البحث عن زوج للدوقة - 142
الفصل 142 : كسر البيضة والخروج منها ²⁵
‘الآن بعد أنْ فكرتُ في الأمر، كان لوكا هادئًا حتى عندما جعلَتهُ تنغويل يقوم بأفعالٍ شنيعة.’
اللحظة الوحيدة التي اهتزّت فيها عينا لوكا كانت عندما سُئل عن نفسه.
‘إنهُ لا يزال في الثامنة عشرة مِن عمره فقط…’
نظرت أرتيا إليّهِ بحاجبين مرفوعين، فتحدثت ساندرا بوجهٍ متورد.
“واو، الأمر تمامًا كما قال المدير. يبدو وكأنَّ شاين خرج مِن بين صفحات الكتاب.”
حتى ميخائيل، الذي كان لا يزال مُمسكًا رام، أومأ برأسهِ.
ردّ فعل الاثنين جعل كتفي أرتيا ينتفخان بفخر.
“أليس كذَلك؟”
“تبادلوا التحية، فأنتم ستعملون معًا مِن الآن فصاعدًا.”
غمزت ساندرا نحو لوكا بلطافة، بينما انحنى ميخائيل قليلًا برأسه.
حتى رام، الذي كان ممسوكًا مِن قبل ميخائيل، استعاد وعيّه ولو للحظة، ولوّح بيده.
توجهت أرتيا إلى لوكا، الذي انحنى عن غير قصد كعادته رغم ارتباكه.
“لوكا، مِن الآن فصاعدًا، عملكَ هو تأدية دور شاين والتمثيل.”
“ماذا؟!”
صاح لوكا مندهشًا، لكنهُ سرعان ما وضع يده على فمه. كان يعلم أنَّ إعادة كلام السيدة النبيلة أمرٌ غير لائق.
لَمْ تُشر أرتيا إلى ذَلك، بل أكملت حديثها بهدوء.
“لماذا تفاجأت؟ ألَمْ أقُل لكَ مرارًا أنني أريدُ توظيفكَ كممثل؟”
بصراحة، لَمٌ يأخذ لوكا كلماتها على محمل الجد ولو لمرةٍ واحدة.
كان الأمر ببساطةٍ غيرَ معقول.
لقد ظنّ أنها مُجرد كلماتٍ جوفاء تُشبه تلكَ التي تًرددها السيدات النبيلات أحيانًا، مثل: ‘سأجعلك نبيلًا.’
لكن اتضح أنَّ ذَلك كان مُجرد سوء فهمٍ مِن طرفه.
“لهَذا السبب حددتُ راتبكَ على هَذا الأساس. عندما التقيتُكَ لأول مرة، عرضتُ عليكَ وظيفة الممثل مع مقدم عقدٍ بقيمة 500 قطعة. قمتُ بتوزيع ذَلك المبلغ على راتبٍ سنوي.”
عندها فقط أدرك لوكا السبب وراء راتبهِ المُرتفع بشكلٍ غير معقول.
كان مُرتبكًا لدرجة أنهُ لَمْ يعرف كيف يتصرف، وعندها اقترب رام، الذي حرّرهُ ميخائيل، منه.
كان رام ينظرُ إليّهِ بعينين مُظلمتين كعين الباندا.
“اسمك؟”
خرجت الإجابة مِن فمه وكأنها أُدخلت إليّه.
“أنا لوكا.”
“عمرك؟”
“ثمانية عشر عامًا.”
“إذن، أنتَ أصغر بثلاث سنوات مِن شاين. لا بأس، فَبِما أنكَ طويل القامة، لا تبدو كفتى عديم الخبرة.”
غمغم رام قبل أنَّ يسأل مُجددًا.
“هل سبق لكَ أنْ مثلت مِن قبل؟”
“لا.”
كان لوكا سريع البديهة.
كان بإمكانهِ أنْ يُدرك أنَّ الرجل الذي بالكاد يقفُ على قدميه يؤدي دورًا مهمًا في إنتاج المسرحية.
كان متوترًا، متوقعًا خيبة أمل الرجل مِن إجابته، لكن رام ابتسم ببساطة.
“لا يهُم. سأعلمكَ كُل شيء.”
حتى لوكا، الذي التقى بشتى أنواع البشر أثناء خدمته لسيدات النبلاء، لم يسبق له أن شعر بهذا النوع من الجنون.
تعرّق ظهره ببرودة، لكن ذَلك لَمْ يدم طويلًا، إذ سرعان ما صاح بصوت عالٍ.
“سأبذل قصارى جهدي!”
رأت أرتيا حماسه، وابتسمت برضا.
***
كان القمر قد بدأ للتو في بالظهور، والليل لا يزال في بدايته.
في غرفتها، كانت أرتيا تقرأ الملفات التي أعدّتها بشأن المسرحية.
ثم، عندما شعرت بهالةٍ مألوفة، رفعت رأسها.
ظهر كيليان عند النافذة المفتوحة.
ما إنْ رأته، حتى قالت وكأنها كانت تنتظرُه.
“جلالتُكَ، لقد نجحت!”
“بماذا؟”
“شاين الذي أخبرتُكَ عنه مِن قبل! لقد نجحتُ في اختياره للدور! صحيحٌ أنني أجبرتُه على القبول إلى حدٍ ما، لكن المهم أنهُ وافق!”
كان كيليان يُحب الاستماع إلى حديث أرتيا.
كان يستمتعُ أكثر عندما تبتسم وتثرثر بصوتها المليء بالحماس.
لكن، هَذهِ المرة، لَمْ يكُن الحديث مُمتعًا.
“أبقيتِه في القصر؟”
“نعم، فهو وإنْ كان مُمثلًا، فإنه رسميًا يعمل كخادمي الذي وظفتُه.”
“لكن هُناك عمالٌ يأتون ويذهبون دوّن الحاجة للإقامة هُنا.”
“منزل لوكا، حيثُ يعيش مع جدهِ، بعيدٌ جدًا بحيث لا يُمكنه التنقل يوميًا. كما أنني قلقةٌ مِما قد تفعله تنغويل إنْ بقي في الخارج.”
“……”
“أنا مَن أحضرتُه إلى هُنا، لذا أريدُ التأكد مِن أنه لَن يتعرض للخطر.”
كان كيليان يعلم مدى الجهد الذي تبذًله أرتيا مِن أجل المسرحية.
وبالتأكيد، اهتمامُها الشديد بشاين، أو لوكا، كان جزءًا مِن ذَلك.
‘لذا، لا يجب أنْ أُظهر أيِّ استياء، فذَلك سيكون أمرًا مُثيرًا للشفقة.’
لحُسن الحظ، كان قد تلقى تدريبًا صارمًا منذُ صغره على إخفاء مشاعره.
كان بإمكانهِ كبحُ مثل هَذهِ الأحاسيس التافهة…
“هل أنتَ غاضب؟”
ارتعش حاجباهُ قليلًا عند سؤال أرتيا.
“لماذا تقولين ذَلك؟”
“لأنكَ تبدو حاد المزاج فجأةً.”
“……”
“إذا كان مُجرد وهمٍ منِّي، فتجاهله.”
حدَّق كيليان في أرتيا طويلًا قبل أنْ يتحدث.
“ذَلك الفتى… إنهُ رجل.”
“ماذا؟”
“لا يُعجبني أنْ يكون شخصٌ خطيرٌ مثله في منزلكِ.”
أرتيا، التي لَمْ تكُن تتوقع هَذا التعليق على الإطلاق، شعرت بالارتباك.
“طالما أنَّ بيبي بجانبي، حتى لو جاء لصٌ، فَلَن يستطيع لمسي بأدنى إصابة. ثم إنَّ لوكا بالكاد يُمكن اعتباره رجلًا، فهو لا يزال في الثامنة عشرة مِن عمره.”
أجابتهُ بكل براءة، مِما جعل كيليان يشعرُ بدوارٍ مفاجئ.
مِن الواضح أنها لَمْ تكُن تُدرك الأمر.
لَمْ تكُن تعلم كيف يُمكن أنْ يكون عمر الثامنة عشرة فترةً تنمو فيها الرغبة تجاه النساء بشكلٍ جامحٍ وعميق.
لقد مرَّ كيليان بذَلك.
ظلَّت صورة أرتيا بفستانها الوردي في حفل بلوغها تُطارده حتى في أحلامه.
في بعض الأحيان، كانت تبتسمُ ببهجة، وفي أحيانٍ أخرى، كانت ترسمُ على وجهها تعابير مُثيرةً لَمْ يكُن يتوقع أنْ يراها منها أبدًا.
وفي كُل مرة يستيقظ مذعورًا مِن تلكَ الأحلام، كان يُسيطر عليهِ شعورٌ عميقٌ بالعار.
كان يشعر وكأنهُ لوَّثها رغم أنها لَمْ تكُن على درايةٍ بشيء.
خوفًا مِن تكرار تلكَ الأحلام، لجأ إلى قضاء لياليه مُستيقظًا عمدًا.
… كان هَذا سرًّا لا يُمكنه البوح بهِ لأرتيا أبدًا.
لكن رغم محاولتهِ كبح نفسه، لَمْ يستطع إلا أنْ يتحدث مُجددًا.
“حتى في الثامنة عشرة، يبقى الرجُل رجُلًا.”
“……!”
“لذَلك، لا تبقي معهُ وحدكما. لا تكوني لطيفةً معه. لا تبتسمي له.”
لماذا كان قلبُها ينبض بهَذهِ القوة أمام كلماته، التي قيلت بنبرةٍ مُنخفضة بشكلٍ يبعثُ القشعريرة، ولكن بلفظٍ راقٍ لا يتناسبُ مع طفولية مضمونها؟
أرتيا، التي احمرَّت أذناها، لَمْ تستطع تحمل سماع المزيد، فاكتفت بهزِّ رأسها.
وكل ما خطر في بالها هو أنْ موقفًا مُشابهًا قد حدث بينهما مؤخرًا أيضًا…
***
عاد كيليان إلى القصر الملكي وأصدر أمرًا لنوكتورن.
“ابحث عن كُل المعلومات المتعلقة بلوكا.”
مَن يكون لوكا هَذا الآن…؟
رغم أنه لَمْ يسمع بهَذا الاسم مِن قبل، لَمْ يجرؤ نوكتورن على طرح أيِّ أسئلة واكتفى بالإيماء برأسه.
ماذا يُمكنه أنْ يفعل؟ الأوامر يجبُ تنفيذها.
ثم نقل التعليمات إلى فِرَق التجسس.
“لا تبحثوا عن أيِّ شخصٍ آخر يُدعى لوكا، ركِّزوا فقط على لوكا الذي يدور حول دوقة إيدينبرغ.”
وفي غضون نصف يومٍ فقط، جمعت الجرذان الماهرة كل المعلومات المطلوبة.
وبعدما استمع كيليان للتقرير، قال ببرود.
“كان يتودد إلى السيدات النبيلات؟”
متى استخدمتُ تعبيرًا سوقيًّا كهَذا؟ قلت فقط إنهُ كان محبوبًا بينهن!
شعر نوكتورن بالغبن لكنه أجاب.
“رغم أنْ الأمر لَمْ يُكشف علنًا، إلا أنَّ مَن يعلمون بهِ ليسوا قلَّة. فهو مُلفتٌ للنظر بسبب وسامته.”
ارتفع حاجب كيليان الأيسر.
“ملامح وجههِ بارزة، وبنيتُه قوية تعكس رجولةً واضحة، لكنهُ يمتلك شخصيةً هادئةً جدًّا، وهَذا ما جذب إليّه السيدات النبيلات المغرورات. بل يُقال إنْ بعضهنَ خُضنَ شجاراتٍ جسدية مِن أجل الحصول عليه.”
كلما طال حديث نوكتورن، ازدادت حدة نظرات كيليان شراسةً.
أما نوكتورن، فقد كان يذرفُ دموعًا داخلية.
لقد طُلب مني جمع المعلومات، ففعلتُ، لماذا إذًا أتلقى نظراتٍ قاتلة هَكذا؟
لكن كيليان، الذي لَمْ يكُن مكترثًا بمشاعر تابعهِ، تمتم ببرودٍ بوجهٍ قاتم.
“إنه مزعج.”
***
شعر لوكا بقشعريرةٍ غريبة فجأة، فانكمش كتفاهُ العريضتان دوّن وعيّ.
عندها، صرخ رام نحوه.
“لوكا!”
“نعم!”
رفع لوكا رأسهُ فورًا.
كان رام يقتربُ منه بعينين جاحظتين، محاطًا بهالات سوداء عميقة، مِما جعلهُ يبدو وكأنه جثةٌ تسير نحوه.
رغم أنَّ المشهد كان مزعجًا، إلا أنْ لوكا لَمْ يبتعد وظل واقفًا مكانه.
وحين وقف رام أمامه مُباشرةً، صرخ في وجههِ.
“مَن يُمثِّل بهَذهِ الروعة؟!”
في البداية، تم اختيار لوكا للدور بسبب مظهرهِ فقط. لَمْ يكُن أحدٌ يتوقع منه أيِّ مهاراتٍ تمثيلية، ولا حتى رام نفسه.
كان يعتقدُ أنه طالما صعد لوكا على خشبة المسرح في الوقت المُناسب وأدى بعض التعابير المُناسبة، فسيكون ذَلك كافيًا.
(بالطبع، وفقًا لمعايير رام، كان لمفهوم ‘التعابير المناسبة’ مستوى مرتفع جدًا.)
لكن حدث أمرٌ غير متوقع.
فقد جسَّد لوكا تمامًا الصورة التي كان رام يتخيلها.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة