعد بعض جهد، تمكن أخيرًا مِن التحدث.
“لقد رأيتُ كابوسًا.”
وأثناء قولهِ ذَلك، فكر لوكا.
‘أرتيا لَن تسخر مني، كيف لصبيٍ أنْ يبقى مُستيقظًا لمُجرد كابوس؟’
وكان مُحقًا.
بدلًا مِن السخرية، ظهر القلق على وجه أرتيا.
“يبدو أنهُ كان مُخيفًا جدًا. هل ترغب في كوبٍ مِن الشاي الدافئ؟”
“نعم!”
لَمْ يكُن مُجرد ردٍ آلي على أوامر سيدته، بل كان شيئًا اختارهُ بإرادته.
ورغم أنه لَمْ يُدرك ذَلك، إلا أنه كان يشعر بالراحة.
***
وهَكذا، أقيمت حفلة شاي صغيرة في منتصف الليل.
جلست أرتيا ولوكا إلى طاولةٍ مستديرة تحت العريشة في الحديقة.
كانت بيبي، التي رافقت أرتيا، قد أحضرت الشاي والحلوى بسرعة.
اتسعت عينا لوكا عندما رأى الطبق المُمتلئ بالحلوى اللذيذة.
“أنتَ لا تزال في مرحلة النمو، لا بد أنكَ تشعرُ بالجوع، لذا طلبتُ تجهيز هَذا. تناول الطعام براحتكَ.”
“… نعم، شكرًا لكِ.”
“وشرب شاي البابونج سيُساعدكَ على النوم جيدًا.”
بينما كانت ترفعُ إبريق الشاي، نهضّ لوكا بسرعة.
“سأقوم بصب الشاي!”
لكن أرتيا هزّت رأسها بلطف.
“لا بأس، سأفعلُ ذَلك بنفسي.”
“ولكن…”
“لا يوجد مَن يراقب، لا بأس.”
جلس لوكا مُجددًا وهو يشعر بعدم الارتياح.
بدأت أرتيا في صب الشاي في فنجانه.
لوكا، الذي خدم سيدات النبلاء لفترةٍ طويلة، كان قد رأى مشاهد أنيقةً كهَذهِ مرارًا وتكرارًا.
ولكنهُ لَمْ يحدق في أيِّ واحدةٍ منهنَ كما يفعل الآن.
كان وجهُ أرتيا خاليًا مِن أيِّ مساحيق تجميل، وشعرُها الطويل مُنسدلًا بحرية، مِما جعلها تبدو أصغر سنًّا مِن المعتاد.
لَمْ تكُن الدوقة العظيمة ذات الهيبة المُعتادة، بل بدت كفتاةٍ لَمْ يمضِ على بلوغها سن الرشد وقتٌ طويل.
وفي اللحظة التي شعر فيها بوخزّ غريب في صدره، امتلأ فنجانه بالشاي الساخن المُتصاعد بالبخار.
عندها فقط استعاد وعيّه، فأمسك الفنجان بكلتا يديه.
في الحقيقة، لَمْ يكُن لوكا يُحب الشاي.
كان يجد طعمه مرًّا.
لكنه عندما تذوقه، اتسعت عيناه في دهشة.
“إنهُ حلو.”
كان مزيجًا رائعًا بين رائحة البابونج العطرية والحلاوة الناعمة.
رأت أرتيا تعابير وجههِ المُسترخية، فسألت بلطف.
“هل يُعجبكَ الطعم؟”
“نعم، إنه لذيذ.”
ابتسمت أرتيا ابتسامةً صغيرة.
“لقد أضفتُ العسل، سعيدةٌ بأنهُ أعجبكَ.”
“….”
لَمْ يكُن لوكا يخدم أرتيا مُباشرةً، لكنهُ سمع من الخادمات أنها لا تُحب الأشياء الحلوة.
ومع ذَلك، أضافت العسل إلى الشاي.
‘مِن أجلي.’
شعر لوكا فجأة بحرارة تتصاعد إلى وجهه.
وبدافع الارتباك، شرب الشاي الساخن على عجل، ثم وضع في فمهُ قطعةٍ كبيرة مِن البسكويت وبدأ يمضغها بسرعة.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》