البحث عن زوج للدوقة - 136
الفصل 136 : كسر البيضة والخروج منها ¹⁹
شُحن وجه شاين بتعبيرٍ مُحرَج، لكنهُ تلقّى الكيس بامتثال.
ثم نظرَ بحذرٍ إلى أرتيا.
عند رؤية ذَلك، شرُدت أرتيا في أفكارها.
‘حتى عيناهُ الارجوانيتان تُشبهان تمامًا عيني شاين.’
كان اللون الارجواني نادرًا بين سكان الإمبراطورية.
ثم أدركت متأخرةً أنْ شاين كان ينتظرُ أمرها بالمُغادرة.
لكن أرتيا لَمْ تكُن تنوي إعادتهُ بهَذهِ السهولة.
“هل فكّرت يومًا في أنْ تُصبح مُمثلاً؟”
“ماذا؟”
اتسعت عينا شاين مِن وقع السؤال المُفاجئ، فبدأت أرتيا تُفسّر له بشأن العرض المسرحي الذي يتم الإعداد له.
“لا تقلق إنْ لَمْ تُجرب التمثيل مِن قبل. أفضل المُخرجين والممثلين سيُساعدونك.”
شعرت أرتيا بالتوترٍ حيال صمت شاين، فسارعت إلى إضافة المزيد مِن الكلام.
“بِمُجرد توقيع العقد، ستحصُل على 500 قطعة ذهبية!”
بغض النظر عن أيِّ شيءٍ آخر، فقد خُصِّصت مكافآتٍ سخية للممثلين.
حتى المُمثلون المحترفون الذين تم التعاقد معهم شعروا بالتأثر بهَذهِ المعاملة التي لَمْ يسبق لهم الحصول عليها.
كانت قوة المال عظيمة.
اتسعت عينا شاين بدهشة.
“500 قطعة؟”
“نعم، بالإضافة إلى ذَلك، بعد بدء العرض، ستحصُل على أجرٍ إضافي في كُل مرةٍ تصعد فيها إلى المسرح.”
“ما رأيكَ؟ لا يُمكنك رفض هَذا العرض، حتى لو لَمْ تكُن مهتمًا بالتمثيل…”
وقبل أنْ تكمل أرتيا أفكارها، نهضّ شلين فجأةً، ثم انحنى على الأرض كما فعل سابقًا.
كانت قوة المال عظيمة بالفعل.
“أرجوكِ سامحيني، لا يُمكنني قبول عرض السيدة.”
أُصِيبت أرتيا بالذهول مِن هَذهِ الحركة المُفاجئة.
“هل يُمكنكَ الجلوس والتحدُّث معي؟”
جلس شاين مرةً أخرى على طرف الأريكة.
“لماذا لا يُمكنك قبول عرضي؟ هل تُثقلكَ فكرةُ التمثيل؟”
“لا، إنْ طُلِبَ مني القيام بأيِّ عمل، فسأفعلُه.”
كان جادًّا في كلامه، فهو مِن كودران، وليس في وضعِ يُسمح له بانتقاء الأعمال.
“لكن لديّ عملٌ حاليًّا.”
كان شاين شابًّا قويًّا، لذا كان مِن الطبيعي أنْ يكون لهُ عمل.
“هُناك العديد مِن المُمثلين الذين يعملون في وظائفٍ أخرى، يُمكننا ترتيب جدولكَ بحيث تتمكن مِن التدرّب خلال أوقات فراغكَ.”
لكن شاين هزّ رأسهُ بالنفي.
“لَن يسمح ليِّ سيدي بذَلك، أعتذرُ بشدة.”
كان مُحرجًا للغاية مِن هَذا الموقف، لدرجة جعلت أرتيا غير قادرةٍ على قول أيِّ شيء.
خرج شاين مِن قصر إيدينبرغ، مُستعيدًا آخر مشهدٍ رآه.
“إذا غيّرت رأيكَ في أيِّ وقت، فتعال إليّ، سأكون بانتظارك.”
***
حتى النهاية، لَمْ تُجبرهُ، ولَمْ تغضب.
بل اكتفت بالابتسام بأسف.
عندما سمع بقصتها مِن جدّه، شعر أنَّ هُناك أمرًا غريبًا.
“سيدةٌ نبيلةٌ ساعدتْ شخصًا مِن كودران في قريتهم؟”
كان هَذا أشبه بقصةٍ خيالية عن ملاكٍ زار الجحيم وأنقذ شيطانًا.
ومع ذَلك، استطاع تقبُّل الأمر حتى هَذهِ المرحلة.
فقد كان هناك نبلاء يمتلكون النوايا الحسنة أحيانًا.
جدّه أراد أنْ يُعبّر عن امتنانه لتلكَ السيدة النبيلة.
ووافقه شاين على ذَلك.
فلولاها، لكان قد فقد عائلتهُ الوحيدة في هَذا العالم.
سأل الطبيب عن اسم السيدة التي أظهرت لهم هَذا الكرم.
“أرتيا فون إيدنبرغ، دوقة إيدينبرغ.”
عندما سمع ذَلك الاسم، شعر بصدمةٍ لا توصف.
حتى مُجرد التفكير في هَذا الاسم بدا لهُ أمرًا مُحرّمًا.
كيف لشخصيةٍ عظيمةٍ كهَذهِ أنْ تلتقي بشخصٍ مِن الكودران؟
ومع ذَلك، جاء إلى القصر.
كان يعلم أنْ المبلغ الذي يحملُه مُجرد فتاتٍ بالنسبة لها، لكنهُ أراد أنْ يُعبّر عن امتنانهِ بأيِّ شكل.
عندما فتح الخادم الباب ورأى بشرتهُ الداكنة، عبُس وجهُه بانزعاج.
كان ردّ فعلٍ متوقعًا.
‘إذا طردني، فسأرجوهُ أنْ يُوصل تحياتي وأموالي إليّها.’
لكن حدث أمرٌ مُفاجئ.
الخادم قاده إلى غرفة الاستقبال.
‘ما هَذا؟’
دخل شابن الغرفة الفاخرة وهو يشعرُ بالارتباك.
كان مُجرد السماح لكودراني بدخول غرفة الاستقبال يُعد كرمًا بحد ذاته.
لَمْ يجرؤ حتى على التفكير في الجلوس على الأريكة، بل ظلّ واقفًا، يضُمّ يديهِ معًا بانتظام.
“متى ستأتي السيدة؟”
ساعة؟ ساعتان؟
لَمْ يكُن ليُفاجأ حتى لو قِيل لهُ إنها ستأتي غدًا أو بعد أسبوع.
لكن على عكس توقعاته، دخلت أرتيا قبل أنْ يشعُر حتى بالملل مِن الوقوف.
كانت ملامحُها كما تخيّلها تمامًا.
بشرةٌ بيضاء، مظهرٌ رقيق، نظرةٌ طيبة.
مِن النظرة الأولى، بدت كأنها سيدةٌ نبيلة صالحة.
شعر بالارتياح.
ظنّ أنهُ سيتمكّن مِن إلقاء تحيّة الامتنان والمُغادرة دوّن مشاكل.
لكنهُ أدرك بسرعةٍ أنْ توقعاته كانت خاطئة تمامًا.
قدّمت له أرتيا نفسها وسألتهُ عن اسمه.
قبلت النقود المُغطاة بالبقع دوّن تردّد.
وطلبت منهُ أنْ يُصبح مُمثلاً.
خلال حياتهِ، رأى شاين العديد مِن السيدات النبيلات، لكن كل تصرّفات أرتيا خلال هَذهِ الدقائق القليلة كانت غريبةً عليه تمامًا.
لو لَمْ يكُن بريق الذكاء يلمع في عينيها، لكان قد ظنّ أنها تعاني مِن مُشكلةٍ عقلية حقيقية.
فتح شاين الكيس الذي أعادتهُ له أرتيا، وألقى ما بداخلهِ مِن نقود على راحة يده.
… كانت القطع النقدية نظيفة.
ذَلك لأن أرتيا استبدلت العملات المًتّسخة بشدّة وأبقت فقط على تلكَ التي بحالةٍ جيدة.
لكنها لَمْ تُظهر ذَلك صراحةً.
لَمْ يكُن تصرّفًا مُصطنعًا نابعًا ِمن استغراقها في شعورٍ زائفٍ باللُّطف.
‘ما الذي يجري هُنا؟’
قبض شاين على القطع النقدية بوجهٍ مُرتبك.
شعر وكأنهُ كان على خشبة مسرح، يؤدي دورًا في مشهدٍ مُعدٍّ مسبقًا.
كان كل ما حدث قبل لحظات يبدو غير واقعي تمامًا.
***
المكتب المؤقّت لشركة إنتاج إيدينبرغ.
عندما سمع رام القصة من أرتيا، ضرب صدره بيده بقوة.
“أوه، كيف يُمكنكِ ترك شاين يرحل بعد أنْ وجدناه بصعوبة؟ كان عليكِ التمسُّك بطرف سروالهِ على الأقل، وإنْ لزم الأمر، تهديده حتى يُوقّع على العقد!”
بصراحةٍ، أرادت أرتيا فعل ذَلك.
لكن…
“لقد عاملني باحترامٍ مُبالَغٍ فيه.”
لو أنها حاولت منعه، لظلّ شاين واقفًا هُناك، بوجهٍ كئيب وكأنهُ قد ارتكب خطيئة.
كانت أرتيا نبيلة، لكنها أختبرت طغيان أصحاب السلطة أكثر مِن مرة.
كرهت فكرة أنْ يفرض إنسانٌ نفسه على إنسانٍ آخر بالقوة.
لهَذا، لَمْ تستطع الضغط عليه أكثر.
لكنها الآن تندم على ذَلك، خاصةً بعدما مرّت أيامٌ دوّن أنْ يعود.
“على الأقل، كان يجبُ أنْ أعرف اسمه.”
كان ميخائيل يُمضغ شطيرةً بينما يستمع إلى الحوار، ثم سأل فجأةً.
“كودراني؟”
“نعم.”
“صحيحٌ أنَّ هُناك العديد مِن الكودرانيين ذوي الشعر الأحمر والعيون الأرجوانية، لكن العثور على شخصٍ وسيمٍ لدرجة أنْ يُثير إعجابكِ مِن النظرة الأولى… “
“لَمْ أُعجب بهِ.”
قاطعت أرتيا كلامهُ بصوتٍ حازم، فسارع ميخائيل إلى تصحيح عبارته.
“أقصد، لَمْ يكُن مِن السهل العثور على شخصٍ وسيمٍ إلى درجة أنهُ مُناسبٌ تمامًا لدور شاين.”
أومأت ساندرا برأسها مؤيدة.
“الوسيمون نادرون.”
“إذا كنتِ تعرفين ذَلك، فلماذا لا تُعاملينني بلُطف؟”
“لأنّك وسيمٌ مِن الخارج فقط، لكنكَ شخصٌ مُروّعٌ مِن الداخل.”
“وأنا أيضًا لا أرغبُ في سماع هَذا منكِ، وأنتِ لا تملكين سوى وجهٍ حسن!”
استمرّ الاثنان في الجدال، حتى رمقهما رام بنظرةٍ صارمة تُطالبُهما بالصمت، فتوقّفا على الفور.
ثم واصل ميخائيل حديثه.
“في الواقع، هُناك شخصٌ واحدٌ يتبادر إلى ذهني.”
أخذ قلمًا وبدأ في رسم ملامح وجهٍ على الورقة التي أمامه.
كان الوجه المرسوم يُشبه إلى حدٍّ كبيرٍ ذَلك الرجُل الذي رأته أرتيا قبل أيام.
“هل هو هَذا الرجُل؟”
بدهشةٍ، أومأت أرتيا برأسها وسألت.
“كيف عرفت؟”
“كما تعلمين، هُناك العديد مِن الممثلين ذوي الملامح الجميلة. وهَذا يجعل البعض يُحاول التقرّب إليّ عبر الدلال واللُّطف.”
أومأت ساندرا برأسها باشمئزاز.
“كثيرون، كثيرون.”
“وأشهرهم هي السيدة تينغريل.”
بِمُجرد سماع هَذا الاسم، أصدرت ساندرا صوت امتعاضٍ، كما لو أنها شعرت بالقرف.
أما أرتيا، فلمعت عيناها بفضولٍ تجاه هَذا الاسم الذي لَمْ تسمع بهِ مِن قبل.
“هُناك شائعة تُفيد بأنَّ السيدة تينغريل مفتونةٌ تمامًا برجُلٍ كودراني في الوقت الحالي. لا أعرفُ اسمه، لكنني أعرفُ لقبه.”
حرّك شفتيه، ونطق بلقب ذَلك الرجُل.
“الكلب الأحمر للسيدة تينغريل.”
***
السيدة تينغريل.
وُلِدَت في عائلةٍ تجاريةٍ ضخمة، فكانت تعيشُ كنبيلةٍ أكثر مِن النبلاء أنفسهم.
امتلكت كُل شيء.
قصرًا ضخمًا، مجوهراتٍ براقة، حديقةً مترامية الأطراف مِن الورود الفاخرة.
وأيضًا…
الرجال.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة