البحث عن زوج للدوقة - 137
الفصل 137 : كسر البيضة والخروج منها ²⁰
لَمْ يكُن الرجال العاديون يثيرون اهتمامها على الإطلاق.
لقد اختارت فقط الوسيمين الذين يضيئون أكثر مِن الجواهر ليكونوا بجانبها.
‘كُنْ حيواني الأليف.’
كان مِن الصعب على أيِّ شخصٍ رفض عرضها.
فقد كانت تعرضُ أموالًا يستحيل كسبها حتى لو عمل أحدًهم طوال حياته، وإنْ رفضها أحد رغم ذَلك، كانت تُهدده بوحشية.
لَمْ تكُن تشعرُ بالرضا إلا إذا حصلت على مَن تُريده بأيِّ طريقة كانت.
“المشكلة أنها مُسيئةٌ للحيوانات. فَهي لا تكتفي بمداعبتهم لأنهم جميلون، بل تشتمُهم وتضربُهم كُلما سنحت لها الفرصة.”
“تجلسُ على الناس بدل الكراسي، وتجبُرهم على لعق قدميها إنْ اتسختا، وتجعلهم يقومون بكُل أنواع الأفعال المقززة.”
لحُسن الحظ، كان طبعها أنها تملّ بسرعة.
فهي لَمْ تكُن تحتفظُ بحيواناتها الأليفة أكثر مَن ثلاثة أشهر قبل أنَّ تطردهم.
“لكن الحيوان الموجود لديّها الآن قد تجاوز العام، ولا يبدو أنها تنوي طرده. لذا، انتشرت شائعاتٌ بين وسيمي العاصمة بأنَّ السيدة تانغويل قد وقعت في حُب هَذا الكلب هَذهِ المرة.”
عندما عادت أرتيا إلى المنزل، تذكرت حديث ميخائيل، فعقدت حاجبيها.
ما أزعجها أكثر مِن تصرفات تانغويل الغريبة هو اللقب الذي أُطلق على شاين.
“مهما يكُن، وصف شخصٍ بالكلب أمرٌ مبالغٌ فيه.”
“أنا لستُ كلبًا، بل قِطّ.”
“يا إلهي!”
شهقت أرتيا ونظرت بسرعة إلى الأعلى.
كان كيليان واقفًا عند النافذة.
“مرّ وقتٌ طويل على آخر زيارةٍ لكَ، جلالتُك.”
لكن كيليان تجاهل التحية.
“هل وجدتِ كلبًا يثيرُ اهتمامكِ؟”
كلبٌ يثير اهتمامي؟ كيف يُمكنه قول شيءٍ غريبٍ كهَذا؟
هزّت أرتيا رأسها.
“إنهُ ليس كلبًا، بل إنسان.”
في تلكَ اللحظة، ومضةٌ مرعبة مرّت في عيني كيليان الذهبيتين.
لكنّهُ كان بارعًا في إخفاء ذَلك أمام أرتيا.
بفضل ذَلك، لَمْ تشعُر أرتيا بشيء، بل سردت الحديث عن السيدة تانغويل كما سمعتهُ مِن ميخائيل.
حين لاحظت أنَّ وجه كيليان أصبح أكثرَ برودةً مِن ذي قبل، عقدت حاجبيها.
“إنهُ حديثٌ مزعج، أليس كذَلك؟ لقد صُدمتُ أنا أيضًا. صحيحٌ أنَّ هُناك أشكالًا وأنواعًا كثيرة مِن البشر، لكن معاملة شخصٍ كحيوانٍ أليف…”
“إذن، هل ذَلك الكلب وسيم؟”
سأل أرتيا، ثم أومأت برأسها، لكنها سرعان ما تجمدت.
لقد شعرت بالخجل لأنها لَمْ تُنكر السؤال الذي وصف الإنسان بالكلب وأجابت عليهِ تلقائيًا.
أما كيليان، فكان وجهُه خاليًا تمامًا مِن أيِّ خجل، بل تنهد وكأنَّ الأمر لَمْ يُعجبه، ثم مرّر يدُه بين خصلات شعرهِ السوداء.
أغلق عينيهِ المرفوعتي الطرفين للحظة، وحين فتحهُما مُجددًا، تلألأت عيناهُ الذهبية بوهجٍ ساطع.
ثم سأل وهو واقفٌ تحت ضوء القمر الأبيض.
“أوسمُ مني؟”
“……!”
لو قالها ميخائيل، الذي يُعترف بهِ كأوسم ممثلٍ في الإمبراطورية، لكانت مُجرد مزحةٍ مُتغطرسة يضحكُ عليها الجميع.
لكن في هَذهِ اللحظة، لَمْ يكُن مِن المُمكن الضحك.
لأن ملامحهُ كانت ببساطة…
‘خانقة.’
كأن جسدُها كله قد تعطّل، ولَمْ تستطع حتى التنفُس.
اقترب كيليان مِن أرتيا، التي عضّت شفتيها، وهمس عند أذنها بنبرةٍ أشبه بالهدير.
“أرتيا فون إيدينبرغ، لا تمدحي وسامة أيِّ رجُلٍ أمامي.”
حاولت تحليل كلماتهِ بعقلٍ مُشتتٍ تمامًا.
هل يُمكن أنْ يكون حساسًا بشأن وسامتهِ لدرجة أنَّ سماع مديح شخصٍ آخر يُزعجه؟
كزوجة الأب التي غارت مِن جمال بياض الثلج؟
لكن جلالتُه يتمتعُ بجمالٍ طاغٍ يجعل حتى الوسيمين يبدون عاديين. لذا، أعتقد أنهُ لا داعي لمثل هَذهِ المشاعر التافهة…
كانت أرتيا تسرحُ في أفكارها الغريبة.
“جوابكِ.”
كان صوتُه المنخفض، الذي همس بهِ عند أذنها، أشبه بوخزةٍ في قلبها.
لَمْ تستطع أرتيا حتى التفكير في الاعتراض، فقط أومأت برأسها.
تمامًا كأرنبٍ وقع في أسر فهدٍ أسود.
* * *
كان مِن الصعب العثور على كودرانيٍّ لا يعرف حتى اسمه، لكن معرفة معلوماتٍ عن تانغويل لَمْ يكُن بالأمر العسير.
بما أنَّ أرتيا تأكدت مِن أنَّ شاين يعملُ في قصرها، فقد بات بإمكانها الذهاب فورًا للقائه.
لكنها لَمْ تستطع الإقدام على ذَلك بسهولة.
“بناءً على ما سمعتُه، لا تبدو تانغويل شخصًا عاديًا. إنْ ذهبتُ إليّها هَكذا دوّن تخطيط، فقد يتسببُ ذَلك في متاعبٍ لشاين.”
كان مِن الأفضل أنْ تلتقي بشاين دوّن علم تانغويل.
ماذا عساها أنْ تفعل؟
بينما كانت تُفكر بوجهٍ جاد، دخلت بيبي إلى الغرفة.
“سيدتي، لقد وصلت رسالة مِن السيدة تانغويل.”
ما هَذا التطور المفاجئ؟
استلمت أرتيا المُغلّف الذي ناولتها إياه بيبي بوجهٍ بدا وكأنها تلقت لكمةً غير متوقعة.
كانت الورقة مُعطرةً بعطرٍ قوي لدرجة أنهُ كاد يؤلم أنفها، وقد كُتب عليها.
[إلى السيدة المُحترمة دوقة إيدينبرغ،
سمعتُ مِن طفلي أنكِ مُهتمةٌ جدًا بهَذا الصغير.
لقد كان هُناك الكثير مِن الطامعين فيهِ بسبب جمالهِ الفاتن، لكنني تجاهلتُهم جميعًا.
إلا أنني أرغبُ في إجراء حديثٍ مع السيدة الشهيرة إيدنبرغ.
تفضلي إلى قصري الجميل متى شئتِ.]
بعد كل ما سمعتُه مِن أمورٍ مريعة، كانت مُستعدةً لأن تجد في الرسالة تعاويذ لعنات، لكنها كانت أكثر بساطةً مِما توقعت.
“لكن عبارة ‘طفلي’ تبعثُ في نفسي شعورًا سيئًا.”
أما كونها رسالةً جريئة على غير عادة الرسائل التي يرسلها عامة الشعب إلى النبلاء، فَلَمْ يكُن أمرًا يستحق الاهتمام.
إذ إنها الآن حصلت على فرصةٍ طبيعية للذهاب إلى قصر تانغويل، وهو ما كانت تُفكر فيه.
لذا، قبلت أرتيا دعوتها عن طيب خاطر.
وبعد بضعة أيام، رفعت شعرها وربطتهُ، ووضعت زينةً أثقل مِن المُعتاد.
“تانغويل ليست بالشخص السهل.”
لَمْ تكُن تعلم نوع المحادثة التي ستُجريها معها اليوم، لكنها أيقنت أنْ الظهور بمظهرٍ ضعيف لَن يكون في صالحها أبدًا.
كما قيل، كان قصر تانغويل فخمًا وضخمًا للغاية.
وخاصةً تلكَ الورود الحمراء القانية المُتفتحة بكثرةٍ في الحديقة الشاسعة، فقد بدت فخمةً لدرجة أنها بثّت فيها قليلًا مِن الرهبة.
“أهلًا وسهلًا بكِ، سيدة إيدينبرغ. سأرشدُكِ إلى سيدتي.”
كان كبير الخدم الذي خرج لاستقبال أرتيا شابًا وسيمًا طويل القامة.
وحتى عند مدخل غرفة الاستقبال، كان هُناك خادمان وسيمان يقفان بانتظام.
انحنيا بظهريهما بشكلٍ مبالغٌ فيه كما لو كانا يرافقان ملكة، ثم فتحا الباب.
‘هَذا مُحرجٌ بعض الشيء.’
احمرّ وجه أرتيا قليلًا وهي تخطو إلى الداخل.
كان المكان مُشبعًا برائحة الورد العطرة لدرجة الدوار، وداخله كانت هُناك امرأةٌ ورجل.
تانغويل وشاين.
كانت تانغويل مسترخيةً على أريكةٍ طويلة، بجسدٍ مُمتلئ ووجهٍ يعكسُ عمرها المُتقدم.
لكن أكثر ما لفت نظر أرتيا كان تسريحتها التي ارتفع فيها شعرُها لدرجة أنه كاد يُلامس السقف.
‘إنها تستخدمُ شعرًا مُستعارًا لتبدو كثيفة الشعر. لكنني لَمْ أرَ مِن قبل شعرًا مُستعارًا مرتفعًا لهَذهِ الدرجة…’
بينما كانت تُفكر في أنها بالفعل امرأةً غيرَ عادية كما سمعَت، نظرت إلى شاين الواقف بجانبها.
لَمْ يكُن يرتدي ملابس بسيطةً كما حينما أتى للقائها، بل كان متأنقًا كدمية، مُرتديًا ثيابًا مزخرفة، يرسمُ ابتسامةً كأنها مرسومةٌ بريشة فنان.
‘كلب تانغويل الأحمر.’
بِمُجرد أنْ تذكرت لقبه المروع، عقدت أرتيا حاجبيها.
في تلكَ اللحظة، سمعت صوت تانغويل الحاد.
“أشكركِ على تشريفكِ لنا، سيدة إيدينبرغ. في الواقع، لقد أصبتُ ساقي منذُ أيام، لذا يصعب عليَّ النهوض. أرجو أنْ تتفهمي ذَلك بقلبكِ النبيل.”
قالت ذَلك وهي تميلً رأسها بكسل، دوّن أنْ تُحاول حتى النهوض.
‘يا لها مِن وقاحة. هل تستخفُ بي؟’
تخيلت تانغويل أنْ الشابة النبيلة ستغضبُ وتعبُس وجهها، لكنها فوجئت بأنَّ أرتيا اكتفت بإيماءةٍ هادئة.
“حسنًا، لا بأس.”
جلست أرتيا على الأريكة المُقابلة لها، ثم فتحت فمها وسألت.
“ما السبب وراء استدعائكِ لي؟”
بدا أنَّ تانغويل كانت تنتظرُ هَذهِ اللحظة، فقالت بابتسامةٍ خبيثة.
“لقد التقيتِ طفلي قبل أيام، أليس كذَلك؟”
حين عاد شاين مِن لقائه مع أرتيا، أخبر تانغويل بكُل شيءٍ دار بينهما.
لَمْ يكُن ذَلك بدافعٍ خاص، بل كان جزءًا مِن الروتين المُعتاد.
فلكي يخرُج، كان عليهِ الحصول على إذنها، وبعد عودته، كان ملزمًا بإخبارها بكُل ما حدث.
وإنْ كانت مَن التقى بها امرأة، فعليهِ أنَّ يكون أكثر تفصيلًا في حديثه.
أثناء استماعها إليّه، كانت تانغويل مُستلقيةً تتلقى تدليكًا مِن إحدى خادماتها، لكن نظراتُها سرعان ما تحولت إلى قسوة.
“تلكَ النبيلة الوقحة طلبت منكَ أنْ تُصبح مُمثلًا؟!”
“بل كان مُجرد اقتراح، وليس طلبًا. وقد أخبرتُها بأنني لا أستطيع، لذا لا داعي لأن تنزعجي مِن ذَلك، سيدتي…”
لَمْ يكد شاين ينهي كلماته حتى صفعت تانغويل الخادمة التي كانت تدلكها.
كانت تضربُ خدمها بلا تردد كلما شعرت بالغضب، لكنها لَمْ تلمس شاين أبدًا.
فهي لا تُريد أنْ يُصاب هَذا الجسد المثالي أو ذَلك الوجه الرائع بأيِّ خدش.
“كيف ليّ ألّا أنزعج! تلكَ النبيلة الحقيرة تُحاول خداعكَ وأخذكَ مني!”
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة