البحث عن زوج للدوقة - 135
الفصل 135 : كسر البيضة والخروج منها ¹⁸
كانت بيبي تريد أنْ تفعل ذَلك، لكن في الوقت الحالي، كانت تحمل الرجل العجوز بين ذراعيها.
حتى لو كانت بيبي، لَمْ يكُن مِن السهل السيطرة على شخصٍ آخر وهي تحمل عجوزًا بين ذراعيها.
وإذا حدث أيُّ خطأ، فقد ينتهي بها الأمر مُحاطةً بأشخاصٍ يحملون ضغينةً ضد الإمبراطورية.
اتخذت أرتيا قرارها بسرعة.
“لنذهب إلى الطبيب خارج القرية.”
استقلت أرتيا العربة التي كانت قد أوقفتها في مكان قريب، وانطلقت إلى الطبيب الموجود في الشارع الرئيسي.
“لدينا مريضٌ في حالةٍ طارئة!”
استدار الطبيب عند سماعه صوت أرتيا، لكنهُ أطلق شهقةً وصاح بدهشة.
فالشخص الذي كانت تحملُه بيبي كان رجلاً عجوزًا ذا بشرةٍ بنية داكنة. تحدث الطبيب بعصبية.
“أنا لا أقدمُ العلاج للعبـ…”
دوّي!
رفعت بيبي قدمها ولوّحت بها، فقسمت المكتب الذي كان يجلس عليهِ الطبيب إلى نصفين.
وقفت أرتيا أمامهُ بوجهٍ صارم على غير عادتها، وقالت ببرود.
“عالجْه، إلا إذا كنتَ تُريد أنْ تجعل مِن عائلة إيدينبرغ عدوًا لك.”
وحشٌ أم نبيلةٌ ذات مكانةٍ رفيعة؟
لَمْ يكُن لدى الطبيب وقتٌ للتأكد مِما إذا كان كلامُ أرتيا صحيحًا أم لا، لكنهُ أومأ برأسهٍ على الفور.
فإنْ لَمْ يفعل، فحياتُه هي التي ستكون في خطر، وليس المريض.
***
“هاه…”
فتح العجوز عينيهِ مع تنهيدةٍ ضعيفة.
ابتسمت أرتيا، التي كانت واقفةً بجانب السرير.
“لقد استيقظتَ.”
ارتبك العجوز وهو ينظرُ إلى المشهد الغريب مِن حوله.
“فقدتَ وعيّكَ وسقطتَ، لذَلك جلبناكَ إلى الطبيب. يقول الطبيب إنكَ كنتَ في حالةٍ ضعف وأرهقتَ نفسكَ أكثر مِن اللازم، لذا عليكَ أنْ ترتاح.”
حدّق العجوز في أرتيا، التي كانت تتحدثُ بلُطف، ثم سرعان ما اغرورقت عيناهُ بالدموع.
“أشكركِ على مساعدتي.”
أشارت أرتيا، التي احمرّ وجهُها، إلى بيبي التي كانت تقف بجانبها.
“وجّه شُكرك لهَذا الشخص. بيبي هي مَن أحضرتكَ.”
أحنَى العجوز رأسهُ فورًا لبيبي.
“أنا مُمتنٌ لكِ جدًا.”
ردّت بيبي بوجهٍ جامد.
“لا داعي للشُكر. مِن حسن الحظ أنكَ بخير.”
“بما أنكَ فتحتَ عينيك، سننصرفُ الآن. لقد أوضحتُ الأمر للطبيب، لذا لا تقلق وابقَ هًنا حتى تتعافى تمامًا.”
“آه…”
أمسك العجوز بطرف ثوبها.
“كما ترين، ليس لديّ شيءٌ يمكنني أنْ أقدّمه لكِ الآن. لكنني سأردّ لكِ هَذا الجميل حتمًا، لذا أرجوكِ أخبريني باسمكِ.”
ما الذي يفعلهُ الآن؟
ترددت أرتيا للحظة، ثم أجابت بصدق:
“أنا أرتيا.”
لكنها تعمدت عدم ذِكر اسم العائلة.
فَلَمْ تكُن تُريد أنْ تُشعر العجوز بعبءٍ غير ضروري.
***
بعد أنْ خرجت أرتيا مِن الغرفة، اقتربت مِن الطبيب الذي بدا وكأنهُ يتعرضُ لسوء المعاملة مِن مريضٍ متطلب.
ما الأمر الآن؟
مدّت أرتيا يدها إليّهِ وقد أمسكتْ بكيسٍ صغير.
بِمُجرد أنْ فتح الطبيب الكيس، أشرق وجههُ على الفور.
كان الكيس مليئًا بالعُملات الذهبية.
“اعتنِ بهِ جيدًا، كأيِّ مريضٍ آخر.”
ثم ألقت نظرةً سريعة على المكتب الذي حطمتهُ بيبي.
“واشترِ مكتبًا جديدًا أيضًا.”
هزّ الطبيب رأسهُ بعنف، وقد تبدلت ملامحهُ فجأةً إلى تعابيرٍ مُشرقة.
***
عادت أرتيا إلى القصر، وهي غارقةٌ في التفكير.
فَما إنْ رأى الطبيب وجه العجوز، حتى صاح مُباشرةً بأنهُ لا يُعالج العبيد.
ولَمْ يكُن هو الوحيد.
فحتى المرضى الآخرون الذين رأوا العجوز مُستلقيًا على السرير أظهروا نظراتٍ مُستاءة، وكأنهم يتساءلون لماذا يوجد شخصٌ مثله في المستشفى.
لكنهم لَمْ يجرؤوا على قول شيء بعد أنْ تقلّصت عضلات ليبي الضخمة أمامهم.
كان الأمر صادمًا.
‘كنتُ أعلم أنَّ الكودران يُعامَلون بعنصرية، لكن لَمْ أكُن أدرك أنْ الأمر بهَذا السوء.’
ولَمْ يكُن هَذا كُل شيء.
فحتى مشاعر العداء التي يحملُها الكودران تجاه الإمبراطورية كانت أكبر مِما تخيلته.
لا تزال نظرة العداء الواضحةً في عيون الكودران الذين رأوها محفورةً في ذاكرتها.
‘إذن، هل سيكون مِن المُستحيل حقًا اختيار كودران لأداء دور البطولة…؟’
وأثناء انشغالها بهَذهِ الأفكار.
“سيدتي، هُناك ضيفٌ قد أتى. إنهُ حفيد العجوز التي ساعدناه مِن قبل.”
لَمْ تتوقع أرتيا هَذا الزائر أبدًا.
لكن، حتى وإنْ كان ضيفًا غيرِ متوقع، لا يُمكن جعله ينتظر طويلًا.
توجهت أرتيا مُباشرةً إلى غرفة الاستقبال.
وعندما فتحت الباب، رأت رجُلاً طويل القامة يقفُ بجانب الأريكة.
وما إنْ استدار الرجُل، حتى اتسعت عيناها.
شعرٌ أحمرّ كاللّهب المُشتعل، وبشرةٌ بنية ناعمة، وعينان أرجوانيتان حادتان.
كان يملكُ ملامح فاتنةً تكفي لجذب أنظار النساء أينما ذهب…
“شاين…؟!”
بِمُجرد أنْ تمتمت باسمه، اتسعت عينا الرجل بدهشة.
لكنه لَمْ يردّ على كلماتها الغامضة، بل جثا على ركبتيهِ مُباشرةً.
لَمْ يكُن لدى أرتيا حتى الوقت لتُعبر عن دهشتها، فقد انحنى الرجُل حتى لامس رأسهُ الأرض.
“أُقدمُ احترامي للشخص النبيل.”
لَمْ يكُن هُناك تحيةٌ محددة يجبُ أنْ يؤديها عامة الشعب تجاه النبلاء.
كل ما كان عليهم فعله هو خفض رؤوسهم تعبيرًا عن الاحترام.
لكن أرتيا لَمْ يسبق لها أنْ تلقت مثل هَذهِ التحية مِن قبل.
“ارفَع رأسَك… لا، قفْ.”
“شكرًا لكِ.”
لحُسن الحظ، لَمْ يُحاول الرجُل التمسك برفضه، بل نهضّ فورًا دوّن مقاومة.
وعندما نظرت إلى وجههِ مُجددًا، كان لا يزال جميلًا.
‘بسبب بنيتهِ الكبيرة وملامحهِ الواضحة، بدا ناضجًا، لكن عندما رأيتُه عن قرب، بدا صغير السن.’
ترى، هل يبلُغ مِن العمر ثمانية عشر عامًا تقريبًا؟
كانت أرتيا تُحاول تقدير سنهِ عندما أدركت أنه لا يزال واقفًا.
“إذا لَمْ تكُن تشعرُ بأيِّ إزعاج، فهلا جلستَ مِن فضلك؟”
ألقى الرجُل نظرةً خاطفة على الغرفة.
بغضّ النظر عن المكان الذي نظر إليّه، لَمْ يكُن هُناك موضعٌ يليق بشخصٍ مِن الكودران ليجلس عليه.
إذن، لَمْ يكُن أمامه خيارٌ سوى الجلوس على الأريكة المُقابلة لأرتيا.
جلس بحذرٍ على حافتها، ثم أزاح نظرهُ قليلًا إلى الأرض.
تمامًا كما كانت أرتيا في الماضي، عندما لَمْ تكُن قادرةً على النظر مُباشرةً في عيون الآخرين.
‘لا، الأمر مُختلف.’
كان يُشبه الأشخاص الذين يقفون أمام كيليان.
أولئكَ الذين يتخذون وضعية الاحترام بأقصى درجات التقدير والخوف.
كانت أرتيا مِن طبقة النبلاء العظمى، لكنها لَمْ تكُن ذات هيبة… لا، بل كانت تبدو طيبةً الملامح، لدرجة أنَّ خدمها لَمْ يعاملوها قط بهَذهِ الطريقة.
لكن عندما واجهت ذَلك بنفسها…
‘إنهُ شعورٌ مزعج للغاية.’
لَمْ تشعر بالفخر، بل شعرت بالإحراج الشديد.
فكرت في إخبارهِ أنْ ينظر إليّها براحة، لكنها تراجعت عن ذَلك.
فقد يكون هَذا الأمر أكثر إزعاجًا له.
لذا، قالت له شيئًا آخر بدلًا مِن ذَلك.
“اسمي أرتيا فون إيدينبرغ. ما اسمُك؟”
اتسعت عينا الرجل وكأنهُ سمع شيئًا غير متوقع، ثم احمرّ وجهُه قليلًا.
“نادِني بأيِّ اسمٍ يريحُكِ. يمكنكِ مناداتي بـ شاين أيضًا.”
هل كان لا يريدُ أنَّ يُخبرها باسمهِ الحقيقي؟
أم أنهُ كان خجولًا؟
لَمْ تتمكن أرتيا مِن معرفة سبب تردده، مِما زاد مِن فضولها لمعرفة اسمهِ الحقيقي. لكنها كتمت ذَلك الشعور.
لَمْ تكُن تريد أنْ تفرض عليهِ الإفصاح عن شيءٍ يُحاول إخفاءه.
“حسنًا، سأدعوكَ شاين. إذن، ما سببُ زيارتكَ لي؟”
أجاب بصوتٍ مُرتجف، مليءٍ بالمشاعر الصادقة.
“لقد سألتُ الطبيب الذي عالج جدي عن اسمكِ، فتمكنتُ مِن العثور عليكِ. أخبرني إنَّ جدي كان سيُفارق الحياة لولا مجيئه إلى المستشفى. أشكركِ جزيلًا على إنقاذه.”
مدّ يدهُ ليقدّم لها كيسًا صغيرًا، وعلى وجههِ علاماتُ التوتر.
“أعلمُ أنَّ المبلغ ليس كبيرًا، لكن أرجو منكِ قبوله.”
كان الرجُل مِن الكودران.
رغم ملامحهِ الجميلة، كانت ملابسُه متواضعة للغاية.
وبالنظر إلى حالة جده، لَمْ يكُن وضعه المالي جيدًا أيضًا.
‘مِن المؤكد أنَّ حالتهُ المادية ليست جيدة…’
ومع ذَلك، فقد جاء إلى هُنا خصيصًا ليُقدّم لها المال، تعبيرًا عن امتنانهِ العميق.
لَمْ تستطع رفض مشاعرهِ الصادقة.
تلقّت أرتيا الكيس بحذر.
وعندما فتحتهُ، وجدت بداخلهِ مجموعةٌ مِن العملات التي يستخدمها عامة الشعب، بدلًا مِن العملات الذهبية التي يتعامل بها النبلاء.
كانت العملات مصنوعةً بشكلٍ بسيط، ومليئةً بالخدوش والبقع.
نظر إليّها شاين بتوترٍ، ثم قال على عجل.
“أنا آسف. كان يجبُ أنْ أضع مالًا نظيفًا في الكيس، لكنني لَمْ أستطع.”
لَمْ يكُن مِن الصعب على أرتيا أنْ تتخيل ما حدث.
بِمُجرد أنْ دخل إلى مكتب الصرافة، طُرد مِن هُناك لمُجرد كونهِ مِن الكودران.
إذا كان حتى الأطباء، الذين مِن المُفترض أنْ يعالجوا المرضى، يتصرفون بهَذهِ الطريقة، فلا شك أنَّ الأماكن الأخرى أسوأ.
لكنها ردّت عليهِ بلامُبالاة، وكأنَّ الأمر لا يستحق التفكير فيه.
“سواء كان لامعًا أم مُتسخًا، المال هو المال في النهاية.”
“!…..”
“لكن هَذا كثيرٌ جدًا.”
أخرجت أرتيا بعض العملات مِن الكيس، ثم أعادتهُ إليّه.
“سآخذ فقط المبلغ الذي دفعتُه للطبيب. هَكذا سأكون مرتاحةً أكثر.”
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة