البحث عن زوج للدوقة - 134
الفصل 134 : كسر البيضة والخروج منها ¹⁷
قال وهو لا يخفي ملامح الفرح:
“سأجعلكِ لا تفشلين.”
ضحكت أرتيا بخفة.
“كيف ذَلك؟ هل ستُهَدِّدُ جميع سكان الإمبراطورية وتجبرُهم على مشاهدة العرض؟”
كانت مُجرد مزحةٍ، لكن كيليان أومأ برأسهِ فورًا.
“إنْ كنتِ تُريدين ذَلك.”
“……؟!”
اتسعت عينا أرتيا حتى كادت تخرُج مِن محجريها، فتابع كيليان حديثه.
“لكن بهَذهِ الطريقة، لَن يُعترف بنجاح مشروعكِ. وأنتِ نفسكِ لَن تقتنعي بذَلك.”
كان كيليان يعرفُ أرتيا أكثر مِن أيِّ شخصٍ آخر.
كانت تبدو للوهلة الأولى فتاةً ضعيفة ووديعة، لكنها لا ترتاحُ إلا إذا حققت ما تُريده بيديها.
والأمر الجيد الوحيد، هو أنها باتت تسمحُ له بمساعدتها على الأقل.
“إنْ كان هُناك ما يُمكنني فعله، فأخبريني.”
لَمْ تكُن كلمات كيليان مُجرد حديثٍ عابر.
فـ أيُّ شيء في قاموسه تعني “أيِّ شيءٍ في العالم بأسره.”
كان ذَلك أكبر مِن مُجرد لُطف صديق.
في اللحظة التي نظرت فيها أرتيا إلى كيليان بمشاعرٍ مُعقدة…
بانفجارٍ مُفاجئ، فُتِحَ الباب ودخل رام.
يبدو أنَّ ميخائيل وساندرا حاولا إيقافهُ بالإمساك بذراعيهِ، لكنهُما فشلا.
صرخ بعينين جاحظتين ووجهٍ شاحب كأنهُ خرج مِن القبر
“جلالتُك! أرجوكَ مثل دور شاين!”
لَمْ يكُن كيليان واسع الصدر إلى درجة الشعور بالشفقة على المجانين.
لكن بما أنْ رام هو المُخرج العبقري الذي تحدثت عنهُ أرتيا، قرر الاستماع إلى ما يقوله بدلًا مِن قتله.
صرخ ران بصوتٍ مبحوحٍ يائس.
“وجهٌ جميل يخطفُ الأنظار حتى دوّن أنْ ينطق بكلمة! لا يوجد في هَذهِ الإمبراطورية مَن هو أكثر ملاءمةً لدور شاين مِن جلالتكَ!”
أدار كيليان بصرهُ عن رام وسأل أرتيا.
“أهو محق؟”
“……يختلفُ عنكَ كثيرًا، لكن شاين هو أجمل رجلٍ في المسرحية.”
قالت ذَلك وهي تشعرُ بالدهشة.
كيف يُمكن لشخصٍ أنْ يبدو هَكذا؟
رغم أنها تراهُ كثيرًا، إلا أنَّ ملامحهُ لا تزال أحيانًا تُوقِف أنفاسها.
أغمض كيليان عينيهِ وأعاد فتحهما ببطء.
“هل تُريدينني أنْ أؤدي الدور؟”
نعم!!!!
كاد رام يُجيب بحماس، لكن ميخائيل سارع إلى إغلاق فمه.
أما أرتيا، فكانت شديدة الذهول، فًلَمْ ترد إلا بعد لحظة تأخير.
“هل تمزح؟”
“لا.”
نعم، لَمْ يكُن مِن النوع الذي يمزح.
كان يرمي بكلماتٍ يتمنى الآخرون لو أنها مُجرد مزحة.
تلعثمت أرتيا وهي تقول.
“لكن جلالتُكَ لَمْ تُمثل مِن قبل!”
“بل فعلت.”
“متى؟”
“دائمًا.”
لطالما اضطر الأمير إلى إخفاء مشاعرهِ وارتداء الأقنعة، لذا كان بارعًا في التمثيل.
وحينما تدعو الحاجة، يُمكنه فعل ذَلك في أيِّ وقت.
لكن أرتيا لَمْ تستطع الموافقة على الأمر بسهولة.
“لو مثَّل جلالتُك، فسيضجُ العالم بأسره!”
“ألستِ مَن أراد ذَلك؟”
“أريدُ أنْ يُعترف بالعمل، لا أنْ أستغل شهرة جلالتكَ!”
قالت بصوتٍ أعلى قليلًا، ثم أكملت حديثها.
“وفوق ذَلك، لا أريدُ أنْ تُمس كرامتكَ.”
رأت أرتيا أنْ التمثيل أمرٌ رائع، لكن الناس لَمْ يكونوا يرونه كذَلك.
ففي نظرهم، لَمْ يكُن التمثيل سوى مهنةٍ وضِيعة تخُص عامة الشعب.
وفي ظل هَذا التفكير، فإنَّ صعود الأمير المرشح الأقوى للعرش إلى المسرح، سيجرِ عليه انتقاداتٍ لاذعة لا محالة.
“لا يهُمني. لو كنتُ أهتم بسمعتي، لما أُطلِقَ عليَّ لقب الأمير المجنون…”
لَمْ يتمكن كيليان مِن إكمال كلامه.
كانت أرتيا تعضّ شفتها وتنظرُ إليّهِ بحدّة.
نظرةٌ تنطق بكراهيةٍ صادقة.
يا لها مِن ظريفة.
حدق كيليان في أرتيا.
“لَن أفعل، لذا ابعدي هَذا الوجه المُخيف. أشعرُ بالقشعريرة لدرجة أنني أوشكتُ على البكاء.”
“……لقد اتخذتَ القرار الصحيح.”
تنهدت أرتيا بارتياح، وما إنْ اختفت ملامحُها المخيفة، حتى شعر كيليان ببعض الخيبة.
كان يجبُ أنْ يُصرَّ أكثر.
بعد مُغادرة كيليان، تحرر رام أخيرًا مِن قبضة ميخائيل وانفجر بالبكاء.
“سيدة أرتيا، اذهبي إلى جلالتهِ الآن واطلبي منهُ أداء دور شاين، أرجوكِ!”
عاد ميخائيل للإمساك برام، وهو يعبُس.
“توقف عن هَذا. كيف يُمكن لأمير البلاد أنْ يُمثل؟”
صرخ رام بأعلى صوته.
“ولِمَ لا؟! ليس أمرًا غيرَ قانوني! منذُ البداية، كُل شيء في عرضنا يُنفَّذ لأول مرة! أنْ يستثمر النبلاء أموالهم في مسرحية، وأنْ يكون النص مُقتبسًا مِن روايةٍ تقرؤها النساء، إذن، ألا يُمكن لجلالتهِ أيضًا أنْ يعتلي المسرح؟!”
حتى ساندرا، التي كانت تتابعُ بصمت، أومأت برأسها موافقة.
“أنا أيضًا أوافق. لو صعد جلالتُه إلى المسرح، سيكون الأمر مُذهلاً! رُبما ستقع جميع نساء الإمبراطورية في حُبه!”
في تلكَ اللحظة، ارتجف كتفا أرتيا قليلاً، لكن ساندرا، التي لَمْ تلحظ ذَلك، واصلت حديثها.
“آه، لكن هَذا سيضع البطل في مأزق، أليس كذَلك؟ لا تقلق، أنا سأظلُّ وفيةَ لدوق الشمال.”
عبُس ميخائيل باشمئزاز.
“لا حاجة لذَلك.”
“أوه، حقًا؟ إذن لَن أكون وفيةً لكَ، وسأتوجهُ إلى جلالتهِ~”
“ومَن قال بإنهُ سيقبلُكِ؟”
“أتظُن أنهُ سيرفضني؟”
ضاقت عينا ساندرا واتخذت ابتسامتها مُنحنىً خبيثًا، مِما أضفى عليها جاذبيةً متحدية لا تُرى عادةً لدى سيدات النبلاء المُتحفظات.
نقر ميخائيل لسانه وأدار رأسهُ بعيدًا، لكن نظرات أرتيا أصبحت باردة.
قبضت أرتيا يدها بإحكام.
‘لَن أسمح أبدًا لجلالتهِ باعتلاء المسرح.’
ستجد شخصًا مُناسبًا لدور شاين مهما كلفها الأمر.
***
راودت أرتيا فكرة.
“ماذا لو بحثتُ عن شخصٍ مُناسب لدور شاين في مجالٍ آخر غير التمثيل؟”
راقص، مغنٍّ، أو حتى ذَلك الفتى المُستهتر الذي سلب عقول النساء مؤخرًا…
بحثت أرتيا عن الرجال الوسيمين كأنها مُنقِّبٌ يُطارد منجم ذهب.
لكن رغم وسامتهم، لَمْ يكُن أيٌّ منهم يناسب صورة شاين في ذهنها.
“أيتُها الحسناء الأروع مِن الزهور، هل تمنحيني بعض وقتكِ الأثمن مٍن الذهب؟”
غمز لها الفتى المُستهتر بإحدى عينيه، لكن أرتيا ردت بكُل تهذيب.
“لا.”
استدارت على الفور وهي تُتمتم.
“يبدو أنَّ عليّ الذهاب إلى هُناك.”
***
بعد قليل، وصلت أرتيا إلى حيٍ فقير على أطراف العاصمة.
كان هَذا المكان مُختلفًا عن سائر الأحياء الفقيرة، إذ لَمْ يكُن سكانه مِن أبناء الإمبراطورية، بل كانوا مِن الكودرانيين، وهم قومٌ سُبُوا خلال حربٍ نشبت قبل مئة عام.
جميع مِن تراهم في الشوارع البائسة كانوا ذوي بشرةٍ داكنة.
تألقت عينا أرتيا الوردية تحت غطاء رأسها.
“تمامًا كما تخيلتُ لون بشرة شاين.”
لَمْ يُذكر ذَلك صراحةً في الرواية، لكن شاين كان يحمل سمات الكودرانيين.
حتى داليا أكدت صحة هَذا الافتراض حين سألتها أرتيا عن الأمر عند اختيار الممثلين.
لكنها لَمْ تزر هَذا المكان مِن قبل بسبب عزلة الكودرانيين.
بعد انهيار وطنهم، لَمْ يكُن أمامهم خيارٌ سوى البقاء في الإمبراطورية، حيث قضوا سنين طويلة كعبيد.
ورغم مرور أكثر مِن عشرين عامًا على إلغاء العبودية، إلا أنهم ظلوا مُضطهدين، ما دفعهم إلى الانعزال عن باقي السكان.
انقبض قلب أرتيا تحت غطاء رأسها.
‘حتى إنْ وجدتُ شخصًا مثاليًّا للدور، فَلَن يوافق بسهولةٍ على التمثيل. هل سأتمكن مِن إقناعه…؟’
وفجأةً، اتسعت عيناها.
إذ هوى شيخٌ كان يسير هُناك على الأرض بغتةً.
أسرعت أرتيا إليّهِ بقلق.
“هل أنتَ بخير؟!”
لكنهُ كان في حالةٍ يُرثى لها، يلّهث وهو غير قادرٍ على التقاط أنفاسه.
“يجبُ أنْ نأخذهُ إلى طبيب، بيبي!”
“حاضر.”
أومأت بيبي برأسها وحملت الشيخ بين ذراعيها.
أمسكت أرتيا بأقرب شخصٍ وسألته.
“أين أقربُ عيادةٍ طبية؟”
لكن ما إنْ رأى وجهها المُختبئ تحت غطاء الرأس، حتى تمتم بكلماتٍ غير مفهومة، ثم أبعد يدها عنه وهرب.
وكذَلك فعل الشخص التالي.
“هل يفعلون هَذا لأنني مِن الإمبراطورية؟”
أُخذت أرتيا على حين غرة مِن ردة الفعل العنيفة تلكَ.
عندها، قالت بيبي، التي كانت لا تزال تحمل الشيخ:
“هل أمسك بأيِّ شخصٍ وأجبرهُ على إرشادنا؟”
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة