البحث عن زوج للدوقة - 140
الفصل 140 : كسر البيضة والخروج منها ²³
بعد يومين، ثلاثة أيام، ثم أسبوع، ظلّ الأمر مُستمرًا.
كان لوكا صبورًا بطبعهِ، لكنه لَمْ يعُد قادرًا على التحمُّل.
اقترب بحذرٍ مِن الخادمة التي كانت تُحضر له الطعام وتحدثَ إليّها.
“أيتُها الخادمة.”
“تفضل.”
كانت الخادمة تُخاطبه بصيغة الاحترام. في البداية، كان كتفاه يرتجفان في كل مرةٍ يسمعها، لكنهُ اعتاد على ذَلك الآن.
تردد لوكا للحظة، ثم استجمع شجاعته.
“أريدُ رؤية السيدة أرتيا.”
عضّ على أسنانهِ عند التفكير بأنه مُجرد كودراني تافه، قد يتلقى صفعةً لطلبهِ المُتجاوز.
لكن الخادمة لَمْ تصفعه، بل على العكس، أومأت برأسها كما لو كانت تنتظرُ طلبه.
“تفضل باللحاق بي.”
***
استقبلته أرتيا وكأنها كانت بانتظارهِ.
“أهلًا بك.”
“مِن الآن فصاعدًا، يُمنع عليكَ الركوع أمامي. قًم بالتحية بطريقة عادية.”
عند ذَلك، انحنى لوكا بعمق، حتى بدا رأسهُ وكأنه سيُلامس الأرض احترامًا.
عقدت أرتيا حاجبيها في حيرةٍ، وكأنها لا تدري كيف تتعامل مع الأمر.
لحُسن الحظ، لَمْ يُطأطئ لوكا نظرهُ نحو الأرض كما فعل في لقائهِما الأول.
تلاقت نظراتهما.
“كيف حالُكَ؟”
كانت مليئةً بالأسئلة كما كانت دائمًا.
تردد لوكا قليلًا قبل أنْ يُجيب متلعثمًا.
“الغرفة نظيفة، والطعام لذيذ. رائحة الملابس طيبة، والخادمة لطيفة جدًا.”
“حقًا؟ الخدم هُنا ماهرون للغاية.”
عند هَذهِ الكلمات، انتفخت وجنتا الخادمة التي جاءت بهِ، وكأنها فخورةٌ بنفسها.
“وهَذا هو المستوى الذي يعيشهُ خدم قصر إيدينبرغ.”
“……!”
“صحيح أنَّ الغرف ليست فرديةً كما هو الحال معكَ الآن، لكن الملابس والطعام يُقدَّمان بنفس الجودة. إضافةً إلى ذَلك، يتقاضون أجرًا أعلى مِن أماكن أخرى، لذا فهُم راضون جدًا عن عملهم.”
عند إشارة أرتيا بعينيها، أومأت الخادمة برأسها بحماس، يبدو على وجهها علامات الرضا.
ثم التفتت مُجددًا نحو لوكا.
“هل ساعدكَ هَذا في اتخاذ قرارٍ بشأن مُستقبلكَ؟”
الآن فقط تذكّر لوكا كلماتها عندما جاءت بهِ إلى هُنا.
لقد طلبت منهُ التفكير فيما إذا كان سيبقى مع السيدة تنغويل أم سينضمُ إليّها.
كان يظُن أنها مُجرد كلماتٍ قالتها لجلبهِ إلى هُنا.
‘لكنها كانت جادّة…’
احمرّ وجهُه بشدةٍ، وكأنه سينفجر.
شعر بالحرج مِن كُل الأفكار السيئة التي راودتهَ وحده.
أما أرتيا، فقد كانت تُراقبه بهدوء.
الآن، أدرك لوكا الأمر بوضوح.
“السيّدة تنتظرُ إجابتي.”
كان هَذا اللُطف الغريب يُربكه أكثر مِما يُفرحه.
لَمْ يكُن يعرف ماذا يجب أنْ يقول، فعضّ على شفتيه، لكن عندها، فُتح الباب.
دخلت بيبي وأبلغت أرتيا:
“سيّدتي، السيدة تنغويل قد وصلت.”
عقدت أرتيا حاجبيها.
“يا لهُ مِن توقيتٍ سيّئ…”
نظرت إلى لوكا، الذي تجمّدت ملامحهُ الوسيمة مِن التوتر.
“لوكا، لَمْ يكُن قدومكَ إلى هُنا برغبتكَ. أنا مَن جلبتُكَ بالقوة.”
“……!”
“لذا لا تخف. سأتكفلُ أنا بمواجهة تنغويل.”
في صوتها الهادئ، كان هُناك حزمٌ لا يتزعزع.
نظر لوكا إليّها بعمق، دوّن أنْ يدري.
“لكن هُناك أمرٌ واحد عليكَ حسمُه. هل ستذهبُ معها، أم ستبقى؟”
في غضون أيامٍ قليلةٍ فقط، بدا أنْ الموقف قد انقلب رأسًا على عقب.
كأنَّ أرتيا أصبحت صاحبة القرار في أمر لوكا، وأنَّ تنغويل جاءت لتنتزعهُ منها.
تألقت عيناهُ البنفسجيتان باضطرابٍ شديد.
“أنا…”
***
في غرفة الاستقبال، كانت تنغويل تهزُّ ساقيها بعُنف.
كانت هُناك خادمةٌ تقف بجانبها، لكنها لَمْ تهتم إنْ كانت تُراقبها أم لا.
لَمْ تكُن قادرةً على تهدئة نفسها على الإطلاق.
‘لماذا لا تأتي؟!’
لقد مرّت عشرون دقيقة بالفعل.
بالنسبة لشخصيةٍ عجولة مثلها، كان الأمر أشبهَ بمرور الأبدية نفسها، لكن فكرة المُغادرة لَمْ تخطُر لها إطلاقًا.
كانت يائسةً للغاية.
‘هل يُعقل أنها تنوي إبقائي هُنا طوال اليوم؟’
بدأ القلق يتسلل إليّها.
كانت تعرف أنَّ السيدات النبيلات يستمتعنَ أحيانًا بجعل الآخرين ينتظرون عمدًا.
‘أيتُها النبيلة الحقيرة!’
في ذهنها، أطلقت سيلًا مِن الشتائم، لكن عندها، انفتح الباب، وظهرت أرتيا.
بِمُجرد أنْ رأت وجهها الشاحب، تفجّرت أول كلمةٍ مِن فمها.
“أيتُها اللصة!”
اندفعت تنغويل نحو أرتيا لتقبض على عُنقها الأبيض النحيف…
أو على الأقل، كان ذَلك ما كانت ستفعلُه لو لَمْ تكُن أرتيا دوقة.
بعد أنْ أنهت تخيُلها الشرس، ارتسمت على شفتيها ابتسامةٌ خبيثة.
“تحياتي للدوقة إيدينبرغ.”
ابتسمت أرتيا.
“مر وقتٌ طويل. بما أنكِ جئتِ إلى هُنا، يبدو أنَّ ساقكِ التي كنتِ تشتكين مِن ألمها قد شُفيت تمامًا.”
كان وجهُها المُتصنع، الذي يدّعي اللطف، يُثير غضب تنغويل إلى حد الجنون.
لكنها كتمت غيظها بصعوبةٍ ودخلت في صلب الموضوع فورًا.
“لا بد أنكِ استمتعتِ باللهو مع طفلي طوال هَذا الوقت، أليس كذَلك؟ أظُن أنني منحتُكِ وقتًا كافيًا، لذا جئتُ لاستعادتهِ الآن. أعيدي لي لوكا.”
“لا أريد.”
“……!”
ارتفع حاجبا تنغويل بدهشة.
في ذَلك اليوم، عندما تخلّت عن لوكا بسهولة، كان السبب الوحيد وراء ذَلك هو أنها فوجئت بجانبٍ غير متوقع مِن أرتيا.
كانت تبدو شاحبةً وواهنة، لكن في الحقيقة، كانت شخصيتُها فظيعة.
كان عليها أنْ تتعامل معها بحذر.
ولهَذا السبب، كانت تنغويل قد استعدّت جيدًا لمواجهتها اليوم.
“يبدو أنكِ أحببتِ لوكا كثيرًا. لا أنكر أنهُ طفلٌ لطيفُ ونادر الجمال. لكنهُ عزيزٌ جدًا عليّ.”
رفعت تنغويل يدها، فتقدم أحد الخدم الأربعة الواقفين خلفها.
كان شابًا وسيمًا بوجهٍ أبيض كالثّلج وشعرٍ ذهبيّ لامع.
“لذَلك، اخترتُ بعنايةٍ هَذا الشخص ليكون بديلًا عنه. أظن أنَّ هَذهِ المُقايضة ستكون عادلةً، أليس كذَلك؟”
لَمْ تنظر أرتيا حتى إلى ذَلك الخادم.
“لا.”
ارتعشت وجنتا تنغويل المُمتلئتان غضبًا.
“دوقة إيدينبرغ، كنتُ أحاول التعامل معكِ بإخلاصٍ شديد. لكنكِ لا تكفين عن التصرُف على هواكِ، ولَمْ أعد أستطيع تحمّلكِ.”
لَمْ يتغير شيءٌ خلال الأيام القليلة الماضية.
كانت أرتيا لا تزال دوقة، بينما بقيت تنغويل مُجرد عامية.
لكن هَذا يعني أيضًا أنها تملك سلاحًا تستطيعُ استخدامه.
“لديّ الكثير مِن الأصدقاء. مِن بينهم شخصٌ يملك دار نشر.”
كان النبلاء يعتبرون نشر الأخبار والإشاعات عملًا وضيعًا، لذا كانت الصحافة مهنةٌ يسيطر عليها العامة.
وبينهم، كان هُناك مَن يحمل ضغينةً تجاه الطبقة الأرستقراطية.
خاصةً عندما لا يكون الخصم شخصيةً نبيلةً مرموقة، بل مُجرد دوقةٍ بلا زوج.
“الدوقة التي هزّت العالم بطلاقها، بعد أنْ طردت زوجها وأصبحت وحيدة، اختطفت عبدًا عزيزًا على امرأةٍ مِن العامة.”
“…….”
“شخصٌ حصل على لقب الإيثيريال، ألَن يكون مِن المُخزي أنْ يُنشر عنهُ مثل هَذا المقال؟”
تلألأت عينا تنغويل بتحدٍّ واضح.
أما أرتيا، فقد أُعجبت في داخلها.
‘إذًا لَمْ تقضِ أسبوعًا كاملًا وهي تغلي مِن الغضب فقط، بل جاءت ومعها سلاحٌ لمواجهتي.’
لقد كانت خطةً فعّالة.
حتى أعلى السيدات النبيلات كنّ يخشينَ رؤية شائعاتٍ مُخزية عنهن تُنشر على الملأ.
لكن…
ارتسمت على شفتي أرتيا ابتسامةٌ ملتوية.
“افعليها.”
“…..؟!”
اتسعت عينا تنغويل بذهول، بينما تابعت أرتيا ببرود.
“لكن عليكِ التفكير جيدًا في العواقب التي ستواجهينها بسبب فعلتكِ.”
“……!”
“قلتِ إنَّ لديكِ العديد مِن الأصدقاء في الصحافة، صحيح؟ حسنًا، لديّ أيضًا العديدُ مِن الأصدقاء. وإذا مسستِني، فستجدين نفسكِ في مواجهة غضب عددٍ لا يُحصى مِن سيدات المُجتمع الراقي في العاصمة.”
كانت ردة فعلٍ غير متوقعة، ما جعل تنغويل تفقدُ تماسكها وتصرخ دوّن تفكير.
“منذُ متى كان هُناك صداقةٌ بين نساء النبلاء؟!”
ضحكت أرتيا بصوتٍ خافت.
“لديكِ انطباعٌ غريب عن النبلاء. حسنًا، لِمَ لا تُجربيين تنفيذ خطتكِ؟ حينها ستكتشفين بنفسكِ ما إذا كان كلامي صحيحًا أم لا.”
استفزازٌ طفولي…
لكنها لَمْ تستطع تجاهله.
عيون أرتيا الوردية لَمْ تكُن تعكس مُجرد غطرسة، بل كانت تنضحُ بتهديدٍ حقيقي.
ضغطت تنغويل على أسنانها غيظًا.
“أوه، بالمُناسبة، أنصحكِ أنتِ، والصحفي الذي سيكتُب المقال، ورئيس الصحيفة، أنْ تجهزوا أنفسكم جيدًا لدخول السجن. فَبِمُجرد نشر الخبر، سأقاضيكُم جميعًا بتهمة التشهير.”
كان تشويه سمعة النبلاء جريمةً لا تقل خطورةً عن الاعتداء الجسدي المُباشر.
وعلى درايةٍ بذَلك، احمرّ وجهُ تنغويل غضبًا.
“إذًا، أنتِ حقًّا تنوين مواجهتي؟”
“بالطبع لا. متى سمعتي عن بالغٍ يخوض معركةً مع طفل؟”
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة