البحث عن زوج للدوقة - 131
الفصل 131 : كسر البيضة والخروج منها ¹⁴
“……!”
“أنا فقط أقول هَذا لاحتمال أنْ تظنّي الأمر كذَلك، لكنني لَمْ أوافق لأن أرتيا معجبةٌ بي أو لأنها صديقتي. لقد اتخذتُ هَذا القرار لأنني أريدُ أنْ أُري العالم الذي صنعتُه لعددٍ أكبر مِن الناس.”
حتى في الماضي، عندما كنتُ مترددةً آلاف المرات بشأن نشر كتابي رغم انتهائي مِن كتابته، كنتُ أستمد الشجاعة مِن هَذا الشعور وحده.
وكأنها تُدرك ذَلك، أجابت أرتيا بثقة.
“اتركي الأمر لي. سأجسّدُ عالمكِ ببراعة.”
ناولتها داليا العقد الموقّع.
“أرتيا.”
كانت هَذهِ أول مرةٍ تناديها باسمها في هَذا اللقاء.
اتسعت عينا أرتيا بدهشة.
“سأقبل بمبلغ العقد والأرباح التي عرضتِها بالكامل. كما قلتِ، هَذهِ صفقةٌ تجارية بين المال والمال. لكن إنْ لَمْ تحقق المسرحية النجاح…”
بحسب بنود العقد، لَن تتكبد داليا أيِّ خسائر على الإطلاق.
رُبما قد تتأثر سمعتُها ككاتبة أو تقلّ قيمة أعمالها، لكنها لَن تواجه أيِّ ضررٍ كبير. أما بالنسبة لأرتيا، فالوضع مُختلف تمامًا.
لَن تخسر فقط المبلغ الذي استثمرته، بل ستتعرض أيضًا لسيل مِن الانتقادات والسخرية لا يُمكن تصوره.
لَمْ تكُن لدى داليا القدرة على مساعدتها في تجاوز ذَلك، ولكن…
“سأعطيكِ ضعف المبلغ الذي استلمتُه مِن هَذا العقد.”
“ماذا؟”
اتسعت عينا أرتيا أكثر، غير مُستوعبةٍ ما قيل لها.
“هَذا ليس صفقة عمل، بل كهديةٌ مِن صديقة. أشعر أنْ هَذا هو الشيء الوحيد الذي يُمكنني فعله مِن أجلكِ إذا واجهتِ صعوبة….”
“…….”
“لذا، أريدُكِ أنْ تعديني الآن. إنْ حدث ذَلك، ستأخذين المال الذي أعطيكِ إياه دوّن أيِّ اعتراض.”
اتسعت عينا أرتيا أكثر مِن الصدمة.
كانت تنوي أنْ تبقى صارمة وغير عاطفية أثناء توقيع العقد، كما تعلمت مِن الكونت غولدجرس، ولكن…
“أوه، الكاتبة ريدليب تُحرك قلبي دائمًا.”
احتضنت أرتيا العقد بين يديها، وأومأت برأسها مرتين بعينين مُحمرتين كالأرنب.
***
بعد إتمام اتفاقية العمل، كانت الخطوة التالية هي العثور على مُخرجٍ مناسب لإنتاج المسرحية.
اختارت أرتيا أول شخصٍ في قائمة أولوياتها.
رام.
أفضل مخرجٍ في الإمبراطورية.
عضو في الفرقة الفنية الملكية، وصانع العروض التي تُعرض في المسرح الوطني الذي تُديره الدولة.
لكن، وعلى الرغم مِن شهرته، كان رام شخصًا يفتقدُ إلى أيِّ حيوية، وكان يبدو ضعيفًا لدرجة أنهُ قد ينهار في أيِّ لحظة.
قال بصوت خافتٍ وهزيل، بالكاد مسموع.
“ما سببُ زيارتكِ لي…؟”
حتى أنْ أرتيا نفسها شعرت وكأنْ طاقتها تنفذ بسبب صوتهِ الضعيف.
لا، لا يُمكنني السماح لهَذا بالتأثير عليّ!
استجمعت أرتيا قواها وتذكّرت المعلومات التي جمعتها عنه:
[“رامبرادو فون بيرتو، مِن عائلةٍ نبيلةٍ سابقة سقطت مِن مكانتها.
سافر وحده إلى ريجو في الخامسة عشرة مِن عمره، وتعلم فن المسرح مِن الصفر حتى أصبح مخرجًا.
أنتج عروضًا مُبتكرة مُتتالية، ما جعلهُ يُعرف بعبقري شاب.
لكنهُ عاد إلى الإمبراطورية في الثالثة والعشرين بسبب تدهور صحة والدته.
ومنذُ ذَلك الحين، انضم إلى الفرقة الفنية الملكية لتغطية تكاليف علاج والدته، وأصبح أصغر مُخرج في الفرقة، مُعترفًا بهِ بين العائلة المالكة والنبلاء بفضل إنتاجه لعروض عالية الجودة.
لكن، كلما شرب مع زملائه، كان يتذمّر قائلًا: “لقد سئمتُ مِن المسرحيات التي تمجّد الإمبراطور. أريدُ أنْ أصنع عرضًا يشعل جنون الجماهير مُجددًا!”
إلا أنهُ لَمْ يستطع مُغادرة الإمبراطورية بسبب والدته المريضة، ولَمْ يكُن هُناك أيِّ مسرحٍ آخر يُمكنه دفع راتبٍ يًعادل ما يحصل عليهِ مِن الفرقة الملكية، لذا اضطر للبقاء، مُنتظرًا بفارغ الصبر الفرصة التي ستُغيّر واقعه البائس.”]
حسنًا، سأقدم لكَ هَذهِ الفرصة، رامبرادو فون بيرتو!
قدّمت أرتيا الأوراق بثقة.
تنهد رام بإرهاق، لكنهُ بدأ بقراءة المُستندات وكأنه لا يملك طاقةً لرفضها.
وبعد لحظات، وكأنَّ قطرة ماءٍ سقطت على غصنٍ يابس، عاد الدم إلى وجههِ الشاحب، وتألق بريقٌ في عينيه الذابلتين، وكأنَّ عجوزًا على وشك الموت استعاد شبابهُ فجأة.
“أتقصدين أنكِ تُريدين إنتاج مسرحيةٍ لا تتمحور حول عظمة الإمبراطور الأول، أو نقاء دماء العائلة المالكة، بل حول قصة حُب عاطفية لدوق الشمال؟!”
“نعم، أريدُ أنْ أصنع عرضًا ساحرًا لدرجة أنْ النبلاء أنفسهم سيُشاهدونه بفمٍ مفتوح مُندهشين. ولا يوجد في هَذهِ الإمبراطورية مَن يستطيعُ تحقيق ذَلك سواك، سيد رام.”
مدّت أرتيا يدها بابتسامةٍ ساحرة.
“هل ستنضمُ إليّ؟”
ولَمْ تنسَ أنْ تُضيف عبارةً لا ينبغي أنْ ينساها.
“وسأدفع لكَ راتبًا أعلى بنسبة 30٪ مِما تتقاضاه حاليًا في الفرقة الفنية الملكية.”
“أنا موافق!!!”
صرخ رام بحماسٍ شديد لدرجة أنْ أرتيا اضطرت لتغطية أذنيها.
وكأنه كان ينتظر هَذهِ اللحظة طوال حياته.
وفي ذَلك اليوم، قدّم استقالته مِن الفرقة الفنية الملكية على الفور.
* * *
أثناء انشغال رام بتحويل الرواية إلى نصٍ مسرحي، كانت أرتيا تقوم بمهامها كرئيسةٍ لشركة الإنتاج.
قامت بشراء مبنى باستخدام الأموال التي جمعتها مِن تصفية شركات دوقية إيدينبرغ.
عند وقوفها أمام المبنى ذي الأجواء الكئيبة، عقدت إيفانجلين حاجبيها بقلق.
“كيف تجرّأتِ على شراء شيءٍ موحشٍ كهَذا؟”
“لكنهُ رخيص، أليس كذَلك؟ إنهُ لا يساوي حتى نصف سعر المباني المجاورة.”
كان انخفاض السعر يرجع إلى القصة المُخيفة المرتبطة به.
قبل مئة عام، لَمْ يتمكن الكونت مونتيكرو، الذي كان يعيش في هَذا القصر، مِن تحمل الحزن على فقدان زوجتهِ التي يُحبها، فانتحر.
ومنذُ ذَلك الحين، انتشرت شائعات عن ظهور شبح الكونت مونتيكرو وهو يبكي وينادي اسم زوجته، واستمرت هَذهِ الحكاية حتى يومنا هَذا.
وعلى عكس إيفانجلين القلقة، ضحكت أرتيا.
“هَذهِ القصة، إذا ركزتِ على جانبها العاطفي بدلًا مِن الأشباح، ألا تجدينها رومانسية؟”
“ماذا؟”
نظرت إليّها إيفانجلين بعبوس، فأوضحت أرتيا.
“وبغض النظر عن الشائعات، فإنَّ المبنى متين وجميل جدًا. إنهُ يبدو موحشًا فقط لأنه لَمْ تتم صيانتُه لفترةٍ طويلة.”
“لكن تحويل مكانٍ كهَذا إلى مسرح يبدو مُثيرًا للقلق. ماذا لو اعتبرهُ الناس مشؤومًا ورفضوا الاقتراب منه؟”
“لَن يحدُث ذَلك. السبب الحقيقي لعدم قدوم الناس إلى هُنا ليس خوفهم، بل لأنه لَمْ يكُن هُناك سببٌ يدفعهم للمجيء.”
لكن ماذا لو تحوّل هَذا القصر القديم، الذي لطالما أحاطتهُ القصص المُخيفة، إلى مسرحٍ فاخر؟
“الجميع سيرغبُ في زيارته. وسيشاهدون هُنا عروضًا غيرَ مسبوقة.”
سيُصبح هَذا المكان معلمًا بارزًا في العاصمة.
اقتربت أرتيا مِن إيفانجلين وهمست في أذنها.
“وسأخبركِ بهَذا سرًّا، لقد كان هَذا أيضًا احتياطًا في حال لَمْ تُحقق المسرحية نجاحًا. حتى لو فشل العرض تمامًا، سيظلّ المبنى موجودًا. وبما أنني اشتريتُه بثمنٍ زهيد، فإنَّ بيعهُ لاحقًا سيكون مربحًا حتى بعد احتساب تكاليف التجديد.”
عندها فقط اختفت ملامحُ القلق عن وجه إيفانجلين.
“إنهُ تخطيطٌ تجاري ذكي بالفعل.”
***
كانت توقعات أرتيا في محلها.
انتشر خبر شرائها لقصر مونتيكرو المهجور منذُ زمنٍ طويل، ما أثار ضجةً كبيرة في المُجتمع الأرستقراطي.
“لماذا قد تشتري ذَلك المبنى المشؤوم؟”
“سمعتُ مِن أحد معارفي أنها تُخطط لتحويله إلى مسرح.”
“مسرح؟”
“نعم، كما تعلمين، دوقية إيدينبرغ قامت مؤخرًا بتصفية العديد مِن شركاتها في إطار عملية إعادة الهيكلة، ويقال إنْ الدوقة قررت استثمار الأموال في مجال العروض المسرحية.”
أُصيب النبلاء بصدمةٍ كبيرة.
“امرأةٌ تقوم بإدارة عملٍ تجاري؟! وليس في مجال الأزياء أو المجوهرات، بل في المسرح؟!”
كان مِن المُمكن تفهّم إدارة امرأة لشركةٍ في المجالات التقليدية. لَمْ يكُن ذَلك شائعًا، لكنهُ لَمْ يكُن غير مسبوق.
أما أنْ تُدير امرأةٌ عملًا في مجال العروض المسرحية، فهَذا أمرٌ غير مألوف تمامًا.
“إدارة عروضٍ مسرحية؟! لماذا قد تفعل سيدةٌ نبيلة شيئًا كهَذا؟!”
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة