البحث عن زوج للدوقة - 143
الفصل 143 : كسر البيضة والخروج منها ²⁶
“علاوةً على ذَلك، ظننتُ أنْ عدم قدرتهِ على القراءة سيجعل مِن الصعب عليهِ حفظ النص، لكنهُ لَمْ يكُن كذَلك على الإطلاق. بِمُجرد أنْ أقرأ لهُ الجملة مرةً واحدة، يحفظُها فورًا!”
صرخ رام بوجهٍ متحمس.
“أنتَ تملكُ موهبة ممثلٍ عظيم!”
نظرت أرتيا إلى لوكا بفخرٍ وابتسمت.
“رائع، لوكا.”
“……!”
كل الثناء الذي تلقاهُ لوكا طوال حياته كان متعلقًا بمظهرهِ فقط.
‘وجهكَ أشبهُ بتمثالٍ منحوت، وجسدُكَ… كيف يًمكن أنٌ يكون هَكذا؟ عضلاتُكَ صلبةٌ تمامًا كحصانٍ مُدرَّبٍ جيدًا.’
كانت النساء يتلفظنَ بهَذهِ العبارات بينما يلمسن جسده.
كان يُمرر الأمر دائمًا بابتسامة، لكنهُ في الحقيقة كان يشعر بالضيق. كان الأمر مزعجًا ومثيرًا للاشمئزاز.
لكن هَذهِ المرة كان الأمر مُختلفًا تمامًا.
سماع الإطراء على أدائه التمثيلي جعلهُ يشعر بفرحٍ غامر.
“شكرًا لكم!”
انحنى لوكا بعمق، فضحكت ساندرا بمرح.
“أصغرنا، إنهُ لطيفٌ جدًا!”
حتى ميخائيل أومأ برأسهِ بوقار.
“بعد أنْ كنتُ محاطًا بأشخاصٍ مُملين، مِن الجيد أنْ ينضم إليّنا شخصٌ مثلُك.”
“هل يُمكن أنْ تستثنيني مِن هؤلاء الأشخاص المُملين؟ فأنا أكثرُ امرأةٍ مُنعشةٍ في هَذا الإمبراطورية!”
“مُنعشة؟ تقصدين حامضة.”
“أنتَ! يا دوق الشمال، هل تريدُ الموت؟”
بينما كان الاثنان يتشاحنان، سألت أرتيا:
“لوكا، قلتَ بإنكَ لَمْ تُمثل مِن قبل، فكيف تجيدهُ إلى هَذا الحد؟ هل أنتَ مُهتمًا بالتمثيل؟”
لَمْ يكُن لدى الكودرانيين، الذين كانوا يكافحون مِن أجل لقمة العيش، رفاهيةٌ الاهتمام بهَذهِ الأمور.
لكن لوكا شاهد عروضًا مسرحية عدة مرات.
“حين كانت السيدة تنغويل تذهب لمشاهدة العروض، كانت تأخذني معها أحيانًا.”
كان عليهِ أنْ يظل مُتيقظًا طوال الوقت ليضمن راحته، مِما جعلهُ مرهقًا، لكنهُ كان يستمتع بمشاهدة المُمثلين على المسرح.
“لَمْ أكُن أتخيل يومًا أنني سأقف على المسرح، لذا أشعرُ بالذهول.”
رؤية تعابير الدهشة على وجههِ جعلت قلبَ أرتيا ينقبضُ بحزن.
كانت تستطيع أنْ تتخيل سبب قدرتهِ على حفظ الحوارات بمُجرد سماعها مرةً واحدة.
فالسيدات المُتطلبات كنَّ يغضبنَ إذا لَمْ يفهم كلامهنَ مِن أول مرة، ولتجنب التعرض للعقاب، كان عليهِ أنْ يطور مهارة حفظ الحديث بأكملهِ مِن أول مرة.
لقد رأت خادماتٍ كثيرات يعانين مِن نفس الأمر.
‘رغم حجمهُ الكبير، لكنهُ لا يزال فتى في الثامنة عشرة فقط…’
كلما نظرت إليّهِ، شعرت بغصةٍ في قلبها.
‘سأعاملهُ بلطفٍ أثناء وجودهِ هُنا. سأطعمهُ وجباتٍ لذيذة وأعلمهُ القراءة أيضًا.’
بينما كانت تعقد العزم على ذَلك، اقتربت بيبي وهمست.
“سيّدتي، الأمير كيليان قد وصل. لكنهُ يطلب القدوم إلى قاعة التدريب بدلًا مِن غرفة الاستقبال.”
اتسعت عينا أرتيا دهشة.
حتى بعد أنْ كُشف عن هوية نوي، كان كيليان لا يزال يأتي إلى غرفتها في منتصف الليل.
لكنه نادرًا ما كان يأتي إليّها في وضح النهار، خاصةً في مكانٍ يعج بهَذا العدد مِن الناس.
‘ما الأمر هَذهِ المرة؟’
أومأت أرتيا برأسها باستغرابٍ، وبعد لحظات، حدث أمرٌ مذهل.
اجتاح العشرات مِن خدم القصر الإمبراطوري القاعة.
بحركاتٍ مُنضبطة تُشبه حركات الجنود المدربين، وضعوا طاولةً طويلة في وسط قاعة التدريب، ثم بدأوا في ترتيب أطباقٍ فاخرة عليها.
في غمضة عين، تحولت القاعة البسيطة إلى قاعة حفلات فاخرة.
وفي وسط هَذا المشهد الساحر، ظهر رجلٌ ذو شعرٍ أسود وعيون ذهبية.
في تلكَ اللحظة، أطلق رام صرخةً غريبة وهو ينحني بسرعة.
“أقدِّم احترامي لسليل أورفيوس العظيم!”
اتسعت أعين الجميع في قاعة التدريب. بل إنْ بعضهم شهقوا بصدمة.
ورغم ذهولهم، أسرع الجميع في خفض رؤوسهم احترامًا.
أما رام، الذي كان ينوي أنْ يخرَّ ساجدًا على الأرض، فقد تذكر فجأةً تحذير أرتيا ‘ممنوعٌ الركوع هُنا.’ لذا انحنى حتى لامس رأسهُ الأرض تقريبًا.
في هَذهِ الأجواء المشحونة بالتوتر، كانت أرتيا الوحيدة التي ظلّت هادئة.
رفعت طرف ثوبها برشاقةٍ وانحنت.
“أقدِّم احترامي لسليل أورفيوس العظيم.”
عندما رآها كيليان تُقدم له التحية بهَذهِ الطريقة، عَبس قليلًا.
كان هُناك شعورٌ غريب بعدم الارتياح وهو يتلقى منها تحيةً رسمية بعد كُل هَذا الوقت.
لكن لحُسن الحظ، رفعت أرتيا رأسها قبل أنْ يزداد انزعاجهُ أكثر.
اقتربت أرتيا خطوة نحوه، ثم همست بصوتٍ بالكاد يُسمع لمَن يقف قريبًا منها.
“جلالتُكَ، ما الذي يحدُث هنا؟”
أجابها كيليان بوجه خالٍ مِن الخجل.
“كنتُ أفكر في طريقةٍ لمساعدتكِ، فرتبتُ هَذا الأمر.”
“ما الذي تعنيه؟”
“جلسةُ للتآلف. حين تعملين مع العديدٍ مِن الأشخاص، قد تحتاجين إلى مثل هَذهِ الجلسة، أليس كذلك؟”
التآلف.
كان ذَلك مُصطلحًا لا يمت لكيليان بصلة، حتى إنَّ وجه نوكتورن، الذي يقفُ خلفه، ازداد عبوسًا.
سواء في ساحة الحرب أو في القصر الإمبراطوري، قاد كيليان الآلاف مِن المرؤوسين.
وعادةً، عندما يزداد عدد الناس، تنشأ الضوضاءٌ وتتصاعد النزاعات.
لكن في الأماكن التي يُسيطر عليها كيليان، لَمْ يكُن هُناك مجالٌ لذَلك أبدًا، لأن الجميع كانوا تحت رقابة عينيه الذهبيتين الحادتين.
لَمْ يكُن أتباعُه بحاجةٍ إلى إقامة حفلات لتعزيز روابطهم، فقد كان وجود قائدٍ كالسيف المسلول كافيًا.
أما أرتيا، التي لَمْ تكُن تعلم بهَذهِ الحقائق، فقد تقبَّلت كلماتهِ ببساطة.
“لقد كنتُ منشغلةً بالتحضير للعرض المسرحي، فَلَمْ أفكر في هَذا الجانب.”
ولكن سرعان ما أدركت أمرًا آخر، إذ لاحظت أنْ عدد الحاضرين في قاعة التدريب أصبح كبيرًا جدًا.
قدوم الأمير بنفسهِ وإقامة حفلةٍ على هَذا النحو لا بد أنْ يكون أمرًا مشبوهًا.
‘ماذا لو بدأ الناس في التساؤل عن علاقتي بجلالته؟’
وبينما كانت تعقدُ حاجبيها بقلق، تدخّل نوكتورن على الفور.
لقد كان يردد بصوتٍ جهوري التعليمات التي تلقاها مِن كيليان، أو بالأحرى تهديداته.
“جلالتُه الأمير كيليان يضع آمالًا كبيرة على هَذا العرض. فقد قال بإنهُ عملٌ ثوري يمكنه تغيّر ثقافة العروض الجامدة في الإمبراطورية. ومِن هَذا المنطلق، تم إعداد هَذا الحفل اليوم.”
“إنه مُجرد لفتةٍ تشجيعية لكل مَن يعمل بجد لإنتاج هَذا العمل المُميز، لذا استمتعوا بهَذهِ المُناسبة براحة تامة.”
‘أنا الآن أردد هراءً لا أكثر.’
رغم أنَّ هَذهِ كانت أفكارهُ الداخلية، إلا أنْ نبرة صوتهِ وسلوكه كانا في غاية الرصانة.
ولَمْ يكُن هناك مَن يشكك في كلمات هَذا الشاب النبيل حسن المظهر، باستثناء أرتيا وحدها.
أما رام، فقد تأثر إلى حد أنهُ انفجر في البكاء.
“يا لهُ مِن شرفٍ عظيم أنْ يحظى عملي بهَذا الاهتمام مِن جلالتك… واههه!”
مع العلم أنْ كيليان، عندما كان يحضر عروض رام في القصر الإمبراطوري، كان يجلس بوجهٍ يفيضُ بالملل القاتل.
لكن هَذهِ معلومة لَمْ يكُن رام بحاجةٍ إلى معرفتها.
‘الأمير عاشقٌ للفن!’
هَكذا بدأ الممثلون ينظرون إلى كيليان وكأنهُ حاكمٌ نزل مِن السماء.
كانت هالتُه البراقة تتوهج خلف ملامحهِ الوسيمة.
ثم تحدث كيليان، مُتعاليًا كعادته.
“استمتعوا بالحفل.”
“نعم!”
رد الجميع بصوتٍ مدوٍّ.
فالممثلون بطبيعتهم أناس يفيضون بالطاقة، ولَمْ يكُن حضور الأمير عائقًا لهم عن الاندفاع نحو الطعام.
التهم ميخائيل شطيرةً تحتوي على لحم الخنزير والخضروات، وصُدم بشدة.
لَمْ يكُن طعمُها يُشبه أيِّ شطيرةٍ سبق أنْ تذوقها.
“لذيذة!”
أما ساندرا، فقد حشّت وجنتيها بالطعام وهي تهزّ رأسها موافقة.
“حقًا! لَمْ أتناول شيئًا بهَذا المذاق مِن قبل!”
“لكن لماذا تبدو كُل الأطعمة بلون برتقالي؟”
“صحيح، كلها لها نكهةُ الجزر.”
ابتسم الاثنان بوجوهٍ مُمتلئة كالهامستر، قبل أنْ يُعلّق أحدهما.
“لا بأس بذَلك، طالما أنها لذيذة!”
بينما كان الجميع منشغلين بالطعام، كان رام غارقًا في الشراب.
لقد غادر فرقة الفنون الإمبراطورية بإرادته، ولَمْ يندم على أيِّ شيء…
باستثناء شيءٍ واحد فقط: افتقادُه لنبيذ القصر الإمبراطوري.
كان ذَلك النبيذ يُقدَّم فقط في الحفلات الملكية، وكان يعتقدُ أنه لَن يحصل على فرصةٍ لتذوقهِ مُجددًا، لكن ها قد جاءتهُ الفرصة أسرع مِما تخيل.
“هَذا اللون! هَذهِ الرائحة! هَذا المذاق! إنهُ بحق مزيجٌ مِن روح العائلة الملكية وصفاء الكحول النقي!”
استعادت وجنتاهُ الشاحبتان لونًا لطيفًا وهو يحتسي الشراب.
وعلى الشرفة في الطابق العلوي، حيث كانت أرتيا تجلس في مقعدٍ مُخصصٍ لها، نظرت إلى هَذا المشهد وضحكت بهدوء، ثم التفتت نحو كيليان الذي كان يجلس قبالتها.
أضاء وجهُها بابتسامةٍ مُشرقة.
“الجميع سعداء للغاية. شكرًا لكَ على اهتمامك.”
كان منظرُها وهي تبتسم بتلكَ الطريقة فاتنًا إلى درجة أنْ كيليان فقد تركيزه للحظات.
لكنه سرعان ما استعاد وعيّه وقال بصوتٍ هادئ.
“نحنُ أصدقاء، أليس كذَلك؟”
يا له مِن مُصطلحٍ مرير… كم يستخدمه بإفراطٍ في كل مرة.
كان يستهزئ بنفسهِ داخليًا وهو يلوّح بيدهِ لنوكتورن.
فما كان مِن نوكتورن إلا أنْ أتى على الفور، حاملاً طبقًا جديدًا.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة